الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَحُمِلَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ دُفِنَ بِالْبَقِيعِ رحمه الله وَرَضِيَ عَنْهُ. وَكَتَبَ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِوَفَاةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: أَنِ انْظُرْ وَرَثَتَهُ فَأَحْسِنْ إِلَيْهِمْ، وَاصْرِفْ إِلَيْهِمْ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَأَحْسِنْ جِوَارَهُمْ، وَاعْمَلْ إِلَيْهِمْ مَعْرُوفًا، فَإِنَّهُ كَانَ مِمَّنْ نصر عثمان، وكان معه في الدار رحمهما اللَّهُ تَعَالَى:
سَنَةُ سِتِّينَ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ
فِيهَا كَانَتْ غَزْوَةُ مَالِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَدِينَةَ سُورِيَّةَ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَفِيهَا دَخَلَ جُنَادَةُ بن أبى أمية جزيرة رودس، وَفِيهَا أَخَذَ مُعَاوِيَةُ الْبَيْعَةَ لِيَزِيدَ مِنَ الْوَفْدِ الَّذِينَ قَدِمُوا صُحْبَةَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ إِلَى دِمَشْقَ، وَفِيهَا مَرِضَ مُعَاوِيَةُ مَرَضَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فِي رَجَبٍ مِنْهَا كَمَا سَنُبَيِّنُهُ. فَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مِخْنَفٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ مُسَاحِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا مَرِضَ مَرْضَتَهُ الَّتِي هَلَكَ فِيهَا، دَعَا ابْنَهُ يَزِيدَ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنِّي قَدْ كَفَيْتُكَ الرِّحْلَةَ وَالرِّجَالَ. وَوَطَّأْتُ لَكَ الْأَشْيَاءَ، وَذَلَّلْتُ لك الأعزاء، وَأَخْضَعْتُ لَكَ أَعْنَاقَ الْعَرَبِ، وَإِنِّي لَا أَتَخَوَّفُ أن ينازعك هذا الأمر الّذي أسسته إِلَّا أَرْبَعَةُ نَفَرٍ، الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ. كَذَا قَالَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ كَانَ قَدْ تُوُفِّيَ قَبْلَ مَوْتِ مُعَاوِيَةَ بِسَنَتَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَا، فَأَمَّا ابن عمر فهو رجل ثقة قد وقدته الْعِبَادَةَ، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ غَيْرُهُ بَايَعَكَ، وأما الحسين فان أهل العراق خلفه لا يدعونه حتى يخرجونه عليك، فان خرج فَظَفِرْتَ بِهِ فَاصْفَحْ عَنْهُ، فَإِنَّ لَهُ رَحِمًا مَاسَّةً، وَحَقًّا عَظِيمًا. وَأَمَّا ابْنُ أَبِي بَكْرٍ فهو رجل إِنْ رَأَى أَصْحَابَهُ صَنَعُوا شَيْئًا صَنَعَ مِثْلَهُ، ليست لَهُ هِمَّةٌ إِلَّا فِي النِّسَاءِ وَاللَّهْوِ. وَأَمَّا الَّذِي يَجْثُمُ لَكَ جُثُومَ الْأَسَدِ، وَيُرَاوِغُكَ رَوَغَانَ الثَّعْلَبِ، وَإِذَا أَمْكَنَتْهُ فُرْصَةٌ وَثَبَ، فَذَاكَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَإِنْ هُوَ فَعَلَهَا بِكَ فَقَدَرْتَ عَلَيْهِ فَقَطِّعْهُ إِرْبًا إِرْبًا. قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: فَحِينَ حَضَرَتْ مُعَاوِيَةَ الْوَفَاةُ كَانَ يَزِيدُ فِي الصَّيْدِ، فَاسْتَدْعَى مُعَاوِيَةُ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ الْفِهْرِيَّ- وَكَانَ عَلَى شُرْطَةِ دِمَشْقَ- وَمُسْلِمَ بْنَ عُقْبَةَ فَأَوْصَى إليهما أن يبلغا يزيد السلام ويقولان لَهُ يَتَوَصَّى بِأَهْلِ الْحِجَازِ، وَإِنْ سَأَلَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَنْ يَعْزِلَ عَنْهُمْ عاملا ويولى عليهم عاملا فَلْيَفْعَلْ، فَعَزْلُ وَاحِدٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ أَنْ يُسَلَّ عَلَيْكَ مِائَةُ أَلْفِ سَيْفٍ، وَأَنْ يَتَوَصَّى بأهل الشام، وَأَنْ يَجْعَلَهُمْ أَنْصَارَهُ، وَأَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَلَسْتُ أَخَافُ عَلَيْهِ مِنْ قُرَيْشٍ سِوَى ثَلَاثَةٍ، الْحُسَيْنِ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ. وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَهَذَا أَصَحُّ، فأما ابن عمر فقد وقدته العبادة، وأما الحسين فرجل ضعيف وَأَرْجُو أَنْ يَكْفِيَكَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَنْ قَتَلَ أَبَاهُ وَخَذَلَ أَخَاهُ، وَإِنَّ لَهُ رَحِمًا مَاسَّةً وَحَقًّا عَظِيمًا، وَقَرَابَةً مَنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَلَا أَظُنُّ أَهْلَ الْعِرَاقِ تَارِكِيهِ حَتَّى يُخْرِجُوهُ، فَإِنْ قَدَرْتَ عَلَيْهِ فَاصْفَحْ عَنْهُ فانى لو صاحبته عَفَوْتُ عَنْهُ. وَأَمَّا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَإِنَّهُ خَبٌّ ضب فان شخص لك فانبذ إليه إِلَّا أَنْ يَلْتَمِسَ مِنْكَ صُلْحًا، فَإِنْ فَعَلَ فَاقْبَلْ مِنْهُ، وَاصْفَحْ عَنْ دِمَاءِ قَوْمِكَ مَا استطعت.
