الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر إفاضته عليه السلام إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ
قَالَ جَابِرٌ ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمْ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ. فَقَالَ: انْزِعُوا بنى عبد المطلب فلولا أن تغلبكم النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ، فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَفِي هَذَا السِّيَاقِ ما يدل على أنه عليه السلام رَكِبَ إِلَى مَكَّةَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ صَلَّى الظُّهْرَ هُنَاكَ. وَقَالَ مُسْلِمٌ أَيْضًا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى. وَهَذَا خِلَافُ حَدِيثِ جَابِرٍ وَكِلَاهُمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ، فَإِنْ عللنا بهما أمكن أن يقال إنه عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَوَجَدَ النَّاسَ يَنْتَظِرُونَهُ فَصَلَّى بِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ورجوعه عليه السلام إِلَى مِنًى فِي وَقْتِ الظُّهْرِ مُمْكِنٌ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ كَانَ صَيْفًا وَالنَّهَارُ طَوِيلٌ وَإِنْ كان قد صدر منه عليه السلام أَفْعَالٌ كَثِيرَةٌ فِي صَدْرِ هَذَا النَّهَارِ فَإِنَّهُ دَفَعَ فِيهِ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ مَا أَسْفَرَ الْفَجْرُ جِدًّا وَلَكِنَّهُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، ثُمَّ قَدِمَ مِنًى فَبَدَأَ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ. ثُمَّ جَاءَ فَنَحَرَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بدنة ونحر عليّ بقية المائة، ثم أخذت مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بَضْعَةً وَوُضِعَتْ فِي قِدْرٍ وَطُبِخَتْ حَتَّى نَضِجَتْ فَأَكَلَ مِنْ ذَلِكَ اللَّحْمِ وشرب من ذلك المرق. وفي غبون [1] ذلك حلق رأسه عليه السلام وَتَطَيَّبَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ رَكِبَ الى البيت وقد خطب عليه السلام فِي هَذَا الْيَوْمِ خُطْبَةً عَظِيمَةً وَلَسْتُ أَدْرِي أَكَانَتْ قَبْلَ ذَهَابِهِ إِلَى الْبَيْتِ أَوْ بَعْدَ رجوعه منه الى منى فاللَّه أعلم. والقصد أَنَّهُ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ رَاكِبًا وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهما، ثُمَّ شَرِبَ مِنْ ماء زمزم ومن نبيذ تمر مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ. فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُقَوِّي قول من قال: إنه عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ كَمَا رَوَاهُ جَابِرٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى مِنًى فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ بِمِنًى الظُّهْرَ أَيْضًا. وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَشْكَلَ عَلَى ابْنِ حَزْمٍ فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ فِيهِ وَهُوَ مَعْذُورٌ لِتَعَارُضِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَعْنَى. قَالَا: ثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأحمر عن محمد بن إسحاق عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حَصَاةٍ. قَالَ: ابْنُ حَزْمٍ فَهَذَا جَابِرٌ وَعَائِشَةُ قد اتفقا على أنه عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَضْبَطُ لِذَلِكَ مِنَ ابْنِ عُمَرَ. كَذَا قَالَ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّ رِوَايَةِ عَائِشَةَ هَذِهِ ليست ناصة أنه
[1] كذا في الأصلين ولعله تصحيف (غضون ذلك) أي في أثناء ذلك.
عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ بَلْ مُحْتَمِلَةٌ إِنْ كَانَ الْمَحْفُوظُ فِي الرِّوَايَةِ حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ وَإِنْ كَانَتِ الرِّوَايَةُ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ وَهُوَ الْأَشْبَهُ فان ذلك دليل على أنه عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْبَيْتِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ. وَعَلَى هَذَا فَيَبْقَى مُخَالِفًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ فَإِنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ إِلَى الْبَيْتِ وَحَدِيثُ جَابِرٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَصَلَّاهَا بِمَكَّةَ. وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَخَّرَ النبي صلى الله عليه وسلم يعنى طواف الزيارة الى الليل- وهذا والّذي علقه البخاري فقد رواه الناس من حديث يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وفرج بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَّرَ الطَّوَافَ يَوْمَ النَّحْرِ إِلَى اللَّيْلِ. وَرَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمَ زَارَ لَيْلًا. فَإِنْ حُمِلَ هَذَا عَلَى أَنَّهُ أَخَّرَ ذَلِكَ إِلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ كَأَنَّهُ يَقُولُ إِلَى الْعَشِيِّ صَحَّ ذَلِكَ. وَأَمَّا إِنْ حُمِلَ عَلَى مَا بَعْدَ الْغُرُوبِ فَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَمُخَالِفٌ لِمَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصحيحة المشهورة من أنه عليه السلام طَافَ يَوْمَ النَّحْرِ نَهَارًا، وَشَرِبَ مِنْ سِقَايَةِ زَمْزَمَ. وَأَمَّا الطَّوَافُ الَّذِي ذَهَبَ فِي اللَّيْلِ إِلَى الْبَيْتِ بِسَبَبِهِ فَهُوَ طَوَافُ الْوَدَاعِ. وَمِنَ الرُّوَاةِ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْهُ بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. أَوْ طَوَافُ زِيَارَةٍ مَحْضَةٍ قَبْلَ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَبَعْدَ طَوَافِ الصَّدْرِ الَّذِي هُوَ طَوَافُ الْفَرْضِ. وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ سنذكره في موضعه. أن رسول الله كَانَ يَزُورُ الْبَيْتَ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي مِنًى وَهَذَا بَعِيدٌ أَيْضًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ روى الحافظ البيهقي من حديث عمرو ابن قيس عن عبد الرحمن عن الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أذن لأصحابه فزار والبيت يَوْمَ النَّحْرِ ظَهِيرَةً وَزَارَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ نِسَائِهِ لَيْلًا. وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا أَيْضًا وَهَذَا قَوْلُ طَاوُسٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَّرَ الطَّوَافَ يَوْمَ النَّحْرِ إِلَى اللَّيْلِ. وَالصَّحِيحُ مِنَ الرِّوَايَاتِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أنه عليه السلام طَافَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالنَّهَارِ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ وَاللَّهُ أعلم.
والمقصود أنه عليه السلام لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَهُوَ رَاكِبٌ ثُمَّ جَاءَ زَمْزَمَ وَبَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْتَقُونَ مِنْهَا وَيَسْقُونَ النَّاسَ، فَتَنَاوَلَ مِنْهَا دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ وَأَفْرَغَ عَلَيْهِ مِنْهُ. كَمَا قَالَ:
مسلم أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ وَهُوَ جَالِسٌ مَعَهُ عِنْدَ الْكَعْبَةِ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَاحِلَتِهِ وَخَلْفَهُ أُسَامَةُ فَأَتَيْنَاهُ بِإِنَاءٍ فِيهِ نَبِيذٌ فَشَرِبَ وَسَقَى فَضْلَهُ أُسَامَةَ. وَقَالَ: أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ هَكَذَا فَاصْنَعُوا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَنَحْنُ لَا نُرِيدُ أَنْ نُغَيِّرَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ بَكْرٍ أن أعرابيا قال لابن عباس: