الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ هِجْرَةِ مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مِنْ مَكَّةَ إلى أرض الحبشة، فِرَارًا بِدِينِهِمْ مِنَ الْفِتْنَةِ
قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ أَذِيَّةِ الْمُشْرِكِينَ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَا كَانُوا يُعَامِلُونَهُمْ بِهِ مِنَ الضَّرْبِ الشَّدِيدِ. وَالْإِهَانَةِ الْبَالِغَةِ. وكان الله عز وجل قد حجرهم عَنْ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَنَعَهُ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، كَمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ أَنَّ خُرُوجَهُمْ إِلَيْهَا فِي رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْبِعْثَةِ، وَأَنَّ أَوَّلَ مَنْ هَاجَرَ مِنْهُمْ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ، وَأَنَّهُمُ انْتَهَوْا إِلَى الْبَحْرِ مَا بَيْنَ مَاشٍ وَرَاكِبٍ فَاسْتَأْجَرُوا سَفِينَةً بِنِصْفِ دِينَارٍ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَهُمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَامْرَأَتُهُ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأبو حذيفة بن عتبة، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ، وَامْرَأَتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وعامر بن ربيعة المنزى، وَامْرَأَتُهُ لَيْلَى بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ، وَأَبُو سَبْرَةَ بن أبى رهم، و [يقال بل أبو] حَاطِبُ بْنُ عَمْرٍو [1] ، وَسُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ، وَعَبْدُ الله بن مسعود، رضي الله عنهم أجمعين. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ كَانُوا اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ رَجُلًا، سِوَى نِسَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ، وَعَمَّارُ بن ياسر، نشك.
فان كان فيهم فقد كَانُوا ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يُصِيبُ أَصْحَابَهُ مِنَ الْبَلَاءِ، وَمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْعَافِيَةِ، بِمَكَانِهِ مِنَ اللَّهِ عز وجل، وَمِنْ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِمَّا هو فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ. قَالَ لَهُمْ:«لَوْ خَرَجْتُمْ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ؟ فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ، وَهِيَ أَرْضُ صِدْقٍ- حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَكُمْ فَرَجَا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ» فَخَرَجَ عِنْدَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ، وَفِرَارًا إِلَى اللَّهِ بِدِينِهِمْ. فَكَانَتْ أَوَّلَ هِجْرَةٍ كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَزَوْجَتُهُ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَكَذَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ عَبَّاسٍ الْعَنْبَرِيِّ عن بشر بن موسى [2] عن الحسن ابن زياد البرجمي حدثنا قتادة. قال: أَوَّلَ مَنْ هَاجَرَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَهْلِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه سَمِعْتُ النَّضْرَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ- يَعْنِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ- يَقُولُ: خَرَجَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَأَبْطَأَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَبَرُهُمَا فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ مَنْ قُرَيْشٍ فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ رَأَيْتُ خَتْنَكَ وَمَعَهُ امرأته. قال: «على أي حال رأيتهما؟»
[1] التصحيح عن ابن هشام والإصابة.
[2]
وفي ز: عن يونس بن عيسى.
قَالَتْ رَأَيْتُهُ قَدْ حَمَلَ امْرَأَتَهُ عَلَى حِمَارٍ من هذه الدِّبَابَةِ، وَهُوَ يَسُوقُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«صَحِبَهُمَا اللَّهُ، إِنَّ عُثْمَانَ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ بِأَهْلِهِ بَعْدَ لُوطٍ عليه السلام» . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ، وَزَوْجَتُهُ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو- وَوَلَدَتْ لَهُ بِالْحَبَشَةِ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ- وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ، وَامْرَأَتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ- وَوَلَدَتْ لَهُ بِهَا زَيْنَبَ- وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ- حَلِيفُ آلِ الْخَطَّابِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَنْزِ بْنِ وَائِلٍ وامرأته ليلى بنت أبى حثمة، وأبو سيرة بْنُ أَبِي رُهْمٍ الْعَامِرِيُّ، وَامْرَأَتُهُ أُمُّ كُلْثُومِ بنت سهيل بن عمرو- ويقال أبو حاطب ابن عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ- وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ قَدِمَهَا فِيمَا قِيلَ- وسهيل بن بيضاء. فهولاء الْعَشَرَةُ أَوَّلُ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فِيمَا بَلَغَنِي. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، فِيمَا ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ خَرَجَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَوَلَدَتْ لَهُ بِهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ. وَتَتَابَعَ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى اجْتَمَعُوا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ.
وَقَدْ زَعَمَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ الْهِجْرَةَ الْأُولَى إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ كَانَتْ حِينَ دَخَلَ أَبُو طَالِبٍ وَمَنْ حَالَفَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى الشِّعْبِ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَزَعَمَ أَنَّ خُرُوجَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِنَّمَا كَانَ فِي الْهِجْرَةِ الثَّانِيَةِ إِلَيْهَا. وَذَلِكَ بَعْدَ عَوْدِ بَعْضِ مَنْ كَانَ خَرَجَ أَوَّلًا، حِينَ بَلَغَهُمْ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَسْلَمُوا وَصَلُّوا، فَلَمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ- وَكَانَ فِيمَنْ قَدِمَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ- فَلَمْ يَجِدُوا مَا أُخْبِرُوا بِهِ مِنْ إِسْلَامِ الْمُشْرِكِينَ صَحِيحًا، فَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ مِنْهُمْ وَمَكَثَ آخَرُونَ بِمَكَّةَ. وَخَرَجَ آخَرُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَهِيَ الْهِجْرَةُ الثَّانِيَةُ- كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَكَانَ جَعْفَرُ ابن أَبِي طَالِبٍ فِيمَنْ خَرَجَ ثَانِيًا. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ خُرُوجِهِ فِي الرَّعِيلِ الْأَوَّلِ أَظْهَرُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. لَكِنَّهُ كَانَ فِي زُمْرَةٍ ثَانِيَةٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَوَّلًا، وَهُوَ الْمُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ وَالْمُتَرْجِمُ عَنْهُمْ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ وَغَيْرِهِ، كَمَا سَنُورِدُهُ مَبْسُوطًا. ثُمَّ إِنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ سَرَدَ الْخَارِجِينَ صُحْبَةَ جَعْفَرٍ رضي الله عنهم. وَهُمْ عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَامْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ مُحَرَّثِ بْنِ شِقٍّ الْكِنَانِيُّ. وَأَخُوهُ خَالِدٌ. وَامْرَأَتُهُ أَمِينَةُ بِنْتُ خَلَفِ بْنِ أَسْعَدَ الْخُزَاعِيِّ. وَوَلَدَتْ لَهُ بِهَا سَعِيدًا، وَأَمَةَ الَّتِي تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ الزُّبَيْرُ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَمْرًا وَخَالِدًا. قَالَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ، وَأَخُوهُ عُبَيْدُ اللَّهِ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، وَقَيْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَامْرَأَتُهُ بَرَكَةُ بِنْتُ يَسَارٍ مَوْلَاةُ أَبِي سُفْيَانَ، وَمُعَيْقِيبُ بْنُ أَبِي فاطمة، وهو من موالي سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ مِنْ دَوْسٍ. قَالَ وَأَبُو مُوسَى [الْأَشْعَرِيُّ] عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ حَلِيفُ آلِ عُتْبَةَ بْنِ
رَبِيعَةَ. وَسَنَتَكَلَّمُ مَعَهُ فِي هَذَا. وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ، وَيَزِيدُ بْنُ زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَعَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ، وَطُلَيْبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ أَبِي كَثِيرِ بن عبد، وسويبط بن سعد بن حريملة، وجهم بن قيس العبدوي، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ حَرْمَلَةَ بِنْتُ عَبْدِ الْأَسْوَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَوَلَدَاهُ عَمْرُو بْنُ جَهْمٍ وَخُزَيْمَةُ بْنُ جَهْمٍ، وَأَبُو الرُّومِ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، وفراس بن النضر ابن الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ، وَعَامِرُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَخُو سَعْدٍ، وَالْمُطَّلِبُ بْنُ أَزْهَرَ بْنِ عَبْدِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ، وَامْرَأَتُهُ رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي عَوْفِ بن صبيرة. وولدت بِهَا عَبْدَ اللَّهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأَخُوهُ عُتْبَةُ، وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَالْحَارِثُ بْنُ خَالِدِ بْنِ صَخْرٍ التَّيْمِيُّ، وَامْرَأَتُهُ رَيْطَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ جُبَيْلَةَ، وَوَلَدَتْ لَهُ بِهَا مُوسَى وَعَائِشَةَ وَزَيْنَبَ وَفَاطِمَةَ، وَعَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سعد ابن تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ، وَشَمَّاسُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الشَّرِيدِ الْمَخْزُومِيُّ- قَالَ وَإِنَّمَا سُمِّيَ شَمَّاسًا لِحُسْنِهِ وَأَصْلُ اسْمِهِ عُثْمَانُ بْنُ عُثْمَانَ- وَهُبَّارُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيُّ، وَأَخُوهُ عَبْدُ الله، وهشام بن أبى حذيفة ابن الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ، وَسَلَمَةُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَعَيَّاشُ بن أبى ربيعة ابن الْمُغِيرَةِ، وَمُعَتِّبُ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَامِرٍ- وَيُقَالُ لَهُ عَيْهَامَةُ- وَهُوَ مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي مَخْزُومٍ. قَالَ:
وَقُدَامَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ أَخَوَا عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَالسَّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَحَاطِبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مَعْمَرٍ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُجَلِّلِ، وَابْنَاهُ مِنْهَا مُحَمَّدٌ وَالْحَارِثُ، وَأَخُوهُ خطاب، وَامْرَأَتُهُ فُكَيْهَةُ بِنْتُ يَسَارٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبٍ، وَامْرَأَتُهُ حَسَنَةُ، وَابْنَاهُ مِنْهَا جَابِرٌ وَجُنَادَةُ، وَابْنُهَا مِنْ غَيْرِهِ. وَهُوَ شُرَحْبِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ- أَحَدُ الْغَوْثِ بْنُ مُزَاحِمِ بْنِ تميم، وهو الّذي يقال له شرحبيل ابن حَسَنَةَ، وَعُثْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ أُهْبَانَ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ، وَخُنَيْسُ بْنُ حذافة بن قيس ابن عَدِيٍّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بن عدي بن سعيد بْنِ سَهْمٍ، وَهُشَامُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ ابن سَعِيدٍ، وَقَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ، وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الحارث بن قيس ابن عَدِيٍّ، وَإِخْوَتُهُ الْحَارِثُ وَمَعْمَرٌ وَالسَّائِبُ وَبِشْرٌ وَسَعِيدٌ أبناء الحارث، وسعيد بن قيس ابن عَدِيٍّ لِأُمِّهِ وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو التَّمِيمِيُّ، وَعُمَيْرُ بْنُ رِئَابِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ مُهَشَّمِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَهْمٍ، وَحَلِيفٌ لِبَنِي سَهْمٍ: وَهُوَ مَحْمِيَةُ بْنُ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيُّ، وَمَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيُّ، وَعُرْوَةُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، وَعَدِيُّ بْنُ نَضْلَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَابْنُهُ النُّعْمَانُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَخْرَمَةَ الْعَامِرِيُّ، وَعَبْدُ الله ابن سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَسَلِيطُ بْنُ عَمْرٍو، وَأَخُوهُ السَّكْرَانُ، وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، وَمَالِكُ بن ربيعة، وامرأته عمرة بنت السعدي، وأبو حاطب بْنُ عَمْرٍو الْعَامِرِيُّ، وَحَلِيفُهُمْ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ- وَهُوَ مِنَ الْيَمَنِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ الْفِهْرِيُّ، وَسُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ- وَهِيَ أُمُّهُ، وَاسْمُهَا دَعْدُ بِنْتُ جَحْدَمِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ ظَرِبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ، وَهُوَ سُهَيْلُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بن هلال
ابن ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَعَمْرُو بْنُ أَبِي سَرْحِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَعِيَاضُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدَّادِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ضَبَّةَ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بْنِ زهير ابن أَبِي شَدَّادِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ غنم بن زهير أخوات، وسعيد بْنُ عَبْدِ قَيْسِ بْنِ لَقِيطٍ، وَأَخُوهُ الْحَارِثُ الْفِهْرِيُّونَ. [1] قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَكَانَ جَمِيعُ مَنْ لَحِقَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ وَهَاجَرَ إِلَيْهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ سِوَى أَبْنَائِهِمُ الَّذِينَ خَرَجُوا بِهِمْ صِغَارًا وَوُلِدُوا بها- ثلاثة وثمانون رَجُلًا إِنْ كَانَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فِيهِمْ، وَهُوَ يُشَكُّ فِيهِ.
