الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد الملك بن مروان، وهذا يرى رأيا آخر وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَكَانَ عَامِلَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ أَخُوهُ عبيد الله، وَعَلَى الْكُوفَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْخَطْمِيُّ، وعلى قضائها سعيد بن المرزبان، وَامْتَنَعَ شُرَيْحٌ أَنْ يَحْكُمَ فِي زَمَانِ الْفِتْنَةِ، وعلى البصرة عمر بْنِ مَعْمَرٍ التَّيْمِيُّ، وَعَلَى قَضَائِهَا هِشَامُ بْنُ هُبَيْرَةَ، وَعَلَى خُرَاسَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَازِمٍ، وَكَانَ فِي أَوَاخِرِ هَذِهِ السَّنَةِ وَقْعَةُ مَرْجِ رَاهِطٍ كَمَا قَدَّمْنَا، وَقَدِ اسْتَقَرَّ مُلْكُ الشَّامِ لمروان بن الحكم، وَذَلِكَ بَعْدَ ظَفَرِهِ بِالضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ وَقَتْلِهِ له في الوقعة، وَقِيلَ إِنَّ فِيهَا دَخَلَ مَرْوَانُ مِصْرَ وَأَخَذَهَا مِنْ نَائِبِهَا الَّذِي مِنْ جِهَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وهو عبد الرحمن بن جحدر. وَاسْتَقَرَّتْ يَدُ مَرْوَانَ عَلَى الشَّامِ وَمِصْرَ وَأَعْمَالِهَا والله أعلم.
[وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: لَمَّا أَرَادَ ابْنُ الزُّبَيْرِ هَدْمَ الْبَيْتِ شَاوَرَ النَّاسَ فِي هَدْمِهَا فَأَشَارَ عَلَيْهِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ بِذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخْشَى أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَكَ مَنْ يَهْدِمُهَا، فَلَا تَزَالُ تُهْدَمُ حَتَّى يَتَهَاوَنَ النَّاسُ بِحُرْمَتِهَا، وَلَكِنْ أَرَى أَنْ تُصْلِحَ ما يتهدم من بنيانها. ثُمَّ إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ اسْتَخَارَ اللَّهَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ غَدَا فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَبَدَأَ يَنْقُضُ الرُّكْنَ إِلَى الْأَسَاسِ، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى الْأَسَاسِ وَجَدُوا أَصْلًا بِالْحَجَرِ مُشَبَّكًا كَأَصَابِعِ الْيَدَيْنِ، فدعا ابن الزبير خمسين رجلا فأمرهم أن يحفروا، فلما ضربوا بالمعاول في تلك الأحجار المشبكة ارتجت مكة فتركه على حاله، ثم أسس عليه البناء، وَجَعَلَ لِلْكَعْبةِ بَابَيْنِ مَوْضُوعَيْنِ بِالْأَرْضِ، بَابٌ يُدْخَلُ مِنْهُ وَبَابٌ يُخْرَجُ مِنْهُ، وَوَضَعَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ بِيَدِهِ، وَشَدَّهُ بِفِضَّةٍ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ تَصَدَّعَ، وَزَادَ فِي وُسْعِ الْكَعْبَةِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ، وَلَطَّخَ جُدْرَانَهَا بِالْمِسْكِ وَسَتَرَهَا بِالدِّيبَاجِ، ثُمَّ اعْتَمَرَ مِنْ مَسَاجِدِ عَائِشَةَ وَطَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى وَسَعَى، وَأَزَالَ ما كان حول الكعبة من الزبالة، وَمَا كَانَ حَوْلَهَا مِنَ الدِّمَاءِ، وَكَانَتِ الْكَعْبَةُ قَدْ وَهَتْ مِنْ أَعْلَاهَا إِلَى أَسْفَلِهَا مِنْ حِجَارَةِ الْمَنْجَنِيقِ، وَاسْوَدَّ الرُّكْنُ وَانْصَدَعَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنَ النَّارِ الَّتِي كَانَتْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ سَبَبُ تَجْدِيدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ لَهَا مَا ثَبَتَ في الصحيحين من حديث عائشة المتقدم ذكره والله أعلم][1] .
ثم دخلت سنة خمس وستين
فيها اجْتَمَعَ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ نَحْوٌ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا، كُلُّهُمْ يَطْلُبُونَ الْأَخْذَ بِثَأْرِ الحسين ممن قتله، قال الواقدي: لما خرج الناس إلى النخيلة كانوا قليلا، فلم تعجب سليمان قلتهم، فأرسل حكيم ابن منقذ فنادى في الكوفة بأعلى صوته: يا ثارات الحسين، فلم يزل ينادى حتى بلغ المسجد الأعظم، فسمع الناس فخرجوا إلى النخيلة وخرج أشراف الكوفة فكانوا قريبا من عشرين ألفا أو يزيدون، في ديوان سليمان بن صرد، فلما عزم على المسير بهم لم يصف معه منهم سوى أربعة آلاف، فقال
[1] سقط من المصرية
المسيب بن نجية لسليمان: إنه لا ينفعك الكاره، ولا يقاتل معك إلا من أخرجته النية، وباع نفسه للَّه عز وجل، فلا تنتظرن أحدا وامض لأمرك في جهاد عدوك واستعن باللَّه عليهم. فقام سليمان في أصحابه [وقال: يا أيها الناس! من كان إنما خرج لوجه الله وثواب الآخرة فذلك منا ونحن منه، ومن كان خروجه معنا للدنيا فليس منا ولا يصحبنا. فقال الباقون معه: ما للدنيا خرجنا، ولا لها طلبنا، فقيل له: أنسير إلى قتلة الحسين بالشام وقتلته عندنا بالكوفة كلهم مثل عمر بن سعد وغيره؟ فقال سليمان:
إن ابن زياد هو الّذي جهز الجيش إليه وفعل به ما فعل، فإذا فرغنا منه عدنا إلى أعدائه بالكوفة، ولو قاتلتوهم أولا، وهم أهل مصركم ما عدم الرجل منكم أن يرى رجلا قد قتل أباه قد قتل أخاه أو حميمه، فيقع التخاذل، فإذا فرغتم من الفاسق ابن زياد حصل لكم المراد. فقالوا: صدقت. فنادى فيهم:
سيروا على اسم الله تعالى، فساروا عشية الجمعة لخمس مضين من ربيع الأول] [1] وقال في خطبته: من كان خرج منكم للدنيا ذهبها وزبرجدها فليس معنا مما يطلب شَيْءٌ، وَإِنَّمَا مَعَنَا سُيُوفٌ عَلَى عَوَاتِقِنَا، وَرِمَاحٌ فِي أَكُفِّنَا، وَزَادٌ يَكْفِينَا حَتَّى نَلْقَى عَدُوَّنَا. فأجابوه إلى السمع والطاعة والحالة هذه، وقال لهم: عليكم بابن زياد الفاسق أولا، فليس لَهُ إِلَّا السَّيْفُ، وَهَا هُوَ قَدْ أَقْبَلَ مِنَ الشَّامِ قَاصِدًا الْعِرَاقَ. فَصَمَّمَ النَّاسُ مَعَهُ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ، فَلَمَّا أَزْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ بَعَثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ أُمَرَاءُ الْكُوفَةِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ يَقُولَانِ لَهُ: إِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَكُونَ أَيْدِينَا وَاحِدَةً عَلَى ابْنِ زِيَادٍ، وَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَبْعَثُوا مَعَهُمْ جَيْشًا ليقويهم على ما هم قد قصدوا له، وبعثوا بريدا بذلك يَنْتَظِرَهُمْ حَتَّى يَقْدُمُوا عَلَيْهِ، فَتَهَيَّأَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ لِقُدُومِهِمْ عَلَيْهِ فِي رُءُوسِ الْأُمَرَاءِ، وَجَلَسَ فِي أُبَّهَتِهِ وَالْجُيُوشُ مُحْدِقَةٌ بِهِ، وَأَقْبَلَ عَبْدُ الله بن يزيد وإبراهيم بْنِ طَلْحَةَ فِي أَشْرَافِ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِنْ غَيْرِ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ، لِئَلَّا يَطْمَعُوا فِيهِمْ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ كُلِّهَا لَا يَبِيتُ إِلَّا فِي قَصْرِ الْإِمَارَةِ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ الْأَمِيرَانِ عِنْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَا لَهُ وَأَشَارَا عَلَيْهِ أن لا يذهبوا حتى تكون أيديهما واحدة على قتال ابن زياد، ويجهزوا معهم جيشا، فَإِنَّ أَهْلَ الشَّامِ جَمْعٌ كَثِيرٌ وَجَمٌّ غَفِيرٌ، وَهُمْ يُحَاجِفُونَ عَنِ ابْنِ زِيَادٍ، فَامْتَنَعَ سُلَيْمَانُ من قبول قولهما وقال: إنا خَرَجْنَا لِأَمْرٍ لَا نَرْجِعُ عَنْهُ وَلَا نَتَأَخَّرُ فِيهِ.
فَانْصَرَفَ الْأَمِيرَانِ رَاجِعِينَ إِلَى الْكُوفَةِ، وَانْتَظَرَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ وَأَصْحَابُهُ أَصْحَابَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ وَاعَدُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَأَهْلِ الْمَدَائِنِ فَلَمْ يَقْدُمُوا عَلَيْهِمْ وَلَا وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَقَامَ سليمان فِي أَصْحَابِهِ خَطِيبًا وَحَرَّضَهُمْ عَلَى الذَّهَابِ لِمَا خرجوا عليه، وقال: لو قد سمع إخوانكم بخروجكم لَلَحِقُوكُمْ سِرَاعًا. فَخَرَجَ سُلَيْمَانُ وَأَصْحَابُهُ مِنَ النُّخَيْلَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِخَمْسٍ مَضَيْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سنة خمس وستين، فسار بهم
[1] سقط من المصرية