المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الخامس في زيارة من في المدينة - البدر التمام شرح بلوغ المرام ت الزبن - جـ ٥

[الحسين بن محمد المغربي]

الفصل: ‌الفصل الخامس في زيارة من في المدينة

‌الفصل الخامس في زيارة مَنْ في المدينة

فيندب له أن يخرج كل يوم إلى البقيع لا سيما يوم الجمعة، والأولى أن يكون ذلك بعد السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه، فإذا انتهى إلى البقيع قال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين -وهو بتقدير مضاف محذوف أي أهل دار أو سكان أو يجوز بالدار عن أهلها إطلاقًا لاسم المحل على الحال والمراد الأرواح- وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد، اللهم اغفر لنا ولهم ثم يسلم على من في قبة العباس (1) وفيها العباس وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو المشهور أنها بجنب العباس والحسن بن علي وزين العابدين ومحمد بن على الباقر وجعفر الصادق فيسلم على كل واحد منهم ثم سيدنا إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جماعة من الصحابة ثم أمهات المؤمنين وكلهن في البقيع إلا خديجة فبمكة وميمونة بسَرَف، ويزور قبر مالك بن أنس وشيخه نافع وقبر صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأتي قبر عثمان بن عفان ويزوره ثم مشهد إسماعيل بن جعفر الصادق وهو بركن سور المدينة من داخله، ومالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري وهو ملصق إلى السور غربي المدينة ثم مشهد الإِمام محمَّد بن عبد الله النفس الزكية وهو خارج السور شرقي المدينة بشرقي سلع ثم يأتي أُحُد لزيارة الشهداء فيبدأ بزيارة حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الشهداء ثم يزور الشهداء ويقصد إلى

(1) اتفق الأئمة على أنه لا يشرع بناء هذه المشاهد على القبور ولا يشرع اتخاذها. والسنة لمن زار قبر مسلم ميت إما نبي أو رجل صالح أو غيرهما أن يسلم عليه ويدعو له بمنزلة الصلاة على جنازته. الفتاوى 27: 448.

ص: 445

جبل أحد فإنه الجبل الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم "أحد نحبه ويحبنا"(1) ويقصد زيارتهم يوم الخميس لأن الموتى يزداد علمهم ومعرفتهم للزائر في يوم الجمعة ويومًا قبله ويومًا بعده، ويندب التبكير ليعود لصلاة الظهر، ويندب أن يخرج إلى قباء يوم السبت متطهرًا من حين خروجه إلى مسجد قباء ناويًا التقرب بزيارته والصلاة فيه للحديث الصحيح "صلاة في مسجد قباء كعمرة"(2).

وأخرج الشيخان: "كان صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء راكبًا وماشيًا فيصلي فيه ركعتين"(3).

وقد جاء في الحديث الصحيح "أنه صلى الله عليه وسلم كان يأتيه في كل سبت، وكان يأتي إلى أحد في كل خميس"(4) وكان الحكمة في ذلك أنه لما كان قصد الموتى يوم الخميس ويوم الجمعة لزيادة شعورهم، فبقي السبت لزيارة قباء وأهله ويؤخذ من قصد النبي صلى الله عليه وسلم أنه يشد الرجل إليه، وكان حقه أن يذكر مع المساجد الثلاثة، ولعل الحكمة في عدم ذكره أن القاصد إليه قاصد إلى المدينة، وكان مسجد المدينة هو الأفضل فاستغنى بذكر الأفضل وهو مسجد المدينة فإنه المسجد الذي أسس على التقوى كما قال صلى الله عليه وسلم "هو مسجدكم هذا"(5) يشير إلى مسجد المدينة ويأتي الآبار التي بالمدينة وهي مشهورة لأهل المدينة، وعدَّ النووي (6) سبعًا وهي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ منها أو يغتسل، وذكر غيره أنها سبع عشرة

(1) البخاري 13: 304 ح 7333، مسلم 2: 1011 ح 504 - 1393.

(2)

الترمذي 2: 145 - 146 ح 324 ابن ماجه 1: 452 ح 1411.

(3)

البخاري 3: 69 ح 1194 مسلم 2: 1016 ح 515 - 1399.

(4)

الشق الأول عند البخاري 3: 68 ح 1191.

(5)

مسلم 2: 1015 ح 514 - 1398.

(6)

المجموع 8: 208.

ص: 446

ولعل النووي أراد المشتهر (أ) منها، ويندب له أيضًا أن يأتي المساجد التي بالمدينة وهي نحو ثلاثين موضعًا وسوى علمت عينه أو جهته (1) وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يتحرى الصلاة والنزول والمرور حيث حل صلى الله عليه وسلم ونزل (2).

وما جاء عن عمر أنه رأى الناس في الرجوع من الحج ابتدروا مسجدًا فقال: ما هذا؟ فقالوا: مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هكذا هكذا (ب) أهل الكتاب قبلكم اتخذوا آثار الأنبياء تبعًا، من عرضت له منكم الصلاة فليصل فيه، ومن لم تعرض له فليمض (3).

وروي مثل هذا عن مالك ولكنه محمول على سد الذرائع خشية أن يتخذ ذلك العامة تشريعًا (4).

(أ) هـ، ي:(المشهور).

(ب) ضرب علي (هكذا) الثانية في هـ.

_________

(1)

المجموع 208:8.

(2)

البخاري 3: 592 ح 1769.

(3)

مصنف عبد الرزاق 2: 118 - 119 ح 2734.

(4)

وقد ذكر شيخ الإِسلام في اقتضاء الصراط المستقيم عن هذه المشاهد فقال: وقد فصل أبو عبد الله رحمه الله المشاهد، وهي الأمكنة إلى فيها آثار الأنبياء والصالحين من غير أن تكون مساجد لهم كمواضع بالمدينة بين القليل الذي لا يتخذونه عيد، والكثير الذي يتخذونه عيدًا) إلى أن قال .... وقد اختلف العلماء رحمهم الله في إتيان المشاهد.

فقال محمَّد بن وضاح: كان مالك وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الآثار التي بالمدينة ما عدا قباء واحدًا. ودخل سفيان الثوري بيت المقدس وصلى فيه ولم يتتبع تلك الآثار ولا الصلاة فيها فهؤلاء كرهوها مطلقًا لحديث عمر وهو يشبه الصلاة عند المقابر إذ هو ذريعة إلى اتخاذها أعياد أو إلى التشبه بأهل الكتاب ولأن ما فعله ابن عمر لم يوافقه أحد عليه من الصحابة فلم ينقل عن الخلفاء الراشدين ولا عن غيرهم من المهاجرين والأنصار =

ص: 447

وقد قال القاضي عياض في "الشفا": ومن إعظامه صلى الله عليه وسلم وإكبَاره إعظام مشاهده (أ) وأمكنته ومعاهده وما لمسه صلى الله عليه وسلم بيده أو عرف به؛ انتهى.

(أ) هـ: (مشاهد).

_________

= أنه كان يتحرى قصد الأمكنة التي نزلها النبي صلى الله عليه وسلم والصواب مع جمهور الصحابة لأن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم تكون بطاعه أمره .....) اقتضاء الصراط المستقيم 2: 745.

ص: 448