المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في ذكر أول من أسلم، ثم ذكر متقدمي الإسلام من الصحابة وغيرهم - البداية والنهاية - ط السعادة - جـ ٣

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثالث]

- ‌[إسلام قبل الهجرة]

- ‌باب كيفية بدء الوحي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَذِكْرُ أَوَّلِ شَيْءٍ أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ

- ‌ذكر عمره عليه الصلاة والسلام وقت بعثته وَتَارِيخِهَا

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ إِتْيَانِ الوحي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌‌‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَوَّلِ مَنْ أَسْلَمَ، ثم ذكر متقدمي الإسلام من الصحابة وغيرهم

- ‌ذِكْرُ إِسْلَامِ حمزة بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رضى الله عنه

- ‌ذِكْرُ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه

- ‌ذِكْرُ إِسْلَامِ ضِمَادٍ

- ‌باب أمر الله رسوله عليه الصلاة والسلام بإبلاغ الرسالة

- ‌قِصَّةُ الْإِرَاشِيِّ [1]

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌‌‌فَصْلٌفِي مُبَالَغَتِهِمْ فِي الْأَذِيَّةِ لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسْتَضْعَفِينَ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل

- ‌بَابُ مُجَادَلَةِ الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وإقامة الحجة الدامغة عليهم وَاعْتِرَافِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ بِالْحَقِّ وَإِنْ أَظْهَرُوا الْمُخَالِفَةَ عِنَادًا وَحَسَدًا وَبَغْيًا وَجُحُودًا

- ‌بَابُ هِجْرَةِ مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مِنْ مَكَّةَ إلى أرض الحبشة، فِرَارًا بِدِينِهِمْ مِنَ الْفِتْنَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ذِكْرُ عَزْمِ الصِّدِّيقِ عَلَى الهجرة إلى أرض الحبشة

- ‌فَصْلٌ

- ‌ذِكْرُ نَقْضِ الصَّحِيفَةِ

- ‌فصل

- ‌قِصَّةُ أَعْشَى بْنِ قَيْسِ

- ‌قِصَّةُ مُصَارَعَةِ رُكَانَةَ وَكَيْفَ أَرَاهُ الشَّجَرَةَ الَّتِي دَعَاهَا فَأَقْبَلَتْ صلى الله عليه وسلم

- ‌فَصْلٌ

- ‌‌‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل انْشِقَاقِ الْقَمَرِ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌فَصْلٌ فِي وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ عَمِّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في موت خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ

- ‌فصل في تزويجه عليه السلام بَعْدَ خَدِيجَةَ رضي الله عنها بِعَائِشَةَ بِنْتِ الصِّدِّيقِ وَسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ رضي الله عنهما

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل قدوم وفد الأنصار عام بَعْدَ عَامٍ حَتَّى بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْعَةً بَعْدَ بَيْعَةٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ فَنَزَلَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ

- ‌حَدِيثُ سُوِيدِ بْنِ صَامِتٍ الأنصاري

- ‌إِسْلَامُ إِيَاسِ بْنِ مُعَاذٍ

- ‌بَابُ بَدْءِ إِسْلَامِ الْأَنْصَارِ رضي الله عنهم

- ‌قِصَّةُ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ يَتَضَمَّنُ أَسْمَاءَ مَنْ شَهِدَ بَيْعَةَ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ وَجُمْلَتُهُمْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا وَامْرَأَتَانِ

- ‌[باب الهجرة]

- ‌بَابُ بَدْءِ الْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ

- ‌فَصَلٌ فِي سَبَبِ هِجْرَةِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ

- ‌بَابُ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه

- ‌فَصْلٌ فِي دُخُولِهِ عليه السلام الْمَدِينَةَ وَأَيْنَ اسْتَقَرَّ منزله بها وما يتعلق به

- ‌فَصْلٌ

- ‌وقائع السنة الاولى من الهجرة

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ فِي إِسْلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ رضي الله عنه

- ‌فصل

- ‌ذِكْرُ خُطْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ

- ‌فصل في بناء مسجده الشريف في مدة مقامه عليه السلام بِدَارِ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه

- ‌تَنْبِيهٌ عَلَى فَضْلِ هَذَا الْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ وَالْمَحَلِّ الْمُنِيفِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا أصاب المهاجرين من حمى المدينة رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ وَقَدْ سَلِمَ الرَّسُولُ منها بحول الله وقوته ودعا ربه فأزاحها الله عن مدينته

- ‌فَصْلٌ فِي عَقْدِهِ عليه السلام الألفة بين المهاجرين والأنصار بِالْكِتَابِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ فَكُتِبَ بَيْنَهُمْ وَالْمُؤَاخَاةِ الَّتِي أَمَرَهُمْ بِهَا وَقَرَّرَهُمْ عَلَيْهَا وَمُوَادَعَتِهِ الْيَهُودَ الَّذِينَ كَانُوا بِالْمَدِينَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي مُؤَاخَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار ليرتفق المهاجري بالأنصاري

- ‌فَصْلٌ فِي مَوْتِ أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنُ زُرَارَةَ بْنِ عُدَسِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ أَحَدِ النُّقَبَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةَ عَلَى قَوْمِهِ بَنِي النَّجَّارِ، وَقَدْ شَهِدَ الْعَقَبَاتِ الثَّلَاثَ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ فِي قَوْلٍ وَكَانَ شَابًّا

- ‌فَصْلٌ فِي مِيلَادِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ الْهِجْرَةِ

- ‌فَصْلٌ وَبَنَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَائِشَةَ فِي شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل في الأذان ومشروعيته عِنْدَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةَ النَّبَوِيَّةَ

- ‌‌‌فَصْلٌفِي سَرِيَّةِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي سَرِيَّةِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ذِكْرُ مَا وَقَعَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الهجرة

- ‌كِتَابُ الْمَغَازِي

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ذِكْرُ أَوَّلِ الْمَغَازِي وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ وَيُقَالُ لَهَا غَزْوَةُ وَدَّانَ وَأَوَّلُ الْبُعُوثِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌غزوة بواط مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى

- ‌غزوة العشيرة

- ‌غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى

- ‌بَابُ سرية عبد الله بن جحش

- ‌فَصْلٌ فِي تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ فِي سَنَةِ ثنتين من الهجرة قبل وقعة بدر

- ‌فَصْلٌ فِي فريضة شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ

- ‌غزوة بدر العظمى يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ

- ‌مَقْتَلُ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ بْنِ هِشَامٍ

- ‌فَصْلٌ فِي مَقْتَلِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ

- ‌مَقْتَلُ أَبِي جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ

- ‌رَدُّهُ عليه السلام عَيْنَ قَتَادَةَ

- ‌فَصْلٌ قِصَّةٌ أُخْرَى شَبِيهَةٌ بِهَا

- ‌ذِكْرُ طَرْحِ رُءُوسِ الكفر في بئر يوم بَدْرٍ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌مَقْتَلُ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَعَقَبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ لَعَنَهُمَا اللَّهُ

- ‌ذِكْرُ فرح النجاشي بوقعة بدر رضي الله عنه

- ‌فَصْلٌ فِي وُصُولِ خَبَرِ مُصَابِ أَهْلِ بَدْرٍ إِلَى أَهَالِيهِمْ بِمَكَّةَ

- ‌فَصْلٌ فِي بَعْثِ قُرَيْشٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ

- ‌‌‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌أسماء أهل بدر مرتبة على حروف المعجم

- ‌حَرْفُ الْأَلِفِ

- ‌حَرْفُ الْبَاءِ

- ‌حَرْفُ التَّاءِ

- ‌حَرْفُ الثَّاءِ

- ‌حَرْفُ الْجِيمِ

- ‌حَرْفُ الْحَاءِ

- ‌حَرْفُ الخاء

- ‌حَرْفُ الذَّالِ

- ‌حَرْفُ الرَّاءِ

- ‌حَرْفُ الزَّايِ

- ‌حَرْفُ السِّينِ

- ‌حَرْفُ الشِّينِ

- ‌حَرْفُ الصَّادِ

- ‌حَرْفُ الضَّادِ

- ‌حَرْفُ الطَّاءِ

- ‌حَرْفُ الظَّاءِ

- ‌حَرْفُ الْعَيْنِ

- ‌حَرْفُ الْغَيْنِ

- ‌حَرْفُ الْفَاءِ

- ‌حَرْفُ الْقَافِ

- ‌حَرْفُ الْكَافِ

- ‌حَرْفُ الْمِيمِ

- ‌حَرْفُ النُّونِ

- ‌حَرْفُ الْهَاءِ

- ‌حَرْفُ الْوَاوِ

- ‌حَرْفُ الْيَاءِ

- ‌بَابُ الْكُنَى

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي فَضْلِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ

- ‌فصل في قدوم زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُهَاجِرَةً مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ بِشَهْرٍ بِمُقْتَضَى مَا كَانَ شَرَطَ زَوْجُهَا أَبُو الْعَاصِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا تَقَدَّمَ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا قِيلَ مِنَ الْأَشْعَارِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ الْعُظْمَى

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل في غزوة بنى سليم في سَنَةَ ثِنْتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ

- ‌فصل غزوة السويق فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْهَا وَهِيَ غَزْوَةُ قَرْقَرَةِ الْكُدْرِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي ذكر جمل من الحوادث في سَنَةَ ثِنْتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ

الفصل: ‌فصل في ذكر أول من أسلم، ثم ذكر متقدمي الإسلام من الصحابة وغيرهم

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْعِبَادِ مِنَ النُّبُوَّةِ سِرًّا إِلَى مَنْ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ مَنْ أَهْلِهِ. وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ: كَانَتْ خَدِيجَةُ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ باللَّه وَصَدَّقَ رَسُولَهُ، قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ.

قُلْتُ: يَعْنِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ. فَأَمَّا أَصْلُ الصَّلَاةِ فَقَدْ وَجَبَ فِي حَيَاةِ خَدِيجَةَ رضي الله عنها كَمَا سَنُبَيِّنُهُ.

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَتْ خَدِيجَةُ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ باللَّه وَرَسُولِهِ، وَصَدَّقَ بِمَا جَاءَ بِهِ. ثُمَّ إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ افْتُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فَهَمَزَ لَهُ، بِعَقِبِهِ فِي نَاحِيَةِ الْوَادِي فَانْفَجَرَتْ لَهُ عَيْنٌ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، فَتَوَضَّأَ جِبْرِيلُ وَمُحَمَّدٌ عليهما السلام، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَسَجَدَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ، وَطَابَتْ نَفْسُهُ، وَجَاءَهُ مَا يُحِبُّ مِنَ الله، فأخذ يد خَدِيجَةَ حَتَّى أَتَى بِهَا إِلَى الْعَيْنِ، فَتَوَضَّأَ كَمَا تَوَضَّأَ جِبْرِيلُ، ثُمَّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، ثُمَّ كَانَ هُوَ وَخَدِيجَةُ يُصَلِّيَانِ سِرًّا.

قَلْتُ: صَلَاةُ جِبْرِيلَ هَذِهِ غَيْرُ الصَّلَاةِ الَّتِي صَلَّاهَا بِهِ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ، فَبَيَّنَ لَهُ أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، أَوَّلَهَا وَآخِرَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ فَرْضِيَّتِهَا لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.

‌فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَوَّلِ مَنْ أَسْلَمَ، ثم ذكر متقدمي الإسلام من الصحابة وغيرهم

