الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَقُولُ:
مَاذَا تَقُولُونَ إِنْ قَالَ النَّبِيُّ لَكُمْ
…
مَاذَا فَعَلْتُمْ وَأَنْتُمْ آخِرُ الْأُمَمِ
بِعِتْرَتِي وَبِأَهْلِي بَعْدَ مفتقدي
…
منهم أسارى ومنهم ضُرِّجُوا بِدَمِ
مَا كَانَ هَذَا جَزَائِي إِذْ نَصَحْتُ لَكُمْ
…
أَنْ تَخْلُفُونِي بِسُوءٍ فِي ذَوِي رحم
وَقَدْ رَوَى أَبُو مِخْنَفٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُبَيْدٍ أَبِي الْكَنُودِ أَنَّ بِنْتَ عَقِيلٍ هِيَ الَّتِي قَالَتْ هَذَا الشِّعْرَ، وَهَكَذَا حَكَى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ أَنَّ زَيْنَبَ الصُّغْرَى بِنْتَ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ هِيَ الَّتِي قَالَتْ ذَلِكَ حِينَ دَخَلَ آلُ الْحُسَيْنِ الْمَدِينَةَ النَّبَوِيَّةَ. وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ فَاطِمَةَ- وَهِيَ زَوْجُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أُمُّ بَنِيهِ- رَفَعَتْ سِجْفَ خِبَائِهَا يَوْمَ كَرْبَلَاءَ يَوْمَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ وَقَالَتْ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ فاللَّه أَعْلَمُ. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ:
حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ عمرو بن الْمِقْدَامِ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عِكْرِمَةَ قَالَ: أَصْبَحْنَا صَبِيحَةَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا مَوْلَاةٌ لَنَا تُحَدِّثُنَا قَالَتْ: سَمِعْتُ الْبَارِحَةَ مُنَادِيًا يُنَادِي وهو يقول:
أَيُّهَا الْقَاتِلُونَ ظُلْمًا حُسَيْنًا
…
أَبْشِرُوا بِالْعَذَابِ وَالتَّنْكِيلِ
كل أهل السماء يدعو عليكم
…
من نبي ومالك وقبيل
لقد لعنتم على لسان بن داود
…
وموسى وحامل الإنجيل
قال ابن هِشَامٌ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ حَيْزُومٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أمه قالت: سمعت هذا الصوت. وقال الليث وأبو نعيم يوم السبت. وَمِمَّا أَنْشَدَهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ وَغَيْرُهُ لِبَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينِ فِي مَقْتَلِ الْحُسَيْنِ
جَاءُوا بِرَأْسِكَ يَا ابْنَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ
…
مُتَزَمِّلًا بِدِمَائِهِ تَزْمِيلَا
وَكَأَنَّمَا بِكَ يَا ابْنَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ
…
قَتَلُوا جِهَارًا عَامِدِينَ رَسُولَا
قَتَلُوكَ عطشانا ولم يتدبروا
…
في قتلك القرآن والتنزيلا
وَيُكَبِّرُونَ بِأَنْ قُتِلْتَ وَإِنَّمَا
…
قَتَلُوا بِكَ التَّكْبِيرَ والتهليلا
فصل
وَكَانَ مَقْتَلُ الْحُسَيْنِ رضي الله عنه يَوْمَ الجمعة، يَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ، سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ، وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ. وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: سَنَةَ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. وَقَالَ غيره سنة ستين. والصحيح الأول. بمكان من الطّفّ يقال له كربلاء مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ ثَمَانٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً أَوْ نَحْوُهَا، وَأَخْطَأَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ قُتِلَ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ خَمْسٌ أَوْ سِتٌّ وَسِتُّونَ سَنَةً
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَسَّانَ ثَنَا عُمَارَةُ- يَعْنِي ابْنَ زَاذَانَ- عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «اسْتَأْذَنُ مَلَكُ الْقَطْرِ أَنْ يَأْتِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَذِنَ لَهُ، فَقَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ: احْفَظِي عَلَيْنَا الباب لا يدخل علينا أَحَدٌ، فَجَاءَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ فَوَثَبَ حَتَّى دَخَلَ، فَجَعَلَ يَصْعَدُ عَلَى مَنْكِبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ الْمَلَكُ: أنحبه؟ قال! نعم: فقال: إن أُمَّتَكَ تَقْتُلُهُ، وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ الْمَكَانَ الَّذِي يُقْتَلُ فِيهِ، قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ فَأَرَاهُ تُرَابًا أَحْمَرَ، فَأَخَذَتْ أُمُّ سَلَمَةَ ذَلِكَ التُّرَابَ فَصَرَّتْهُ في طرف ثوبها» . قال: فكنا نسمع أنه يُقْتَلُ بِكَرْبَلَاءَ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حدثني عبد الله ابن سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ- أَوْ أُمِّ سَلَمَةَ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «لَقَدْ دَخَلَ عَلِيَّ الْبَيْتَ مَلَكٌ لَمْ يَدْخُلْ قَبْلَهَا، فَقَالَ لِي: إِنَّ ابْنَكَ هَذَا حُسَيْنٌ مَقْتُولٌ، وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ الْأَرْضَ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا، قَالَ: فَأَخْرَجَ تُرْبَةً حَمْرَاءَ» . وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَفِيهِ قِصَّةُ أُمِّ سَلَمَةَ. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَائِشَةَ بِنَحْوِ رِوَايَةِ أُمِّ سَلَمَةَ فاللَّه أَعْلَمُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثٍ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَلُبَابَةَ أُمِّ الْفَضْلِ امْرَأَةِ الْعَبَّاسِ. وَأَرْسَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ أَبُو بَكْرٍ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقِّيُّ وَعَلِيُّ بْنُ الحسن الرَّازِيُّ قَالَا: ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أبو وَاقِدٍ الْحَرَّانِيُّ ثَنَا عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سُحَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ الْحَارِثِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ ابْنِي- يَعْنِي الْحُسَيْنَ- يُقْتَلُ بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا كَرْبَلَاءُ، فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ ذَلِكَ فَلْيَنْصُرْهُ» . قَالَ: فَخَرَجَ أَنَسُ بْنُ الْحَارِثِ إِلَى كَرْبَلَاءَ فَقُتِلَ مَعَ الحسين، قال: ولا أعلم رواه غَيْرَهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ ثنا شراحيل بن مدرك عن عبد الله بن يحيى عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَارَ مَعَ عَلِيٍّ- وَكَانَ صاحب مطهرته- فلما جاءوا نِينَوَى وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إِلَى صِفِّينَ، فَنَادَى عَلِيٌّ: اصْبِرْ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، اصْبِرْ أَبَا عَبْدِ الله، بشط الفرات قلت: وماذا تريد؟ قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ وَعَيْنَاهُ تَفِيضَانِ فَقُلْتُ: ما أبكاك يا رسول الله؟ قال: بلى قَامَ مِنْ عِنْدِي جِبْرِيلُ قَبْلُ، فَحَدَّثَنِي أَنَّ الْحُسَيْنَ يُقْتَلُ بِشَطِّ الْفُرَاتِ، قَالَ فَقَالَ: هَلْ لك أن أشمك من تربته؟ قال: فَمَدَّ يَدَهُ فَقَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ فَأَعْطَانِيهَا فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ أَنْ فَاضَتَا» . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ مِثْلَهُ. وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ مَرَّ بِكَرْبَلَاءَ عِنْدَ أَشْجَارِ الْحَنْظَلِ وَهُوَ ذَاهِبٌ إِلَى صِفِّينَ، فَسَأَلَ عَنِ اسْمِهَا فَقِيلَ كَرْبَلَاءُ، فَقَالَ: كَرْبٌ وَبَلَاءٌ، فَنَزَلَ وَصَلَّى عِنْدَ شَجَرَةٍ هُنَاكَ ثُمَّ قَالَ: يُقْتَلُ هَاهُنَا شُهَدَاءُ هُمْ خَيْرُ الشُّهَدَاءِ غَيْرَ الصَّحَابَةِ، يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بغير حساب،
- وَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ هُنَاكَ- فَعَلَّمُوهُ بِشَيْءٍ فَقُتِلَ فيه الحسين. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ آثَارٌ فِي كَرْبَلَاءَ وَقَدْ حَكَى أَبُو الْجَنَابِ الْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ أَهْلَ كَرْبَلَاءَ لَا يَزَالُونَ يَسْمَعُونَ نَوْحَ الجن على الحسين وَهُنَّ يَقُلْنَ: -
مَسَحَ الرَّسُولُ جَبِينَهُ
…
فَلَهُ بَرِيقٌ في الخدود
أبواه من عليا قريش
…
جَدُّهُ خَيْرُ الْجُدُودِ
وَقَدْ أَجَابَهُمْ بَعْضُ النَّاسِ فقال: -
خرجوا به وفدا إليه
…
فَهُمْ لَهُ شَرُّ الْوُفُودِ
قَتَلُوا ابْنَ بِنْتِ نبيهم
…
سكنوا به ذات الخدود
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّ طَائِفَةً مِنَ النَّاسِ ذَهَبُوا فِي غَزْوَةٍ إِلَى بِلَادِ الرُّومِ فَوَجَدُوا فِي كَنِيسَةٍ مَكْتُوبًا
أَتَرْجُو أُمَّةٌ قَتَلَتْ حُسَيْنًا
…
شَفَاعَةَ جَدِّهِ يَوْمَ الْحِسَابِ؟
فَسَأَلُوهُمْ: مَنْ كَتَبَ هَذَا؟ فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا مَكْتُوبٌ هَاهُنَا مِنْ قَبْلِ مَبْعَثِ نَبِيِّكُمْ بِثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ.
وَرُوِيَ أَنَّ الَّذِينَ قَتَلُوهُ رَجَعُوا فَبَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَالرَّأْسُ مَعَهُمْ، فَبَرَزَ لَهُمْ قَلَمٌ مِنْ حَدِيدٍ فَرَسَمَ لَهُمْ فِي الْحَائِطِ بِدَمٍ هَذَا الْبَيْتَ
أَتَرْجُو أُمَّةٌ قَتَلَتْ حُسَيْنًا
…
شَفَاعَةَ جَدِّهِ يَوْمَ الْحِسَابِ؟
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَفَّانُ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في المنام نصف النَّهَارِ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، مَعَهُ قَارُورَةٌ فِيهَا دَمٌ، فقلت: بأبي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا دَمُ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ لَمْ أَزَلْ أَلْتَقِطُهُ مُنْذُ الْيَوْمِ» . قَالَ عَمَّارٌ: فَأَحْصَيْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ فَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هانئ أبو عبد الرحمن النحويّ ثنا مهدي ابن سُلَيْمَانَ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ. قَالَ: اسْتَيْقَظَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ نَوْمِهِ فَاسْتَرْجَعَ وَقَالَ: قُتِلَ الْحُسَيْنُ وَاللَّهِ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: لم يا ابن عباس؟ فَقَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ومعه زجاجة من دم فقال: أتعلم ما صنعت أمتى من بعدي؟ قتلوا الْحُسَيْنَ وَهَذَا دَمُهُ وَدَمُ أَصْحَابِهِ أَرْفَعُهُمَا إِلَى الله» .
فَكُتِبَ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي قَالَ فِيهِ، وَتِلْكَ السَّاعَةُ، فَمَا لَبِثُوا إِلَّا أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا حَتَّى جَاءَهُمُ الْخَبَرُ بِالْمَدِينَةِ أَنَّهُ قُتِلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَتِلْكَ السَّاعَةِ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَشَجِّ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنْ رَزِينٍ عَنْ سَلْمَى قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ تَبْكِي فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكِ؟ فَقَالَتْ:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ التُّرَابُ، فَقُلْتُ: مَا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «شَهِدْتُ قَتْلَ الْحُسَيْنِ آنفا»
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ أَنْبَأَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: إِنَّا لَعِنْدَ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَمِعْنَا صَارِخَةً فَأَقْبَلَتْ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: قُتِلَ الْحُسَيْنُ. فَقَالَتْ: قَدْ فَعَلُوهَا، مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ- أَوْ بُيُوتَهُمْ- عَلَيْهِمْ نَارًا، وَوَقَعَتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا، وَقُمْنَا. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثنا ابن مسلم عَنْ عَمَّارٍ قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ: سمعت الجن يبكين على الحسين وسمعت الجن تنوح على الحسين. رواه الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ الجن ينحن على الحسين وهن يقلن.