قُلْتُ: وَذِكْرُ ابْنِ إِسْحَاقَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ فِيمَنْ هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ غَرِيبٌ جِدًّا. وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى سَمِعْتُ خديجا أَخَا زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى النجاشي، ونحن نحوا مِنْ ثَمَانِينَ رَجُلًا، فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَجَعْفَرٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُرْفُطَةَ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَأَبُو مُوسَى فَأَتَوُا النَّجَاشِيَّ. وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَعُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ بِهَدِيَّةٍ، فَلَمَّا دَخَلَا عَلَى النَّجَاشِيِّ سَجَدَا لَهُ ثُمَّ ابْتَدَرَاهُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَا لَهُ: إِنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي عَمِّنَا نَزَلُوا أَرْضَكَ وَرَغِبُوا عَنَّا وَعَنْ مِلَّتِنَا. قَالَ فَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَا: فِي أَرْضِكَ، فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ جَعْفَرٌ: أَنَا خَطِيبُكُمُ الْيَوْمَ فاتبعوه، فسلم ولم يسجد، فقالوا له: مالك لَا تَسْجُدُ لِلْمَلِكِ؟ قَالَ إِنَّا لَا نَسْجُدُ إِلَّا للَّه عز وجل قَالَ وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ إِلَيْنَا رَسُولًا ثُمَّ أَمَرَنَا أَنْ لَا نَسْجُدَ لِأَحَدٍ إِلَّا للَّه عز وجل وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ. قَالَ عَمْرٌو: فإنهم يخالفونك في عيسى بن مريم، قال فما تقولون في عيسى بن مريم وأمه؟ قال نقول كما قال الله: هو كلمته وَرُوحُهُ أَلْقَاهَا إِلَى الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ، الَّتِي لَمْ يَمَسَّهَا بَشَرٌ، وَلَمْ يَفْرِضْهَا وَلَدٌ. قَالَ فَرَفَعَ عُودًا مِنَ الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْحَبَشَةِ وَالْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ، وَاللَّهِ مَا يَزِيدُونَ عَلَى الّذي نقول فيه ما سوى هَذَا، مَرْحَبًا بِكُمْ وَبِمَنْ جِئْتُمْ مِنْ عِنْدِهِ، أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَنَّهُ الَّذِي نَجِدُ فِي الْإِنْجِيلِ، وَأَنَّهُ الرَّسُولُ الّذي بشر به عيسى بن مَرْيَمَ، انْزِلُوا حَيْثُ شِئْتُمْ، وَاللَّهِ لَوْلَا مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الْمُلْكِ لَأَتَيْتُهُ حَتَّى أَكُونَ أنا الّذي أَحْمِلُ نَعْلَيْهِ. وَأَمَرَ بِهَدِيَّةِ الْآخَرَيْنِ فَرُدَّتْ إِلَيْهِمَا، ثُمَّ تَعَجَّلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ حَتَّى أَدْرَكَ بَدْرًا. وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَغْفَرَ لَهُ حِينَ بَلَغَهُ مَوْتُهُ. وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ وَسِيَاقٌ حَسَنٌ. وَفِيهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ أَبَا مُوسَى كَانَ مِمَّنْ هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ ذِكْرُهُ مُدْرَجًا مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السبيعي من وجه آخر.
[1] وقع اختلاف بين الأصلين وبينهما وبين السيرة لابن هشام في أسماء المهاجرين وعددهم وحيث المؤلف أسند النقل عن ابن إسحاق فما وافق أحد الأصلين مع ابن هشام اعتمدناه مع التثبت من كتاب الاصابة لتصحيح تلك الأسماء.
فَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغَلَابِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ. وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلَّوَيْهِ الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى الْخُتَّلِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جعفر حدثنا إسرائيل. وَحَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شِيرَوَيْهِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ- هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى. قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ نَنْطَلِقَ مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى أَرْضِ النَّجَاشِيِّ، فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا فَبَعَثُوا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَعُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَجَمَعُوا لِلنَّجَاشِيِّ هدية وقدما على للنجاشي فَأَتَيَاهُ بِالْهَدِيَّةِ، فَقَبِلَهَا وَسَجَدَا لَهُ ثُمَّ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنَّ نَاسًا مِنْ أَرْضِنَا رَغِبُوا عَنْ دِينِنَا وَهُمْ فِي أَرْضِكَ. قَالَ لَهُمُ النَّجَاشِيُّ فِي أَرْضِي؟ قَالَا نَعَمْ! فَبَعَثَ إِلَيْنَا، فَقَالَ لَنَا جَعْفَرٌ: لَا يَتَكَلَّمُ مِنْكُمْ أَحَدٌ. أَنَا خَطِيبُكُمُ الْيَوْمَ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِهِ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَنْ يَمِينِهِ، وَعُمَارَةُ عَنْ يَسَارِهِ. وَالْقِسِّيسُونَ جُلُوسٌ سماطين. وقد قال له عَمْرٌو وَعُمَارَةُ: إِنَّهُمْ لَا يَسْجُدُونَ لَكَ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا بَدَرَنَا مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ: اسْجُدُوا لِلْمَلِكِ. فَقَالَ جَعْفَرٌ: لَا نَسْجُدُ إِلَّا للَّه عز وجل. فلما انتهينا الى النجاشي قال ما منعك أن تسجد؟ قال لا نسجد إلا للَّه. فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ فِينَا رَسُولًا- وَهُوَ الرَّسُولُ الَّذِي بشر به عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من بعده اسمه احمد، فَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَنُقِيمَ الصَّلَاةَ وَنُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَأَمَرَنَا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ. فَأَعْجَبَ النَّجَاشِيَّ قَوْلُهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، قَالَ: أَصْلَحَ الله الملك إنهم يخالفونك في عيسى بن مَرْيَمَ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ لِجَعْفَرٍ: مَا يَقُولُ صَاحِبُكُمْ فِي ابْنِ مَرْيَمَ؟ قَالَ يَقُولُ فِيهِ قَوْلَ اللَّهِ: هُوَ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَخْرَجَهُ مِنَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ الَّتِي لَمْ يَقْرَبْهَا بَشَرٌ وَلَمْ يَفْرِضْهَا وَلَدٌ. فَتَنَاوَلَ النَّجَاشِيُّ عُودًا مِنَ الْأَرْضِ فَرَفَعَهُ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ مَا يزيدون هؤلاء على ما نقول فِي ابْنِ مَرْيَمَ وَلَا وَزْنَ هَذِهِ. مَرْحَبًا بِكُمْ وَبِمَنْ جِئْتُمْ مِنْ عِنْدِهِ، فَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّهُ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيسَى. وَلَوْلَا مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الْمُلْكِ لَأَتَيْتُهُ حَتَّى أُقَبِّلَ نَعْلَيْهِ، امْكُثُوا فِي أَرْضِي مَا شِئْتُمْ، وَأَمَرَ لَنَا بِطَعَامٍ وَكُسْوَةٍ. وَقَالَ رَدُّوا عَلَى هَذَيْنَ هَدِيَّتَهُمَا، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رَجُلًا قَصِيرًا، وَكَانَ عُمَارَةُ رَجُلًا جَمِيلًا، وَكَانَا أَقْبَلَا فِي الْبَحْرِ، فَشَرِبَا وَمَعَ عَمْرٍو امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا شَرِبَا قَالَ عُمَارَةُ لِعَمْرٍو مُرِ امْرَأَتَكَ فَلْتُقَبِّلْنِي. فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَلَا تَسْتَحِي؟ فَأَخَذَ عُمَارَةُ عُمَرًا فَرَمَى بِهِ فِي الْبَحْرِ، فَجَعَلَ عَمْرٌو: يُنَاشِدُ عُمَارَةَ حَتَّى أَدْخَلَهُ السَّفِينَةَ، فَحَقَدَ عَلَيْهِ عَمْرٌو فِي ذَلِكَ. فَقَالَ عَمْرٌو لِلنَّجَاشِيِّ: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ خَلَفَكَ عُمَارَةُ فِي أَهْلِكَ، فَدَعَا النَّجَاشِيُّ بِعُمَارَةَ فَنَفَخَ فِي إِحْلِيلِهِ فَطَارَ مَعَ الْوَحْشِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَلِيٍّ الْحَسَنِ بْنِ سَلَّامٍ السَّوَّاقِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ إِلَى
قَوْلِهِ: فَأَمَرَ لَنَا بِطَعَامٍ وَكُسْوَةٍ. قَالَ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا مُوسَى كَانَ بِمَكَّةَ، وَأَنَّهُ خَرَجَ مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَالصَّحِيحُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُمْ بَلَغَهُمْ مَخْرَجُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ بِالْيَمَنِ فَخَرَجُوا مُهَاجِرِينَ فِي بِضْعٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا فِي سَفِينَةٍ، فَأَلْقَتْهُمْ سَفِينَتُهُمْ إِلَى النَّجَاشِيِّ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَوَافَقُوا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طالب وأصحابه عندهم، فأمره جَعْفَرٌ بِالْإِقَامَةِ، فَأَقَامُوا عِنْدَهُ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَمَنَ خيبر. قال وأبو مُوسَى شَهِدَ مَا جَرَى بَيْنَ جَعْفَرٍ وَبَيْنَ النَّجَاشِيِّ، فَأَخْبَرَ عَنْهُ. قَالَ وَلَعَلَّ الرَّاوِيَ وَهِمَ فِي قَوْلِهِ:
أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَنْطَلِقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا يزيد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى. قَالَ: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ، فَرَكِبْنَا سَفِينَةً فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فَأَقَمْنَا معه حتى قدمنا فوافينا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ» وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ وَأَبِي عَامِرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَرَّادِ [بْنِ يُوسُفَ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى] كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي اسامة به، وروياه فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مُطَوَّلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا قِصَّةُ جَعْفَرٍ مَعَ النَّجَاشِيِّ فَإِنَّ الْحَافِظَ ابْنَ عَسَاكِرَ رَوَاهَا فِي تَرْجَمَةِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ تَارِيخِهِ مِنْ رِوَايَةِ نَفْسِهِ، وَمِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَعَلَى يَدَيْهِمَا جَرَى الْحَدِيثُ، وَمِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وأما سَلَمَةَ كَمَا سَيَأْتِي. فَأَمَّا رِوَايَةُ جَعْفَرٍ فَإِنَّهَا عَزِيزَةٌ جِدًّا. رَوَاهَا ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ السَّمَرْقَنْدِيِّ عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ النَّقُورِ عَنْ أَبِي طَاهِرٍ الْمُخْلِّصِ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْبَغَوِيِّ. قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُعْفِيُّ عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَجَلِيُّ عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: بَعَثَتْ قُرَيْشٌ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَعُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ بِهَدِيَّةٍ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى النَّجَاشِيِّ. فَقَالُوا لَهُ- وَنَحْنُ عِنْدَهُ-: قَدْ صَارَ إِلَيْكَ نَاسٌ مِنْ سَفَلَتِنَا وَسُفَهَائِنَا، فَادْفَعْهُمْ إِلَيْنَا، قَالَ لَا حَتَّى أَسْمَعَ كَلَامَهُمْ. قَالَ فَبَعَثَ إِلَيْنَا فَقَالَ: مَا يَقُولُ هؤلاء؟ قال قلنا هَؤُلَاءِ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، وَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَآمَنَّا بِهِ وَصَدَّقْنَاهُ. فَقَالَ لَهُمُ النجاشي أعبيدهم لكم؟ قالوا: لا. فقال: فَلَكُمْ عَلَيْهِمْ دَيْنٌ؟ قَالُوا لَا. قَالَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ. قَالَ فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ فِي عِيسَى غَيْرَ مَا تَقُولُ، قَالَ إِنْ لَمْ يَقُولُوا فِي عِيسَى مِثْلَ قَوْلِي لَمْ أَدَعْهُمْ فِي أَرْضِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ. فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا فَكَانَتِ الدَّعْوَةُ الثَّانِيَةُ أَشَدَّ عَلَيْنَا مِنَ الْأُولَى، قَالَ ما يقول صاحبكم في عيسى بن مَرْيَمَ؟ قُلْنَا يَقُولُ: هُوَ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى عَذْرَاءَ بَتُولٍ، قَالَ فَأَرْسَلَ فَقَالَ ادعوا الى فلان القس، وفلان الرَّاهِبَ. فَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ في عيسى بن مريم؟
فَقَالُوا أَنْتَ أَعْلَمُنَا، فَمَا تَقُولُ؟ قَالَ النَّجَاشِيُّ- وَأَخَذَ شَيْئًا مِنَ الْأَرْضِ- قَالَ مَا عَدَا عِيسَى مَا قَالَ هَؤُلَاءِ مِثْلَ هَذَا، ثُمَّ قال أيؤذيكم أحدا؟ قَالُوا نَعَمْ! فَنَادَى مُنَادٍ مَنْ آذَى أَحَدًا مِنْهُمْ فَأَغْرِمُوهُ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ قَالَ أَيَكْفِيكُمْ؟ قُلْنَا لَا، فَأَضْعَفَهَا. قَالَ فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ وَظَهَرَ بِهَا قُلْنَا لَهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ ظَهَرَ وَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَتَلَ الَّذِينَ كُنَّا حَدَّثْنَاكَ عَنْهُمْ، وقد أردنا الرحيل اليه، فردنا. قَالَ نَعَمْ! فَحَمَلَنَا وَزَوَّدَنَا. ثُمَّ قَالَ أَخْبِرْ صَاحِبَكَ بِمَا صَنَعْتُ إِلَيْكُمْ، وَهَذَا صَاحِبِي مَعَكُمْ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَقُلْ لَهُ يَسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ جَعْفَرٌ: فَخَرَجْنَا حَتَّى أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ فَتَلَقَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاعْتَنَقَنِي، ثُمَّ قَالَ:«مَا أَدْرِي أَنَا بِفَتْحِ خَيْبَرَ أَفْرَحُ أَمْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ؟» وَوَافَقَ ذَلِكَ فَتْحُ خَيْبَرَ، ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ رَسُولُ النَّجَاشِيِّ: هَذَا جَعْفَرٌ فَسَلْهُ مَا صَنَعَ بِهِ صَاحِبُنَا؟ فَقَالَ نَعَمْ فَعَلَ بِنَا كَذَا وَكَذَا وَحَمَلَنَا وَزَوَّدَنَا، وَشَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. وَقَالَ لِي قُلْ لَهُ يَسْتَغْفِرْ لِي. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ دَعَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ «اللَّهمّ اغْفِرْ لِلنَّجَاشِيِّ» فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ آمِينَ. ثُمَّ قَالَ جَعْفَرٌ فَقَلْتُ لِلرَّسُولِ انْطَلِقْ فَأَخْبِرْ صَاحِبَكَ بِمَا رَأَيْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَأَمَّا رِوَايَةُ أُمِّ سَلَمَةَ فَقَدْ قَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها. أنها قالت: لما ضاقت مَكَّةُ وَأُوذِيَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفُتِنُوا وَرَأَوْا مَا يُصِيبُهُمْ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْفِتْنَةِ فِي دِينِهِمْ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ فِي مَنَعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ وَمِنْ عَمِّهِ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يَكْرَهُ وَمِمَّا يَنَالُ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مَلِكًا لَا يُظْلَمُ أَحَدٌ عِنْدَهُ فَالْحَقُوا بِبِلَادِهِ حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَكُمْ فَرَجًا وَمَخْرَجًا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ» فَخَرَجْنَا إِلَيْهَا أَرْسَالًا حَتَّى اجْتَمَعْنَا بِهَا، فَنَزَلْنَا بِخَيْرِ دَارٍ إِلَى خَيْرِ جَارٍ آمِنِينَ عَلَى دِينِنَا، وَلَمْ نَخْشَ فِيهَا ظُلْمًا. فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّا قد أصبنا دارا وأمنا، غاروا منا، فاجتمعوا عَلَى أَنْ يَبْعَثُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ فِينَا لِيُخْرِجُونَا مِنْ بِلَادِهِ وَلِيَرُدَّنَا عَلَيْهِمْ فَبَعَثُوا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، فَجَمَعُوا لَهُ هَدَايَا وَلِبَطَارِقَتِهِ، فَلَمْ يَدَعُوا مِنْهُمْ رَجُلًا إلا هيئوا لَهُ هَدِيَّةً عَلَى حِدَةٍ، وَقَالُوا لَهُمَا ادْفَعُوا إِلَى كُلِّ بِطْرِيقٍ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ تَتَكَلَّمُوا فِيهِمْ، ثُمَّ ادْفَعُوا إِلَيْهِ هَدَايَاهُ فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ يَرُدَّهُمْ عَلَيْكُمْ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ فَافْعَلُوا. فقد ما عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْقَ بِطْرِيقٌ مِنْ بَطَارِقَتِهِ إِلَّا قدموا اليه هديته، فكلموه فقالوا لَهُ: إِنَّمَا قَدِمَنَا عَلَى هَذَا الْمَلِكِ فِي سُفَهَائِنَا، فَارَقُوا أَقْوَامَهُمْ فِي دِينِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكُمْ. فَبَعَثَنَا قَوْمُهُمْ لِيَرُدَّهُمُ الْمَلِكُ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا نَحْنُ كَلَّمْنَاهُ فَأَشِيرُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يَفْعَلَ فَقَالُوا نَفْعَلُ. ثُمَّ قَدَّمُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ هَدَايَاهُ، وَكَانَ مِنْ أَحَبِّ مَا يُهْدُونَ إِلَيْهِ مِنْ مَكَّةَ الْأُدُمُ- وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّهُمْ أَهْدَوْا إِلَيْهِ فَرَسًا وَجُبَّةَ دِيبَاجٍ- فَلَمَّا أَدْخَلُوا عَلَيْهِ هَدَايَاهُ. قَالُوا لَهُ: أَيُّهَا