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ إِنَّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ وَهُمَا يُصَلِّيَانِ. فَقَالَ عَلِيٌّ يَا مُحَمَّدُ مَا هَذَا؟ قَالَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي اصْطَفَى لِنَفْسِهِ، وَبَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ، فَأَدْعُوكَ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَإِلَى عِبَادَتِهِ. وَأَنْ تَكْفُرَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى. فَقَالَ عَلِيٌّ: هَذَا أَمْرٌ لَمْ أَسْمَعْ بِهِ قَبْلَ الْيَوْمِ، فَلَسْتُ بِقَاضٍ أَمْرًا حَتَّى أُحَدِّثَ بِهِ أَبَا طَالِبٍ. فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُفْشِيَ عَلَيْهِ سَرَّهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَعْلِنَ امره. فقال له: يا على إذ لَمْ تُسْلِمْ [1] فَاكْتُمْ. فَمَكَثَ عَلِيٌّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَوْقَعَ فِي قَلْبِ عَلِيٍّ الْإِسْلَامَ، فَأَصْبَحَ غَادِيًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى جَاءَهُ فَقَالَ مَاذَا عَرَضْتَ عَلَيَّ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شريك لَهُ وَتَكْفُرُ بِاللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَتَبْرَأُ مِنَ الْأَنْدَادِ» فَفَعَلَ عَلِيٌّ وَأَسْلَمَ، وَمَكَثَ يَأْتِيهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ أَبِي طَالِبٍ وَكَتَمَ عَلِيٌّ إِسْلَامَهُ وَلَمْ يُظْهِرْهُ، وَأَسْلَمَ ابْنُ حَارِثَةَ- يَعْنِي زَيْدًا- فَمَكَثَا قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ يَخْتَلِفُ عَلِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وكان

[1] في المصرية. إذ لم تسمع فأكتم

ص: 24

مِمَّا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الْإِسْلَامِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ. قَالَ: وَكَانَ مِمَّا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى عَلِيٍّ أَنَّ قُرَيْشًا أَصَابَتْهُمْ أَزْمَةٌ شَدِيدَةٌ، وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ ذَا عِيَالٍ كَثِيرَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ- وَكَانَ مِنْ أَيْسَرِ بَنِي هَاشِمٍ- «يَا عَبَّاسُ إِنَّ أَخَاكَ أَبَا طَالِبٍ كَثِيرُ الْعِيَالِ، وَقَدْ أَصَابَ النَّاسَ مَا تَرَى مِنْ هَذِهِ الْأَزْمَةِ، فَانْطَلِقْ حَتَّى نُخَفِّفَ عَنْهُ مِنْ عِيَالِهِ» فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَعَثَهُ اللَّهُ نَبِيًّا، فَاتَّبَعَهُ عَلِيٌّ وَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ. وَقَالَ يُونُسُ بن بكير عن محمد ابن إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي الْأَشْعَثِ الْكِنْدِيُّ- مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ- حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي إِيَاسِ بْنِ عُفَيِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عُفَيِّفٍ- وَكَانَ عُفَيِّفٌ أَخَا الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ لِأُمِّهِ- أَنَّهُ. قَالَ:

كُنْتُ امْرَأً تَاجِرًا فَقَدِمْتُ مِنًى أَيَّامَ الْحَجِّ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ امْرَأً تَاجِرًا، فَأَتَيْتُهُ أَبْتَاعُ مِنْهُ وَأَبِيعُهُ، قَالَ فَبَيْنَا نَحْنُ إِذْ خَرَجَ رَجُلٌ مَنْ خِبَاءٍ فَقَامَ يُصَلِّي تِجَاهَ الْكَعْبَةِ ثُمَّ خَرَجَتِ امْرَأَةٌ فَقَامَتْ تُصَلِّي، وَخَرَجَ غُلَامٌ فَقَامَ يُصَلِّي مَعَهُ. فَقُلْتُ: يَا عَبَّاسُ مَا هَذَا الدِّينُ؟ إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَا نَدْرِي مَا هُوَ فَقَالَ: هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ، وَأَنَّ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ سَتُفْتَحُ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ امْرَأَتُهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ آمَنَتْ بِهِ، وَهَذَا الْغُلَامُ ابْنُ عَمِّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ آمَنَ بِهِ. قَالَ عُفَيِّفٌ فَلَيْتَنِي كُنْتُ آمَنْتُ يَوْمَئِذٍ فَكُنْتُ أَكُونُ ثَانِيًا. وَتَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَقَالَ:

فِي الْحَدِيثِ: إِذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ خِبَاءٍ قَرِيبٍ مِنْهُ، فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَلَمَّا رَآهَا قَدْ مَالَتْ قَامَ يُصَلِّي. ثُمَّ ذَكَرَ قِيَامَ خَدِيجَةَ وَرَاءَهُ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ خثيم عن أسد ابن عبدة البجلي عن يحيى بن عُفَيِّفٍ. قَالَ: جِئْتُ زَمَنَ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَى مَكَّةَ، فَنَزَلْتُ عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَحَلَّقَتْ فِي السَّمَاءِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْكَعْبَةِ، أَقْبَلَ شَابٌّ فَرَمَى بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ فَقَامَ مُسْتَقْبِلَهَا فَلَمْ يَلْبَثْ حَتَّى جَاءَ غُلَامٌ فَقَامَ عَنْ يَمِينِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ فَقَامَتْ خَلْفَهُمَا، فَرَكَعَ الشَّابُّ فَرَكَعَ الْغُلَامُ وَالْمَرْأَةُ، فَرَفَعَ الشَّابُّ فَرَفَعَ الْغُلَامُ وَالْمَرْأَةُ فَخَرَّ الشَّابُّ سَاجِدًا فَسَجَدَا مَعَهُ، فَقُلْتُ يَا عَبَّاسُ أَمْرٌ عَظِيمٌ! فَقَالَ أَمْرٌ عَظِيمٌ. فَقَالَ أَتَدْرِي مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ لَا، فَقَالَ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنُ أَخِي، أَتَدْرِي مَنِ الغلام؟ قلت لا. قال هذا على ابن أبى طالب- رضى الله عنه- أَتَدْرِي مَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي خَلْفَهُمَا؟ قُلْتُ لَا، قَالَ هَذِهِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ زَوْجَةُ ابْنِ أَخِي. وَهَذَا حَدَّثَنِي أَنَّ رَبَّكَ رَبَّ السماء والأرض أَمَرَهُ بِهَذَا الَّذِي تَرَاهُمْ عَلَيْهِ، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَعْلَمُ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ كُلِّهَا أَحَدًا عَلَى هَذَا الدِّينِ غَيْرَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بن سوادة بن ابى الْجَعْدِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو حَازِمٍ وَالْكَلْبِيُّ. قَالُوا: عَلِيٌّ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ تِسْعِ سِنِينَ. وَحَدَّثَنَا

