الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَرَاحِلَ، مَا يَتَقَدَّمَونَ مَرْحَلَةً إِلَى نَحْوِ الشَّامِ إِلَّا تَخَلَّفَ عَنْهُ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ مَعَهُ، فَلَمَّا مَرُّوا بِقَبْرِ الْحُسَيْنِ صَاحُوا صَيْحَةَ واحدة وتباكوا وباتوا عنده ليلة يصلون ويدعون، وظلوا يوما يترحمون عَلَيْهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ وَيَتَرَضَّوْنَ عَنْهُ وَيَتَمَنَّوْنَ أَنْ لَوْ كَانُوا مَاتُوا مَعَهُ شُهَدَاءَ. قُلْتُ: لَوْ كَانَ هَذَا الْعَزْمُ وَالِاجْتِمَاعُ قَبْلَ وُصُولِ الْحُسَيْنِ إِلَى تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ، لَكَانَ أَنْفَعَ لَهُ وَأَنْصُرَ من اجتماع سليمان وأصحابه لِنُصْرَتِهِ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ، وَلَمَّا أَرَادُوا الِانْصِرَافَ جعل لا يريم أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ الْقَبْرَ فَيَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ ويستغفر له، حتى جعلوا يزدحمون أَشَدَّ مِنِ ازْدِحَامِهِمْ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ. ثُمَّ ساروا قاصدين الشام، فلما اجتازوا بقرقيسياء تَحَصَّنَ مِنْهُمْ زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ: إِنَّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالِكُمْ فَأَخْرِجْ إِلَيْنَا سُوقًا فَإِنَّا إِنَّمَا نُقِيمُ عِنْدَكُمْ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، فَأَمَرَ زُفَرُ بْنُ الحارث أن يخرج إليهم سوق، وأمر للرسول إليه وهو المسيب بن نجية بِفَرَسٍ وَأَلْفِ دِرْهَمٍ. فَقَالَ: أَمَّا الْمَالُ فَلَا. وَأَمَّا الْفَرَسُ فَنَعَمْ. وَبَعَثَ زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ وَرُءُوسِ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ مَعَهُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ عِشْرِينَ جَزُورًا وَطَعَامًا وَعَلَفًا كَثِيرًا، ثُمَّ خَرَجَ زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ فشيعهم، وسار مع سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدٍ وَقَالَ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ بلغني أن أهل الشام قد جهزوا جَيْشًا كَثِيفًا وَعَدَدًا كَثِيرًا، مَعَ حُصَيْنِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَشُرَحْبِيلَ بْنِ ذِي الْكَلَاعِ، وَأَدْهَمَ بْنِ محرز الباهلي. وربيعة بن مخارق الْغَنَوِيِّ، وَجَبَلَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَثْعَمِيِّ. فَقَالَ سليمان بن صرد: على الله توكلنا وعلى الله فليتوكل المؤمنون. ثم عرض عليهم زفر أَنْ يَدْخُلُوا مَدِينَتَهُ أَوْ يَكُونُوا عِنْدَ بَابِهَا، فَإِنْ جَاءَهُمْ أَحَدٌ كَانَ مَعَهُمْ عَلَيْهِ، فَأَبَوْا أن يقبلوا وَقَالُوا: قَدْ عَرَضَ عَلَيْنَا أَهْلُ بَلَدِنَا مِثْلَ ذلك فامتنعنا. قال: فاذ أَبَيْتُمْ ذَلِكَ فَبَادِرُوهُمْ إِلَى عَيْنِ الْوَرْدَةِ، فَيَكُونَ الماء والمدينة والأسواق والسباق خَلْفَ ظُهُورِكُمْ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فَأَنْتُمْ آمِنُونَ مِنْهُ، ثُمَّ أَشَارَ عَلَيْهِمْ بِمَا يَعْتَمِدُونَهُ فِي حال القتال [فقال: ولا تقاتلوهم في فضاء فإنهم أكثر منكم عددا فيحيطون بكم، فانى لا أرى معكم رجالا والقوم ذوو رجال وفرسان، ومعهم كراديس فاحذروهم] [1] فَأَثْنَى عَلَيْهِ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ وَالنَّاسُ خَيَرًا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُمْ، وَسَارَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ فَبَادَرَ إِلَى عَيْنِ الْوَرْدَةِ فَنَزَلَ غَرْبِيَّهَا، وَأَقَامَ هناك قبل وصول أعدائه إليه، واستراح سليمان وأصحابه واطمأنوا
وقعة عين وردة
فلما اقترب أَهْلِ الشَّامِ إِلَيْهِمْ خَطَبَ سُلَيْمَانُ أَصْحَابَهُ فَرَغَّبَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَزَهَّدَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَحَثَّهُمْ عَلَى الْجِهَادِ، وَقَالَ: إِنْ قُتِلْتُ فَالْأَمِيرُ عَلَيْكَمُ الْمُسَيَّبُ بن نجية، فَإِنْ قُتِلَ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ نُفَيْلٍ، فَإِنْ قُتِلَ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَالٍ، فَإِنْ قُتِلَ فَرِفَاعَةُ بْنُ شَدَّادٍ، ثُمَّ بَعَثَ بين يديه المسيّب بن نجية في خمسمائة فارس، فأغاروا على جيش ابن ذي الكلاع وهم عارون، فقتلوا منهم جماعة وجرحوا آخرين،
[1] سقط من المصرية
وَاسْتَاقُوا نَعَمًا، وَأَتَى الْخَبَرُ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَأَرْسَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ الْحُصَيْنَ بْنَ نمير في اثني عشر ألفا، فصبح سليمان بن صرد وجيشه واقفون فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى، وَحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ قَائِمٌ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَقَدْ تَهَيَّأَ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ لِصَاحِبِهِ، فَدَعَا الشَّامِيُّونَ أَصْحَابَ سُلَيْمَانَ إِلَى الدُّخُولِ فِي طَاعَةِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَدَعَا أَصْحَابُ سُلَيْمَانَ الشَّامِيِّينَ إِلَى أَنْ يُسَلِّمُوا إِلَيْهِمْ عُبَيْدَ الله بن زياد فيقتلونه عَنِ الْحُسَيْنِ، وَامْتَنَعَ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ أَنْ يُجِيبَ إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ الْآخَرَ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا عَامَّةَ يَوْمِهِمْ إِلَى اللَّيْلِ، وَكَانَتِ الدَّائِرَةُ فِيهِ لِلْعِرَاقِيِّينَ عَلَى الشَّامِيِّينَ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَصْبَحَ ابْنُ ذِي الْكَلَاعِ وَقَدْ وَصَلَ إِلَى الشاميين في ثمانية عشرة ألف فارس، وقد أنّبه وشتمه ابن زِيَادٍ، فَاقْتَتَلَ النَّاسُ فِي هَذَا الْيَوْمِ قِتَالًا لَمْ يَرَ الشِّيبُ وَالْمُرْدُ مِثْلَهُ قَطُّ، لَا يَحْجِزُ بَيْنَهُمْ إِلَّا أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ إِلَى اللَّيْلِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ مِنَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَصَلَ إِلَى الشَّامِيِّينَ أَدْهَمُ بْنُ مُحْرِزٍ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا إِلَى حِينِ ارْتِفَاعِ الضُّحَى، ثُمَّ اسْتَدَارَ أَهْلُ الشَّامِ بِأَهْلِ الْعِرَاقِ وَأَحَاطُوا بِهِمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَخَطَبَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ النَّاسَ وَحَرَّضَهُمْ عَلَى الْجِهَادِ، فَاقْتَتَلَ النَّاسُ قِتَالًا عَظِيمًا جِدًّا، ثُمَّ تَرَجَّلَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ وَكَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ وَنَادَى يَا عِبَادَ اللَّهِ، مَنْ أَرَادَ الرَّوَاحَ، إِلَى الْجَنَّةِ وَالتَّوْبَةَ مِنْ ذَنْبِهِ وَالْوَفَاءَ بِعَهْدِهِ فَلْيَأْتِ إِلَيَّ، فَتَرَجَّلَ مَعَهُ نَاسٌ كَثِيرُونَ وَكَسَرُوا جُفُونَ سُيُوفِهِمْ، وَحَمَلُوا حَتَّى صَارُوا فِي وَسَطِ الْقَوْمِ. وَقَتَلُوا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً حَتَّى خَاضُوا فِي الدِّمَاءِ، وَقُتِلَ سليمان بن صرد أمير العراقيين، رماه رجل يقال له يَزِيدُ بْنُ الْحُصَيْنِ بِسَهْمٍ فَوَقَعَ، ثُمَّ وَثَبَ ثم وقع ثم وثب ثم وقع، وهو يقول: فزت ورب الكعبة، فأخذ الراية المسيب بن نجية فَقَاتَلَ بِهَا قِتَالًا شَدِيدًا وَهُوَ يَقُولُ: -
قَدْ عَلِمَتْ مَيَّالَةُ الذَّوَائِبِ
…
وَاضِحَةَ اللَّبَاتِ وَالتَّرَائِبِ
أَنِّي غَدَاةَ الرَّوْعِ وَالتَّغَالُبِ
…
أَشْجَعُ مِنْ ذِي لِبْدَةٍ مواثب
قصاع أقران مخوف الجانب
ثم قاتل قتالا شديدا فقضى ابن نجية نحبه، ولحق في ذلك الموقف صحبه رحمهم الله، فَأَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ نفيل فقاتل قتالا شديدا أيضا، وحمل حينئذ ربيعة بن مخارق عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ حَمْلَةً مُنْكَرَةً، وَتَبَارَزَ هُوَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ نُفَيْلٍ، ثُمَّ اتَّحَدَا فَحَمَلَ ابْنُ أَخِي رَبِيعَةَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ فَقَتَلَهُ. ثُمَّ احْتَمَلَ عَمَّهُ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَالٍ، فَحَرَّضَ النَّاسَ عَلَى الْجِهَادِ وَجَعَلَ يَقُولُ:
الرَّوَاحَ إِلَى الْجَنَّةِ- وَذَلِكَ بَعْدَ الْعَصْرِ- وَحَمَلَ بِالنَّاسِ فَفَرَّقَ مَنْ كَانَ حَوْلَهُ ثُمَّ قُتِلَ- وَكَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ الْمُفْتِينَ- قَتَلَهُ أَدْهَمُ بْنُ مُحْرِزٍ الْبَاهِلِيُّ أمير حرب الشاميين ساعتئذ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ رِفَاعَةُ بْنُ شَدَّادٍ فَانْحَازَ بِالنَّاسِ وَقَدْ دَخَلَ الظَّلَامُ، وَرَجَعَ الشَّامِيُّونَ إِلَى رِحَالِهِمْ، وَانْشَمَرَ رِفَاعَةُ بِمَنْ بَقِيَ مَعَهُ رَاجِعًا إِلَى بِلَادِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ الشَّامِيُّونَ إِذَا الْعِرَاقِيُّونَ قَدْ كَرُّوا رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ، فَلَمْ يَبْعَثُوا وَرَاءَهُمْ طلبا ولا أحدا
لما لقوا منهم من القتل والجراح، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى هِيتَ إِذَا سَعْدُ بْنُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَدْ أَقْبَلَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدَائِنِ، قَاصِدِينَ إِلَى نُصْرَتِهِمْ، فَلَمَّا أَخْبَرُوهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَا حَلَّ بِهِمْ، وَنَعَوْا إِلَيْهِ أَصْحَابَهُمْ تَرَحَّمُوا عَلَيْهِمْ وَاسْتَغْفَرُوا لَهُمْ وَتَبَاكَوْا عَلَى إِخْوَانِهِمْ، وَانْصَرَفَ أَهْلُ الْمَدَائِنِ إِلَيْهَا، وَرَجَعَ رَاجِعَةُ أَهْلِ الْكُوفَةِ إِلَيْهَا، وَقَدْ قُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَجَمٌّ غَفِيرٌ، وَإِذَا الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ كَمَا هُوَ فِي السجن لم يخرج منه، فَكَتَبَ إِلَى رِفَاعَةَ بْنِ شَدَّادٍ يُعَزِّيهِ فِيمَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ وَيَتَرَحَّمُ عَلَيْهِمْ وَيَغْبِطُهُمْ بِمَا نَالُوا مِنَ الشَّهَادَةِ، وَجَزِيلِ الثَّوَابِ [وَيَقُولُ: مَرْحَبًا بِالَّذِينِ أَعْظَمَ اللَّهُ أُجُورَهُمْ وَرَضِيَ عَنْهُمْ، وَاللَّهِ مَا خَطَا مِنْهُمْ أَحَدٌ خُطْوَةً إِلَّا كَانَ ثَوَابُ اللَّهِ لَهُ فِيهَا أَعْظَمَ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَإِنَّ سُلَيْمَانَ قَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ وَجَعَلَ رُوحَهُ فِي أَرْوَاحِ النَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَبَعْدُ فَأَنَا الْأَمِيرُ الْمَأْمُونُ، قَاتِلُ الْجَبَّارِينَ وَالْمُفْسِدِينَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَأَعِدُّوا وَاسْتَعَدُّوا وَأَبْشِرُوا، وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَالطَّلَبِ بِدِمَاءِ أَهْلِ الْبَيْتِ. وَذَكَرَ كَلَامًا كَثِيرًا فِي هَذَا الْمَعْنَى] [1] وَقَدْ كَانَ قَبْلَ قدومهم