الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن مَسْعُودٍ. قَالَ: جَاءَ ابْنُ النَّوَّاحَةِ وَابْنُ أُثَالٍ رَسُولَيْنِ لِمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ لَهُمَا: «أَتَشْهَدَانِ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ» فَقَالَا نَشْهَدُ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «آمَنْتُ باللَّه وَرُسُلِهِ، وَلَوْ كُنْتُ قَاتِلًا رَسُولًا لَقَتَلْتُكُمَا» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَمَضَتِ السُّنَّةُ بِأَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ. قَالَ عبد الله: فاما ابن أنال فَقَدْ كَفَاهُ اللَّهُ، وَأَمَّا ابْنُ النَّوَّاحَةِ فَلَمْ يَزَلْ فِي نَفْسِي مِنْهُ حَتَّى أَمْكَنَ اللَّهُ مِنْهُ. قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ أَمَّا أُسَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَإِنَّهُ أَسْلَمَ وَقَدْ مَضَى الْحَدِيثُ فِي إِسْلَامِهِ. وَأَمَّا ابْنُ النَّوَّاحَةِ فَأَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بن أبى إسحاق المزني أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ ثنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ. قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ إِنِّي مَرَرْتُ بِبَعْضِ مَسَاجِدِ بَنِي حَنِيفَةَ وَهُمْ يَقْرَءُونَ قِرَاءَةً مَا أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَالطَّاحِنَاتِ طَحْنًا، وَالْعَاجِنَاتِ عَجْنًا، وَالْخَابِزَاتِ خَبْزًا، وَالثَّارِدَاتِ ثَرْدًا، وَاللَّاقِمَاتِ لَقْمًا. قَالَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ فَأُتِيَ بِهِمْ وَهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا وَرَأْسُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ النَّوَّاحَةِ، قَالَ فَأَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ فَقُتِلَ ثُمَّ قَالَ مَا كُنَّا بِمُحْرِزِينَ الشَّيْطَانَ مِنْ هؤلاء ولكن نَحُوزُهُمْ إِلَى الشَّامِ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكْفِيَنَاهُمْ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ كَانَ وَفْدُ بَنِي حَنِيفَةَ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا عَلَيْهِمْ سَلْمَى بْنُ حَنْظَلَةَ وَفِيهِمْ الرحال ابْنُ عُنْفُوَةَ وَطَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ وَعَلِيُّ بْنُ سِنَانٍ وَمُسَيْلِمَةُ بْنُ حَبِيبٍ الْكَذَّابُ، فَأُنْزِلُوا فِي دار مسلمة بنت الحارث وأجريت على الضِّيَافَةُ فَكَانُوا يُؤْتَوْنَ بِغَدَاءٍ وَعَشَاءٍ مَرَّةً خُبْزًا وَلَحْمًا، وَمَرَّةً خُبْزًا وَلَبَنًا، وَمَرَّةً خُبْزًا، وَمَرَّةً خبزا وسمنا، ومرة تمرا ينزلهم. فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَسْجِدَ أَسْلَمُوا وَقَدْ خَلَّفُوا مُسَيْلِمَةَ في رجالهم، وَلَمَّا أَرَادُوا الِانْصِرَافَ أَعْطَاهُمْ جَوَائِزَهُمْ خَمْسَ أَوَاقٍ مِنْ فِضَّةٍ، وَأَمَرَ لِمُسَيْلِمَةَ بِمِثْلِ مَا أَعْطَاهُمْ، لِمَا ذَكَرُوا أَنَّهُ فِي رِحَالِهِمْ فَقَالَ «أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بِشَرِّكُمْ مَكَانًا» فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَيْهِ أَخْبَرُوهُ بِمَا قَالَ عَنْهُ فَقَالَ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ الْأَمْرَ لِي مِنْ بَعْدِهِ وَبِهَذِهِ الْكَلِمَةِ تَشَبَّثَ قَبَّحَهُ اللَّهُ حَتَّى ادَّعَى النُّبُوَّةَ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مَعَهُمْ بأداوة فِيهَا فَضْلُ طَهُورِهِ وَأَمَرَهُمْ أَنَّ يَهْدِمُوا بَيْعَتَهُمْ وينضحوا هذا الماء مكانه وَيَتَّخِذُوهُ مَسْجِدًا فَفَعَلُوا وَسَيَأْتِي ذِكْرُ مَقْتَلِ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ فِي آخِرِ حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَقْتَلِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ فِي أَيَّامِ الصِّدِّيقِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ بَنِي حَنِيفَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفْدُ أَهْلِ نَجْرَانَ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْحُسَيْنِ ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ. قَالَ: جَاءَ الْعَاقِبُ وَالسَّيِّدُ صَاحِبَا نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدَانِ أَنْ يُلَاعِنَاهُ، قَالَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ لا تفعل فو الله لئن كان نبيا فلا عناه لَا نُفْلِحُ نَحْنُ وَلَا عَقِبُنَا مِنْ
بَعْدِنَا، قَالَا إِنَّا نُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَنَا وَابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا أَمِينًا وَلَا تَبْعَثْ مَعَنَا إِلَّا رجلا أمينا، فقال «لا بعثن مَعَكُمْ رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ فَاسْتَشْرَفَ لَهَا أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ قم يا أبا عبيدة ابن الْجَرَّاحِ، فَلَمَّا قَامَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ» وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِهِ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَأَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ قَالَا ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ ثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ سلمة بن يَسُوعَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ- قَالَ يُونُسُ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كتب الى نَجْرَانَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ طس سُلَيْمَانَ [1] ، بِاسْمِ إِلَهِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، مِنْ مُحَمَّدٍ النبي رسول الله الى أسقف نجران أسلم أنتم فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكُمْ إِلَهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ، وَأَدْعُوكُمْ إِلَى وِلَايَةِ اللَّهِ مِنْ وِلَايَةِ الْعِبَادِ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَالْجِزْيَةُ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ آذَنْتُكُمْ بِحَرْبٍ وَالسَّلَامُ. فَلَمَّا أَتَى الْأُسْقُفَّ الكتاب فقرأه قطع بِهِ وَذُعِرَ بِهِ ذُعْرًا شَدِيدًا وَبَعَثَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ يُقَالُ لَهُ شُرَحْبِيلُ بن وداعة- وكان من هَمْدَانَ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُدْعَى إِذَا نَزَلَتْ معضلة قبله لا الاتهم [2] وَلَا السَّيِّدُ وَلَا الْعَاقِبُ- فَدَفَعَ الْأُسْقُفُّ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى شُرَحْبِيلَ فَقَرَأَهُ، فَقَالَ الْأُسْقُفُّ يَا أَبَا مَرْيَمَ مَا رَأْيُكَ؟ فَقَالَ شُرَحْبِيلُ: قَدْ عَلِمْتَ مَا وَعَدَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ فِي ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ مِنَ النبوة فما تؤمن أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ ذَاكَ الرَّجُلَ لَيْسَ لِي فِي النُّبُوَّةِ رَأْيٌ، وَلَوْ كَانَ أَمْرٌ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا لَأَشَرْتُ عَلَيْكَ فِيهِ بِرَأْيٍ وَجَهِدْتُ لَكَ، فَقَالَ لَهُ الْأُسْقُفُّ تَنَحَّ فَاجْلِسْ، فتنحى شرحبيل فجلس ناحيته فَبَعَثَ الْأُسْقُفُّ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شُرَحْبِيلَ وَهُوَ مِنْ ذِي أَصْبَحَ مِنْ حِمْيَرٍ فَأَقْرَأهُ الْكِتَابَ وَسَأَلَهُ عَنِ الرَّأْيِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ قَوْلِ شُرَحْبِيلَ، فَقَالَ لَهُ الْأُسْقُفُّ تَنَحَّ فَاجْلِسْ فَتَنَحَّى فجلس ناحيته، وبعث الْأُسْقُفُّ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ يُقَالُ لَهُ جَبَّارُ بْنُ فَيْضٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ أَحَدِ بَنِي الْحِمَاسِ فَأَقْرَأَهُ الْكِتَابَ وَسَأَلَهُ عَنِ الرَّأْيِ فِيهِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ قَوْلِ شُرَحْبِيلَ وَعَبْدِ اللَّهِ، فَأَمَرَهُ الْأُسْقُفُّ فَتَنَحَّى فجلس ناحيته فَلَمَّا اجْتَمَعَ الرَّأْيُ مِنْهُمْ عَلَى تِلْكَ الْمَقَالَةِ جَمِيعًا، أَمَرَ الْأُسْقُفُّ بِالنَّاقُوسِ فَضُرِبَ بِهِ وَرُفِعَتِ النيران والمسوح فِي الصَّوَامِعِ وَكَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ إِذَا فَزِعُوا بِالنَّهَارِ، وَإِذَا كَانَ فَزَعُهُمْ لَيْلًا ضَرَبُوا بِالنَّاقُوسِ وَرُفِعَتِ النِّيرَانُ فِي الصَّوَامِعِ، فَاجْتَمَعَ حِينَ ضُرِبَ بِالنَّاقُوسِ وَرُفِعَتِ الْمُسُوحُ أَهْلُ الْوَادِي أَعْلَاهُ وَأَسْفَلُهُ وَطُولُ الْوَادِي مَسِيرَةُ يَوْمٍ لِلرَّاكِبِ السَّرِيعِ وَفِيهِ ثلاث وسبعون
[1] يريد السورة التي فيها الآية الكريمة إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 27: 30 وقوله أسلم أنتم كذا في الأصول ولعله أسلم تسلم.