ص: 25

ابْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ. قَالَ: أَوَّلُ ذَكَرٍ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَلَّى مَعَهُ وَصَدَّقَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ وَكَانَ فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الْإِسْلَامِ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ أَخْبَرَنَا إبراهيم عن نَافِعٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ. قَالَ: أَسْلَمَ عَلِيٌّ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَأَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ عَلِيًّا أَسْلَمَ بَعْدَ مَا تَنَبَّأَ رَسُولُ اللَّهِ بِسَنَةٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَدِيجَةُ وَأَوَّلُ رَجُلَيْنِ أَسْلَمَا أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ، وَأَسْلَمَ عَلِيٌّ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ خَوْفًا مِنْ أَبِيهِ، حَتَّى لَقِيَهُ أَبُوهُ قَالَ أَسْلَمْتَ؟ قَالَ نَعَمْ! قَالَ وَآزِرِ ابْنَ عَمِّكَ وَانْصُرْهُ. قَالَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ. وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَارِيخِهِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بَلْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: أَوَّلُ مَنْ صلّى عليّ. وحدثنا عبد الحميد بن يحيى حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: بُعِثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَصَلَّى عَلِيٌّ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ. وَرَوَى مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ- رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ- سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ يَقُولُ: أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّخَعِيِّ فَأَنْكَرَهُ. وَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ. ثُمَّ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَأَخُو رَسُولِهِ وَأَنَا الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ، لَا يَقُولُهَا بَعْدِي إِلَّا كَاذِبٌ مُفْتَرٍ، صَلَّيْتُ قَبْلَ النَّاسِ بِسَبْعِ سِنِينَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الرَّازِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بن موسى الفهميّ- وَهُوَ شِيعِيٌّ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ- عَنِ الْعَلَاءِ بن صالح الأزدي الْكُوفِيِّ- وَثَّقُوهُ، وَلَكِنْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ مِنْ عُتُقِ الشِّيعَةِ- وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ رَوَى أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ وَالْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو ثِقَةٌ. وَأَمَّا شَيْخُهُ عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ- وَهُوَ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ. فَقَدْ قَالَ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ هُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ. وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُنْكَرٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَا يَقُولُهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه، وَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ النَّاسِ بِسَبْعِ سِنِينَ؟ هَذَا لَا يُتَصَوَّرُ أَصْلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ آخَرُونَ: أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا أَنَّ خَدِيجَةَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ النِّسَاءِ وظاهر السياقات- وقيل الرِّجَالِ أَيْضًا- وَأَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْمَوَالِي زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَأَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْغِلْمَانِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. فَإِنَّهُ كَانَ صَغِيرًا دُونَ الْبُلُوغِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهَؤُلَاءِ كَانُوا إِذْ ذَاكَ أَهْلَ الْبَيْتِ.

وَأَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَإِسْلَامُهُ كَانَ أَنْفَعَ مِنْ إِسْلَامِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ إِذْ كَانَ صَدْرًا مُعَظَّمًا، وَرَئِيسًا فِي قُرَيْشٍ مُكَرَّمًا، وَصَاحِبَ مَالٍ، وَدَاعِيَةً إِلَى الْإِسْلَامِ. وَكَانَ مُحَبَّبًا مُتَأَلِّفًا يَبْذُلُ الْمَالَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ. قَالَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَحَقٌّ مَا تَقُولُ قُرَيْشٌ يَا مُحَمَّدُ؟ من تركك آلهتنا، وتسفيهك

ص: 26

عقولنا، وتكفيرك آبائنا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«بلى إني رسول الله ونبيه، بعثني لا بلغ رسالته وأدعوك إلى الله بالحق فو الله إِنَّهُ لَلْحَقُّ، أَدْعُوكَ يَا أَبَا بَكْرٍ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا تَعْبُدْ غَيْرَهُ وَالْمُوَالَاةِ عَلَى طَاعَتِهِ» وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فَلَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُنْكِرْ. فَأَسْلَمَ وَكَفَرَ بِالْأَصْنَامِ، وَخَلَعَ الْأَنْدَادَ وَأَقَرَّ بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ مُؤْمِنٌ مُصَدِّقٌ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُصَيْنِ التَّمِيمِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا دَعَوْتُ أَحَدًا إِلَى الْإِسْلَامِ إِلَّا كَانَتْ عِنْدَهُ كَبْوَةٌ وَتَرَدُّدٌ وَنَظَرٌ، إِلَّا أَبَا بَكْرٍ مَا عَكَمَ عَنْهُ حِينَ ذَكَرْتُهُ، وَلَا تَرَدَّدَ فِيهِ» عَكَمَ- أَيْ تَلَبَّثَ- وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ في قوله فلم يقرو لم يُنْكِرْ، مُنْكَرٌ فَإِنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ وَغَيْرَهُ ذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الْبَعْثَةِ، وَكَانَ يَعْلَمُ مِنْ صِدْقِهِ وَأَمَانَتِهِ وَحُسْنِ سَجِيَّتِهِ وَكَرْمِ أَخْلَاقِهِ، مَا يَمْنَعُهُ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى الْخَلْقِ. فَكَيْفَ يَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ؟ وَلِهَذَا بِمُجَرَّدِ مَا ذَكَرَ لَهُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ بَادَرَ إِلَى تَصْدِيقِهِ وَلَمْ يَتَلَعْثَمْ، وَلَا عَكَمَ وَقَدْ ذَكَرْنَا كَيْفِيَّةَ إِسْلَامِهِ فِي كِتَابِنَا الَّذِي أَفْرَدْنَاهُ فِي سِيرَتِهِ وَأَوْرَدْنَا فَضَائِلَهُ وَشَمَائِلَهُ وَأَتْبَعْنَا ذَلِكَ بِسِيرَةِ الْفَارُوقِ أَيْضًا وَأَوْرَدْنَا مَا رَوَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَمَا رَوَى عَنْهُ مِنَ الْآثَارِ وَالْأَحْكَامِ وَالْفَتَاوَى، فَبَلَغَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مُجَلَّدَاتٍ وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي حَدِيثِ مَا كَانَ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما مِنَ الْخُصُومَةِ وَفِيهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ. وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي» مَرَّتَيْنِ. فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا، وَهَذَا كَالنَّصِّ عَلَى أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ رضي الله عنه وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ سَعِيدٍ الْجَرِيرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ.

قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه: أَلَسْتُ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَا، أَلَسْتُ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ، أَلَسْتُ صَاحِبَ كَذَا؟ وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ بُهْلُولِ بْنِ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ عَنِ الْحَارِثِ سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الرِّجَالِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَبُو بَكْرٍ الصَّدِّيقُ. رواه احمد والترمذي وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صحيح. وَقَدْ تَقَدَّمَ رِوَايَةُ ابْنِ جَرِيرٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ فَذَكَرْتُهُ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فَأَنْكَرَهُ وَقَالَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه. وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ بأسانيده عن أبى أروى الدوسيّ وأبى مسلم بن عبد الرحمن في جماعة مِنَ السَّلَفِ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ. وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ

ص: 27

عَنْ رَجُلٍ قَالَ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ حَسَّانَ:

إِذَا تَذَكَّرْتَ شَجْوًا مِنْ أَخِي ثِقَةٍ

فَاذْكُرْ أَخَاكَ أَبَا بَكْرٍ بِمَا فَعَلَا

خَيْرَ الْبَرِيَّةِ أَوْفَاهَا وَأَعْدَلَهَا

بَعْدَ النَّبِيِّ وَأَوْلَاهَا بِمَا حَمَلَا

وَالتَّالِيَ الثَّانِيَ الْمَحْمُودَ مَشْهَدُهُ

وَأَوَّلَ النَّاسِ مِنْهُمْ صَدَّقَ الرُّسُلَا

عَاشَ حَمِيدًا لِأَمْرِ اللَّهِ مُتَّبِعًا

بِأَمْرِ صَاحِبِهِ الْمَاضِي وَمَا انْتَقَلَا

وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا شَيْخٌ لَنَا عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ- أَوْ- سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ- أَيُّ النَّاسِ أَوَّلُ إِسْلَامًا؟ قَالَ: أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فَذَكَرَهُ وَهَكَذَا رَوَاهُ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَذَكَرَهُ. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ حَدَّثَنِي سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ قَالَ أَدْرَكْتُ مَشْيَخَتَنَا مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، وَعُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، لَا يَشُكُّونَ أَنَّ أَوَّلَ الْقَوْمِ إِسْلَامًا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه.

قُلْتُ: وَهَكَذَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَسَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُمَا قَالَا: لَمْ يَكُنْ أَوَّلَهُمْ إِسْلَامًا، وَلَكِنْ كَانَ أَفْضَلَهُمْ إِسْلَامًا. قَالَ سَعْدٌ: وَقَدْ آمَنَ قَبْلَهُ خَمْسَةٌ. وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وما مَعَهُ إِلَّا خَمْسَةُ أَعْبُدٍ، وَامْرَأَتَانِ، وَأَبُو بَكْرٍ. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرٍّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ سَبْعَةٌ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّارٌ، وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ، وَصُهَيْبٌ، وَبِلَالٌ، وَالْمِقْدَادُ. فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِعَمِّهِ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ مَنَعَهُ اللَّهُ بِقَوْمِهِ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرُعَ الْحَدِيدِ وَصَهَرُوهُمْ فِي الشَّمْسِ فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وَاتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُوا، إِلَّا بِلَالًا فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللَّهِ، وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ، فَأَخَذُوهُ فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ وَهُوَ يَقُولُ أَحَدٌ أَحَدٌ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا. فَأَمَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ قَائِلًا أَخْبَرَنَا ابْنُ حميد حدثنا كنانة بن حبلة [1] عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ.

قَالَ قُلْتُ لِأَبِي أَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَوَّلُكُمْ إِسْلَامًا قَالَ: لَا! وَلَقَدْ أَسْلَمَ قَبْلَهُ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ وَلَكِنْ كَانَ أَفْضَلَنَا إِسْلَامًا. فَإِنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ إِسْنَادًا وَمَتْنًا. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَقَالَ آخرون: كان أول من أسلم زيد ابن حَارِثَةَ، ثُمَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ مَنْ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ النِّسَاءِ؟ قَالَ خَدِيجَةُ. قُلْتُ فَمِنَ الرِّجَالِ، قَالَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ. وَكَذَا قال عروة وسليمان بن ياسر وغير

[1] في الأصلين حبلة بالمهملة وفي ابن جرير جبلة بالجيم.

ص: 28

وَاحِدٍ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ. وَقَدْ أَجَابَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه بِالْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ أَبُو بَكْرٍ، وَمِنَ النِّسَاءِ خَدِيجَةُ، وَمِنَ الْمَوَالِي زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَمِنَ الْغِلْمَانِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ وَأَظْهَرَ إِسْلَامَهُ دَعَا إِلَى اللَّهِ عز وجل، وَكَانَ أبو بكر رجلا مألفا لقومه محبا سَهْلًا، وَكَانَ أَنْسَبَ قُرَيْشٍ لِقُرَيْشٍ، وَأَعْلَمَ قُرَيْشٍ بِمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ.

وَكَانَ رَجُلًا تَاجِرًا ذَا خُلُقٍ وَمَعْرُوفٍ، وَكَانَ رِجَالُ قَوْمِهِ يَأْتُونَهُ وَيَأْلَفُونَهُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرِ، لِعِلْمِهِ وَتِجَارَتِهِ وَحُسْنِ مُجَالَسَتِهِ. فَجَعَلَ يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَامِ مَنْ وَثِقَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ مِمَّنْ يَغْشَاهُ وَيَجْلِسُ إِلَيْهِ فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ فِيمَا بَلَغَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنهم، فَانْطَلَقُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُمْ أَبُو بَكْرٍ. فَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ وَأَنْبَأَهُمْ بِحَقِّ الْإِسْلَامِ فَآمَنُوا، وَكَانَ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ الثَّمَانِيَةُ الَّذِينَ سَبَقُوا في الإسلام صدقوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَآمَنُوا بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بن عمر الواقدي حدثني الضحاك ابن عُثْمَانَ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْوَالِبِيِّ عَنْ إبراهيم بن محمد بن أبى طَلْحَةَ. قَالَ قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ حَضَرْتُ سُوقَ بُصْرَى فَإِذَا رَاهِبٌ فِي صَوْمَعَتِهِ يَقُولُ: سَلُوا أَهْلَ الْمَوْسِمِ أَفِيهِمْ رَجُلٌ مَنْ أَهْلِ الْحَرَمِ؟

قَالَ طَلْحَةُ قُلْتُ نَعَمْ أَنَا، فَقَالَ هَلْ ظَهَرَ أَحْمَدُ بَعْدُ؟ قُلْتُ وَمَنْ أَحْمَدُ؟ قَالَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ هَذَا شَهْرُهُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ، وَهُوَ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ مَخْرَجُهُ مِنَ الْحَرَمِ، وَمُهَاجَرُهُ إِلَى نَخْلٍ وَحَرَّةٍ وَسِبَاخٍ، فَإِيَّاكَ أَنْ تُسْبَقَ إِلَيْهِ. قَالَ طَلْحَةُ: فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا قَالَ، فَخَرَجْتُ سَرِيعًا حَتَّى قَدِمْتُ مَكَّةَ فَقُلْتُ هَلْ كان من حديث؟ قَالُوا نَعَمْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَمِينُ قد تَنَبَّأَ، وَقَدِ اتَّبَعَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قحافة. قال فخرجت حتى قدمت عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ أَتَبِعْتَ هَذَا الرَّجُلَ؟ قَالَ نَعَمْ فَانْطَلِقْ إِلَيْهِ فَادْخُلْ عَلَيْهِ فَاتَّبِعْهُ فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْحَقِّ، فَأَخْبَرَهُ طَلْحَةُ بِمَا قَالَ الرَّاهِبُ. فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ بِطَلْحَةَ فَدَخَلَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمَ طَلْحَةُ، وَأَخْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا قَالَ الرَّاهِبُ فَسُّرَ بِذَلِكَ. فَلَمَّا أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ وَطَلْحَةُ أَخَذَهُمَا نَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدِ بْنِ الْعَدَوِيَّةِ- وَكَانَ يُدْعَى أَسَدَ قُرَيْشٍ- فَشَدَّهُمَا فِي حَبْلٍ وَاحِدٍ وَلَمْ بمنعهما بَنُو تَيْمٍ فَلِذَلِكَ سُمِّي أَبُو بَكْرٍ وَطَلْحَةُ الْقَرِينَيْنِ. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«اللَّهمّ اكْفِنَا شَرَّ ابْنِ الْعَدَوِيَّةِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ الاطرابلسى حدثنا عبيد اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعُمَرِيُّ قَاضِي الْمِصِّيصَةِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ ابن عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ حدثني أبى عبيد الله حدثني عبيد الله [بن محمد] بن عمران ابن إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَقِيَهُ فَقَالَ

ص: 29

يَا أَبَا الْقَاسِمِ فُقِدْتَ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِكَ وَاتَّهَمُوكَ بِالْعَيْبِ لِآبَائِهَا وَأُمَّهَاتِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

«إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ أدعوك إلى الله» فلما فرغ كَلَامِهِ أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ فَانْطَلَقَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ أَحَدٌ أَكْثَرُ سُرُورًا مِنْهُ بِإِسْلَامِ أَبِي بَكْرٍ، وَمَضَى أَبُو بَكْرٍ فَرَاحَ لِعُثْمَانَ بْنِ عفان وطلحة ابن عُبَيْدِ اللَّهِ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَسْلَمُوا، ثُمَّ جَاءَ الْغَدَ بِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ وَالْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ فَأَسْلَمُوا رضي الله عنهم. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ فَحَدَّثَنِي أَبِي مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ.

قَالَتْ: لَمَّا اجْتَمَعَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَانُوا ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ رَجُلًا أَلَحَّ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الظُّهُورِ فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّا قَلِيلٌ» فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُلِحُّ حَتَّى ظَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَفَرَّقَ الْمُسْلِمُونَ فِي نَوَاحِي الْمَسْجِدِ كُلُّ رَجُلٍ فِي عَشِيرَتِهِ، وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فِي النَّاسِ خَطِيبًا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فَكَانَ أَوَّلَ خَطِيبٍ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَثَارَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ فَضُرِبُوا فِي نَوَاحِي الْمَسْجِدِ ضَرْبًا شَدِيدًا وَوُطِئَ أَبُو بَكْرٍ وَضُرِبَ ضَرْبًا شَدِيدًا وَدَنَا مِنْهُ الْفَاسِقُ عُتْبَةُ بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين وَيُحَرِّفُهُمَا لِوَجْهِهِ، وَنَزَا عَلَى بَطْنِ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى مَا يُعْرَفُ وَجْهُهُ مِنْ أَنْفِهِ وَجَاءَ بَنُو تَيْمٍ يَتَعَادَوْنَ فَأَجْلَتِ الْمُشْرِكِينَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَحَمَلَتْ بَنُو تَيْمٍ أَبَا بَكْرٍ فِي ثَوْبٍ حَتَّى أَدْخَلُوهُ مَنْزِلَهُ وَلَا يَشُكُّونَ فِي مَوْتِهِ، ثُمَّ رَجَعَتْ بَنُو تَيْمٍ فَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ وَقَالُوا وَاللَّهِ لَئِنْ مَاتَ أَبُو بَكْرٍ لَنَقْتُلَنَّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، فَرَجَعُوا إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَجَعَلَ أَبُو قُحَافَةَ وَبَنُو تَيْمٍ يُكَلِّمُونَ أَبَا بَكْرٍ حَتَّى أَجَابَ، فَتَكَلَّمَ آخِرَ النَّهَارِ فَقَالَ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَمَسُّوا مِنْهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَعَذَلُوهُ، ثُمَّ قَامُوا وَقَالُوا لِأُمِّهِ أُمِّ الْخَيْرِ انْظُرِي أَنْ تُطْعِمِيهِ شَيْئًا أَوْ تَسْقِيهِ إِيَّاهُ فَلَمَّا خَلَتْ بِهِ أَلَحَّتْ عَلَيْهِ وَجَعَلَ يَقُولُ: مَا فَعَلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَتْ وَاللَّهِ مَا لِي عَلْمٌ بِصَاحِبِكَ، فَقَالَ اذْهَبِي إِلَى أُمِّ جَمِيلِ بِنْتِ الْخَطَّابِ فَاسْأَلِيهَا عَنْهُ، فَخَرَجَتْ حَتَّى جَاءَتْ أُمَّ جَمِيلٍ فَقَالَتْ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ يَسْأَلُكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؟ فَقَالَتْ مَا أَعْرِفُ أَبَا بَكْرٍ وَلَا مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتِ تُحِبِّينَ أَنْ أَذْهَبَ مَعَكِ إِلَى ابْنِكِ قَالَتْ نَعَمْ. فَمَضَتْ مَعَهَا حَتَّى وَجَدَتْ أَبَا بَكْرٍ صَرِيعًا دَنِفًا، فَدَنَتْ أُمُّ جَمِيلٍ وَأَعْلَنَتْ بِالصِّيَاحِ وَقَالَتْ وَاللَّهِ إِنَّ قَوْمَا نَالُوا هَذَا مِنْكَ لَأَهْلُ فِسْقٍ وَكُفْرٍ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَنْتَقِمَ اللَّهُ لَكَ منهم. قَالَ فَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ هَذِهِ أَمُّكَ تَسْمَعُ، قَالَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْكِ مِنْهَا، قَالَتْ سَالِمٌ صَالِحٌ. قَالَ أَيْنَ هُوَ؟ قَالَتْ فِي دَارِ ابْنِ الْأَرْقَمِ، قَالَ فَإِنَّ للَّه عَلَيَّ أَنْ لَا أَذُوقَ طَعَامًا وَلَا أَشْرَبَ شَرَابًا أَوْ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَمْهَلَتَا حَتَّى إِذَا هَدَأَتِ الرِّجْلُ وَسَكَنَ النَّاسُ، خَرَجَتَا به يتكىء عَلَيْهِمَا حَتَّى أَدْخَلَتَاهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَبَّلَهُ وَأَكَبَّ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، وَرَقَّ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رِقَّةً شَدِيدَةً. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ بِي بَأْسٌ إِلَّا مَا نَالَ الْفَاسِقُ مِنْ وَجْهِي، وَهَذِهِ أُمِّي بَرَّةٌ بِوَلَدِهَا، وَأَنْتَ مُبَارَكٌ

ص: 30

فَادْعُهَا إِلَى اللَّهِ وَادْعُ اللَّهَ لَهَا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَسْتَنْقِذَهَا بِكَ مِنَ النَّارِ. قَالَ فَدَعَا لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَدَعَاهَا إِلَى اللَّهِ فَأَسْلَمَتْ، وَأَقَامُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الدَّارِ شَهْرًا وَهُمْ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا، وَقَدْ كَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَسْلَمَ يَوْمَ ضُرِبَ أَبُو بَكْرٍ، وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ بن الخطاب- أو لأبى جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ- فَأَصْبَحَ عُمَرُ وَكَانَتِ الدَّعْوَةُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فَأَسْلَمَ عُمَرُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلُ الْبَيْتِ تَكْبِيرَةً سُمِعَتْ بِأَعْلَى مَكَّةَ، وَخَرَجَ أَبُو الْأَرْقَمِ- وَهُوَ أَعْمَى كَافِرٌ- وَهُوَ يَقُولُ:

اللَّهمّ اغفر لبني عبيد الْأَرْقَمِ فَإِنَّهُ كَفَرَ، فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَا نُخْفِي دِينَنَا وَنَحْنُ عَلَى الْحَقِّ وَيَظْهَرُ دِينُهُمْ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ:«يَا عُمَرُ إِنَّا قَلِيلٌ قَدْ رَأَيْتَ ما لقينا» فقال عمر: فو الّذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا يَبْقَى مَجْلِسٌ جَلَسْتُ فِيهِ بِالْكُفْرِ إِلَّا أَظْهَرْتُ فِيهِ الْإِيمَانَ، ثُمَّ خَرَجَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ مَرَّ بِقُرَيْشٍ وَهِيَ تَنْتَظِرُهُ، فَقَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ: يَزْعُمُ فَلَانٌ أنك صبوت؟ فَقَالَ عُمَرُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. فَوَثَبَ الْمُشْرِكُونَ إِلَيْهِ، وَوَثَبَ عَلَى عُتْبَةَ فَبَرَكَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ يَضْرِبُهُ، وَأَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي عَيْنَيْهِ، فَجَعَلَ عُتْبَةُ يَصِيحُ فَتَنَحَّى النَّاسُ فَقَامَ عُمَرُ، فَجَعَلَ لَا يَدْنُو مِنْهُ أَحَدٌ إلا أخذ بشريف ممن دَنَا مِنْهُ، حَتَّى أَعْجَزَ النَّاسَ. وَاتَّبَعَ الْمَجَالِسَ الَّتِي كَانَ يُجَالِسُ فِيهَا فَيُظْهِرُ الْإِيمَانَ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَيْهِمْ. قَالَ مَا عَلَيْكَ بِأَبِي وَأُمِّي وَاللَّهِ مَا بَقِيَ مَجْلِسٌ كُنْتُ أَجْلِسُ فِيهِ بِالْكُفْرِ إِلَّا أَظْهَرْتُ فِيهِ الْإِيمَانَ غَيْرَ هَائِبٍ وَلَا خَائِفٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخَرَجَ عُمَرُ أَمَامَهُ وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى طَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى الظهر مؤمنا، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى دَارِ الْأَرْقَمِ وَمَعَهُ عُمَرُ، ثُمَّ انْصَرَفَ عُمَرُ وَحْدَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. وَالصَّحِيحُ أَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا أَسْلَمَ بَعْدَ خُرُوجِ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَذَلِكَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ مِنَ الْبَعْثَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَدِ اسْتَقْصَيْنَا كَيْفِيَّةَ إِسْلَامِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما فِي كِتَابِ سِيرَتِهِمَا عَلَى انْفِرَادِهَا، وَبَسَطْنَا الْقَوْلَ هُنَالِكَ وللَّه الْحَمْدُ. وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عن عمرو ابن عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في أَوَّلِ مَا بُعِثَ وَهُوَ بِمَكَّةَ، وَهُوَ حِينَئِذٍ مستخفى، فَقُلْتُ مَا أَنْتَ؟ قَالَ أَنَا نَبِيٌّ، فَقُلْتُ وَمَا النَّبِيُّ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، قُلْتُ آللَّهُ أرسلك؟ قال نعم قلت بما أَرْسَلَكَ؟ قَالَ بِأَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شريك له وتكسر الأصنام، وتوصل الْأَرْحَامَ. قَالَ قُلْتُ نِعْمَ مَا أَرْسَلَكَ بِهِ فمن تبعك عَلَى هَذَا؟ قَالَ حُرٌّ وَعَبْدٌ- يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَبِلَالًا- قَالَ فَكَانَ عَمْرٌو يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَأَنَا رُبُعُ الْإِسْلَامِ. قَالَ فَأَسْلَمْتُ، قُلْتُ فَأَتَّبِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ لَا وَلَكِنِ الْحَقْ بِقَوْمِكَ، فَإِذَا أُخْبِرْتَ أَنِّي قَدْ خَرَجْتُ فَاتَّبِعْنِي. وَيُقَالُ إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام حُرٌّ وَعَبْدٌ اسْمُ جِنْسٍ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ بِأَبِي بَكْرٍ وَبِلَالٍ فَقَطْ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ جَمَاعَةٌ قَدْ أَسْلَمُوا قَبْلَ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ وَقَدْ كَانَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ أَسْلَمَ قَبْلَ بِلَالٍ أَيْضًا فَلَعَلَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ رُبُعُ الإسلام بحسب علمه فان