أخبر الناس بهلاكهم عن ربه الَّذِي كَانَ يَأْتِي إِلَيْهِ مِنَ الشَّيَاطِينِ، فَإِنَّهُ قد كان يأتى إليه شَيْطَانٌ فَيُوحِي إِلَيْهِ قَرِيبًا مِمَّا كَانَ يُوحِي شَيْطَانُ مُسَيْلِمَةَ إِلَيْهِ، وَكَانَ جَيْشُ سُلَيْمَانَ بْنِ صرد وأصحابه يسمى بجيش التوابين رحمهم الله، وقد كان سليمان بن صرد الخزرجي صَحَابِيًّا جَلِيلًا نَبِيلًا عَابِدًا زَاهِدًا، رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَشَهِدَ مَعَ عَلِيٍّ صِفِّينَ، وَكَانَ أَحَدُ مَنْ كَانَ يَجْتَمِعُ الشِّيعَةُ فِي دَارِهِ لِبَيْعَةِ الْحُسَيْنِ، وَكَتَبَ إِلَى الْحُسَيْنِ فِيمَنْ كَتَبَ بِالْقُدُومِ إِلَى الْعِرَاقِ، فَلَمَّا قَدِمَهَا تَخَلَّوْا عَنْهُ وقتل بكربلاء بعد ذلك، وَرَأَى هَؤُلَاءِ أَنَّهُمْ كَانُوا سَبَبًا فِي قُدُومِهِ، وَأَنَّهُمْ خَذَلُوهُ حَتَّى قُتِلَ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ، فندموا، على ما فعلوا معه، ثُمَّ اجْتَمَعُوا فِي هَذَا الْجَيْشِ وَسَمَّوْا جَيْشَهُمْ جيش التوابين، وسموا أميرهم سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدٍ أَمِيرَ التَّوَّابِينَ، فَقُتِلَ سُلَيْمَانُ رضي الله عنه فِي هَذِهِ الْوَقْعَةِ بِعَيْنِ وَرْدَةَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ، وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَكَانَ عُمْرُهُ يَوْمَ قُتِلَ ثلاثا وتسعين سنة رحمه الله. وحمل رأسه ورأس المسيب بن نجية إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ بَعْدَ الْوَقْعَةِ، وَكَتَبَ أمراء الشاميين إلى مَرْوَانَ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَأَظْفَرَهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَخَطَبَ النَّاسَ وَأَعْلَمَهُمْ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْجُنُودِ وَمَنْ قُتِلَ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَقَدْ قَالَ: أَهْلَكَ اللَّهُ رُءُوسَ الضُّلَّالِ سُلَيْمَانَ ابن صُرَدٍ وَأَصْحَابَهُ، وَعَلَّقَ الرُّءُوسَ بِدِمَشْقَ، وَكَانَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ قَدْ عَهِدَ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ إلى ولديه عبد الملك ثم من بعده عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَخَذَ بَيْعَةَ الْأُمَرَاءِ عَلَى ذَلِكَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ.
وَفِيهَا دَخَلَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ وَعَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ الْأَشْدَقُ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فَأَخَذَاهَا مِنْ نَائِبِهَا الَّذِي كَانَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وهو عبد الرحمن بن حجدم، وكان سبب ذلك أن مروان قصدها
[1] سقط من المصرية.
فَخَرَجَ إِلَيْهِ نَائِبُهَا ابْنُ جَحْدَمٍ فَقَابَلَهُ مَرْوَانُ لِيُقَاتِلَهُ فَاشْتَغَلَ بِهِ، وَخَلَصَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ بِطَائِفَةٍ مِنَ الْجَيْشِ مِنْ وَرَاءِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَحْدَمٍ فَدَخَلَ مِصْرَ فَمَلَكَهَا، وَهَرَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَدَخَلَ مَرْوَانُ إِلَى مِصْرَ فَمَلَكَهَا، وَجَعَلَ عليها ولده عبد العزيز. وَفِيهَا بَعَثَ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَخَاهُ مُصْعَبًا لِيَفْتَحَ لَهُ الشَّامَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مَرْوَانُ عَمْرَو بْنَ سَعِيدٍ فَتَلَقَّاهُ إِلَى فِلَسْطِينَ فَهَرَبَ مِنْهُ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَكَرَّ رَاجِعًا وَلَمْ يَظْفَرْ بِشَيْءٍ. واستقر ملك الشام ومصر لمروان.
