المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب وجوه الإحرام وصفته - البدر التمام شرح بلوغ المرام ت الزبن - جـ ٥

[الحسين بن محمد المغربي]

الفصل: ‌باب وجوه الإحرام وصفته

‌باب وجوه الإحرام وصفته

الوجوه جمع وجه، والمراد به: الأنواع التي يتعلق بها الإحرام، وهو الحج أو العمرة أو مجموعهما وصفته عطف تفسيري للوجوه، والمراد بصفة الإحرام هو أن الإحرام إذا تعلق بنوع فله صفة يتميز بها عن تعلقه بنوع آخر.

562 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بحج، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، فأما من أهل بعمرة فحل وأما من أهل بحج أو (أ) جمع الحج والعمرة فلم يحل حتى كان يوم النحر" متفق عليه (1).

قولها: "خرجنا

" كان خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة نهارًا بعد الظهر لخمس بقين من ذي القعدة بعد أن صلى الظهر بها أربعًا وخطبهم خطبة علمهم فيها الإحرام وواجباته وسننه، قال ابن حزم، وكان يوم الخميس، والظاهر أنه يوم السبت، وقولها "عام حجة الوداع" سميت بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم ودع الناس فيها، ولم يحج بعد الهجرة غيرها، وكانت سنة عشر من الهجرة، وقولها "من أهل بعمرة" الإهلال في اللغة (2): رفع الصوت، ومنه استهل المولود أي صاح، ومنه قوله تعالى

(أ) جـ: (وجمع).

_________

(1)

البخاري الحج، باب التمتع والقران، والإفراد بالحج 3: 421 ح 1562، مسلم الحج باب بيان وجوه الإحرام

2: 873 ح 118 - 1211 م.

(2)

لسان العرب (هـ. ل. ل) 6: 4689 (ط. دار المعارف، مصر).

ص: 221

{وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (1) أي رفع الصوت عند ذبحه بغير ذكر الله، ويسمى الهلال هلالًا لرفعهم الصوت عند رؤيته، قال العلماء: والإهلال في اللغة رفع الصوت بالتلبية عند الدخول في الإحرام، ولعل هذا في عرف اللغة، والمعنى الأول في أصلها، وقولها:"فمنا من أهل بعمرة" تريد أنه وقع من مجموع القاصدين مع النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأنواع المذكورة، فلا يعارضها الروايات الأخر عنها، فإنه قد روى مسلم (2) من حديثها "خرجنا لا نرى إلا الحج" وفي رواية القاسم عنها قالت: لبينا بالحج، وفي رواية "له خرجنا مهلين بالحج"، وفي رواية:"لا نذكر إلا الحج"، وفي رواية الأسود (3) عنها:"نلبي لا نذكر حجا ولا عمرة"(4) لأن ذلك باعتبار اختلاف الناس فيما أحرموا به، وإنْ كانت في نفسها قاصدة للحج، وكذلك قولها "نلبي لا نذكر حجا ولا عمرة" فلعلها قصدت أنهم لم يلتزموا ذكر ما علق به التلبية، وإن كانت المقاصد متنوعة، وقد تذكر في بعض الأحوال وهذا وجه للجمع، وقد قال القاضي عياض (5): اختلف العلماء في الكلام على حديث عائشة رضي الله عنها فقال مالك: ليس العمل على حديث عروة عن عائشة عندنا قديمًا ولا حديثًا، وقال بعضهم يترجح أنها كانت محرمة بحج لأنها رواية عمرة (1) والأسود والقاسم وغلطوا عروة في روايته، قولها "ولم أهل إلا

(أ) هـ: (عروة).

_________

(1)

سورة المائدة الآية 3.

(2)

مسلم الحج، باب بيان وجوه الإحرام

2: 872 ح 116 - 1211.

(3)

في صحيح مسلم: "أبي الأسود".

(4)

مسلم الحج، باب بيان وجوه الإحرام

2: 878 ح 129 - 1211.

(5)

شرح مسلم 305:3.

ص: 222

بعمرة" وإن كان يحتمل أنها في آخر الأمر حين أمرت برفض العمرة لم تكن محرمة إلا بعمرة ثم أحرمت بالحج من بعد لأنها قد كانت فسخت الحج إلى العمرة فصارت منفردة بالعمرة ثم لما تعذر عليها تمام العمرة بسبب الحيض رفضتها وأحرمت بالحج وحدها، وهذا وجه صحيح للجمع بين الروايات أولى من تغليط البعض، وأحمد بن حنبل قال في حديث عروة: هو خطأ.