الْمَلِكُ: إِنَّ فِتْيَةً مِنَّا سُفَهَاءَ فَارَقُوا دِينَ قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه، وقد لجئوا إِلَى بِلَادِكَ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَيْكَ فِيهِمْ عَشَائِرُهُمْ، آباؤهم وأعمامهم وقومهم لتردهم عليهم، فإنهم أعلا بِهِمْ عَيْنًا، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ فَتَمْنَعَهُمْ لِذَلِكَ. فَغَضِبَ ثُمَّ قَالَ: لَا لَعَمْرُ اللَّهِ! لَا أَرُدُّهُمْ عَلَيْهِمْ حَتَّى أَدْعُوَهُمْ، فَأُكَلِّمَهُمْ وانظر ما أمرهم، قوم لجئوا إِلَى بِلَادِي وَاخْتَارُوا جِوَارِي عَلَى جِوَارِ غَيْرِي فَإِنْ كَانُوا كَمَا يَقُولُونَ رَدَدْتُهُمْ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَنَعْتُهُمْ وَلَمْ أَدْخُلْ بينهم وبينهم، ولم أنعم عَيْنًا-[وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ أُمَرَاءَهُ أَشَارُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يَرُدَّهُمْ إِلَيْهِمْ. فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ! حَتَّى أَسْمَعَ كَلَامَهُمْ وَأَعْلَمَ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ هُمْ عَلَيْهِ؟ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ سَلَّمُوا وَلَمْ يَسْجُدُوا لَهُ. فَقَالَ: أَيُّهَا الرَّهْطُ أَلَا تُحَدِّثُونِي مَا لَكُمْ لَا تُحَيُّونِي كَمَا يُحَيِّينِي من أتانا من قومكم؟ فأخبروني مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى وَمَا دِينُكُمْ؟
أَنَصَارَى أَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ أَفَيَهُودٌ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَعَلَى دِينِ قَوْمِكُمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ فَمَا دِينُكُمْ؟ قَالُوا الْإِسْلَامُ. قَالَ وَمَا الْإِسْلَامُ؟ قَالُوا نَعْبُدُ اللَّهَ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا. قَالَ: مَنْ جَاءَكُمْ بِهَذَا؟
قَالُوا جَاءَنَا بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَنْفُسِنَا، قَدْ عَرَفْنَا وَجْهَهُ وَنَسَبَهُ، بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَيْنَا كَمَا بَعَثَ الرُّسُلَ إِلَى مَنْ قَبْلَنَا، فَأَمَرَنَا بِالْبَرِّ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَفَاءِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَنَهَانَا أَنْ نَعْبُدَ الْأَوْثَانَ وَأَمَرَنَا بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَصَدَّقْنَاهُ وَعَرَفْنَا كَلَامَ اللَّهِ وَعَلِمْنَا أَنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَلَمَّا فَعَلْنَا ذَلِكَ عَادَانَا قَوْمُنَا وَعَادَوُا النَّبِيَّ الصَّادِقَ وَكَذَّبُوهُ وَأَرَادُوا قَتْلَهُ، وَأَرَادُونَا عَلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، فَفَرَرْنَا إِلَيْكَ بِدِينِنَا وَدِمَائِنَا مِنْ قَوْمِنَا. قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَمِنَ الْمِشْكَاةِ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا أَمْرُ مُوسَى. قَالَ جَعْفَرٌ: وَأَمَّا التَّحِيَّةُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَنَا أَنَّ تَحِيَّةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ السَّلَامُ، وَأَمَرَنَا بِذَلِكَ فَحَيَّيْنَاكَ بِالَّذِي يُحَيِّي بَعْضُنَا بَعْضًا. وَأَمَّا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَعَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَابْنُ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ. فَأَخَذَ عُودًا وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا زَادَ ابْنُ مَرْيَمَ عَلَى هَذَا وَزْنَ هَذَا الْعُودِ. فَقَالَ عُظَمَاءُ الْحَبَشَةِ: وَاللَّهِ لَئِنْ سَمِعَتِ الْحَبَشَةُ لَتَخْلَعَنَّكَ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَقُولُ فِي عِيسَى غَيْرَ هَذَا أَبَدًا، وَمَا أَطَاعَ اللَّهُ النَّاسَ فِيَّ حِينِ رد على ملكي فأطع النَّاسَ فِي دِينِ اللَّهِ. مَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [1]] فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ النَّجَاشِيُّ فَجَمَعَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَهُمْ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُ النَّجَاشِيِّ اجْتَمَعَ الْقَوْمُ فَقَالُوا مَاذَا تَقُولُونَ؟ فَقَالُوا وَمَاذَا نَقُولُ، نَقُولُ وَاللَّهِ مَا نَعْرِفُ، وَمَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دِينِنَا، وَمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم كائن من ذَلِكَ مَا كَانَ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ كَانَ الَّذِي يُكَلِّمُهُ مِنْهُمْ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه. فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ؟ فَارَقْتُمْ دِينَ قَوْمِكُمْ وَلَمْ تَدْخُلُوا فِي يَهُودِيَّةٍ، وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ. فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنَّا قَوْمًا عَلَى الشِّرْكِ نَعْبُدُ الْأَوْثَانَ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنُسِيءُ الجوار، يستحل المحارم بعضنا من
[1] ما بين المربعين زيادة من النسخة المصرية.
بعض في سفك الدماء وغيرها، لأنحل شَيْئًا وَلَا نُحَرِّمُهُ. فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا نَبِيًّا مِنْ أَنْفُسِنَا نَعْرِفُ وَفَاءَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ فَدَعَانَا إِلَى أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له ونصل الأرحام وتحمى الْجِوَارَ وَنُصَلِّيَ للَّه عز وجل، وَنَصُومَ لَهُ، وَلَا نَعْبُدَ غَيْرَهُ.
وَقَالَ زِيَادٌ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الأمانة وصلة الأرحام وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ. قَالَ- فَعَدُّوا عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ- فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا، فَعَدَا علينا قومنا فعذبونا ليفتنونا عن ديننا ويردونا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ، وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الْخَبَائِثِ، فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَضَيَّقُوا عَلَيْنَا وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا خَرَجْنَا إِلَى بِلَادِكَ وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ. قَالَتْ فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: هَلْ مَعَكَ شَيْءٌ مِمَّا جَاءَ بِهِ؟ وَقَدْ دَعَا أَسَاقِفَتَهُ فَأَمَرَهُمْ فَنَشَرُوا الْمَصَاحِفَ حَوْلَهُ. فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ! نَعَمْ: قَالَ هَلُمَّ فَاتْلُ عَلَيَّ مِمَّا جَاءَ بِهِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ كهيعص فَبَكَى وَاللَّهِ النَّجَاشِيُّ حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَيَخْرُجُ مِنَ الْمِشْكَاةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا مُوسَى، انْطَلِقُوا رَاشِدِينَ لَا وَاللَّهِ لَا أردهم عليكم ولا أنعمكم علينا. فخرجنا من عنده وكان أبقى الرجلين فينا عبد الله بن رَبِيعَةَ. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: وَاللَّهِ لَآتِيَنَّهُ غَدًا بِمَا أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ، وَلَأُخْبِرُنَّهُ أَنَّهُمْ يزعمون ان إلهه الّذي يعبد عيسى بن مَرْيَمَ عَبْدٌ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا خالفونا فان لهم رَحِمًا وَلَهُمْ حَقًّا. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ! فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ دَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى قَوْلًا عَظِيمًا، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِمْ فَسَلْهُمْ عَنْهُ. فَبَعَثَ وَاللَّهِ إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهَا، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ مَاذَا تقولون له في عيسى ان هو يسألكم عَنْهُ؟ فَقَالُوا: نَقُولُ وَاللَّهِ الَّذِي قَالَهُ اللَّهُ فِيهِ، وَالَّذِي أَمَرَنَا نَبِيُّنَا أَنْ نَقُولَهُ فِيهِ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ بَطَارِقَتُهُ فَقَالَ مَا تَقُولُونَ في عيسى بن مَرْيَمَ؟
فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: نَقُولُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ. فَدَلَّى النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ فَأَخَذَ عُودًا بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ فَقَالَ: مَا عَدَا عيسى بن مريم مما قلت هذا العويد.
فتناخرت بطراقته. فَقَالَ: وَإِنْ تَنَاخَرْتُمْ وَاللَّهِ! اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ في الأرض- السيوم الْآمِنُونَ فِي الْأَرْضِ، مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ، مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ، مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ، ثَلَاثًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبْرًا وَأَنِّي آذَيْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ- وَالدَّبْرُ بِلِسَانِهِمُ الذَّهَبُ. وَقَالَ زِيَادٌ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبْرًا من ذهب. قال
ابن هشام: ويقال زبرا وهو الجبل بلغتهم. ثم قال النجاشي: فو الله مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي، وَلَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعَ الناس فيه. ردوا عليهما هدايا هم فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا. وَاخْرُجَا مِنْ بِلَادِي فَخَرَجَا مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ. قَالَتْ: فَأَقَمْنَا مَعَ خَيْرِ جَارٍ فِي خَيْرِ دار، فلم نشب أَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْحَبَشَةِ يُنَازِعُهُ في ملكه، فو الله ما علمنا حزنا حزنّا قط هو أَشَدَّ مِنْهُ، فَرَقًا مِنْ أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ الْمَلِكُ عَلَيْهِ فَيَأْتِي مَلِكٌ لَا يَعْرِفُ مِنْ حقنا ما كان يعرفه، فجعلنا ندعوا اللَّهَ وَنَسْتَنْصِرُهُ لِلنَّجَاشِيِّ فَخَرَجَ إِلَيْهِ سَائِرًا فَقَالَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بعضهم لبعض: من يَخْرُجُ فَيَحْضُرُ الْوَقْعَةَ حَتَّى يَنْظُرَ عَلَى مَنْ تكون؟ وقال الزُّبَيْرُ- وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا- أَنَا، فَنَفَخُوا له قربة فجعلها في صدره، فجعل يَسْبَحُ عَلَيْهَا فِي النِّيلِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ شِقِّهِ الْآخَرِ إِلَى حَيْثُ الْتَقَى النَّاسُ، فَحَضَرَ الْوَقْعَةَ فَهَزَمَ اللَّهُ ذَلِكَ الْمَلِكَ وَقَتَلَهُ، وَظَهَرَ النجاشي عليه. فجاءنا الزبير فجعل يليح لَنَا بِرِدَائِهِ وَيَقُولُ أَلَا فَأَبْشِرُوا، فَقَدْ أَظْهَرَ الله النجاشي. قلت: فو الله مَا عَلِمْنَا [أَنَّنَا] فَرِحْنَا بِشَيْءٍ قَطُّ فَرَحَنَا بِظُهُورِ النَّجَاشِيِّ ثُمَّ أَقَمْنَا عِنْدَهُ حَتَّى خَرَجَ من خرج منا إِلَى مَكَّةَ، وَأَقَامَ مَنْ أَقَامَ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ فَحَدَّثْتُ هَذَا الْحَدِيثَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. فَقَالَ عُرْوَةُ: أَتُدْرِي مَا قَوْلُهُ مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ، وَلَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعَ النَّاسَ فِيهِ؟
فَقُلْتُ لَا! مَا حَدَّثَنِي ذَلِكَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. فَقَالَ عُرْوَةُ:
فَإِنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْنِي أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مَلِكَ قَوْمِهِ، وَكَانَ لَهُ أَخٌ لَهُ مَنْ صُلْبِهِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا وَلَمْ يكن لأب النَّجَاشِيِّ وَلَدٌ غَيْرُ النَّجَاشِيِّ فَأَدَارَتِ الْحَبَشَةُ رَأْيَهَا بَيْنَهَا فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا قَتَلْنَا أَبَا النَّجَاشِيِّ وَمَلَّكْنَا أَخَاهُ فَإِنَّ لَهُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مِنْ صُلْبِهِ فَتَوَارَثُوا الْمُلْكَ، لَبَقِيَتِ الْحَبَشَةُ عَلَيْهِمْ دَهْرًا طَوِيلًا لَا يَكُونُ بَيْنَهُمُ اخْتِلَافٌ، فَعَدَوْا عليه فقتلوه وملكوا أخاه. فدخل النجاشي بعمه حَتَّى غَلَبَ عَلَيْهِ فَلَا يُدَبِّرُ أَمْرَهُ غَيْرُهُ، وَكَانَ لَبِيبًا حَازِمًا مِنَ الرِّجَالِ، فَلَمَّا رَأَتِ الحبشة مكانه من عمه قالوا قد غَلَبَ هَذَا الْغُلَامُ عَلَى أَمْرِ عَمِّهِ فَمَا نَأْمَنُ أَنْ يُمَلِّكَهُ عَلَيْنَا وَقَدْ عَرَفَ أَنَّا قَتَلْنَا أَبَاهُ، فَلَئِنْ فَعَلَ لَمْ يَدَعْ مِنَّا شَرِيفًا إِلَّا قَتَلَهُ، فَكَلِّمُوهُ فِيهِ فَلْيَقْتُلْهُ أَوْ لَيُخْرِجَنَّهُ مِنْ بِلَادِنَا، فَمَشَوْا إِلَى عَمِّهِ فَقَالُوا: قَدْ رَأَيْنَا مَكَانَ هَذَا الْفَتَى مِنْكَ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّا قَتَلْنَا أَبَاهُ وَجَعَلْنَاكَ مَكَانَهُ وَإِنَّا لَا نَأْمَنُ أَنْ يَمْلِكَ عَلَيْنَا فَيَقْتُلَنَا، فَإِمَّا أَنْ تَقْتُلَهُ وَإِمَّا أَنَّ تُخْرِجَهُ مِنْ بِلَادِنَا. قَالَ: وَيْحَكُمْ قَتَلْتُمْ أَبَاهُ بِالْأَمْسِ وَأَقْتُلُهُ الْيَوْمَ. بَلْ أُخْرِجُهُ مِنْ بِلَادِكُمْ. فَخَرَجُوا بِهِ فَوَقَفُوهُ فِي السُّوقِ وَبَاعُوهُ مِنْ تَاجِرٍ مِنَ التُّجَّارِ قذفه في سفينة بستمائة درهم أو بسبعمائة فَانْطَلَقَ بِهِ فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ هَاجَتْ سَحَابَةٌ مِنْ سَحَائِبِ الْخَرِيفِ فَخَرَجَ عَمُّهُ يَتَمَطَّرُ تَحْتَهَا فأصابته صاعقة فقتلته ففزعوا الى ولده فاذاهم مُحْمِقُونَ لَيْسَ فِي أَحَدٍ مِنْهُمْ خَيْرٌ فَمَرَجَ عَلَى الْحَبَشَةِ أَمْرُهُمْ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:
تَعْلَمُونَ وَاللَّهِ أَنَّ مَلِكَكُمُ الَّذِي لَا يُصْلِحُ أَمْرَكُمْ غَيْرُهُ لَلَّذِي بِعْتُمُ الْغَدَاةَ، فَإِنْ كَانَ لَكُمْ بأمر الحبشة
حَاجَةٌ فَأَدْرِكُوهُ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ فَأَدْرَكُوهُ فَرَدُّوهُ فَعَقَدُوا عَلَيْهِ تَاجَهُ وَأَجْلَسُوهُ عَلَى سَرِيرِهِ وَمَلَّكُوهُ، فَقَالَ التَّاجِرُ: رُدُّوا عَلَيَّ مَالِي كَمَا أَخَذْتُمْ مِنِّي غُلَامِي، فَقَالُوا: لَا نعطيك. فقال: إذا والله لأكلمنه، فَمَشَى إِلَيْهِ فَكَلَّمَهُ فَقَالَ أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنِّي ابتعت غلاما فقبض منى الّذي بَاعُوهُ ثَمَنَهُ، ثُمَّ عَدَوْا عَلَى غُلَامِي فَنَزَعُوهُ مِنْ يَدِي وَلَمْ يَرُدُّوا عَلَيَّ مَالِي، فَكَانَ أَوَّلَ مَا خُبِرَ بِهِ مِنْ صَلَابَةِ حُكْمِهِ وَعَدْلِهِ أَنْ قَالَ: لَتَرُدُّنَّ عَلَيْهِ مَالَهُ، أَوْ لَتَجْعَلُنَّ يَدَ غُلَامِهِ فِي يَدِهِ فَلْيَذْهَبَنَّ بِهِ حَيْثُ شَاءَ. فَقَالُوا: بَلْ نُعْطِيهِ مَالَهُ فَأَعْطَوْهُ إِيَّاهُ، فَلِذَلِكَ يَقُولُ: مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ فَآخُذَ الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي، وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعَ النَّاسَ فِيهِ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: كَانَ أَبُو النَّجَاشِيِّ مَلِكَ الْحَبَشَةِ، فَمَاتَ وَالنَّجَاشِيُّ غُلَامٌ صَغِيرٌ فَأَوْصَى إِلَى أَخِيهِ إِنَّ إِلَيْكَ مُلْكَ قَوْمِكَ حَتَّى يَبْلُغَ ابْنِي، فَإِذَا بَلَغَ فَلَهُ الْمُلْكُ فَرَغِبَ أَخُوهُ فِي الْمُلْكِ فَبَاعَ النَّجَاشِيَّ مِنْ بَعْضِ التُّجَّارِ فَمَاتَ عَمُّهُ مِنْ لَيْلَتِهِ وَقَضَى، فَرَدَّتِ الْحَبَشَةُ النَّجَاشِيَّ حَتَّى وَضَعُوا التَّاجَ عَلَى رَأْسِهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا وَسِيَاقُ ابْنِ إِسْحَاقَ أَحْسَنُ وَأَبْسَطُ فاللَّه أَعْلَمُ. وَالَّذِي وَقَعَ فِي سِيَاقِ ابْنِ إِسْحَاقَ إِنَّمَا هُوَ ذِكْرُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَالْأُمَوِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُمَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَعُمَارَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَهُوَ أَحَدُ السَّبْعَةِ الَّذِينَ دَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ تضاحكوا يوم وضع سلا الْجَزُورِ عَلَى ظَهْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ سَاجِدٌ عِنْدَ الْكَعْبَةِ.
وَهَكَذَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُمَا حِينَ خَرَجَا مِنْ مَكَّةَ كَانَتْ زَوْجَةُ عَمْرٍو مَعَهُ وَعُمَارَةُ كَانَ شَابًّا حَسَنًا فَاصْطَحَبَا فِي السَّفِينَةِ وَكَانَ عُمَارَةُ طَمِعَ فِي امْرَأَةِ عمرو ابن الْعَاصِ، فَأَلْقَى عَمْرًا فِي الْبَحْرِ لِيُهْلِكَهُ فَسَبَحَ حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهَا. فَقَالَ لَهُ عُمَارَةُ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تُحْسِنُ السِّبَاحَةَ لَمَا أَلْقَيْتُكَ، فَحَقَدَ عَمْرٌو عَلَيْهِ فَلَمَّا لَمْ يُقْضَ لَهُمَا حَاجَةٌ فِي الْمُهَاجِرِينَ مِنَ النَّجَاشِيِّ، وَكَانَ عُمَارَةُ قَدْ تَوَصَّلَ إِلَى بَعْضِ أَهْلِ النَّجَاشِيِّ فَوَشَى بِهِ عَمْرٌو فَأَمَرَ بِهِ النَّجَاشِيُّ فَسُحِرَ حَتَّى ذَهَبَ عَقْلُهُ وَسَاحَ فِي الْبَرِّيَّةِ مَعَ الْوُحُوشِ. - وَقَدْ ذَكَرَ الْأُمَوِيُّ- قِصَّةً مُطَوَّلَةً جِدًّا وَأَنَّهُ عَاشَ إِلَى زَمَنِ إِمَارَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَنَّهُ تَقَصَّدَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَمَسَكَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ أَرْسِلْنِي أَرْسِلْنِي وَإِلَّا مِتُّ فَلَمَّا لَمْ يُرْسِلْهُ مَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ فاللَّه أَعْلَمُ. وَقَدْ قِيلَ إِنَّ قُرَيْشًا بَعَثَتْ إِلَى النَّجَاشِيِّ فِي أَمْرِ الْمُهَاجِرِينَ مرتين الأول مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعُمَارَةَ وَالثَّانِيَةُ مَعَ عَمْرٍو، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْبِعْثَةَ الثَّانِيَةَ كَانَتْ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ قَالَهُ الزُّهْرِيُّ، لِيَنَالُوا مِمَّنْ هُنَاكَ ثَأْرًا فَلَمْ يُجِبْهُمُ النَّجَاشِيُّ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا سَأَلُوا فاللَّه أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذَكَرَ زِيَادٌ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا رَأَى ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ قُرَيْشٍ كَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ أَبْيَاتًا يَحُضُّهُ فِيهَا عَلَى الْعَدْلِ وَعَلَى الْإِحْسَانِ إِلَى مَنْ نَزَلَ عِنْدَهُ مَنْ قَوْمِهِ:
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ فِي النَّأْيِ جَعْفَرٌ
…
وَعَمْرٌو وَأَعْدَاءُ الْعَدُوِّ الْأَقَارِبُ
وَمَا نَالَتْ أَفْعَالُ النَّجَاشِيِّ جَعْفَرًا
…
وَأَصْحَابَهُ أَوْ عَاقَ ذَلِكَ شَاغِبُ
نعلم أَبَيْتَ اللَّعْنَ أَنَّكَ مَاجِدٌ
…
كَرِيمٌ فَلَا يَشْقَى إليك المجانب
ونعلم بِأَنَّ اللَّهَ زَادَكَ بَسْطَةً
…
وَأَسْبَابَ خَيْرٍ كُلُّهَا بِكَ لَازِبُ
وَقَالَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ. قَالَ: إِنَّمَا كَانَ يُكَلِّمُ النَّجَاشِيَّ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ جَعْفَرًا هُوَ الْمُتَرْجِمُ رضي الله عنهم. وَقَالَ زِيَادٌ الْبَكَّائِيُّ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها. قَالَتْ لَمَّا مَاتَ النَّجَاشِيُّ كَانَ يَتَحَدَّثُ أَنَّهُ لَا يَزَالُ يُرَى عَلَى قَبْرِهِ نُورٌ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الرَّازِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِهِ لَمَّا مَاتَ النَّجَاشِيُّ رضي الله عنه كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ لَا يَزَالُ يُرَى عَلَى قَبْرِهِ نُورٌ. وَقَالَ زِيَادٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ اجْتَمَعَتِ الْحَبَشَةُ فَقَالُوا لِلنَّجَاشِيِّ: إِنَّكَ فَارَقْتَ دِينَنَا وَخَرَجُوا عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ إِلَى جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ فَهَيَّأَ لَهُمْ سُفُنًا. وَقَالَ: ارْكَبُوا فِيهَا وَكُونُوا كَمَا أَنْتُمْ، فَإِنْ هُزِمْتُ فَامْضُوا حَتَّى تَلْحَقُوا بِحَيْثُ شِئْتُمْ وَإِنْ ظَفِرْتُ فَاثْبُتُوا. ثُمَّ عَمَدَ إِلَى كِتَابٍ فَكَتَبَ فِيهِ هُوَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَيَشْهَدُ أَنَّ عِيسَى عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ثُمَّ جَعَلَهُ فِي قَبَائِهِ عِنْدَ الْمَنْكِبِ الْأَيْمَنِ وَخَرَجَ إِلَى الْحَبَشَةِ وَصَفُّوا لَهُ. فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْحَبَشَةِ أَلَسْتُ أَحَقَّ النَّاسِ بِكُمْ؟ قَالُوا: بلى! قال: فكيف أنتم بسيرتي فيكم؟ قالوا خير سيرة. قال: فما بكم؟ قالوا فارقت ديننا، وزعمت أن عيسى عبده ورسوله. قَالَ؟ فَمَا تَقُولُونَ أَنْتُمْ فِي عِيسَى؟ قَالُوا: نَقُولُ هُوَ ابْنُ اللَّهِ. فَقَالَ النَّجَاشِيُّ- وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ عَلَى قَبَائِهِ-: وَهُوَ يَشْهَدُ أن عيسى بن مَرْيَمَ لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، وَإِنَّمَا يَعْنِي عَلَى مَا كَتَبَ، فَرَضُوا وَانْصَرَفُوا. فَبَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا مَاتَ النَّجَاشِيُّ صَلَّى عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مَوْتُ النَّجَاشِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ مَاتَ النَّجَاشِيُّ- مَاتَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ أَصْحَمَةَ. وَرُوِي ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ تَسْمِيَتُهُ أَصْحَمَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ مَصْحَمَةُ وَهُوَ أَصْحَمَةُ بْنُ بحر [1] وكان عبدا صالحا لبيبا زكيا وكان عَادِلًا عَالِمًا رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ. وَقَالَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ اسْمُ النَّجَاشِيِّ مَصْحَمَةُ وَفِي نُسْخَةٍ صَحَّحَهَا الْبَيْهَقِيُّ أَصْحَمُ وَهُوَ بِالْعَرَبِيَّةِ عطية
[1] في الأصلين: اصحمة بن ابجر والتصحيح عن القاموس.
قَالَ وَإِنَّمَا النَّجَاشِيُّ اسْمُ الْمَلِكِ: كَقَوْلِكَ كِسْرَى، هرقل.
قُلْتُ: كَذَا وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ بِهِ قَيْصَرَ فَإِنَّهُ عَلَمٌ لِكُلِّ مَنْ مَلَكَ الشَّامَ مَعَ الْجَزِيرَةِ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ، وَكِسْرَى عَلَمٌ عَلَى مَنْ مَلَكَ الْفُرْسَ، وَفِرْعَوْنُ عَلَمٌ لِمَنْ مَلَكَ مِصْرَ كَافَّةً، وَالْمُقَوْقِسُ لِمَنْ مَلَكَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ وَتُبَّعٌ لِمَنْ مَلَكَ الْيَمَنَ وَالشَّحْرُ، وَالنَّجَاشِيُّ لِمَنْ مَلَكَ الْحَبَشَةَ وَبَطْلَيْمُوسُ لِمَنْ مَلَكَ الْيُونَانَ وَقِيلَ الْهِنْدَ وَخَاقَانُ لِمَنْ مَلَكَ التُّرْكَ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّمَا صَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ مِنْ قَوْمِهِ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ يَوْمَ مَاتَ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ فَلِهَذَا صَلَّى عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم. قَالُوا: فَالْغَائِبُ إِنْ كَانَ قَدْ صُلِّيَ عَلَيْهِ بِبَلَدِهِ لَا تُشْرَعُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ ببلد أخرى؟ ولهذا لَمْ يُصَلِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ، لَا أَهْلُ مَكَّةَ وَلَا غَيْرُهُمْ وَهَكَذَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صُلِّيَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي غَيْرِ الْبَلْدَةِ الَّتِي صُلِّيَ عَلَيْهِ فِيهَا فاللَّه أَعْلَمُ.
قُلْتُ: وَشُهُودُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه الصَّلَاةَ عَلَى النَّجَاشِيِّ، دَلِيلٌ عَلَى أنه إنما مات بعد فتح خيبر [1] الَّتِي قَدِمَ بَقِيَّةُ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى الْحَبَشَةِ مَعَ جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يَوْمَ فَتْحِ خَيْبَرَ وَلِهَذَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«وَاللَّهِ مَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا أَنَا أُسَرُّ بِفَتْحِ خَيْبَرَ أَمْ بِقُدُومِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ» وَقَدِمُوا مَعَهُمْ بِهَدَايَا وَتُحَفٍ مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ رضي الله عنه إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَصُحْبَتُهُمْ أَهْلُ السَّفِينَةِ الْيَمَنِيَّةِ أَصْحَابُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَقَوْمُهُ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ رضي الله عنهم، وَمَعَ جَعْفَرٍ وَهَدَايَا النَّجَاشِيِّ ابْنُ أَخِي النَّجَاشِيِّ ذو نخترا أو ذو مخمرا أَرْسَلَهُ لِيَخْدِمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عِوَضًا عَنْ عَمِّهِ رضي الله عنهما وَأَرْضَاهُمَا. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: تُوُفِّيَ النَّجَاشِيُّ فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَفِي هَذَا نَظَرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَنْبَأَنَا الْفَقِيهُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الطُّوسِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ الرَّقِّيُّ حَدَّثَنَا أَبِي الْعَلَاءُ بْنُ مدرك حدثنا أبو هِلَالِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي غَالِبٍ عَنْ أَبِي أمامة. قَالَ قَدِمَ وَفْدُ النَّجَاشِيِّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ يَخْدِمُهُمْ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: نَحْنُ نَكْفِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: «إِنَّهُمْ كَانُوا لِأَصْحَابِي مُكْرِمِينَ وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أكافيهم» . ثُمَّ قَالَ وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سلمة عَنْ أَبِي قَتَادَةَ. قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ النَّجَاشِيِّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْدِمُهُمْ فَقَالَ أَصْحَابُهُ: نَحْنُ نَكْفِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: «إِنَّهُمْ كَانُوا لِأَصْحَابِنَا مُكْرِمِينَ وَإِنِّي أحب أن أكافيهم» . تَفَرَّدَ بِهِ طَلْحَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عمرو.
[1] كذا في الأصلين. ولعل العبارة (في السنة التي إلخ) .
قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ جَلَسَ فِي بَيْتِهِ فَلَمْ يَخْرُجْ اليهم، فقالوا: ما شأنه ماله لَا يَخْرُجُ؟ فَقَالَ عَمْرٌو إِنَّ أَصْحَمَةَ يَزْعُمُ أن صاحبكم نبي.
قال ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ عَلَى قُرَيْشٍ وَلَمْ يُدْرِكُوا مَا طَلَبُوا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَدَّهُمُ النَّجَاشِيُّ بِمَا يَكْرَهُونَ، وَأَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَكَانَ رَجُلًا ذَا شَكِيمَةٍ لَا يُرَامُ مَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ امْتَنَعَ بِهِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وبحمزة حتى غاظوا قُرَيْشًا فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَا كُنَّا نَقْدِرُ عَلَى أَنْ نُصَلِّيَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ فَلَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ قَاتَلَ قُرَيْشًا حَتَّى صَلَّى عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ. قُلْتُ: وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَالَ زِيَادٌ الْبَكَّائِيُّ حَدَّثَنِي مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ إِسْلَامَ عُمَرَ كَانَ فَتْحًا، وَإِنَّ هِجْرَتَهُ كَانَتْ نَصْرًا، وَإِنَّ إِمَارَتَهُ كَانَتْ رَحْمَةً، وَلَقَدْ كُنَّا وَمَا نُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ قَاتَلَ قُرَيْشًا حَتَّى صَلَّى عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ إِسْلَامُ عُمَرَ بَعْدَ خُرُوجِ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْحَبَشَةِ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَتْ: وَاللَّهِ إِنَّا لَنَتَرَحَّلُ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَقَدْ ذَهَبَ عَامِرٌ فِي بَعْضِ حَاجَتِنَا، إِذْ أَقْبَلَ عمر فوقف على وهو على شركه، فقالت وكنا نلقى منه أَذًى لَنَا وَشِدَّةً عَلَيْنَا قَالَتْ فَقَالَ إِنَّهُ الانطلاق يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ، قُلْتُ نَعَمْ! وَاللَّهِ لنخرجن في أرض من أَرْضِ اللَّهِ إِذْ آذَيْتُمُونَا وَقَهَرْتُمُونَا؟ حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَنَا مَخْرَجًا. قَالَتْ فَقَالَ صَحِبَكُمُ اللَّهُ وَرَأَيْتُ لَهُ رِقَّةً لَمْ أَكُنْ أَرَاهَا ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ أَحْزَنَهُ فِيمَا أَرَى خُرُوجُنَا قَالَتْ فجاء عامر بحاجتنا تِلْكَ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَوْ رَأَيْتَ عُمَرَ آنِفًا وَرِقَّتَهُ وَحُزْنَهُ عَلَيْنَا قَالَ: أَطَمِعْتِ فِي إِسْلَامِهِ قَالَتْ قُلْتُ نَعَمْ! قَالَ لَا يُسْلِمُ الَّذِي رَأَيْتِ حَتَّى يُسْلِمَ حِمَارُ الْخَطَّابِ، قَالَتْ يَأْسًا مِنْهُ لِمَا كَانَ يَرَى مِنْ غِلْظَتِهِ وَقَسْوَتِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ.
قُلْتُ: هَذَا يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ تَمَامَ الْأَرْبَعِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى الْحَبَشَةِ كَانُوا فَوْقَ الثَّمَانِينَ، اللَّهمّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ كَانَ تَمَامَ الْأَرْبَعِينَ بَعْدَ خُرُوجِ الْمُهَاجِرِينَ وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ هَاهُنَا فِي قِصَّةِ إِسْلَامِ عُمَرَ وَحْدَهُ رضي الله عنه، وَسِيَاقُهَا فَإِنَّهُ قَالَ: وَكَانَ إِسْلَامُ عُمَرَ فِيمَا بَلَغَنِي أَنَّ أُخْتَهُ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْخَطَّابِ وَكَانَتْ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ كَانَتْ قَدْ أَسْلَمَتْ وَأَسْلَمَ زَوْجُهَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَهُمْ مُسْتَخْفُونَ بِإِسْلَامِهِمْ مِنْ عُمَرَ، وَكَانَ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّحَّامُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَدِيٍّ قَدْ أَسْلَمَ أيضا مستخفيا بإسلامه مِنْ قَوْمِهِ، وَكَانَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ يَخْتَلِفُ إِلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ الْخَطَّابِ يُقْرِئُهَا الْقُرْآنَ فَخَرَجَ عُمَرُ يَوْمًا مُتَوَشِّحًا سَيْفَهُ يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَهْطًا مِنْ أَصْحَابِهِ
فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّهُمْ قَدِ اجْتَمَعُوا فِي بَيْتٍ عِنْدَ الصَّفَا وَهُمْ قَرِيبٌ مِنْ أَرْبَعِينَ مِنْ بَيْنِ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَمُّهُ حَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ الصِّدِّيقُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهم، فِي رِجَالٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ كَانَ أَقَامَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ وَلَمْ يَخْرُجْ فِيمَنْ خَرَجَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ.
فَلَقِيَهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ يَا عمر؟ قال أريد محمدا هذا الصابي الَّذِي فَرَّقَ أَمْرَ قُرَيْشٍ وَسَفَّهَ أَحْلَامَهَا وَعَابَ دِينَهَا وَسَبَّ آلِهَتَهَا فَأَقْتُلُهُ. فَقَالَ لَهُ نُعَيْمٌ: وَاللَّهِ لَقَدْ غَرَّتْكَ نَفْسُكَ يَا عُمَرُ، أَتَرَى بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ تَارِكِيكَ تَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَقَدْ قَتَلْتَ مُحَمَّدًا؟ أَفَلَا تَرْجِعُ إِلَى أَهْلِ بَيْتِكَ فَتُقِيمَ أَمْرَهُمْ قَالَ: وَأَيُّ أَهْلِ بَيْتِي، قَالَ خَتْنُكَ وَابْنُ عَمِّكَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَأُخْتُكَ فَاطِمَةُ فَقَدْ وَاللَّهِ أَسْلَمَا وَتَابَعَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم على دينه، فعليك بهما فرجع عمر عائدا إلى أخته فاطمة وعندها خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ مَعَهُ صَحِيفَةٌ فِيهَا طَهَ يقريها إِيَّاهَا فَلَمَّا سَمِعُوا حِسَّ عُمَرَ تَغَيَّبَ خَبَّابٌ فِي مَخْدَعٍ لَهُمْ- أَوْ فِي بَعْضِ الْبَيْتِ- وَأَخَذَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطَّابِ الصَّحِيفَةَ فَجَعَلَتْهَا تَحْتَ فَخِذِهَا وَقَدْ سَمِعَ عُمَرُ حِينَ دَنَا إِلَى الباب قراءة خباب عليها: فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ مَا هَذِهِ الْهَيْنَمَةُ الَّتِي سَمِعْتُ؟ قَالَا لَهُ مَا سَمِعْتَ شَيْئًا. قَالَ بَلَى وَاللَّهِ لَقَدْ أُخْبِرْتُ أَنَّكُمَا تَابَعْتُمَا مُحَمَّدًا عَلَى دِينِهِ وَبَطَشَ بِخَتْنِهِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ. فَقَامَتْ إِلَيْهِ أُخْتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطَّابِ لِتَكُفَّهُ عَنْ زَوْجِهَا فَضَرَبَهَا فَشَجَّهَا، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ قَالَتْ لَهُ أُخْتُهُ وَخَتْنُهُ نَعَمْ قَدْ أَسْلَمْنَا وَآمَنَّا باللَّه وَرَسُولِهِ فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ، فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ مَا بِأُخْتِهِ مِنَ الدَّمِ نَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ وَارْعَوَى، وَقَالَ لِأُخْتِهِ أعطينى هذه الصحيفة التي كنتم تقرءون آنِفًا أَنْظُرُ مَا هَذَا الَّذِي جَاءَ بِهِ محمدا؟ وَكَانَ عُمَرُ كَاتِبًا فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ قَالَتْ لَهُ أُخْتُهُ إِنَّا نَخْشَاكَ عَلَيْهَا، قَالَ لَا تَخَافِي وَحَلَفَ لَهَا بِآلِهَتِهِ لَيَرُدَّنَّهَا إِذَا قَرَأَهَا إِلَيْهَا، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ طَمِعَتْ فِي إِسْلَامِهِ فقالت يَا أَخِي إِنَّكَ نَجَسٌ عَلَى شِرْكِكَ، وَإِنَّهُ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ 56: 79 فَقَامَ عُمَرُ فَاغْتَسَلَ فَأَعْطَتْهُ الصَّحِيفَةَ وَفِيهَا طَهَ فَقَرَأَهَا فَلَمَّا قَرَأَ مِنْهَا صَدْرًا. قَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا الْكَلَامَ وَأَكْرَمَهُ. فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ خَرَجَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: وَاللَّهِ يَا عُمَرُ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ خَصَّكَ بِدَعْوَةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ أَمْسِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهمّ أَيِّدِ الْإِسْلَامَ بِأَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ- أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- فاللَّه اللَّهَ يَا عُمَرُ فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: فَدُلَّنِي يَا خَبَّابُ عَلَى مُحَمَّدٍ حَتَّى آتِيَهُ فَأُسْلِمَ. فَقَالَ لَهُ خَبَّابٌ: هُوَ فِي بَيْتٍ عِنْدَ الصَّفَا مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَخَذَ عُمَرُ سَيْفَهُ فَتَوَشَّحَهُ ثُمَّ عَمَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ فَضَرَبَ عَلَيْهِمُ الْبَابَ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ قَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَظَرَ مِنْ خلل الباب فإذا هو بعمر متوشح بالسيف فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فَزِعٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هذا عمر بن الخطاب متوشحا بالسيف، فَقَالَ حَمْزَةُ فَأْذَنْ لَهُ فَإِنْ كَانَ جَاءَ يريد خيرا بذلناه وإن كان يُرِيدُ شَرًّا قَتَلْنَاهُ بِسَيْفِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «ايذن لَهُ» فَأَذِنَ لَهُ الرَّجُلُ وَنَهَضَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى لَقِيَهُ فِي الْحُجْرَةِ فَأَخَذَ بِحُجْزَتِهِ أَوْ بِمَجْمَعِ رِدَائِهِ ثم جذبه جذبة شديدة