أَيُّهَا الْقَاتِلُونَ جَهْلًا حُسَيْنًا
…
أَبْشِرُوا بِالْعَذَابِ وَالتَّنْكِيلِ
كل أهل السماء يدعو عليكم
…
ونبي وَمُرْسَلٍ وَقَبِيلِ
قَدْ لُعِنْتُمْ عَلَى لَسَانِ ابْنِ دَاوُدَ
…
وَمُوسَى وَصَاحِبِ الْإِنْجِيلِ
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طريق أخرى عن أم سلمة بشعر غَيْرِ هَذَا فاللَّه أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْخَطِيبُ: أَنْبَأَنَا أحمد بن عثمان بن ساج السُّكَّرِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَدَّادٍ الْمِسْمَعِيُّ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: «أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مُحَمَّدٍ إِنِّي قَتَلْتُ بِيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا سَبْعِينَ أَلْفًا، وأنا قاتل بابن بنتك سَبْعِينَ أَلْفًا وَسَبْعِينَ أَلْفًا» . هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ هَاهُنَا آثَارًا غَرِيبَةً جِدًّا، وَلَقَدْ بَالَغَ الشِّيعَةُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَوَضَعُوا أَحَادِيثَ كثيرة كذبا فَاحِشًا، مِنْ كَوْنِ الشَّمْسِ كَسَفَتْ يَوْمَئِذٍ حَتَّى بَدَتِ النُّجُومُ وَمَا رُفِعَ يَوْمَئِذٍ حَجَرٌ إِلَّا وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ، وَأَنَّ أَرْجَاءَ السَّمَاءِ احْمَرَّتْ، وأن الشمس كانت تطلع وشعاعها كأنه الدم، وصارت السماء كأنها علقة، وأن الكواكب ضرب بَعْضُهَا بَعْضًا، وَأَمْطَرَتِ السَّمَاءُ دَمًا أَحْمَرَ، وَأَنَّ الْحُمْرَةَ لَمْ تَكُنْ فِي السَّمَاءِ قَبْلَ يَوْمِئِذٍ، ونحو ذلك. وَرَوَى ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي قَبِيلٍ الْمُعَافِرِيِّ أَنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ يَوْمَئِذٍ حَتَّى بَدَتِ النُّجُومُ وَقْتَ الظُّهْرِ، وَأَنَّ رَأْسَ الْحُسَيْنِ لَمَّا دَخَلُوا بِهِ قَصْرَ الْإِمَارَةِ جَعَلَتِ الْحِيطَانُ تَسِيلُ دَمًا، وَأَنَّ الْأَرْضَ أَظْلَمَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَمْ يُمَسَّ زعفران ولا ورس [1] بما كَانَ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا احْتَرَقَ مَنْ مَسَّهُ، وَلَمْ يُرْفَعْ حَجَرٌ مِنْ حِجَارَةِ بَيْتِ الْمَقَدْسِ إِلَّا ظَهَرَ تَحْتَهُ دَمٌ عَبِيطٌ، وَأَنَّ الْإِبِلَ الَّتِي غَنِمُوهَا مِنْ إِبِلِ الْحُسَيْنِ حِينَ طَبَخُوهَا صَارَ لَحْمُهَا مِثْلَ الْعَلْقَمِ. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَكَاذِيبِ وَالْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ الَّتِي لَا يَصِحُّ منها شيء.
وأما ما روى من الأحاديث وَالْفِتَنِ الَّتِي أَصَابَتْ مَنْ قَتَلَهُ فَأَكْثَرُهَا صَحِيحٌ، فإنه قل من نجا من
[1] كذا بالأصل ولعلها: مما.
أولئك الذين قتلوه من آفة وعاهة في الدنيا، فلم يخرج منها حتى أصيب بمرض، وأكثرهم أصابهم الْجُنُونُ. وَلِلشِّيعَةِ وَالرَّافِضَةِ فِي صِفَةِ مَصْرَعِ الْحُسَيْنِ كذب كثير وأخبار باطلة، وفيما ذكرنا كِفَايَةٌ، وَفِي بَعْضِ مَا أَوْرَدْنَاهُ نَظَرٌ، وَلَوْلَا أن ابن جرير وغيره من الحفاظ والأئمة ذَكَرُوهُ مَا سُقْتُهُ، وَأَكْثَرُهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مِخْنَفٍ لُوطِ بْنِ يَحْيَى، وَقَدْ كَانَ شِيعِيًّا، وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ، وَلَكِنَّهُ أَخْبَارِيٌّ حَافِظٌ، عِنْدَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا يَتَرَامَى عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ المصنفين في هذا الشأن مِمَّنْ بَعْدَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ أَسْرَفَ الرَّافِضَةُ فِي دَوْلَةِ بَنِي بُوَيْهٍ فِي حُدُودِ الْأَرْبَعِمِائَةٍ وَمَا حَوْلَهَا فَكَانَتِ الدَّبَادِبُ تُضْرَبُ بِبَغْدَادَ وَنَحْوِهَا مِنَ الْبِلَادِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَيُذَرُّ الرَّمَادُ وَالتِّبْنُ فِي الطُّرُقَاتِ وَالْأَسْوَاقِ، وَتُعَلَّقُ الْمُسُوحُ عَلَى الدَّكَاكِينِ، وَيُظْهِرُ النَّاسُ الْحُزْنَ وَالْبُكَاءَ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ لَيْلَتَئِذٍ مُوَافَقَةً لَلْحُسَيْنِ لَأَنَّهُ قتل عطشانا. ثُمَّ تَخْرُجُ النِّسَاءُ حَاسِرَاتٍ عَنْ وُجُوهِهِنَّ يَنُحْنَ وَيَلْطِمْنَ وُجُوهَهُنَّ وَصُدُورَهُنَّ، حَافِيَاتٍ فِي الْأَسْوَاقِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْبِدَعِ الشَّنِيعَةِ، وَالْأَهْوَاءِ الْفَظِيعَةِ، وَالْهَتَائِكِ الْمُخْتَرَعَةِ وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهَذَا وَأَشْبَاهِهِ أَنْ يُشَنِّعُوا عَلَى دَوْلَةِ بَنِي أُمَيَّةَ، لَأَنَّهُ قُتِلَ في دولتهم.