وقولها: "وأما من أهل بحج

" إلخ يدل بظاهره على أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم استمروا على الإحرام بالحج وأنهم لم يفسخوه إلى العمرة، وهذا خلاف ما اشتهر في الأحاديث الصحيحة المخرجة في الصحيحين وغيرهما من أنه صلى الله عليه وسلم "أمر من لم يكن معه هدي بفسخه إلى العمرة" وقد بلغ عدة من روى ذلك من الصحابة أربعة عشر منهم (1) عائشة وحفصة وعلي بن أبي طالب وفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم وأسماء بنت أبي بكر وجابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري والبَرَاء بن عازب وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر وأبو موسى الأشعري وعبد الله بن عباس وبشر بن معبد الجهني وسراقة بن مالك المدلجي، ولعل هذه الرواية مقيدة بمن كان معه هدي وأحرم بحج مفرد كما في حق كثير من الصحابة، أو كان معه هدي وأحرم بحج وعمرة كما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم في الوادي المبارك لما أمر بهما وكان معه هدي فلا مخالفة على هذا بين الروايات، ودل هذا على أنه يجوز إفراد الإحرام بالعمرة وإفراد الحج والقران بينهما، وهو كذلك فإن أنواع الحج ثلاثة: إفراد، وقران، وتمتع، والظاهر أنه ما وقع من أحد إفراد الإحرام بالعمرة في الابتداء، فيحمل قولها "من أهل

(أ) جـ: (رسول الله).

_________

(1)

زاد المعاد 2: 178.

ص: 223

بعمرة" على الإهلال بها متقدمة على الحج فيتم (أ) حينئذٍ، ذكر أنواع الحج الثلاثة.

والإفراد هو أن يحرم بالحج وحده، والقران أن يقرن في إحرامه بتعليقه بالحج والعمرة، والتمتع أن يهل بالعمرة متمتعًا بها إلى الحج ويحج في تلك السنة، وتفاصيل هذه الأنواع مستوفاة في كتب الفروع من الفقه، ولو أحرم بالحج ثم أحرم بالعمرة (ب) فقولان للشافعي أصحهما لا يصح إحرامه بالعمرة، والثاني يصح ويصير قارنًا بشرط أن يكون قبل الشروع من التحلل في الحج، وقيل قبل الوقوف بعرفات، وقيل قبل طواف القدوم أو غيره، قال القاضي جوز (جـ) إدخال العمرة على الحج أصحاب (د) الرأي وهو قول للشافعي لما ثبت أنه فعله صلى الله عليه وسلم عند أن أتاه آتٍ من ربه في الوادي المبارك وأمره أن يصلي فيه ويقول: عمرة في حجة (1) ومنعه آخرون وجعلوا هذا خاصًّا بالنبي صلى الله عليه وسلم لضرورة الاعتمار في أشهر الحج، ولو أحرم بالعمرة أولًا ثم أدخل عليها الحج، فقال القاضي (2): اتفق جمهور العلماء على جواز ذلك وشذ بعض الناس فقال: لا يدخل إحرام على إحرام كما لا تدخل صلاة على صلاة، هذا كلامه، وظاهر كلام النووي (3) أن ذلك موافق كلام الشافعي وأصحابه، وفي البحر للإمام المهدي ما لفظه مسألة الهادي والناصر وأبي حنيفة وقول للشافعي.

(أ) كتب فوقه هنا في ي: (هذا تكلف).

(ب) جـ بدلها هنا (بالتمتع).

(جـ)(هـ: (جواز).

(د) هـ: (لأصحاب).

_________

(1)

البخاري الحج، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"العقيق واد مبارك" 3: 392 ح 1534.

(2)

و (3) شرح مسلم 303:3.

ص: 224

ومن أدخل نسكًا على نسك أساء وانعقد فيرفض الدخيل ويؤديه لوقته مالك وأحد قولي الشافعي لا ينعقد الدخيل لقول علي رضي الله عنه لأبي نضرة لما قال: "إني أهللت بالحج وإني أستطيع أن أضم إليها عمرة فأضم؟ قال: لا ولكنك إن أهللت بعمرة وأردت أن تضم إليها حجًّا ضممت"(1).

قلنا: أراد أنه أساءه إذ سأله قبل العمل، قيل وهو مراد عمر بقوله متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهى عنهما بل أعاقب على فعلهما، وقيل بل نكاح المتعة وعليه دم الرفض لما مر المؤيد والمنصور وسواء تضيق الوقت أم اتسع وقيل إن (أ) خشي فوت الحج الدخيل قدمه، قلنا لم يفصل الدليل العترة والشافعي ولا يصير قارنًا إذ لم يحرم لهما معًا الإمام يحيى وأحمد، وعن الشافعي لا ينعقد إدخال العمرة على الحج ويصح العكس لقوة الحج، عن الشافعي ينعقد ويصير قارنًا أبو حنيفة إذا أدخله قبل الطواف صار قارنًا إذ التأخير اليسير معفو عنه (ب)، قلنا: لم يُفرق ثم إن هذا مشى، انتهى.

ولا يخفى عليك ما بينه وبين كلام القاضي من المخالفة (جـ في نقل الخلاف جـ) وما في كلام البحر من اضطراب في نقل الخلاف وضعف الاحتجاج بقول على وعدم صحة الجواب، والذي (د) يظهر من مجموع

(أ) جـ: (بل إنْ).

(ب) سقط من هـ: (عنه).

(جـ -جـ) سقط في هـ.

(د) هـ: (الذي).

_________

(1)

انظر صحيح مسلم من حديث أبي زيد "لا تصلح المتعتان إلا لنا خاصة". 2: 897 ح 162 - 1224 م.

ص: 225

الأحاديث الواردة في الحج وما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنه لا مانع من إدخال الحج على العمرة والعمرة على الحج، وأن ذلك ليس فيه إبطال لما تقدمه بل هو تأكيد للزومه وزيادة في (أ) المحافظة على أدائه حيث لم يتَحلل من إحرامه، بل مضى فيه حتى أكمل أعمال المُدْخَل عليه، وإنما الشأن في التحلل من الحج وفسخه إلى العمرة هل كان ذلك خاصًّا بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -أو حكمه باق، فذهب الجمهور إلى أن ذلك كان خاصًّا بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واستدلوا (ب) عليه بما رواه عبد الله بن الزبير الحميدي قال حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن المرقع عن أبي ذر أنه قال:"كان فسخ الحج من رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا خاصة"(1).

وأخرج وكيع أيضًا عنه أنه قال: "لم يكن لأحد بعدنا أن يجعل حجته عمرة إنها كانت رخصة لنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم"(2).

وأخرج البزار عن يزيد بن شريك "قلنا لأبي ذر: كيف تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم معه؟ قال: ما أنتم وذاك، إنما ذاك شيء رخص لنا فيه"، يعني المتعة.

وأخرج أيضًا عن أبي بكر التيمي عن أبيه والحارث بن سويد قالا: قال أبو ذر: في الحج (ب) والمتعة رخصة أعطاناها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأخرج أبو داود عن ابن الأسود أن أبا ذر كان يقول: من جمع ثم فسخها إلى عمرة لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله -

(أ) سقط من جـ: (في).

(ب) هـ: (إذا استدلوا).

(جـ) هـ: (في الحج والعمرة والمتعة).

_________

(1)

مسند الحميدي 1: 73 ح 132.

(2)

زاد المعاد 2: 189.

ص: 226

صلى الله عليه وسلم - (1).

وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال: "كانت المتعة في الحج لأصحاب محمَّد خاصة"(2) وفي لفظ: "كانت رخصة"(3) يعني المتعة في الحج، وفي لفظ آخر "لا تصلح المتعة إلا لنا خاصة"(4) يعني متعة النساء ومتعة الحج، وفي لفظ آخر "إنما كانت لنا خاصة دونكم"(5) يعني متعة الحج. وفي سنن النسائي بإسناد صحيح عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر في متعة الحج "ليست لكم ولستم منها بشيء، إنما كانت رخصة لنا أصحاب محمَّد"(6).

وفي سنن أبي داود والنسائي من حدثنا بلال بن الحارث قال: "قلت يا رسول الله أىا فسخ الحج إلى العمرة لنا خاصة أم للناس عامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل لنا خاصة" ورواه الإِمام أحمد (7).

وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: سئل عثمان عن متعة الحج فقال: "كانت لنا ليست لكم" ويتأيد هذا بإنكار عمر، ومنعه مع وفور الصحابة وقرب العهد منهم للنبي صلى الله عليه وسلم من غير ظهور خلاف عليه في عصره ويتأيد بظاهر قوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ} (8) فإن الآية تقضي بوجوب تمامهما، وأنه لا يجوز الخروج من أحدهما قبل إتمامه، وقد أجاب عن جميع ذلك في الهدي

(1) أبو داود المناسك، باب في الإقران 2: 399 ح 1807.

(2)

مسلم الحج، باب جواز التمتع 2: 897 ح 160 - 1224.

(3)

و (4) و (5) مسلم السابق 897:2 ح 161 - 162 - 163 - 1224 م.

(6)

النسائي المناسك، باب إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق الهدي 5:179.

(7)

أبو داود المناسك، باب في الإقران 2: 399، 400 ح 1808، والنسائي، المناسك، باب إباحة فسخ الحج بعمرة

، 5: 179، أحمد 3:469.

(8)

سورة البقرة الآية 196.

ص: 227

النبوي (1)، ونسب جواز ذلك وبقاءه إلى علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وابن عباس وأبي موسى وسعيد بن المسيب وجمهور التابعين، فليراجع، والله أعلم.

واعلم أن العلماء اختلفوا في أفضل أنواع الحج، فقال الشافعي ومالك وكثيرون أفضلها الإفراد ثم التمتع ثم القرآن، وهو قول الهادي في الأحكام، وقال أبو حنيفة: أفضلها القرآن، وقال أحمد وآخرون -وهو مروي عن الصادق والباقر، والناصر-: إن أفضلها التمتع، وقال أبو العباس: إن القرآن أفضل لمن قد حج، والإفراد أفضل لمن لم يكن قد حج (ب).

وقد اختلف العلماء في حجه صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقوال بحسب مذاهبهم السابقة، وكل طائفة رجحت نوعًا واذعت أن حجة النبي صلى الله عليه وسلم كانت كذلك، والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان أولًا مفردًا ثم أحرم بالعمرة بعد ذلك وأدخلها على الحج فصار قارنًا.

وقد اختلفت روايات الصحابة في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع.

وفي البخاري ومسلم روايات مختلفة في ذلك، وطريق الجمع أن من روى الإفراد فباعتبار أول أمره، ومن روى القرآن فباعتبار ما انتهى إليه،

(أ) سقط من جـ: (والباقر).

(ب) جـ: (لمن لم يحج).

_________

(1)

قال محقق زاد العاد: "في الأصل المطبوع وفي سنن أبي داود وهو تحريف وإسناده صحيح كما قال المؤلف وهو في حجة الوداع 276 لابن حزم 211: 191. زاد المعاد 2: 90 وما بعدها.

ص: 228

ومن روى التمتع فقد أراد به التمتع اللغوي، فإنه انتفع بالعمرة وارتفق بها من دون إعادة إحرام، واحتج (أ) من فضَّل الإفراد بأنه صح ذلك من حديث جابر وابن عمر وابن عباس وعائشة، وهؤلاء لهم مزية على غيرهم في معرفة ما فعله صلى الله عليه وسلم فأما جابر فهو أحسن الصحابة سياقة لرواية حجة الوداع فإنه ذكرها من حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى آخرها، فهو أضبط لها، وأما ابن عمر فصح عنه أنه كان آخذًا بخطام الناقة وأنكر هو على من رجح قول أنس على قوله، فقال:"كنت تحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي لعابها أسمعه يلبي بالحج".