وَكَانَ مَوْتُ مُعَاوِيَةَ لِاسْتِهْلَالِ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ. قَالَهُ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ. وَقِيلَ لِلنِّصْفِ مِنْهُ، قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ. وَقِيلَ يَوْمَ الْخَمِيسِ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْهُ، قَالَهُ الْمَدَائِنِيُّ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ هَلَكَ فِي رَجَبٍ مِنْهَا، وَكَانَ مُدَّةُ مُلْكِهِ اسْتِقْلَالًا مِنْ جُمَادَى سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ حِينَ بَايَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ بأدرج، فَذَلِكَ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَكَانَ نائبا في الشام عشرين سنة تقريبا، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَكَانَ عُمْرُهُ ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَقِيلَ خَمْسًا وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَقِيلَ ثَمَانِيًا وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَقِيلَ خَمْسًا وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَسَيَأْتِي بقية الكلام في آخر ترجمته. وقال أبو السكن زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى: حَدَّثَنِي عَمُّ أَبِي زَحْرُ بن حصين عَنْ جَدِّهِ حُمَيْدِ بْنِ مِنْهَبٍ. قَالَ: كَانَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ عِنْدَ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ، وَكَانَ الْفَاكِهُ مِنْ فِتْيَانِ قُرَيْشٍ، وَكَانَ لَهُ بَيْتٌ لِلضِّيَافَةِ يَغْشَاهُ النَّاسُ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ، فَخَلَا ذَلِكَ الْبَيْتُ يَوْمًا فَاضْطَجَعَ الْفَاكِهُ وَهِنْدُ فِيهِ فِي وَقْتِ الْقَائِلَةِ، ثُمَّ خَرَجَ الْفَاكِهُ لِبَعْضِ شَأْنِهِ، وَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ يغشاه فولج البيت فلما رأى المرأة فيه ولى هاربا، ورآه الْفَاكِهُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْبَيْتِ، فَأَقْبَلَ إِلَى هند وهي مضطجعة فَضَرَبَهَا بِرِجْلِهِ وَقَالَ: مَنْ هَذَا الَّذِي كَانَ عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا وَلَا انْتَبَهْتُ حَتَّى أَنْبَهْتَنِي أَنْتَ، فَقَالَ لَهَا: الْحَقِي بِأَبِيكِ، وَتَكَلَّمَ فِيهَا النَّاسُ، فَقَالَ لَهَا أَبُوهَا: يَا بنية إن الناس قد أكثروا فيك القالة، فَأَنْبِئِينِي نَبَأَكِ، فَإِنْ يَكُنِ الرَّجُلُ عَلَيْكِ صَادِقًا دَسَسْتُ إِلَيْهِ مَنْ يَقْتُلُهُ فَيَنْقَطِعُ عَنْكِ الْقَالَةُ، وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا حَاكَمْتُهُ إِلَى بَعْضِ كُهَّانِ اليمن، فعند ذلك حلفت هند لأبيها بِمَا كَانُوا يَحْلِفُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ عليها، فقال عتبة بن ربيعة لِلْفَاكِهِ: يَا هَذَا إِنَّكَ قَدْ رَمَيْتَ ابْنَتِي بأمر عظيم، [وعار كبير، لا يغسله الماء، وقد جعلتنا في العرب بمكان ذلة ومنقصة، ولولا أنك منى ذو قرابة لقتلتك، ولكن سأحاكمك إلى كاهن اليمن][1] فَحَاكِمْنِي إِلَى بَعْضِ كُهَّانِ الْيَمَنِ، فَخَرَجَ الْفَاكِهُ في بعض جماعة من بنى مخزوم- أقاربه- وَخَرَجَ عُتْبَةُ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ مناف، وخرجوا بهند ونسوة معها من أقاربهم، ثم ساروا قاصدين بلاد اليمن، فلما شارفوا بلاد الكاهن قالوا غدا نأتي الكاهن، فلما سمعت هند ذلك تنكرت حالها وتغير وجهها، وأخذت في البكاء، فَقَالَ لَهَا أَبُوهَا: يَا بُنَيَّةُ قَدْ أَرَى ما بك من تنكر الحال، وكثرة البكاء، وما ذاك أراه عندك إلا لمكروه أحدثتيه، وعمل اقترفتيه، فهلا كان هذا قبل أن يشيع في الناس ويشتهر مَسِيرُنَا؟
فَقَالَتْ: وَاللَّهِ يَا أَبَتَاهُ مَا هَذَا الَّذِي تَرَاهُ مِنِّي لِمَكْرُوهٍ وَقْعَ مِنِّي، وَإِنِّي لَبَرِيئَةٌ، وَلَكِنَّ هَذَا الَّذِي تَرَاهُ مِنَ الْحُزْنِ وَتَغَيُّرِ الْحَالِ هُوَ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَأْتُونَ هذا الكاهن وهو بشر يخطئ ويصيب، وأخاف أن يخطئ في أمرى بشيء يكون عاره على إلى آخر الدهر، ولا آمنه أن يسمني ميسما تكون عَلَيَّ سُبَّةً فِي الْعَرَبِ. فَقَالَ لَهَا أَبُوهَا: لَا تَخَافِي فَإِنِّي سَوْفَ أَخْتَبِرُهُ وَأَمْتَحِنُهُ قَبْلَ أن يتكلم في شأنك وأمرك، فان
[1] سقط من المصرية