الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آبَائِهِ، وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ:«أَمَا إِنَّكَ سَتُصَابُ في بصرك» . وكان كَذَلِكَ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَيْضًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ذِكْرُ صِفَةٍ أُخْرَى لِرُؤْيَتِهِ جِبْرِيلَ
رَوَاهَا قُتَيْبَةُ عَنِ الدراوَرْديّ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ أَنَّ الْعَبَّاسَ بَعَثَ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ فِي حَاجَةٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ عِنْدَهُ رَجُلًا فَرَجَعَ وَلَمْ يُكَلِّمْهُ مِنْ أَجْلِ مكان ذلك الرجل، فلقى العباس بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ العباس: يا رسول الله أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ ابْنِي فَوَجَدَ عِنْدَكَ رَجُلًا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُكَلِّمَكَ فَرَجَعَ وَرَاءَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَمِّ تَدْرِي مَنْ ذَاكَ الرَّجُلُ؟ قَالَ:
لَا! قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ، وَلَنْ يَمُوتَ ابْنُكَ حَتَّى يَذْهَبَ بَصَرُهُ وَيُؤْتَى عِلْمًا» . وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ كَذَلِكَ، وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى. وَقَدْ وَرَدَ فِي فَضَائِلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا هُوَ مُنْكَرٌ جِدًّا أَضْرَبْنَا عَنْ كَثِيرٍ مِنْهَا صَفْحًا، وَذَكَرْنَا مَا فيه مقنع وكفاية عما سواه.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَنْبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي بِمَرْوَ ثنا الحارث بن محمد أنبأ يزيد بن هارون أنبأ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: هَلُمَّ فَلْنَسْأَلْ أَصْحَابَ رسول الله فَإِنَّهُمُ الْيَوْمَ كَثِيرٌ، فَقَالَ:
يَا عَجَبًا لَكَ يا ابن عَبَّاسٍ!! أَتَرَى النَّاسَ يَفْتَقِرُونَ إِلَيْكَ وَفِي النَّاسِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ فِيهِمْ؟ قَالَ: فَتَرَكَ ذَلِكَ وَأَقْبَلْتُ أَنَا أَسْأَلُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنْ كَانَ لَيَبْلُغُنِي الْحَدِيثُ عَنِ الرَّجُلِ فَآتِي بَابَهُ وَهُوَ قَائِلٌ فَأَتَوَسَّدُ رِدَائِي عَلَى بَابِهِ يَسْفِي الرِّيحُ عَلَيَّ مِنَ التُّرَابِ، فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ مَا جَاءَ بِكَ؟ هَلَّا أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَآتِيكَ؟ فَأَقُولُ: لَا! أَنَا أَحَقُّ أَنْ آتِيَكَ، قَالَ: فَأَسْأَلُهُ عَنِ الْحَدِيثِ، قَالَ: فَعَاشَ هَذَا الرَّجُلُ الْأَنْصَارِيُّ حَتَّى رَآنِي وَقَدِ اجْتَمَعَ حَوْلِي النَّاسُ يَسْأَلُونِي، فَيَقُولُ: هَذَا الْفَتَى كَانَ أَعْقَلَ مِنِّي» . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله الأنصاري: ثنا محمد بن عمرو ابن عَلْقَمَةَ ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَجَدْتُ عَامَّةَ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ هَذَا الْحَيِّ مِنَ الْأَنْصَارِ، إِنْ كُنْتُ لَأَقِيلُ بِبَابِ أَحَدِهِمْ، وَلَوْ شئت أن يؤذن لي عليه لأذن لي، وَلَكِنْ أَبْتَغِي بِذَلِكَ طِيبَ نَفْسِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بن سعد: أنبأ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كُنْتُ أَلْزَمُ الْأَكَابِرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَأَسْأَلُهُمْ عَنْ مَغَازِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ، وَكُنْتُ لَا آتِي أَحَدًا منهم إلا سر باتيانى إليه، لِقُرْبِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلْتُ أَسْأَلُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ يَوْمًا- وَكَانَ مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ- عَمَّا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: نَزَلَ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ سورة وسائرها مكي.
وَقَالَ أَحْمَدُ: عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: عَامَّةُ عِلْمِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ، من عمر وعلى وأبى
ابن كَعْبٍ، وَقَالَ طَاوُسٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنْ كُنْتُ لَأَسْأَلُ عَنِ الْأَمْرِ الْوَاحِدِ من ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ مُغِيرَةُ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّى أَصَبْتَ هَذَا الْعِلْمَ؟
قَالَ: بِلِسَانٍ سَئُولٍ، وَقَلْبٍ عَقُولٍ. وَثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يُجْلِسُ ابْنَ عَبَّاسٍ مَعَ مَشَايِخِ الصَّحَابَةِ وَيَقُولُ: نِعْمَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَكَانَ إِذَا أَقْبَلَ يَقُولُ عُمَرُ: جَاءَ فَتَى الْكُهُولِ، وَذُو اللِّسَانِ السَّئُولِ، وَالْقَلْبِ الْعُقُولِ. وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ الصَّحَابَةَ عَنْ تَفْسِيرِ إِذا جاءَ نَصْرُ الله وَالْفَتْحُ 110: 1 فَسَكَتَ بَعْضٌ وَأَجَابَ بَعْضٌ بِجَوَابٍ لَمْ يَرْتَضِهِ عُمَرُ، ثُمَّ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْهَا فَقَالَ: أَجَلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَعَى إِلَيْهِ، فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا بما تَعْلَمُ، وَأَرَادَ عُمَرُ بِذَلِكَ أَنْ يُقَرِّرَ عِنْدَهُمْ جَلَالَةَ قَدْرِهِ، وَكَبِيرَ مَنْزِلَتِهِ فِي الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ. وَسَأَلَهُ مَرَّةً عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَاسْتَنْبَطَ أَنَّهَا في السَّابِعَةِ مِنَ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ فَاسْتَحْسَنَهُ عُمَرُ وَاسْتَجَادَهُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي التَّفْسِيرِ.
وَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بن جبير عن عمر أنه قال لِابْنِ عَبَّاسٍ: لَقَدْ عَلِمْتَ عِلْمًا مَا عَلِمْنَاهُ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ عُمَرُ لِابْنِ عَبَّاسٍ:
إِنَّكَ لأصبح فتياننا وجها، وأحسنهم عقلا، وأفقهم في كتاب الله عز وجل. وقال مجاهد عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ لي أبى: إن عمر يُدْنِيكَ وَيُجْلِسُكَ مَعَ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ فَاحْفَظْ عَنِّي ثَلَاثًا، لَا تُفْشِيَنَّ لَهُ سِرًّا، وَلَا تَغْتَابَنَّ عنده أحدا، ولا يجر بن عَلَيْكَ كَذِبًا. قَالَ الشَّعْبِيُّ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ:
كُلُّ وَاحِدَةٍ خَيْرٌ مِنْ أَلْفٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَلْ كُلُّ وَاحِدَةٍ خَيْرٌ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ كانا يدعوان ابن عباس فيسير مَعَ أَهْلِ بَدْرٍ، وَكَانَ يُفْتِي فِي عَهْدِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ إِلَى يَوْمِ مَاتَ.