[وَقَدْ عَاكَسَ الرَّافِضَةَ وَالشِّيعَةَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ النَّوَاصِبُ من أهل الشام، فكانوا إلى يَوْمِ عَاشُورَاءَ يَطْبُخُونَ الْحُبُوبَ وَيَغْتَسِلُونَ وَيَتَطَيَّبُونَ وَيَلْبَسُونَ أَفْخَرَ ثِيَابِهِمْ وَيَتَّخِذُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا يَصْنَعُونَ فِيهِ أَنْوَاعَ الْأَطْعِمَةِ، وَيُظْهِرُونَ السُّرُورَ وَالْفَرَحَ، يُرِيدُونَ بِذَلِكَ عِنَادَ الرَّوَافِضِ وَمُعَاكَسَتَهُمْ][1] .
وَقَدْ تَأَوَّلَ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ أَنَّهُ جَاءَ لَيُفَرِّقَ كَلِمَةَ الْمُسْلِمِينَ بعد اجتماعها وليخلع من بايعه من النَّاسُ وَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ الْحَدِيثُ بِالزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ، وَالتَّحْذِيرِ مِنْهُ، وَالتَّوَعُّدِ عَلَيْهِ وَبِتَقَدْيرِ أَنْ تَكُونَ طَائِفَةٌ مِنَ الْجَهَلَةِ قَدْ تَأَوَّلُوا عَلَيْهِ وَقَتَلُوهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ قَتْلُهُ، بَلْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ إِجَابَتُهُ إِلَى مَا سَأَلَ مِنْ تِلْكَ الْخِصَالِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا، فَإِذَا ذُمَّتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْجَبَّارِينَ تذم الأمة كلها بِكَمَالِهَا وَتُتَّهَمْ عَلَى نَبِيِّهَا صلى الله عليه وسلم، فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، وَلَا كما سلكوه، بل أكثر الأئمة قَدْيمًا وَحَدِيثًا كَارِهٌ مَا وَقَعَ مِنْ قَتْلِهِ وَقَتْلِ أَصْحَابِهِ، سِوَى شِرْذِمَةٍ قَلِيلَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ، وَأَكْثَرُهُمْ كَانُوا قَدْ كَاتَبُوهُ لَيَتَوَصَّلُوا بِهِ إِلَى أَغْرَاضِهِمْ وَمَقَاصِدِهِمُ الْفَاسِدَةِ [فَلَمَّا عَلِمَ ذَلِكَ ابْنُ زِيَادٍ مِنْهُمْ بَلَّغَهُمْ مَا يُرِيدُونَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَخَذَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَحَمَلَهُمْ عَلَيْهِ بِالرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ، فَانْكَفُّوا عَنِ الْحُسَيْنِ وَخَذَلُوهُ ثُمَّ قَتَلُوهُ][2] . وَلَيْسَ كُلُّ ذَلِكَ الْجَيْشِ كَانَ رَاضِيًا بِمَا وَقَعَ مِنْ قَتْلِهِ، بَلْ وَلَا يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَا كَرِهَهُ، وَالَّذِي يَكَادُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ يَزِيدَ لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ لَعَفَا عَنْهُ كَمَا أَوْصَاهُ بِذَلِكَ أَبُوهُ، وكما صرح هو به مخبرا عن
[1] ، (2) سقط من المصرية.