الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كافرا، يبيع أقوام أخلاقهم وَدِينَهُمْ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا قَلِيلٍ» . وَإِنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ قَدْ مَاتَ وَأَنْتُمْ إِخْوَانُنَا وَأَشِقَّاؤُنَا فلا تسبقونا حتى نحتال لأنفسنا. وقد روى ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ قُتَيْبَةَ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْفَرَجِ الرِّيَاشِيِّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إسحاق بن ثوبة عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ. قَالَ: دَخَلَ الضَّحَّاكُ ابن قيس على معاوية فقال معاوية منشداً له:
تَطَاوَلَتْ لِلضَّحَّاكِ حَتَّى رَدَدْتُهُ
…
إِلَى حَسَبٍ فِي قَوْمِهِ مُتَقَاصِرِ
فَقَالَ الضَّحَّاكُ: قَدْ عَلِمَ قَوْمُنَا أنا أَحْلَاسُ الْخَيْلِ، فَقَالَ: صَدَقْتَ، أَنْتُمْ أَحْلَاسُهَا وَنَحْنُ فرسانها يريد معاوية أنتم راضة وساسة، ونحن الفرسان-. ورأى أن أصل الكلمة من الحلس وهو كساء يكون تحت البرذعة. أي أنه لازم ظهر الفرس كما يلزم الحلس ظهر البعير والدابة. وروى أَنَّ مُؤَذِّنَ دِمَشْقَ قَالَ لِلضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ: وَاللَّهِ أَيُّهَا الْأَمِيرُ إِنِّي لَأُحِبُّكَ فِي اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ الضَّحَّاكُ: وَلَكِنِّي وَاللَّهِ أُبْغِضُكَ فِي اللَّهِ. قَالَ: وَلِمَ أَصْلَحَكَ اللَّهُ؟ قَالَ: لِأَنَّكَ تتراءى في أذانك وتأخذ على تعليمك أجرا.
قُتِلَ الضَّحَّاكُ رحمه الله يَوْمَ مَرْجِ رَاهِطٍ وَذَلِكَ لِلنِّصْفِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ، قَالَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ والواقدي وابن زير والمدائني.
وَفِيهَا قُتِلَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ الأنصاري
وأمه عمرة بنت رواحة، كان النعمان أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ لِلْأَنْصَارِ، في جمادى الأول سَنَةَ ثِنْتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَأَتَتْ بِهِ أُمُّهُ تَحْمِلُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَحَنَّكَهُ وَبَشَّرَهَا بِأَنَّهُ يَعِيشُ حَمِيدًا، وَيُقْتَلُ شَهِيدًا، ويدخل الجنة، فعاش في خير وسعة، ولى نِيَابَةَ الْكُوفَةِ لِمُعَاوِيَةَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ سَكَنَ الشَّامَ، وَوَلِيَ قَضَاءَهَا بَعْدَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَفَضَالَةُ بَعْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ. وَنَابَ بِحِمْصَ لِمُعَاوِيَةَ، وَهُوَ الَّذِي رَدَّ آلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ بِأَمْرِ يَزِيدَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ عَلَى يزيد بالإحسان إليهم فرق لهم يزيد وأحسن إليهم وأكرمهم، ثُمَّ لَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ مَرْجِ رَاهِطٍ وَقُتْلُ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَ النُّعْمَانُ قَدْ أَمَدَّهُ بأهل حمص، فقتلوه بقرية يقال لها بيرين، قَتَلَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ خَالِدُ بْنُ خَلِيٍّ المازني وقتل خَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ وَهُوَ جَدُّ خَالِدِ بْنِ خلى، وقد رثته ابنته فَقَالَتْ:
لَيْتَ ابْنَ مُرْنَةَ وَابْنَهُ
…
كَانُوا لِقَتْلِكَ وَاقِيَةْ
وَبَنِي أُمَيَّةَ كُلَّهُمْ
…
لَمْ تَبْقَ مِنْهُمْ بَاقِيَةْ
جَاءَ الْبَرِيدُ بِقَتْلِهِ
…
يَا لَلْكِلَابِ الْعَاوِيَةْ
يستفتحون برأسه
…
دارت عليهم فانية
فلأبكين سريرة
…
ولأبكين علانية
ولا بكينك مَا حَيِيتُ
…
مَعَ السِّبَاعِ الْعَادِيَةْ
[وَقِيلَ إِنَّ أَعْشَى هَمْدَانَ قَدِمَ عَلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَهُوَ عَلَى حِمْصَ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ:
مَا أَقْدَمَكَ؟ قَالَ: لِتَصِلَنِي وَتَحْفَظَ قَرَابَتِي وَتَقْضِيَ دَيْنِي، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا عِنْدِي، وَلَكِنِّي سَائِلُهُمْ لَكَ شَيْئًا، ثُمَّ قَامَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ ثُمَّ قَالَ: يَا أَهْلَ حِمْصَ، إِنَّ هَذَا ابْنُ عَمِّكُمْ مِنَ الْعِرَاقِ، وَهُوَ مسترفدكم شَيْئًا فَمَا تَرَوْنَ؟ فَقَالُوا: احْتَكِمْ فِي أَمْوَالِنَا، فَأَبَى عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: قَدْ حَكَمْنَا مِنْ أَمْوَالِنَا كل رجل دينارين- وكانوا في الدايون عِشْرِينَ أَلْفَ رَجُلٍ- فَعَجَّلَهَا لَهُ النُّعْمَانُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَلَمَّا خَرَجَتْ أَعْطِيَاتُهُمْ أَسْقَطَ مِنْ عَطَاءِ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ دينارين] [1] ومن كلام النعمان بن بشير رضي الله عنه قَوْلُهُ: إِنَّ الْهَلَكَةَ كُلَّ الهلكة أن تعمل السيئات فِي زَمَانِ الْبَلَاءِ. وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أبى رواحة يزيد ابن أَيْهَمَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ مَالِكٍ الطَّائِيِّ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ لِلشَّيْطَانِ مَصَالِيَ وَفُخُوخًا، وَإِنَّ مِنْ مَصَالِيهِ وَفُخُوخِهِ الْبَطَرَ بِنِعَمِ اللَّهِ، وَالْفَخْرَ بِعَطَاءِ اللَّهِ، وَالْكِبْرَ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ، وَاتِّبَاعَ الْهَوَى فِي غير ذات الله» . ومن أحاديثه الحسان الصحاح مَا سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبَهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ تَعَالَى مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: كَانَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ عَلَى حِمْصَ عَامِلًا لابن الزبير، فلما تملك مروان خَرَجَ النُّعْمَانُ هَارِبًا فَاتَّبَعَهُ خَالِدُ بْنُ خَلِيٍّ الْكَلَاعِيُّ فَقَتَلَهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: فِي هَذِهِ السَّنَةِ. وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ بِأَسَانِيدِهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ تَزَوُّجَ امْرَأَةً جَمِيلَةً جداً فبعث إحدى امرأتيه- قيسون أَوْ فَاخِتَةَ- لِتَنْظُرَ إِلَيْهَا، فَلَمَّا رَأَتْهَا أَعْجَبَتْهَا جدا، ثم رجعت إليه فقال: كيف رأيتها؟ قَالَتْ: بَدِيعَةَ الْجَمَالِ، غَيْرَ أَنِّي رَأَيْتُ تَحْتَ سُرَّتِهَا خَالًا أَسْوَدَ، وَإِنِّي أَحْسَبُ أَنَّ زَوْجَهَا يُقْتَلُ وَيُلْقَى رَأْسُهُ فِي حِجْرِهَا. فَطَلَّقَهَا مُعَاوِيَةُ وتزوجها النعمان بن بشير، فلما قتل أتى برأسه فألقى في حجرها سنة خمس وستين، وقال سليمان بن زير قتل بسلمية سنة ست وخمسين. وَقَالَ غَيْرُهُ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ، وَقِيلَ سَنَةَ سِتِّينَ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ، أَصَابَهُ حجر المنجنيق مع ابن الزبير بمكة وهو قائم يصلى في الحجر. [وهو من أعيان من قتل في حصار مكة وهو المسوّر بن مخرمة بن نوفل أبو عبد الرحمن الزهري، أمه عاتكة أخت عبد الرحمن بن عوف، له صحبة ورواية، ووفد على معاوية،
[1] سقط من المصرية.