الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
فِي تَأْلِيبِ الْمَلَأِ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابه وَاجْتِمَاعِهِمْ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ الْقَائِمِ فِي مَنْعِهِ وَنُصْرَتِهِ وَحِرْصِهِمْ عَلَيْهِ أَنْ يُسْلِمَهُ إِلَيْهِمْ فَأَبَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ بِحَوَلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَأُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي ولبلال ما يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا مَا يُوَارِي إِبِطَ بِلَالٍ» . وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ وَمَنَعَهُ وَقَامَ دُونَهُ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَمْرِ اللَّهِ مُظْهِرًا لِدِينِهِ لَا يَرُدُّهُ عَنْهُ شَيْءٌ، فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُعْتِبُهُمْ مِنْ شَيْءٍ أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ مِنْ فِرَاقِهِمْ وَعَيْبِ آلِهَتِهِمْ، وَرَأَوْا أن عمه أبو طَالِبٍ قَدْ حَدِبَ عَلَيْهِ وَقَامَ دُونَهُ فَلَمْ يُسْلِمْهُ لَهُمْ، مَشَى رِجَالٌ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ إِلَى أَبِي طَالِبٍ، عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَّيٍّ، وَأَبُو سُفْيَانَ صَخْرُ بْنُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ- وَاسْمُهُ الْعَاصُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَّيٍّ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَأَبُو جَهْلٍ- وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بن مخزوم، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقْظَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَنُبَيْهٌ وَمُنَبِّهٌ، ابْنَا الحجاج بن عامر بن حذيفة ابن سَعِيدِ بْنِ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَهْمٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَوْ مَنْ مَشَى مِنْهُمْ فَقَالُوا: يَا أَبَا طَالِبٍ إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ قَدْ سَبَّ آلِهَتَنَا، وَعَابَ دِينَنَا وَسَفَّهَ أَحْلَامَنَا، وَضَلَّلَ آبَاءَنَا، فَإِمَّا أَنْ تَكُفَّهُ عَنَّا وَإِمَّا أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَإِنَّكَ عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِهِ فَنَكْفِيكَهُ؟ فَقَالَ لَهُمْ أَبُو طَالِبٍ: قَوْلًا رَفِيقًا، وَرَدَّهُمْ رَدًّا جَمِيلًا فَانْصَرَفُوا عَنْهُ وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، يُظْهِرُ دِينَ اللَّهِ ويدعو اليه، ثم سرى الأمر بينهم وبينه حَتَّى تَبَاعَدَ الرِّجَالُ وَتَضَاغَنُوا. وَأَكْثَرَتْ قُرَيْشٌ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بينها فتذامروا فِيهِ وَحَضَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ مَشَوْا إِلَى أَبِي طَالِبٍ مَرَّةً أُخْرَى. فَقَالُوا: يَا أَبَا طَالِبٍ إِنَّ لَكَ سِنًّا وَشَرَفًا وَمَنْزِلَةً فِينَا وَإِنَّا قَدِ اسْتَنْهَيْنَاكَ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ فَلَمْ تَنْهَهُ عَنَّا، وَإِنَّا وَاللَّهِ لَا نَصْبِرُ عَلَى هَذَا مِنْ شَتْمِ آبَائِنَا، وَتَسْفِيهِ أَحْلَامِنَا، وَعَيْبِ آلِهَتِنَا حَتَّى تَكُفَّهُ عَنَّا أَوْ نُنَازِلَهُ وَإِيَّاكَ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَهْلِكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ- أَوْ كَمَا قَالُوا- ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُ فَعَظُمَ عَلَى أَبِي طَالِبٍ فِرَاقُ قَوْمِهِ وَعَدَاوَتُهُمْ وَلَمْ يَطِبْ نَفْسًا بِإِسْلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا خِذْلَانِهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ أَنَّهُ حُدِّثَ أَنَّ قُرَيْشًا حِينَ قَالُوا لِأَبِي طَالِبٍ هَذِهِ الْمَقَالَةَ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ أَخِي إِنْ قومك قد جاءوني فقالوا كذا وكذا الّذي قَالُوا لَهُ، فَأَبْقِ عَلَيَّ وَعَلَى نَفْسِكَ وَلَا تُحَمِّلْنِي مِنَ الْأَمْرِ مَا لَا أُطِيقُ، قَالَ فَظَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قد بدا لعمه فيه بدو وَأَنَّهُ خَاذِلُهُ وَمُسْلِمُهُ، وَأَنَّهُ قَدْ ضَعُفَ عَنْ نُصْرَتِهِ وَالْقِيَامِ مَعَهُ قَالَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«يَا عَمِّ وَاللَّهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ مَا تَرَكْتُهُ» قَالَ ثُمَّ اسْتَعْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَكَى ثُمَّ قَامَ، فَلَمَّا وَلَّى نَادَاهُ أَبُو طَالِبٍ. فَقَالَ: أَقْبِلْ يَا بْنَ أَخِي، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: اذْهَبْ يَا بْنَ أخى فقل ما أحببت فو الله لا أسلمتك لِشَيْءٍ أَبَدًا. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ. ثُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا حِينَ عَرَفُوا أَنَّ أَبَا طَالِبٍ قَدْ أَبَى خِذْلَانَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِسْلَامَهُ وَإِجْمَاعَهُ لِفِرَاقِهِمْ فِي ذَلِكَ وَعَدَاوَتِهِ مَشَوْا إِلَيْهِ بِعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَقَالُوا لَهُ- فِيمَا بَلَغَنِي-: يَا أَبَا طَالِبٍ هَذَا عُمَارَةُ بْنُ الْوَلِيدِ أَنَهَدُ فَتًى فِي قُرَيْشٍ وَأَجْمَلُهُ، فَخُذْهُ فَلَكَ عَقْلُهُ وَنَصْرُهُ، وَاتَّخِذْهُ وَلَدًا فَهُوَ لَكَ؟ وَأَسْلِمْ إِلَيْنَا ابْنَ أَخِيكَ هَذَا الَّذِي قَدْ خَالَفَ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ، وفرق جماعة قومك، وسفه أحلامنا فَنَقْتُلَهُ فَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ بِرَجُلٍ! قَالَ:
وَاللَّهِ لَبِئْسَ مَا تَسُومُونَنِي؟ أَتُعْطُونَنِي ابْنَكُمْ أَغْذُوهُ لَكُمْ، وأعطيكم ابني فتقتلونه! هَذَا وَاللَّهِ مَا لَا يَكُونُ أَبَدًا. قَالَ فَقَالَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ: وَاللَّهِ يَا أَبَا طَالِبٍ لَقَدْ أَنْصَفَكَ قَوْمُكَ وَجَهَدُوا عَلَى التَّخَلُّصِ مِمَّا تَكْرَهُ، فَمَا أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تَقْبَلَ مِنْهُمْ شَيْئًا؟ فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ لِلْمُطْعِمِ: وَاللَّهِ مَا أَنْصَفُونِي، وَلَكِنَّكَ قَدْ أَجْمَعْتَ خِذْلَانِي وَمُظَاهَرَةَ الْقَوْمِ عَلَيَّ فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ- أَوْ كَمَا قَالَ- فَحَقِبَ الْأَمْرُ، وَحَمِيَتِ الْحَرْبُ، وَتَنَابَذَ الْقَوْمُ، وَنَادَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا. فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ عِنْدَ ذَلِكَ يُعَرِّضُ بِالْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ وَيَعُمُّ مَنْ خَذَلَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَمَنْ عَادَاهُ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ، وَيَذْكُرُ مَا سَأَلُوهُ وَمَا تَبَاعَدَ مِنْ أَمْرِهِمْ:
أَلَا قُلْ لِعَمْرٍو وَالْوَلِيدِ وَمُطْعِمٍ
…
أَلَا لَيْتَ حَظِّي مِنْ حِيَاطَتِكُمْ بَكْرُ
مِنَ الْخُورِ حَبْحَابٌ كَثِيرٌ رُغَاؤُهُ
…
يُرَشُّ عَلَى السَّاقَيْنِ مِنْ بَوْلِهِ قَطْرُ
تَخَلَّفَ خَلْفَ الورد ليس بلاحق
…
إذ مَا عَلَا الْفَيْفَاءَ قِيلَ لَهُ وَبْرُ
أَرَى أَخَوَيْنَا مِنْ أَبِينَا وَأُمِّنَا
…
إِذَا سُئِلَا قَالَا إِلَى غَيْرِنَا الْأَمْرُ
بَلَى لَهُمَا أَمْرٌ وَلَكِنْ تحرجما
…
كما حرجمت مِنْ رَأْسِ ذِي عَلَقٍ الصَّخْرُ
أَخُصُّ خُصُوصًا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا
…
هُمَا نَبَذَانَا مِثْلَ مَا نُبِذَ الْجَمْرُ
هُمَا أَغْمَزَا لِلْقَوْمِ فِي أَخَوَيْهِمَا
…
فَقَدْ أَصْبَحَا مِنْهُمْ أَكُفُّهُمَا صُفْرُ
هُمَا أَشْرَكَا فِي الْمَجْدِ مَنْ لَا أَبَا لَهُ
…
مِنَ النَّاسِ إِلَّا أَنْ يُرَسَّ لَهُ ذِكْرُ