قُلْتُ: وَشَهِدَ فَتْحَ إِفْرِيقِيَّةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مَعَ ابْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَقَالَ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَظَرَ أَبِي إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَوْمَ الْجَمَلِ يَمْشِي بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَقَالَ: أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَ مَنْ لَهُ ابْنُ عَمٍّ مِثْلُ هَذَا، وَقَدْ شَهِدَ مَعَ عَلِيٍّ الْجَمَلَ وَصِفِّينَ وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى الْمَيْسَرَةِ، وَشَهِدَ مَعَهُ قِتَالَ الْخَوَارِجِ وَكَانَ مِمَّنْ أَشَارَ عَلَى عَلِيٍّ أَنْ يَسْتَنِيبَ مُعَاوِيَةَ عَلَى الشَّامِ، وَأَنْ لَا يَعْزِلَهُ عَنْهَا فِي بَادِئِ الْأَمْرِ، حَتَّى قَالَ لَهُ فِيمَا قَالَ: إِنْ أَحْبَبْتَ عَزْلَهُ فَوَلِّهِ شَهْرًا وَاعْزِلْهُ دَهْرًا، فَأَبَى عَلِيٌّ إِلَّا أَنْ يُقَاتِلَهُ، فَكَانَ مَا كَانَ مِمَّا قَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ. وَلَمَّا تَرَاوَضَ الْفَرِيقَانِ عَلَى تَحْكِيمِ الْحَكَمَيْنِ طَلَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ عَلِيٍّ لِيُكَافِئَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، فَامْتَنَعَتْ مَذْحِجُ وَأَهْلُ الْيَمَنِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جهة على أبو موسى الأشعري، وكان من أمر الحكمين ما سلف. وَقَدِ اسْتَنَابَهُ عَلِيٌّ عَلَى الْبَصْرَةِ، وَأَقَامَ لِلنَّاسِ الْحَجَّ فِي بَعْضِ السِّنِينَ فَخَطَبَ بِهِمْ فِي عَرَفَاتٍ خُطْبَةً وَفَسَّرَ فِيهَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ سُورَةَ النُّورِ، قَالَ مَنْ سَمِعَهُ: فَسَّرَ ذَلِكَ تَفْسِيرًا لَوْ سَمِعَتْهُ الرُّومُ وَالتُّرْكُ وَالدَّيْلَمُ لَأَسْلَمُوا. وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عَرَّفَ بِالنَّاسِ فِي البصرة، فكان
يَصْعَدُ الْمِنْبَرَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَيَجْتَمِعُ أَهْلُ الْبَصْرَةِ حَوْلَهُ فَيُفَسِّرُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ، وَيُذَكِّرُ النَّاسَ مِنْ بَعْدِ الْعَصْرِ إِلَى الْغُرُوبِ، ثُمَّ يَنْزِلُ فَيُصَلِّي بِهِمُ الْمَغْرِبَ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَهُ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ وَقَالَ: هُوَ بِدْعَةٌ لَمْ يَعْمَلْهَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا أحد من أصحابه إِلَّا ابْنَ عَبَّاسٍ، وَمِنْهُمْ مَنِ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ لِأَجْلِ ذِكْرِ اللَّهِ وَمُوَافَقَةِ الْحُجَّاجِ.
وَقَدْ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَنْتَقِدُ عَلَى عَلِيٍّ فِي بَعْضِ أَحْكَامِهِ فَيَرْجِعُ إِلَيْهِ عَلِيٌّ فِي ذَلِكَ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عَلِيًّا حَرَّقَ نَاسًا ارْتَدَوْا عَنِ الْإِسْلَامِ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لو كنت أنا لم أحرقهم بِالنَّارِ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:«لا تعذبوا بعذاب الله» بل كنت قَاتِلَهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» . فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ: وَيْحَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي رِوَايَةٍ وَيْحَ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّهُ لَغَوَّاصٌ عَلَى الْهَنَاتِ وَقَدْ كَافَأَهُ عَلِيٌّ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يرى إباحة المتعة، وإنها باقية، وتحليل الحمر الانسية، فقال عَلِيٌّ: إِنَّكَ امْرُؤٌ تَائِهٌ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ» . وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخْرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَلَهُ أَلْفَاظٌ هَذَا مِنْ أَحْسَنِهَا وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ الْمُؤَمِّلِ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا نَصْرِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ يَقُولُ: وَرَدَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الْبَصْرَةِ فَسَأَلَهُ عَنِ ابن عباس- وكان على خلفه بِهَا- فَقَالَ صَعْصَعَةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ آخِذٌ بِثَلَاثٍ وَتَارِكٌ لِثَلَاثٍ، آخِذٌ بِقُلُوبِ الرِّجَالِ إِذَا حَدَّثَ، وَبِحُسْنِ الِاسْتِمَاعِ إِذَا حُدِّثَ وَبِأَيْسَرِ الْأَمْرَيْنِ إِذَا خُولِفَ. وَتَرْكِ الْمِرَاءِ وَمُقَارَنَةِ اللَّئِيمِ، وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ سعيد عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْضَرَ فَهْمًا وَلَا أَلَبَّ لُبًّا، وَلَا أَكْثَرَ عِلْمًا، وَلَا أَوْسَعَ حِلْمًا مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ عُمَرَ يَدْعُوهُ لِلْمُعْضِلَاتِ ثُمَّ يَقُولُ: عِنْدَكَ قَدْ جَاءَتْكَ مُعْضِلَةٌ، ثُمَّ لَا يُجَاوِزُ قَوْلَهُ، وَإِنَّ حَوْلَهُ لَأَهْلُ بَدْرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: لَوْ أَدْرَكَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَسْنَانَنَا مَا عَشَّرَهُ مِنَّا أَحَدٌ. وَكَانَ يَقُولُ: نِعْمَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ الْعَلَاءِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ حِينَ بَلَغَهُ مَوْتُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَصَفَّقَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى:
مَاتَ الْيَوْمَ أَعْلَمُ النَّاسِ وَأَحْلَمُ النَّاسِ، وَقَدْ أُصِيبَتْ بِهِ هذه الأمة مصيبة لَا تُرْتَقُ. وَبِهِ إِلَى يَحْيَى بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ. قَالَ: لَمَّا مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ رَافِعُ ابن خَدِيجٍ: مَاتَ الْيَوْمَ مَنْ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مَنْ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فِي الْعِلْمِ. قَالَ الواقدي: وحدثني
أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو: عَنْ عكرمة قال: سمعت معاوية يقول مات وَاللَّهِ أَفْقَهُ مَنْ مَاتَ وَمَنْ عَاشَ، وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَخَلْتُ على معاوية حين كان الصلح وهو أول مَا الْتَقَيْتُ أَنَا وَهُوَ، فَإِذَا عِنْدَهُ أُنَاسٌ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِابْنِ عَبَّاسٍ، مَا تَحَاكَتِ الْفِتْنَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ أَحَدٍ كَانَ أَعَزَّ عَلَيَّ بُعْدًا وَلَا أَحَبَّ إِلَيَّ قُرْبًا، الْحَمْدُ للَّه الَّذِي أَمَاتَ عَلِيًّا، فَقُلْتُ لَهُ:
إِنَّ اللَّهَ لَا يُذَمُّ فِي قَضَائِهِ، وَغَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَحْسَنُ منه، ثم قلت له: أُحِبُّ أَنْ تُعْفِيَنِي مِنِ ابْنِ عَمِّي وَأُعْفِيَكَ مِنِ ابْنِ عَمِّكَ، قَالَ: ذَلِكَ لَكَ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ حِينَ حَجَّ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالنَّاسِ: هُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْمَنَاسِكِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: رَكِبَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَأَخْذَ ابن عباس بركابه فقال: لا تفعل يَا ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بعلمائنا فقال زيد: أنى يداك؟ فأخرج يديه فقبلهما فقال: هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا.
وقال الواقدي: حدثني داود بن هند عن سعيد بْنُ جُبَيْرٍ سَمِعْتُ ابْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: ابْنُ عَبَّاسٍ أَعْلَمُ النَّاسِ. وَحَدَّثَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ. قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ فات الناس بخصال. بعلم ما سبق إليه، وَفِقْهٍ فِيمَا احْتِيجَ إِلَيْهِ مِنْ رَأْيِهِ، وَحِلْمٍ وَنَسَبٍ وَنَائِلٍ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَعْلَمَ بِمَا سَبَقَهُ مِنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ، وَلَا بِقَضَاءِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ مِنْهُ، وَلَا أَفْقَهَ فِي رَأْيٍ مِنْهُ، وَلَا أَعْلَمَ بِشِعْرٍ وَلَا عَرَبِيَّةٍ وَلَا تفسير الْقُرْآنِ وَلَا بِحِسَابٍ وَلَا بِفَرِيضَةٍ مِنْهُ، وَلَا أعلم فيما مضى ولا أثقب رَأْيًا فِيمَا احْتِيجَ إِلَيْهِ مِنْهُ، وَلَقَدْ كَانَ يَجْلِسُ يَوْمًا مَا يَذْكُرُ فِيهِ إِلَّا الْفِقْهَ، ويوما ما يذكر فيه إلا التأويل، ويوما ما يذكر فيه إلا الْمَغَازِيَ، وَيَوْمًا الشِّعْرَ، وَيَوْمًا أَيَّامَ الْعَرَبِ، وَمَا رَأَيْتُ عَالِمًا قَطُّ جَلَسَ إِلَيْهِ إِلَّا خَضَعَ له، ولا وجدت سائلا سأله إلا وجد عند عِلْمًا. قَالَ: وَرُبَّمَا حَفِظْتُ الْقَصِيدَةَ مِنْ فِيهِ يَنْشِدُهَا ثَلَاثِينَ بَيْتًا. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ قُطُّ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: مَا رَأَيْتُ مَجْلِسًا أَكْرَمَ مِنْ مَجْلِسِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَكْثَرَ فِقْهًا، وَلَا أَعْظَمَ هَيْبَةً، أَصْحَابُ الْقُرْآنِ يَسْأَلُونَهُ، وَأَصْحَابُ الْعَرَبِيَّةِ يَسْأَلُونَهُ، وَأَصْحَابُ الشِّعْرِ عَنْهُ يَسْأَلُونَهُ، فَكُلُّهُمْ يَصْدُرُ في واد أوسع.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: كَانَ ابن عباس قد يسبق على الناس في العلم كما تسبق النَّخْلَةُ السَّحُوقُ عَلَى الْوَدِيِّ الصِّغَارِ. وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ قُلْتُ لِطَاوُسٍ: لِمَ لَزِمْتَ هَذَا الْغُلَامَ؟ - يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ- وَتَرَكْتَ الْأَكَابِرَ مِنَ الصَّحَابَةِ؟ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنَ الصحابة إذا تماروا فِي شَيْءٍ صَارُوا إِلَى قَوْلِهِ، وَقَالَ طَاوُسٌ أَيْضًا: مَا رَأَيْتُ أَفْقَهَ مِنْهُ، قَالَ وَمَا خَالَفَهُ أَحَدٌ قَطُّ فَتَرَكَهُ حَتَّى يُقَرِّرَهُ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ. قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَلَقَدْ مَاتَ يَوْمَ مَاتَ وَإِنَّهُ لَحَبْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ- يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ- وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ
عن مجاهد. قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَدَّهُمْ قَامَةً، وَأَعْظَمَهُمْ جفنة، وأوسعهم علما. وقال عمرو بن دينار: ما رأيت مجلسا أجمع لكل خير من مجلسه- يعنى ابْنِ عَبَّاسٍ- الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَتَفْسِيرُ الْقُرْآنِ وَالْعَرَبِيَّةُ والشعر والطعام. وقال مجاهد: ما رأيت أعرب لسانا من ابن عباس، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ:
ثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا سُلَيْمُ بْنُ أَخْضَرَ عَنْ سُلَيْمَانَ التيمي- وهو ممن أرسله الحكم بن أديب- إلى الحسين سأله عن أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ بِالنَّاسِ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ يوم عرفة؟ قال: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَكَانَ رَجُلًا مِثَجًّا- أَحْسَبُ فِي الْحَدِيثِ- كَثِيرَ الْعِلْمِ، وَكَانَ يَصْعَدُ الْمِنْبَرَ فَيَقْرَأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَيُفَسِّرُهَا آيَةً آيَةً.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ نَحْوُهُ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدينَوَريّ:
رَوَى سُفْيَانُ عَنْ أَبِي بَكْرِ الْهُذَلِيِّ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوَّلَ مَنْ عَرَّفَ بِالْبَصْرَةِ، صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وآل عمران ففسرهما حرفا حرفا. مِثَجًّا: قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ مِثَجًّا مِنَ الثَّجِّ وهو السيلان، قال تعالى وَأَنْزَلْنا من الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً 78: 14 وَقِيلَ كَثِيرًا بِسُرْعَةٍ: وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ: قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ مَجْلِسًا لَوْ أَنَّ جَمِيعَ قُرَيْشٍ فَخَرَتْ بِهِ لَكَانَ لها به الفخر، لقد رأيت الناس اجتمعوا على بابه حَتَّى ضَاقَ بِهِمُ الطَّرِيقُ، فَمَا كَانَ أَحَدٌ يقدر أن يجيء ولا أن يَذْهَبَ، قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَكَانِهِمْ عَلَى بَابِهِ، فَقَالَ لِي: ضَعْ لِي وَضَوْءًا، قَالَ: فَتَوَضَّأَ وَجَلَسَ وَقَالَ: اخْرُجْ فَقُلْ لَهُمْ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْقُرْآنِ وَحُرُوفِهِ وَمَا أُرِيدَ مِنْهُ فَلْيَدْخُلْ. قَالَ: فَخَرَجْتُ فَآذَنْتُهُمْ فَدَخَلُوا حَتَّى مَلَئُوا الْبَيْتَ وَالْحُجْرَةَ، فَمَا سَأَلُوهُ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرَهُمْ عَنْهُ وَزَادَهُمْ مِثْلَ مَا سَأَلُوا عَنْهُ أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ قَالَ: إِخْوَانَكُمْ، فَخَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ فَقُلْ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْفِقْهِ فَلْيَدْخُلْ، قَالَ فَخَرَجْتُ فَآذَنْتُهُمْ فَدَخَلُوا حَتَّى مَلَئُوا الْبَيْتَ وَالْحُجْرَةَ، فَمَا سَأَلُوهُ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أخبرهم به وزادهم مثله أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ قَالَ إِخْوَانَكُمْ فَخَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ اخْرُجْ فَقُلْ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يسأل عن الفرائض وما أشبهها، فليدخل، فَخَرَجْتُ فَآذَنْتُهُمْ فَدَخَلُوا حَتَّى مَلَئُوا الْبَيْتَ وَالْحُجْرَةَ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم وزادهم مثله أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ قَالَ: إِخْوَانَكُمْ فَخَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ فَقُلْ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْعَرَبِيَّةِ وَالشِّعْرِ وَالْغَرِيبِ مِنَ الْكَلَامِ فليدخل، فَخَرَجْتُ فَآذَنْتُهُمْ فَدَخَلُوا حَتَّى مَلَئُوا الْبَيْتَ وَالْحُجْرَةَ فَمَا سَأَلُوهُ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرَهُمْ بِهِ وزادهم مثله، ثم قال إخوانكم فخرجوا، قَالَ أَبُو صَالِحٍ، فَلَوْ أَنَّ قُرَيْشًا كُلَّهَا فَخَرَتْ بِذَلِكَ لَكَانَ فَخْرًا، فَمَا رَأَيْتُ مِثْلَ هذا لأحد من الناس.