ص: 31

المؤمنين كانوا إذا ذَاكَ يَسْتَسِرُّونَ بِإِسْلَامِهِمْ لَا يَطَّلِعُ عَلَى أَمْرِهِمْ كَثِيرُ أَحَدٍ مِنْ قَرَابَاتِهِمْ دَعِ الْأَجَانِبَ دَعْ أَهْلَ الْبَادِيَةِ مِنَ الْأَعْرَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: مَا أَسْلَمَ أَحَدٌ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمْتُ فِيهِ، وَلَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَإِنِّي لَثُلُثُ الْإِسْلَامِ. أَمَّا قَوْلُهُ مَا أَسْلَمَ أَحَدٌ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمْتُ فِيهِ فَسَهْلٌ، وَيُرْوَى إِلَّا فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمْتُ فِيهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ، إِذْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ بِالْإِسْلَامِ. وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الصِّدِّيقَ وَعَلِيًّا وَخَدِيجَةَ وَزَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ أَسْلَمُوا قَبْلَهُ، كَمَا قَدْ حَكَى الْإِجْمَاعُ عَلَى تَقَدُّمِ إِسْلَامِ هَؤُلَاءِ غَيْرَ وَاحِدٍ، منهم ابن الأثير. ونص أبو حنيفة رضى الله عنه عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ هَؤُلَاءِ أَسْلَمَ قَبْلَ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَإِنِّي لَثُلُثُ الْإِسْلَامِ فَمُشْكِلٌ وَمَا أَدْرِي عَلَى مَاذَا يُوضَعُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَخْبَرَ بِحَسَبِ مَا عَلِمَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ- وَهُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ- قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا يَافِعًا أَرْعَى غَنَمًا لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ بِمَكَّةَ. فَأَتَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ- وَقَدْ فَرَّا مِنَ الْمُشْرِكِينَ- فَقَالَ- أَوْ فَقَالَا- عِنْدَكَ يَا غُلَامُ لَبَنٌ تَسْقِينَا؟ قُلْتُ إِنِّي مُؤْتَمَنٌ، وَلَسْتُ بِسَاقِيكُمَا فَقَالَ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ جَذَعَةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ بَعْدُ؟ قُلْتُ نَعَمْ! فَأَتَيْتُهُمَا بِهَا فَاعْتَقَلَهَا أَبُو بَكْرٍ وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الضَّرْعَ وَدَعَا فَحَفَلَ الضَّرْعُ، وَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِصَخْرَةٍ مُتَقَعِّرَةٍ فَحَلَبَ فِيهَا ثُمَّ شَرِبَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ ثُمَّ سَقَيَانِي ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ اقْلِصْ فَقَلَصَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ أَتَيْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ الطَّيِّبِ- يَعْنِي الْقُرْآنَ- فَقَالَ:«إِنَّكَ غُلَامٌ مُعَلَّمٌ» فَأَخَذْتُ مِنْ فِيهِ سَبْعِينَ سُورَةً مَا يُنَازِعُنِي فِيهَا أَحَدٌ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ. وَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النجودبه. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ الْأَصْبِهَانِيُّ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ ابن مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ- أَوْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ-. قَالَ: كَانَ إِسْلَامُ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ قَدِيمًا وَكَانَ أَوَّلَ إِخْوَتُهُ أَسْلَمَ. وَكَانَ بَدْءُ إِسْلَامِهِ أَنَّهُ رَأَى فِي الْمَنَامِ أَنَّهُ وُقِفَ بِهِ عَلَى شَفِيرِ النَّارِ، فَذَكَرَ مِنْ سِعَتِهَا مَا اللَّهُ أَعْلَمُ به. ويرى في النوم كأن آت أَتَاهُ يَدْفَعُهُ فِيهَا وَيَرَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آخِذًا بِحَقْوَيْهِ لَا يَقَعُ، فَفَزِعَ مِنْ نَوْمِهِ فَقَالَ أَحَلِفُ باللَّه إِنَّ هَذِهِ لِرُؤْيَا حَقٍّ، فَلَقِيَ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي قُحَافَةَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ أُرِيدَ بِكَ خَيْرٌ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاتَّبِعْهُ فَإِنَّكَ سَتَتَّبِعُهُ وَتَدْخُلُ مَعَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْإِسْلَامُ يَحْجِزُكَ أَنْ تَدْخُلَ فِيهَا وَأَبُوكَ وَاقِعٌ فِيهَا فَلَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ باجياد، فقال يا رسول الله يا محمد إلى ما تدعو؟ قال: «أَدْعُوكَ إِلَى اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَتَخْلَعُ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ حَجَرٍ لَا يَسْمَعُ، وَلَا يضر، ولا يبصر، وَلَا يَنْفَعُ، وَلَا

ص: 32