الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَهُدِمَتْ دَارُهُ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ مِمَّنْ هَرَبَ إِلَى مُصْعَبٍ فَأَمَرَ الْمُخْتَارُ بِهَدْمِ دَارِهِ وَأَنْ يُبْنَى بِهَا دَارُ حَجَرِ بْنِ عَدِيٍّ الَّتِي كَانَ زِيَادٌ هَدَمَهَا.
مَقْتَلُ عمر بن سعد بن أبى وقاص وهو أَمِيرِ الْجَيْشِ الَّذِينَ قَتَلُوا الْحُسَيْنَ
[قَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه جَالِسًا ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ جَاءَ غُلَامٌ لَهُ وَدَمُهُ يَسِيلُ عَلَى عَقِبَيْهِ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: مَنْ فَعَلَ بِكَ هَذَا؟ فَقَالَ: ابْنُكَ عُمَرُ، فَقَالَ سَعْدُ: اللَّهمّ اقْتُلْهُ وَأَسِلْ دَمَهُ. وكان سعد مستجاب الدعوة، فلما خرج الْمُخْتَارُ عَلَى الْكُوفَةِ اسْتَجَارَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ، وَكَانَ صَدِيقًا لِلْمُخْتَارِ مِنْ قَرَابَتِهِ مِنْ عَلِيٍّ، فَأَتَى الْمُخْتَارَ فَأَخْذَ مِنْهُ لِعُمَرَ بْنِ سَعْدٍ أَمَانًا مَضْمُونُهُ أَنَّهُ آمِنٌ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ مَا أَطَاعَ وَلَزِمَ رَحْلَهُ وَمِصْرَهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ حَدَثًا. وَأَرَادَ الْمُخْتَارُ مَا لَمْ يَأْتِ الْخَلَاءَ فَيَبُولَ أَوْ يَغُوطَ. وَلَمَّا بَلَغَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ الْمُخْتَارَ يُرِيدُ قَتْلَهُ خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ لَيْلًا يُرِيدُ السَّفَرَ نَحْوَ مُصْعَبٍ أَوْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، فَنَمَى لِلْمُخْتَارِ بَعْضُ مَوَالِيهِ ذَلِكَ، فَقَالَ الْمُخْتَارُ: وَأَيُّ حَدَثٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا؟ وَقِيلَ إِنَّ مَوْلَاهُ قَالَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُ: تَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِكَ وَرَحْلِكَ؟ ارْجِعْ، فَرَجَعَ.
وَلَمَّا أَصْبَحَ بَعْثَ إِلَى الْمُخْتَارِ يَقُولُ لَهُ: هَلْ أَنْتَ مُقِيمٌ عَلَى أَمَانِكَ؟ وَقِيلَ إِنَّهُ أَتَى الْمُخْتَارَ يَتَعَرَّفُ مِنْهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ الْمُخْتَارُ: اجْلِسْ، وَقِيلَ إِنَّهُ أَرْسَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْدَةَ إِلَى الْمُخْتَارِ يَقُولُ لَهُ: هَلْ أَنْتَ مُقِيمٌ عَلَى أَمَانِكَ لَهُ؟ فَقَالَ لَهُ الْمُخْتَارُ: اجْلِسْ، فَلَمَّا جَلَسَ قَالَ الْمُخْتَارُ لِصَاحِبِ حَرَسِهِ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِرَأْسِهِ فَذَهَبَ إِلَيْهِ فَقَتَلَهُ وَأَتَاهُ بِرَأْسِهِ] [1] وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ الْمُخْتَارَ قَالَ لَيْلَةً: لَأَقْتُلَنَّ غَدًا رَجُلًا عَظِيمَ الْقَدَمَيْنِ غَائِرَ الْعَيْنَيْنِ، مُشْرِفَ الْحَاجِبَيْنِ يُسَرُّ بِقَتْلِهِ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ، وَكَانَ الْهَيْثَمُ بْنُ الْأَسْوَدِ حَاضِرًا فَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ أَرَادَ عمر بن سعد فبعث إليه ابنه الغرثان فأنذره، فقال: كيف يكون هذا بعد ما أَعْطَانِي مِنَ الْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ؟