فقال ما جاء بك يا ابن الخطاب؟ فو الله مَا أَرَى أَنْ تَنْتَهِيَ حَتَّى يُنْزِلَ اللَّهُ بِكَ قَارِعَةً، فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُكَ لَأُومِنَ باللَّه وَرَسُولِهِ وَبِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، قَالَ فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تكبيرة فعرف أَهْلُ الْبَيْتِ أَنَّ عُمَرَ قَدْ أَسْلَمَ، فَتَفَرَّقَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَانِهِمْ وَقَدْ عَزُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ حِينَ أسلم عمر مع إسلام حمزة وعلموا أَنَّهُمَا سَيَمْنَعَانِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَنْتَصِفُونَ بِهِمَا مِنْ عَدُوِّهِمْ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَهَذَا حَدِيثُ الرُّوَاةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ إِسْلَامِ عُمَرَ حِينَ أَسْلَمَ رضي الله عنه.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ الْمَكِّيُّ عَنْ أَصْحَابِهِ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَمَّنْ رَوَى ذَلِكَ: أَنَّ إِسْلَامَ عُمَرَ فِيمَا تَحَدَّثُوا بِهِ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ كُنْتُ لِلْإِسْلَامِ مُبَاعِدًا وَكُنْتُ صَاحِبَ خَمْرٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أُحِبُّهَا وَأَشْرَبُهَا، وَكَانَ لَنَا مَجْلِسٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ بِالْحَزْوَرَةِ فَخَرَجْتُ لَيْلَةً أُرِيدُ جُلَسَائِي أُولَئِكَ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ مِنْهُمْ أَحَدًا فَقُلْتُ لَوْ أَنِّي جِئْتُ فُلَانًا الْخَمَّارَ لَعَلِّي أَجِدُ عِنْدَهُ خَمْرًا فَأَشْرَبَ مِنْهَا، فَخَرَجْتُ فَجِئْتُهُ فَلَمْ أَجِدْهُ قَالَ فَقُلْتُ لَوْ أَنِّي جِئْتُ الْكَعْبَةَ فَطُفْتُ سَبْعًا أَوْ سَبْعَيْنِ، قَالَ فَجِئْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يُصَلِّي، وَكَانَ إِذَا صَلَّى اسْتَقْبَلَ الشَّامَ وَجَعَلَ الْكَعْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّامِ وَكَانَ مُصَلَّاهُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْأَسْوَدِ وَالْيَمَانِيِّ، قَالَ فَقُلْتُ حِينَ رَأَيْتُهُ وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي اسْتَمَعْتُ لِمُحَمَّدٍ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَسْمَعَ مَا يَقُولُ فَقُلْتُ لئن دنوت منه لاستمع مِنْهُ لَأُرَوِّعَنَّهُ. فَجِئْتُ مِنْ قِبَلِ الْحِجْرِ فَدَخَلْتُ تَحْتَ ثِيَابِهَا فَجَعَلْتُ أَمْشِي رُوَيْدًا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يُصَلِّي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، حَتَّى قُمْتُ فِي قِبْلَتِهِ مُسْتَقْبِلَهُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا ثِيَابُ الْكَعْبَةِ. قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُ الْقُرْآنَ رَقَّ لَهُ قَلْبِي وَبَكَيْتُ وَدَخَلَنِي الْإِسْلَامُ، فَلَمْ أَزَلْ فِي مَكَانِي قَائِمًا حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ ثُمَّ انْصَرَفَ وَكَانَ إِذَا انْصَرَفَ خَرَجَ عَلَى دَارِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ- وَكَانَ مَسْكَنُهُ في الدار الرقطاء التي كانت بيده مُعَاوِيَةَ-. قَالَ عُمَرُ:
فَتَبِعْتُهُ حَتَّى إِذَا دَخَلَ بَيْنَ دَارِ عَبَّاسٍ وَدَارِ ابْنِ أَزْهَرَ أَدْرَكْتُهُ، فَلَمَّا سَمِعَ حِسِّي عَرَفَنِي فَظَنَّ أَنِّي إِنَّمَا اتبعته لاوذيه، فَنَهَمَنِي [1] ثُمَّ قَالَ مَا جَاءَ بِكَ يَا ابن الْخَطَّابِ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَ قُلْتُ جِئْتُ لَأُومِنَ باللَّه وَبِرَسُولِهِ وَبِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. قَالَ فَحَمِدَ اللَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ:«قَدْ هَدَاكَ اللَّهُ يَا عُمَرُ» ثُمَّ مَسَحَ صَدْرِي وَدَعَا لِي بِالثَّبَاتِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتَهُ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فاللَّه أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ.
قُلْتُ: وَقَدِ اسْتَقْصَيْتُ كَيْفِيَّةَ إِسْلَامِ عُمَرَ رضي الله عنه وَمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ مُطَوَّلًا فِي أَوَّلِ سِيرَتِهِ الَّتِي أَفْرَدْتُهَا عَلَى حِدَةٍ وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ قَالَ: أَيُّ قُرَيْشٍ أَنْقَلُ لِلْحَدِيثِ؟ فَقِيلَ لَهُ جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ الْجُمَحِيُّ فَغَدَا عَلَيْهِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَغَدَوْتُ أَتْبَعُ أَثَرَهُ وَأَنْظُرُ مَا يَفْعَلُ- وَأَنَا غلام أعقل كلما رَأَيْتُ- حَتَّى جَاءَهُ فَقَالَ لَهُ: أَعَلِمْتَ يَا جميل انى أسلمت ودخلت في دين
[1] النهم: الزجر والنهيم زجر الأسد. حكاه السهيليّ.
محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال فو الله مَا رَاجَعَهُ حَتَّى قَامَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ وَاتَّبَعَهُ عمر واتبعته أنا حَتَّى قَامَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ- وَهُمْ فِي أَنْدِيَتِهِمْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ- أَلَا إِنَّ ابْنَ الْخَطَّابِ قَدْ صَبَأَ.
قَالَ يَقُولُ عُمَرُ مِنْ خَلْفِهِ كَذَبَ وَلَكِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَشَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله وَثَارُوا إِلَيْهِ فَمَا بَرِحَ يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ حَتَّى قامت الشمس على رءوسهم. قَالَ وَطَلَحَ [1] فَقَعَدَ وَقَامُوا عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ: افْعَلُوا مَا بَدَا لَكُمْ فَأَحْلِفُ باللَّه أَنْ لَوْ قَدْ كُنَّا ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ لَقَدْ تَرَكْنَاهَا لَكُمْ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا لَنَا. قَالَ فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَيْهِ حُلَّةٌ حِبَرَةٌ وَقَمِيصٌ مُوَشَّى حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ؟ فَقَالُوا صَبَأَ عُمَرُ، قَالَ فَمَهْ؟ رَجُلٌ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَمْرًا فَمَاذَا تُرِيدُونَ؟ أَتَرَوْنَ بَنِي عَدِيٍّ يُسْلِمُونَ لَكُمْ صاحبهم هكذا؟ خلوا عن الرجل. قال فو الله لَكَأَنَّمَا كَانُوا ثَوْبًا كُشِطَ عَنْهُ. قَالَ فَقُلْتُ لِأَبِي بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ: يَا أبة مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي زَجَرَ الْقَوْمَ عَنْكَ بِمَكَّةَ يَوْمَ أَسْلَمْتَ وَهُمْ يُقَاتِلُونَكَ؟
قَالَ: ذَاكَ أَيْ بُنَّيَّ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ، وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِ إِسْلَامِ عُمَرَ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ عَرَضَ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَكَانَتْ أُحُدٌ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَقَدْ كَانَ مُمَيِّزًا يَوْمَ أَسْلَمَ أَبُوهُ، فَيَكُونُ إِسْلَامُهُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِنَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ، وَذَلِكَ بَعْدَ البعثة بنحو تِسْعِ سِنِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: حَدَّثَنَا الْحَاكِمُ أَخْبَرَنَا الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ. قَالَ ثُمَّ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِشْرُونَ رَجُلًا وَهُوَ بِمَكَّةَ- أَوْ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ- مِنَ النَّصَارَى حِينَ ظَهَرَ خَبَرُهُ مَنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَوَجَدُوهُ فِي الْمَجْلِسِ، فكلموه وسألوه وَرِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي أَنْدِيَتِهِمْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ مُسَاءَلَتِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَمَّا أَرَادُوا، دَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى اللَّهِ عز وجل وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَلَمَّا سَمِعُوا فَاضَتْ أَعْيُنُهُمْ مِنَ الدَّمْعِ ثُمَّ اسْتَجَابُوا لَهُ وَآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ وَعَرَفُوا مِنْهُ مَا كَانَ يُوصَفُ لَهُمْ فِي كِتَابِهِمْ مِنْ أَمْرِهِ، فَلَمَّا قَامُوا مِنْ عِنْدِهِ اعْتَرَضَهُمْ أَبُو جَهْلٍ فِي نفر من قريش فقال: خَيَّبَكُمُ اللَّهُ مِنْ رَكْبٍ بَعَثَكُمْ مَنْ وَرَاءَكُمْ مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ تَرْتَادُونَ لَهُمْ فَتَأْتُونَهُمْ بِخَبَرِ الرَّجُلِ، فَلَمْ تَطْمَئِنَّ مَجَالِسُكُمْ عِنْدَهُ حَتَّى فَارَقْتُمْ دِينَكُمْ وَصَدَّقْتُمُوهُ بِمَا قَالَ لَكُمْ، مَا نَعْلَمُ ركبا أحمق منكم- أو كما قال- قالوا لهم: لا نجاهلكم سلام عليكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا نألون أَنْفُسَنَا خَيْرًا. فَيُقَالُ إِنَّ النَّفَرَ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ. وَيُقَالُ والله أعلم أن فيهم نزلت هذه الْآيَاتُ: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ، أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ، وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ 28: 52- 55.
[1] وطلح: أي أعيى كذا في النهاية في تفسيره هذا الخبر.