وأما عائشة فقربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم معروف، وكذلك اطلاعها لفطنتها على باطن أمره وظاهره وفعله على خلوته وعلانيته مع كثرة فقهها وعظم فطنتها، وأما ابن عباس فمحله من الفقه والعلم والدين والفهم الثاقب معروف مع كثرة بحثه وحفظه أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لم يحفظها غيره وأخذه إياها من كبار الصحابة، وبأنه واظب على ذلك الخلفاء الراشدون كأبي بكر وعمر وعثمان، وفعل عليّ اختلف لبيان جواز ذلك، وبأنه لا يجب فيه دم بالإجماع بخلاف ما عداه فيجب الدم للجبران، واحتج من فضل القرآن بأنه ورد أنه صلى الله عليه وسلم قرن، ورويت في ذلك بضعة وعشرون حديثًا كلها صحيحة من سبعة عشر صحابيًّا هم: عائشة وعبد الله بن عمرو وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان بإقراره لعليٍّ وتقرير على له وعمران بن الحصين والبراء بن عازب وحفصة أم المؤمنين وأبو قتادة وابن أبي أوفى وأبو طلحة والهرماس بن زياد وأم سلمة وسعد بن أبي وقاص وأنس مع أن حديث أنس أيضًا رواه ستة عشر نفسًا من الثقات كلهم متفقون عن

(أ) جـ: (واحتج آخر).

ص: 229

أنس (1) أن لفظ النبي صلى الله عليه وسلم كان إهلالًا بحجة وعمرة معًا، وهم

الحسن البصري وأبو قلابة وحميد بن هلال وحميد بن عبد الرحمن

الطويل وقتادة ويحيى بن سعيد الأنصاري وثابت البناني ومحمد وبكر بن

عبد الله المُزَني وعبد العزيز بن صهيب وسليمان التيمي ويحيى بن أبي

إسحاق وزيد بن أسلم ومصعب بن سليم (أ) وأبو قدامة عاصم بن حسين وأبو قزعة وهو سويد بن حجر الباهلي (2). واحتج من قال بأفضلية التمتع أن النبي صلى الله عليه وسلم حج تمتعًا، وروايات التمتع هي روايات القرآن، فإن التمتع الذي وقع من النبي صلى الله عليه وسلم هو القرآن كما عرفت، وأما التمتع الذي هو النوع الثالث فهو وقع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأمره لهم واستحسانه لذلك، وقوله "لو استقبلت من أمري ما استدبرت

" الحديث فإن اختياره صلى الله عليه وسلم ذلك لهم يدل على أفضليته وقد ينقضي عن ذلك بأنه لا شك أنه أفضل في حقهم، ووقوعه بحكمه في حقهم لا يحصل مِن فعل من بعدهم، وهو أنه لإظهار مخالفة ما كان ارتسم في النفوس من أن العمرة لا يجوز التلبس بها في أشهر الحج وإن ذلك من أفجر الفجور، ولذلك عظم على أصحابه صلى الله عليه وسلم حين أمرهم بالحل كله، والأحكام شرعت لمصالح العباد، وهذه مصلحة مناسبة للتشديد في الأمر به، فإن ذلك من التشريع الذي يجب تبليغه إلى العباد، فكان في حقهم أفضل، وأما في حق غيرهم فلا، وأقول والله أعلم: الذي يترجح اختيار أفضليته هو القرآن فإن القرآن قد اشتمل على مقاصد معتبرة منها تأكد الإحرام من حيث إنه علقه بسنتين موجبتين للفضل والثواب.

(أ) جـ: (سليمان).

_________

(1)

زاد المعاد 2: 116.

(2)

زاد المعاد 2: 116.

ص: 230

ومنها موافقة ما انتهى إليه حال النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به من الجمع بينهما.

ومنها إظهار مخالفة المشركين المحرمين للعمرة في أشهر الحج.

ومنها قبول التيسير الذي أراده الله لأمته صلى الله عليه وسلم في الشريعة من حيث إنه قام بإحرامَيْن دفعة واحدة من دون تكرار إحرام.

ومنها التزام النسك الذي فيه التقرب بنحر دمه وإظهار شعار البيت الحرام بالهدي والقلائد وإنالة المساكين من لحمه وغير ذلك.

ومنها: العمل بتمام ما أحرم به من الحج والعمرة والمطابقة لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فإن ظاهر الآية قاضٍ بأنهم متلبسون بهما دفعة واحدة وإتمامهما معًا أن يكون التحلل منهما تحللًا واحدًا، وهذا ظاهر في حق القارن ولا ريب في شرعية الثلاثة الأنواع وحصول الامتثال بأنها فعل، والله أعلم.

خاتمة: اشتمل هذا الباب على حديث واحد، ولعل المصنف رحمه الله تعالى خص هذا الباب بهذا الحديث لما كان جامعًا للثلاثة الأنواع، والله أعلم.

ص: 231