[وقال الواقدي: إن مروان حاصر مصر فخندق عبد الرحمن بن حجدم على البلد خندقا، وخرج في أهل مصر إلى قتاله، وكانوا يتناوبون القتال ويستريحون، ويسمى ذلك يوم التراويح، واستمر القتل في خواص أهل البلد فقتل منهم خلق كثير، وقتل يومئذ عبد الله بن يزيد بن معديكرب الكلاعي أحد الأشراف. ثم صالح عبد الرحمن مروان على أن يخرج إلى مكة بماله وأهله، فأجابه مروان إلى ذلك، وكتب إلى أهل مصر كتاب أمان بيده، وتفرق الناس وأخذوا في دفن موتاهم والبكاء عليهم، وضرب مروان عنق ثمانين رجلا تخلفوا عن مبايعته، وضرب عنق الأكيدر بن حملة اللخمي، وكان من قتلة عثمان، وذلك في نصف جمادى الآخر يوم توفى عبد الله بن عمرو بن العاص، فما قدروا أن يخرجوا بجنازته فدفنوه في داره، واستولى مروان على مصر وأقام بها شهرا، ثم استعمل عليها ولده عبد العزيز، وترك عنده أخاه بشر بن مروان وموسى بن نصير وزيرا له، وأوصاه بالإحسان إلى الأكابر ورجع إلى الشام][1] وَفِيهَا جَهَّزَ مَرْوَانُ جَيْشَيْنِ أَحَدُهُمَا مَعَ حُبَيْشِ بن دلجة العتيبى لِيَأْخُذَ لَهُ الْمَدِينَةَ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا سَنَذْكُرُهُ، وَالْآخَرُ مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ إِلَى الْعِرَاقِ لِيَنْتَزِعَهُ مِنْ نُوَّابِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَلَمَّا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ لَقُوا جَيْشَ التَّوَّابِينَ مَعَ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ ما تقدم ذكره. واستمر جيش الشاميين ذاهبا إلى العراق، فَلَمَّا كَانُوا بِالْجَزِيرَةِ بَلَغَهُمْ مَوْتُ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَ سَبَبُ مَوْتِهِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ بأم خالد امرأة يزيد ابن مُعَاوِيَةَ، وَهِيَ أُمُّ هَاشِمٍ بِنْتُ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ مَرْوَانُ بِتَزْوِيجِهِ إِيَّاهَا لِيُصَغِّرَ ابْنَهَا خَالِدًا فِي أَعْيُنِ النَّاسِ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ فِي نُفُوسِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ مِنْهُ [2] أَنْ يُمَلِّكُوهُ بَعْدَ أَخِيهِ مُعَاوِيَةَ، فَتَزَوَّجَ أُمَّهُ لِيُصَغِّرَ أَمْرَهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ دَاخِلٌ إِلَى عِنْدِ مَرْوَانَ، إِذْ جَعَلَ مَرْوَانُ يَتَكَلَّمُ فِيهِ عِنْدَ جُلَسَائِهِ، فَلَمَّا جَلَسَ قال له فيما خاطبه به: يا ابن الرَّطْبَةِ الِاسْتِ، فَذَهَبَ خَالِدٌ إِلَى أُمِّهِ فَأَخْبَرَهَا بِمَا قَالَ لَهُ، فَقَالَتْ: اكْتُمْ ذَلِكَ وَلَا تُعْلِمْهُ أَنَّكَ أَعْلَمْتَنِي بِذَلِكَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا مَرْوَانُ قَالَ لَهَا: هَلْ ذَكَرَنِي خَالِدٌ عِنْدَكِ بِسُوءٍ؟ فَقَالَتْ لَهُ: وَمَا عَسَاهُ يَقُولُ لَكَ وهو يحبك ويعظمك؟ ثم إن
[1] سقط من المصرية
[2]
كذا بالأصلين، ولعل كلمة: منه زائدة، أو أن في العبارة سقطا.