وَكَانَ الْمُخْتَارُ حِينَ قَدِمَ الْكُوفَةَ أَحْسَنَ السِّيرَةَ إِلَى أَهْلِهَا أَوَّلًا وَكَتَبَ لِعُمَرَ بْنِ سَعْدٍ كِتَابَ أَمَانٍ إِلَّا أَنْ يُحْدِثَ حَدَثًا قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ: وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ يَقُولُ: إِنَّمَا أَرَادَ الْمُخْتَارُ إِلَّا أَنْ يَدْخُلَ الْكَنِيفَ فَيُحَدِثَ فِيهِ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ قَلِقَ أَيْضًا، ثُمَّ جعل ينتقل مِنْ مَحَلَّةٍ إِلَى مَحَلَّةٍ ثُمَّ صَارَ أَمْرُهُ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى دَارِهِ، وَقَدْ بَلَغَ الْمُخْتَارَ انْتِقَالُهُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ فَقَالَ: كَلَّا والله إن في عنقه سلسلة ترده لوجهه، إن يطير لأدركه دم الحسين فآخذ برجله. ثم أرسل إليه أبا عمرة فأراد الفرار منه فَعَثَرَ فِي جُبَّتِهِ، فَضَرَبَهُ أَبُو عَمْرَةَ بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلَهُ، وَجَاءَ بِرَأْسِهِ فِي أَسْفَلِ قَبَائِهِ حَتَّى وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيِ الْمُخْتَارِ، فَقَالَ الْمُخْتَارُ، لابنه
[1] سقط من المصرية.
حفص- وكان جالسا عند المختار- فقال: أَتَعْرِفُ هَذَا الرَّأْسَ؟ فَاسْتَرْجَعَ وَقَالَ: نَعَمْ وَلَا خَيْرَ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُ، فَقَالَ: صَدَقْتَ، ثُمَّ أمر فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ وَوُضِعَ رَأْسُهُ مَعَ رَأْسِ أَبِيهِ، ثُمَّ قَالَ الْمُخْتَارُ: هَذَا بِالْحُسَيْنِ وَهَذَا بِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْأَكْبَرِ، وَلَا سَوَاءَ، وَاللَّهِ لَوْ قَتَلْتُ بِهِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ قُرَيْشٍ مَا وَفُّوا أُنْمُلَةً مِنْ أَنَامِلِهِ. ثُمَّ بَعَثَ الْمُخْتَارُ بِرَأْسَيْهِمَا إلى محمد بن الْحَنَفِيَّةِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ كِتَابًا فِي ذَلِكَ بِسْمِ الله الرحمن الرحيم إلى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ مِنَ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْمَهْدِيُّ فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي نِقْمَةً عَلَى أَعْدَائِكُمْ فَهُمْ بَيْنَ قَتِيلٍ وَأَسِيرٍ وَطَرِيدٍ وَشَرِيدٍ، فَالْحَمْدُ للَّه الَّذِي قَتَلَ قَاتِلَكُمْ، وَنَصَرَ مُؤَازِرَكُمْ، وَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ بِرَأْسِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ وابنه وقد قتلنا ممن اشترك فِي دَمِ الْحُسَيْنِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ كُلَّ مَنْ قَدَرْنَا عَلَيْهِ، وَلَنْ يُعْجِزَ اللَّهَ مَنْ بَقِيَ، ولست بمنحجم عنهم حتى يبلغني أنه لم يبق على وجه الأرض منهم أحد، فاكتب إلى أيها المهدي برأيك أتبعه وأكون عَلَيْهِ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْمَهْدِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وبركاته. ولم يذكر ابن جرير أن محمد بن الْحَنَفِيَّةِ رَدَّ جَوَابَهُ، مَعَ أَنَّ ابْنَ جَرِيرٍ قَدْ تَقَصَّى هَذَا الْفَصْلَ وَأَطَالَ شَرْحَهُ، وَيَظْهَرُ من غبون كلامه قُوَّةُ وَجْدِهِ بِهِ وَغَرَامِهِ، وَلِهَذَا تَوَسَّعَ فِي إِيرَادِهِ بِرِوَايَاتِ أَبِي مِخْنَفٍ لُوطِ بْنِ يَحْيَى، وَهُوَ مُتَّهَمٌ فِيمَا يَرْوِيهِ، وَلَا سِيَّمَا فِي بَابِ التَّشَيُّعِ، وَهَذَا الْمَقَامُ لِلشِّيعَةِ فِيهِ غَرَامٌ وَأَيُّ غَرَامٍ، إِذْ فِيهِ الْأَخْذُ بِثَأْرِ الْحُسَيْنِ وَأَهْلِهِ مِنْ قَتَلَتِهِمْ، وَالِانْتِقَامُ مِنْهُمْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَتْلَ قَتَلَتِهِ كَانَ مُتَحَتِّمًا، وَالْمُبَادِرَةُ إِلَيْهِ كَانَ مَغْنَمًا، وَلَكِنْ إِنَّمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَى يَدِ الْمُخْتَارِ الْكَذَّابِ الَّذِي صَارَ بِدَعْوَاهُ إِتْيَانَ الْوَحْيِ إِلَيْهِ كَافِرًا، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللَّهَ لِيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ» . وَقَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ مَا يَكْتُبُهُ الْكَاتِبُونَ وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ 6: 129 وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ: -
وَمَا مِنْ يَدٍ إِلَّا يَدُ اللَّهِ فَوْقَهَا
…
وَلَا ظَالِمٍ إِلَّا سَيُبْلَى بِظَالِمِ
وَسَيَأْتِي فِي تَرْجَمَةِ الْمُخْتَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى كَذِبِهِ وَافْتِرَائِهِ، وَادِّعَائِهِ نُصْرَةَ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَهُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُتَسَتِّرٌ بِذَلِكَ لِيَجْمَعَ عَلَيْهِ رَعَاعًا مِنَ الشِّيعَةِ الَّذِينَ بِالْكُوفَةِ، لِيُقِيمَ لَهُمْ دَوْلَةً وَيَصُولَ بِهِمْ وَيَجُولَ عَلَى مُخَالِفِيهِ صَوْلَةً.
ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَلَّطَ عَلَيْهِ مَنِ انْتَقَمَ مِنْهُ، وَهَذَا هُوَ الْكَذَّابُ الَّذِي قال فيه الرسول فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ الصِّدِّيقِ:«إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ» . فَهَذَا هُوَ الْكَذَّابُ وَهُوَ يُظْهِرُ التَّشَيُّعَ وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَهُوَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ الثَّقَفِيُّ، وَقَدْ وُلِّيَ الْكُوفَةَ مِنْ جِهَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ كَمَا سَيَأْتِي، وَكَانَ الْحَجَّاجُ عَكْسَ هَذَا، كَانَ نَاصِبِيًّا جَلْدًا ظَالِمًا غَاشِمًا، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ فِي طَبَقَةِ هذا، متهم على دين الإسلام ودعوة النُّبُوَّةِ، وَأَنَّهُ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنَ الْعَلِيِّ الْعَلَّامِ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ بَعَثَ المختار المثنى بن مخرمة الْعَبْدِيَّ إِلَى الْبَصْرَةِ يَدْعُو إِلَيْهِ مَنِ
اسْتَطَاعَ مَنْ أَهْلِهَا، فَدَخَلَهَا وَابْتَنَى بِهَا مَسْجِدًا يجتمع فيه إليه قَوْمُهُ، فَجَعَلَ يَدْعُو إِلَى الْمُخْتَارِ، ثُمَّ أَتَى مدينة الورق فَعَسْكَرَ عِنْدَهَا فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الله بن رَبِيعَةَ الْقُبَاعُ- وَهُوَ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ قَبْلَ أَنْ يُعْزَلَ بِمُصْعَبٍ- جَيْشًا مَعَ عَبَّادِ بْنِ الْحُصَيْنِ أَمِيرِ الشُّرْطَةِ، وَقَيْسِ بْنِ الْهَيْثَمِ. فَقَاتَلُوهُ وَأَخَذُوا مِنْهُ الْمَدِينَةَ وَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ، وَكَانَ قَدْ قَامَ بِنُصْرَتِهِمْ بَنُو عَبْدِ الْقَيْسِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمُ الْجَيْشَ فَبَعَثُوا إِلَيْهِ فَأَرْسَلَ الْأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ وَعَمْرَو بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيَّ لِيُصْلِحَا بَيْنَ النَّاسِ، وَسَاعَدَهُمَا مَالِكُ بْنُ مِسْمَعٍ، فَانْحَجَزَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَرَجَعَ إِلَى الْمُخْتَارِ فِي نَفَرٍ يسير مَغْلُولًا مَغْلُوبًا مَسْلُوبًا، وَأَخْبَرَ الْمُخْتَارَ بِمَا وَقَعَ مِنَ الصُّلْحِ عَلَى يَدَيِ الْأَحْنَفِ وَغَيْرِهِ مِنْ أُولَئِكَ الْأُمَرَاءِ، وَطَمِعَ الْمُخْتَارُ فِيهِمْ وَكَاتَبَهُمْ فِي أَنْ يَدْخُلُوا مَعَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْأَمْرِ، وَكَانَ كِتَابُهُ إِلَى الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ: مِنَ الْمُخْتَارِ إِلَى الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ وَمَنْ قبله من الأمراء: أفسلم أنتم أما بعد فويل لبني رَبِيعَةَ مِنْ مُضَرَ، وَإِنَّ الْأَحْنَفَ يُورِدُ قَوْمَهُ سقر، حيث لا يستطيع لهم صدر، وَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مَا قَدْ خُطَّ في القدر، وقد بلغني أنكم سميتموني الكذاب، وَقَدْ كُذِّبَ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ قَبْلِي وَلَسْتُ بِخَيْرٍ مِنْهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ سلم بن جنادة ثنا الحسن بن حماد عن حماد بْنِ عَلِيٍّ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ. قَالَ: دَخَلْتُ الْبَصْرَةَ فَقَعَدْتُ إِلَى حَلْقَةٍ فِيهَا الْأَحْنَفُ بن قيس، فقال بعض القوم: ممن أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَقَالَ: أنتم موال لنا، قلت: وكيف؟ قال: أَنْقَذْنَاكُمْ مِنْ أَيْدِي عَبِيدِكُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَارِ، قلت: أتدري مَا قَالَ شَيْخٌ مِنْ هَمْدَانَ فِينَا وَفِيكُمْ؟ فَقَالَ الْأَحْنَفُ: وَمَا قَالَ؟ قُلْتُ: قَالَ: -
أَفَخَرْتُمْ ان قتلتم أعبدا
…
وهزمتم مرة آل عدل
فَإِذَا فَاخَرْتُمُونَا فَاذْكُرُوا
…
مَا فَعَلْنَا بِكُمْ يَوْمَ الجمل
بين شيخ خاضب عثبونه
…
وفتى البيضاء وضاحا دقل
جاء يهدج في سابغة
…
فذبحناه ضحى ذبح الجمل
وَعَفَوْنَا فَنَسِيتُمْ عَفْوَنَا
…
وَكَفَرْتُمْ نِعْمَةَ اللَّهِ الْأَجَلْ
وَقَتَلْتُمْ بِحُسَيْنٍ مِنْهُمُ
…
بَدَلًا مِنْ قَوْمِكُمْ شَرَّ بَدَلْ
قَالَ: فَغَضِبَ الْأَحْنَفُ وَقَالَ: يَا غُلَامُ هَاتِ الصَّحِيفَةَ، فَأُتِيَ بِصَحِيفَةٍ فِيهَا: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنَ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ إِلَى الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، أَمَّا بَعْدُ فَوَيْلُ لبني رَبِيعَةَ مِنْ مُضَرَ فَإِنَّ الْأَحْنَفَ يُورِدُ قَوْمَهُ سَقَرَ حَيْثُ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الصَّدَرِ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونِي، فَإِنْ كُذِّبْتُ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي، وَلَسْتُ بِخَيْرٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ قال الأحنف: هذا منا أو منكم.