وقال طاووس وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: مَا رَأَيْنَا أَوْرَعَ مِنَ ابْنِ عُمَرَ وَلَا أَفْقَهَ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ مَيْمُونٌ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَفْقَهَهُمَا، وَقَالَ شُرَيْكٌ الْقَاضِي عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قُلْتُ أَجْمَلُ النَّاسِ، فَإِذَا نَطَقَ قُلْتُ أَفْصَحُ النَّاسِ، فَإِذَا تَحَدَّثَ
قُلْتُ أَعْلَمُ النَّاسِ. وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ ثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عن الزبير بن الحارث عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَعْلَمَهُمَا بِالْقُرْآنِ، وَكَانَ عَلِيٌّ أَعْلَمَهُمَا بِالْمُبْهَمَاتِ، وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ:
إِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ قَدْ أَخَذَ مَا عِنْدَ عَلِيٍّ مِنَ التَّفْسِيرِ، وَضَمَّ إِلَى ذَلِكَ مَا أَخَذَهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ. مَعَ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ. وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: خَطَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ عَلَى الموسم فافتتح سورة البقرة فجعل يقرؤها ويفسرها فَجَعَلْتُ أَقُولُ مَا رَأَيْتُ وَلَا سَمِعْتُ كَلَامَ رَجُلٍ مِثْلَهِ، لَوْ سَمِعَتْهُ فَارِسُ وَالرُّومُ لَأَسْلَمَتْ. وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَجَّ بِالنَّاسِ عَامَ قَتْلِ عثمان فقرأ سورة النور وَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ، فَلَعَلَّ الْأَوَّلَ كَانَ فِي زَمَانِ عَلِيٍّ فَقَرَأَ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَفِي فِتْنَةِ عُثْمَانَ سُورَةَ النُّورِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
عَرَضْتُ الْقُرْآنَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مرتين أقف عند كل آية فأسأل عَنْهَا، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَرْبَعٌ مِنَ القرآن لا أدرى ما به جيء. الْأَوَّاهُ، وَالْحَنَّانُ، وَالرَّقِيمُ، وَالْغِسْلِينُ. وَكُلُّ الْقُرْآنِ أَعْلَمُهُ إِلَّا هَذِهِ الْأَرْبَعَ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ. قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَإِنْ كَانَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَالَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَهِيَ فِي السُّنَّةِ قَالَ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَقُلْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَوَجَدَهَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ قَالَ بِهَا، وَإِلَّا اجْتَهَدَ رَأْيَهُ، وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثنا أبو عاصم وعبد الرحمن بن الشَّعْبِيُّ عَنْ كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ. قَالَ:
شَتَمَ رَجُلٌ ابْنَ عباس فقال له: إِنَّكَ لَتَشْتُمُنِي وَفِيَّ ثَلَاثُ خِصَالٍ، إِنِّي لَآتِي على الآية من كتاب الله فأود أَنَّ النَّاسَ عَلِمُوا مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي أَعْلَمُ، وَإِنِّي لَأَسْمَعُ بِالْحَاكِمِ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ يَقْضِي بالعدل ويحكم بالقسط فأفرح به وأدعو إليه، وَلَعَلِّي لَا أُقَاضِي إِلَيْهِ وَلَا أُحَاكِمُ أَبَدًا وَإِنِّي لَأَسْمَعُ بِالْغَيْثِ يُصِيبُ الْأَرْضَ مِنْ أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ فَأَفْرَحُ بِهِ وَمَا لِي بِهَا مِنْ سَائِمَةٍ أَبَدًا، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مَكْرَمٍ عَنْ يَزِيدَ بن هارون عن كهمس به. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: صَحِبْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، وَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَإِذَا نَزَلَ قَامَ شَطْرَ اللَّيْلِ وَيُرَتِّلُ الْقُرْآنَ حَرْفًا حَرْفًا، وَيُكْثِرُ فِي ذَلِكَ مِنَ النَّشِيجِ وَالنَّحِيبِ وَيَقْرَأُ وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ 50: 19 وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ دِرْهَمٍ قَالَ: كَانَ فِي هَذَا الْمَكَانِ- وَأَوْمَأَ إِلَى مَجْرَى الدُّمُوعِ مِنْ خَدَّيْهِ يعنى خَدَّيِ ابْنِ عَبَّاسٍ- مِثْلُ الشِّرَاكِ الْبَالِي مِنَ الْبُكَاءِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ يَصُومُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ والخميس، وقال: أحب أن يرتفع عملي وأنا صائم، وروى هاشم وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَلِكَ الرُّومُ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَحَبِّ الكلام