[2]
كذا في الأصول: وفي ابن هشام: الابهم بالباء وجعله اسم السيد فيكون سياق العبارة لا الابهم وهو السيد، واسم العاقب عبد المسيح وليحرر.
قَرْيَةً وَعِشْرُونَ وَمِائَةُ أَلْفِ مُقَاتِلٍ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَأَلَهُمْ عَنِ الرَّأْيِ فِيهِ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُ أَهْلِ الرَّأْيِ مِنْهُمْ عَلَى أَنْ يَبْعَثُوا شُرَحْبِيلَ بْنَ وَدَاعَةَ الْهَمْدَانِيَّ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ شُرَحْبِيلَ الْأَصْبَحِيَّ وَجَبَّارَ بْنَ فَيْضٍ الْحَارِثِيَّ فَيَأْتُوهُمْ بِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ فَانْطَلَقَ الْوَفْدُ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْمَدِينَةِ وَضَعُوا ثِيَابَ السَّفَرِ عَنْهُمْ وَلَبِسُوا حُلَلًا لَهُمْ يَجُرُّونَهَا مِنْ حِبَرَةٍ وَخَوَاتِيمَ الذَّهَبِ ثُمَّ انْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه فَلَمْ يَرُدَّ عليهم السلام، وَتَصَدَّوْا لِكَلَامِهِ نَهَارًا طَوِيلًا فَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ وَعَلَيْهِمْ تِلْكَ الْحُلَلُ وَالْخَوَاتِيمُ الذَّهَبُ، فَانْطَلَقُوا يَتَّبَّعُونَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَكَانُوا يَعْرِفُونَهُمَا فَوَجَدُوهُمَا فِي نَاسٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي مَجْلِسٍ. فَقَالُوا: يَا عُثْمَانُ وَيَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِنَّ نَبِيَّكُمْ كَتَبَ إِلَيْنَا بِكِتَابٍ فَأَقْبَلْنَا مُجِيبِينَ لَهُ فَأَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ سَلَامَنَا وَتَصَدَّيْنَا لِكَلَامِهِ نَهَارًا طَوِيلًا فَأَعْيَانَا أَنْ يُكَلِّمَنَا فَمَا الرَّأْيُ مِنْكَمَا، أَتَرَوْنَ أَنْ نَرْجِعَ؟ فَقَالَا لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ فِي الْقَوْمِ مَا تَرَى يَا أَبَا الْحَسَنِ فِي هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ؟ فَقَالَ على لعثمان ولعبد الرحمن أَرَى أَنْ يَضَعُوا حُلَلَهُمْ هَذِهِ وَخَوَاتِيمَهُمْ وَيَلْبَسُوا ثِيَابَ سَفَرِهِمْ ثُمَّ يَعُودُوا إِلَيْهِ، فَفَعَلُوا فَسَلَّمُوا فَرَدَّ سَلَامَهُمْ. ثُمَّ قَالَ:«وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَقَدْ أَتَوْنِي الْمَرَّةَ الْأُولَى وَإِنَّ إِبْلِيسَ لَمَعَهُمْ، ثُمَّ سَاءَلَهُمْ وَسَاءَلُوهُ فَلَمْ تَزَلْ بِهِ وَبِهِمُ المسألة حتى قالوا مَا تَقُولُ فِي عِيسَى فَإِنَّا نَرْجِعُ إِلَى قومنا ونحن نصارى ليسرنا إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا أَنْ نَسْمَعَ مَا تَقُولُ فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَا عِنْدِي فِيهِ شَيْءٌ يَوْمِي هَذَا فَأَقِيمُوا حَتَّى أُخْبِرَكُمْ بِمَا يَقُولُ اللَّهُ فِي عِيسَى» فَأَصْبَحَ الْغَدُ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ الله عَلَى الْكاذِبِينَ 3: 59- 61.
فَأَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْغَدَ بَعْدَ مَا أَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ أَقْبَلَ مُشْتَمِلًا عَلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ فِي خَمِيلٍ لَهُ وَفَاطِمَةُ تَمْشِي عِنْدَ ظَهْرِهِ لِلْمُلَاعَنَةِ وَلَهُ يَوْمَئِذٍ عِدَّةُ نِسْوَةٍ، فَقَالَ شُرَحْبِيلُ لِصَاحِبَيْهِ: قَدْ عَلِمْتُمَا أَنَّ الْوَادِيَ إِذَا اجْتَمَعَ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلُهُ لَمْ يَرِدُوا وَلَمْ يَصْدُرُوا إِلَّا عَنْ رَأْيِي، وَإِنِّي وَاللَّهِ أَرَى أَمْرًا ثَقِيلًا، وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ مَلِكَا متقويا فكنا أول العرب طعن في عيبته وَرَدَّ عَلَيْهِ أَمْرَهُ لَا يَذْهَبُ لَنَا مِنْ صَدْرِهِ وَلَا مِنْ صُدُورِ أَصْحَابِهِ حَتَّى يُصِيبُونَا بِجَائِحَةٍ وَإِنَّا أَدْنَى الْعَرَبِ مِنْهُمْ جِوَارًا، وَلَئِنْ كان هذا الرجل نبيا مرسلا فلا عناه لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنَّا شَعْرٌ وَلَا ظُفْرٌ إِلَّا هَلَكَ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبَاهُ: فَمَا الرَّأْيُ يَا أَبَا مَرْيَمَ؟ فَقَالَ رَأْيِي أَنَّ أُحَكِّمَهُ فَإِنِّي أَرَى رَجُلًا لَا يَحْكُمُ شَطَطًا أَبَدًا فَقَالَا لَهُ أَنْتَ وَذَاكَ، قَالَ فَتَلَقَّى شُرَحْبِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ خَيْرًا مِنْ مُلَاعَنَتِكَ فَقَالَ «وَمَا هُوَ» ؟ فَقَالَ حُكْمُكَ الْيَوْمَ إلى الليل وليلتك إلى الصباح، فما حكمك فِينَا فَهُوَ جَائِزٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَعَلَّ وَرَاءَكَ أَحَدٌ يُثَرِّبُ عليك؟» فقال شرحبيل سل صاحبي، فَقَالَا مَا يَرِدُ
الْوَادِيَ وَلَا يَصْدُرُ إِلَّا عَنْ رَأْيِ شُرَحْبِيلَ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُلَاعِنْهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ أَتَوْهُ فَكَتَبَ لَهُمْ هَذَا الْكِتَابَ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرحيم، هذا ما كتب محمد النبي الأمي رسول الله لِنَجْرَانَ أَنْ كَانَ عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ فِي كُلِّ ثَمَرَةٍ وَكُلِّ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ وَرَقِيقٍ فَأَفْضَلَ عَلَيْهِمْ وَتَرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ، فِي كُلِّ رَجَبٍ أَلْفُ حُلَّةٍ، وَفِي كُلِّ صَفَرٍ أَلْفُ حُلَّةٍ، وَذَكَرَ تَمَامَ الشُّرُوطِ. إِلَى أَنْ شَهِدَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَغَيْلَانُ بْنُ عَمْرٍو وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ مِنْ بَنِي نَصْرٍ والأقرع بن حابس الحنظليّ والمغيرة، وَكَتَبَ حَتَّى إِذَا قَبَضُوا كِتَابَهُمُ انْصَرَفُوا إِلَى نَجْرَانَ وَمَعَ الْأُسْقُفِّ أَخٌ لَهُ مِنْ أُمِّهِ وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ مِنَ النَّسَبِ يُقَالُ لَهُ بِشْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَلْقَمَةَ، فَدَفَعَ الْوَفْدُ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْأُسْقُفِّ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُهُ وَأَبُو عَلْقَمَةَ مَعَهُ وَهُمَا يَسِيرَانِ إِذْ كَبَتْ بِبِشْرٍ نَاقَتُهُ فَتَعِسَ بِشْرٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُكَنِّي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ الْأُسْقُفُّ عِنْدَ ذَلِكَ قَدْ وَاللَّهِ تَعَّسْتَ نَبِيًّا مُرْسَلًا فَقَالَ لَهُ بِشْرٌ لَا جَرَمَ وَاللَّهِ لَا أَحُلُّ عَنْهَا عَقْدًا حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فصرف وَجْهَ نَاقَتِهِ نَحْوَ الْمَدِينَةِ وَثَنَى الْأُسْقُفُّ نَاقَتَهُ عليه، فقال له: افهم عنى إِنَّمَا قُلْتُ هَذَا لِيَبْلُغَ عَنِّي الْعَرَبَ مَخَافَةَ أَنْ يَرَوْا أَنَّا أَخَذْنَا حَقَّهُ أَوْ رَضِينَا بصوته أو نجعنا لهذا الرجل بما لم تنجع بِهِ الْعَرَبُ وَنَحْنُ أَعَزُّهُمْ وَأَجْمَعُهُمْ دَارًا فَقَالَ لَهُ بِشْرٌ لَا وَاللَّهِ لَا أَقْبَلُ مَا خَرَجَ مِنْ رَأْسِكَ أَبَدًا، فَضَرَبَ بِشْرٌ نَاقَتَهُ وهو مولى الْأُسْقُفَّ ظَهرَهُ وَارْتَجَزَ يَقُولُ:
إِلَيْكَ تَغْدُو قِلْقًا وضينها
…
معترضا في بطنها جنيهنا
مُخَالِفًا دِينَ النَّصَارَى دِينُهَا
حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمَ وَلَمْ يَزَلْ مَعَهُ حَتَّى قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ ودخل الوفد نجران فأتى الراهب بْنَ أَبِي شِمْرٍ الزُّبَيْدِيَّ وَهُوَ فِي رَأْسِ صَوْمَعَتِهِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ نَبِيًّا بُعِثَ بِتِهَامَةَ فذكر مَا كَانَ مِنْ وَفْدِ نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهُ عَرَضَ عَلَيْهِمُ الْمُلَاعَنَةَ فَأَبَوْا وَأَنَّ بِشْرَ بْنَ مُعَاوِيَةَ دَفَعَ إِلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَقَالَ الرَّاهِبُ أَنْزِلُونِي وَإِلَّا أَلْقَيْتُ نَفْسِي مِنْ هَذِهِ الصَّوْمَعَةِ قَالَ فَأَنْزَلُوهُ فَأَخَذَ مَعَهُ هَدِيَّةً وَذَهَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا هَذَا الْبَرْدُ الَّذِي يَلْبَسُهُ الْخُلَفَاءُ وَقَعْبٌ وَعَصَا. فَأَقَامَ مُدَّةً عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْمَعُ الْوَحْيَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ وَلَمْ يُقَدَّرْ لَهُ الْإِسْلَامُ وَوَعَدَ أَنَّهُ سَيَعُودُ فَلَمْ يُقَدَّرْ لَهُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّ الْأُسْقُفَّ أَبَا الْحَارِثِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ السَّيِّدُ وَالْعَاقِبُ وَوُجُوهُ قَوْمِهِ فَأَقَامُوا عِنْدَهُ يَسْمَعُونَ مَا يُنَزِّلُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَكَتَبَ لِلْأُسْقُفِّ هَذَا الْكِتَابَ وَلِأَسَاقِفَةِ نَجْرَانَ بَعْدَهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم من محمد النبي للاسقف أبى الحارث وأساقفة نَجْرَانَ وَكَهَنَتِهِمْ وَرُهْبَانِهِمْ وَكُلِّ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ من قليل وكثير جِوَارُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا يُغَيَّرُ أُسْقُفٌّ مِنْ أُسْقُفَّتِهِ وَلَا رَاهِبٌ مِنْ رَهْبَانِيَّتِهِ وَلَا كَاهِنٌ مِنْ كَهَانَتِهِ وَلَا يُغَيَّرُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِمْ ولا سلطانهم ولا ما كانوا عليه من ذلك، جوار الله ورسوله أبدا ما أصلحوا ونصحوا عليهم غير مبتلين بِظُلْمٍ وَلَا ظَالِمِينَ وَكَتَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ.