الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المواقيت
560 -
عن ابن عباس رضي الله عنه "أَن النبي صلى الله عليه وسلم وَقْتَ لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قَرْن المنازل، ولأهل اليمن يَلَمْلَم، هن لهن ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعُمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة" متفق عليه (1).
قوله: "وَقْتَ" أي: حَدَّ، وأصل التوقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به، وهو بيان مقدار المدة، يقال: وَقْتَ الشيء يوقِّته بالتشديد، ووقته بالتخفيف يقته إذا بين مدته ثم اتسع فيه فقيل للموضع ميقات، وقال ابن دقيق العيد: التوقيت تعليق الحكم بالوَقْت ثم استعمل للتحديد في الشيء مطلقًا لأن التوقيت تحديد بالوقت، فصار التحديد من لوازم التوقيت، فأطلق عليه توقيت.
وقوله هاهنا "وقت" يحتمل أن يراد به التحديد أي حد هذه المواضع للإحرام، ويحتمل أن يراد بذلك تعليق الإحرام بوقت الوصول إلى هذه المواضع بشرط إرادة الحج أو العمرة.
وقال القاضي عياض: وقت أي حدد، وقد يكون بمعنى أوجب، ومنه قوله تعالى:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (2) انتهى. ويؤيد هذا أن في بعض ألفاظ الحديث فرض بدل وقَّت.
وقوله "لأهل المدينة" أي مدينة النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) البخاري الحج، باب مهل أهل مكة للحج والعمرة 3: 384 ح 1524، مسلم الحج، باب مواقيت الحج والعمرة 838:2 ح 11 - 1181.
(2)
سورة النساء الآية 103.
"ذا الحليفة" بالمهملة والفاء مصغرًا: مكان معروف بينه وبين مكة مائتا ميل غير ميلين قاله ابنُ حزم (1).
وقال غيره: بينهما عشر مراحل، وقال النووي (2): بينها وبين المدينة ستة أميال، ووهم (3) من قال بينهما ميل واحد وهو ابن الصباغ، وبها مسجد معروف بمسجد الشجرة خراب وفيها بئر يقال له بئر علي.
"والجُحْفة" بضم الجيم وسكون الحاء المهملة وهي قرية خربة بينها وبين مكة خمس مراحل أو ست (4).
وقال النووي في شرح المهذب بينهما ثلاث مراحل، وفيه نظر. وفي القاموس:"كانت الجحفة قرية جامعة على اثنين وثمانين ميلًا من مكة"(5).
قال في النهاية: وبها (أ) غدير خم، وهي شديدة الوخم.
قال الأصمعي: لم يولد فيها أحد فعاش إلى أن يبلغ إلا أن يحول عنها، وتسمى مَهْيَعة بوزن عَلْقمة كذا في حديث ابن عمر (6)، وقيل بوزن لطيفة وسميت الجحفة لأن السيل أجحف بها.
قال ابن الكلبي (7): كان العماليق يسكنون يثرب فوقع بينهم وبين بني
(أ) جـ: (وفيها).
_________
(1)
المحلى 7: 63.
(2)
شرح مسلم 253:3.
(3)
الفتح 4: 385.
(4)
معجم البلدان لياقوت 2: 111.
(5)
القاموس "جـ ح ف" 6: 53 (مع تاج العروس).
(6)
البخاري كتاب الحج، باب مهل أهل نجد 3: 388 ح 1528.
(7)
الفتح 3: 385.
عبيل -بفتح المهملة وكسر الموحدة، وهم أخوة عاد- حرب فأخرجوهم من يثرب فنزلوا مهيعة فجاء سيل فاجتحفهم: أي استأصلهم فسميت الجُحفة، والمكان الذي يحرم منه المصريون الآن "رَابِغ" بوزن فاعل براء وموحدة وغين معجمة قريب من الجحفة.
واختصت الجحفة بالحمى فلا ينزلها أحد إلا حُمَّ لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم بنقل حمى يثرب إليها (1).
"ولأهل نجد قرن المنازل" نجد: هو اسم لكل مكان مرتفع في الأصل وهو علم لعشرة مواضع (2)، والمراد منها هنا (أ) التي أعلاها تهامة واليمن وأسفلها الشام والعراق، والمنازل جمع منزل والمركب الإضافي هو اسم المكان، ويقال له قرن أيضًا بلا إضافة، وهو بفتح القاف وسكون الراء بعدها نون، وضبط صاحب الصحاح بفتح الراء وغلطوه، وبالغ النووي (3) فحكى الاتفاق على تخطئته في ذلك، لكن حكى عياض (4) عن تعليق الفاسي أن من قاله بالإسكان أراد الجبل، ومن قاله بالفتح أراد الطريق والجبل المذكور بينه وبين مكة من جهة المشرق مرحلتين (ب) وحكى (جـ) الروياني عن بعض قدماء الشافعية أنه المكان الذي يقال له قرن الثعالب، أضيف إليها لكثرة ما تأوي إليه (د) من الثعالب، ووقع في حديث عائشة
(أ) سقط من هـ: (هنا).
(ب) كذا في هـ. وفي الأصل، جـ:(مرحلتان).
(جـ) هـ: (وذكر) وفي حاشيتها (وحكي).
(د) جـ: (إليها).
_________
(1)
الحديث في البخاري كتاب فضائل المدينة، 4: 99 ح 1889.
(2)
معجم البلدان 5: 261 - 265.
(3)
شرح مسلم 254:3.
(4)
الفتح 3: 285.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فلم أستفق إِلا وأنا بقرن الثعالب" الحديث ذكره ابن إسحاق في السيرة.
ووقع في مرسل عطاء عند الشافعي "فلأهل نجد ولمن سلك نجدًا من أهل اليمن وغيرهم قرن المنازل".
ووقع في عبارة القاضي حسين (1) في سياقه لحديث ابن عباس هذا: "ولأهل نجد اليمن ونجد الحجاز قرن" وهذا لا يوجد في شيء من طرق حديث ابن عباس، وإنما يوجد ذلك من مرسل عطاء، وهو المعتمد فإن لأهل اليمن إذا قصدوا مكة طريقين أحدهما طريق أهل الجبال وهم يصلون إلى قرن أو يحاذونه فهو ميقاتهم كما هو ميقات أهل المشرق، والأخرى (أ) طريق تهامة فيمرون بيلملم أو يحاذونه، وهو ميقاتهم لا يشاركهم فيه إلا من أتى عليه من غيرهم، "ولأهل اليمن يلملم" بفتح التحتانية واللام وسكون الميم بعدها لام مفتوحة ثم ميم وهو (ب) على مرحلتين من مكة بينهما ثلاثون ميلًا، ويقال لها "ألملم" بالهمزة وهو الأصل، والياء بدل منها. وحكى ابن السيد فيها يرمرم (جـ) براءين بدل اللام. وتقرر من هذا أن أبعد المياقيت (د) من مكة ذو الحليفة ميقات أهل المدينة، فقيل الحكمة في ذلك أن يعظم أجورهم، وقيل رفقًا بأهل الآفاق لأن المدينة أقرب الآفاق إلى مكة، والله أعلم.
وقوله: "هن لهن" الضمير الأول عائد إلى المواقيت (هـ) والضمير
(أ) جـ: (والآخر).
(ب) جـ: (وهي).
(جـ) جـ: (يرمر).
(د) هـ: (المواقيت).
(هـ) هـ: (المياقيت).
_________
(1)
الفتح 3: 385 - 386.
الثاني للبلدان (أ) المذكورة، وأصل هذا الضمير لجماعة المؤنث ممن يعقل واستعمل في غير العاقل حملًا له على النساء بجامع نقصان العقل، ووقع في بعض روايات الصحيحين:"هن لهم"، وكذا رواه أبو داود وغيره (1)، وكذا رواه مسلم من رواية ابن أبي شيبة (2)، ووقع في رواية للبخاري:"هن لأهلهن"(3).
والحديث فيه دلالة على أنَّ الإحرام (ب) من المياقيت المذكورة يتعين على من ضربت له إذا قصد لحج (جـ) أو عمرة أن يحرم منهن، ولا يجوز له المجاوزة ويدخل في ذلك من كان ساكنًا في المياقيت المذكورة.
وقوله: "ولمن أتى عليهن من غيرهن" يعني أن من وصل إلى هذه المياقيت وإن لم يكن من أهل الآفاق المذكورة فعليه الإحرام (من ذلك المحل، ويدخل في ذلك ما إذا ورد (د) الشامي مثلًا إلى ذي الحليفة فإنه يجب عليه الإحرام) منها، ولا يترك الإحرام حتى يصل الجُحْفَة، فإن أخر أساء ولزمه دم، وهذا عند الجمهور، وادعى النووي في شرح المهذب وشرح مسلم الاتفاق علي ذلك (4)، ولعله أراد في مذهب الشافعي، وإلا فالمعروف عند المالكية أن الشامي مثلًا إذا جاوز ذا الحليفة بغير إحرام إلى
(أ) هـ: (إلى البلدان).
(ب) سقط من جـ.
(جـ) هـ، جـ:(الحج).
(د) زاد جـ: (أي).
_________
(1)
أبو داود كتاب المناسك باب في المواقيت 2: 353: 354 ح 1738.
(2)
مسلم كتاب الحج، باب مواقيت الحج والعمرة 2: 839 ح 1181/ 12.
(3)
البخاري كتاب الحج باب، مهل أهل اليمن 3: 388: 389 ح 1530.
(4)
شرح مسلم 255:2.
ميقاته الأصلي، وهو الجحفة جاز له ذلك، وإن كان الأفضل خلافه، وبه قال الحنفية وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية، والحديث محتمل؛ فإن قوله "هن لهن" ظاهره العموم لمن كان من أهل تلك الأقطار سواء وَرَدَ على ميقاته، أو ورد على ميقات آخر فإن (أ) له العدول إلى ميقاته كمسألة الشامي إذا ورد على ذي الحليفة مثلًا، وظاهره أنه لا يلزمه الإحرام من ذي الحليفة وأنه يحرم من الجحفة وعموم قوله:"ولمن أتى عليهن من غير أهلهن" يدل على أنه يتعين على الشامي أَنْ (ب) يُحرم من ذي الحليفة في المسألة المذكورة كما هو مذهب الجمهور.
وقوله: "فمن أراد الحج والعمرة" يؤخذ منه أن من سافر غير قاصد للنسك فجاوز الميقات، ثم بدا له بعد ذلك النسك أنه يحرم من حيث قصد ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات، ويدل على جواز دخول مكة بغير إحرام.
وقوله: "فمن كان دون ذلك" أي بين الميقات ومكة.
وقوله: "فمن حيث أنشأ" أي فميقاته من حيث أنشأ الإحرام أو السفر من مكانه إلى مكة، وهذا مُتَّفَق عليه إلا ما روي عن مجاهد فإنه قال: ميقات هؤلاء نفس مكة، واستدل به ابن حزم (1) على أنه من ليس له ميقات فميقاته من حيث أنشأ، ولا دلالة فيه لأنه يختص بمن كان بين الميقات ومكة.
وقوله: "حتى أهل مكة من مكة" يعني فيحرمون للحج من مكة،
(أ) هـ، ي:(وإن).
(ب) جـ: (أنه).
_________
(1)
المحلى 7: 64.
وكذا من سائر الحرم المحرم، وأما إذا خرج المكي إلى الحِلّ (أ) وأحرم منه فقال الإمام يحيى: إنه يلزمه دم، والأولى التفصيل، وهو أنه إن عاد إلى مكة فلا دم عليه، وإن سار إلى الجبل ولم يَجُزْ مكة لزم (ب) دم، وأما المعتمر فيجب عليه أن يخرج إلى أدنى الحل.
قال المحب الطبري (1): لا أعلم أحدًا جعل مكة ميقاتًا للعمرة. واختلف في القارن فقالت الهادوية: إنه لا يصح من أهل مكة القران. وذهب الجمهور إلى أنه يصح منه القِرَان ويحرم من مكة.
وقال ابن الماجشون: يجب عليه الخروج إلى أدنى الحل؟
ووجهه أنه متضمن للعمرة، وإحرامها من الحل، ولا يندرج أعمالها في أعمال الحج عند من يقول به إلا فيما كان محلهما متفقًا، والإحرام محله مختلف.
وأجيب عن هذا أن المقصود من الخروج إلى الحل إنما هو لأجل الورود علي البيت من الحل والحاج هو كذلك يرد عليه إذا أتى من الجبل، وفيه نظر.
واختلف العلماء فيمن جاوز الميقات بغير إحرام مريدًا للنسك فقال الجمهور: يأثم ويلزم دم. فأما لزوم الدم فبدليل غير هذا وأما الإثم فلترك الواجب، ولو عاد إلى الميقات قبل أن يحرم سقط عنه الدم قال به الجمهور، والهادوية يزيدون على ذلك أنه يلزمه أيضًا إذا عاد من الحرم،
(أ) هـ: (المحل).
(ب) جـ: (لزمه).
_________
(1)
الفتح 3: 387.
وقال أبو حنيفة: يسقط عنه بشرط أن يعود ملبيًا، وذهب أحمد إلى أنه لا يسقط الدم (أ) والأفضل في كل (ب) ميقات أن يحرم من طرفه الأبعد إلى مكة فلو أحرم من طرفه الأقرب جاز.
فائدة: حكى الأثرم عن أحمد أنه سئل أي سَنَة وقت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت؟ فقال: عام حج.
وفي حديث ابن عمر أخرجه البخاري في باب العلم بلفظ: "أن رجلًا قام في المسجد فقال يا رسول الله: من أين تأمرنا أن نهل؟ "(1).
561 -
وعن عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق" رواه أبو داود والنسائي (2) وأصله عند مسلم من حديث جابر إلا أن راويه شك في رفعه (3)، وللبخاري "أن عمر هو الذي وقت ذات عرق"(4).
وعند أحمد وأبي داود والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق"(5).
حديث عائشة تفرد به المعافي بن عمران عن أفلح عن القاسم عنها.
(أ) جـ: (عنه الدم).
(ب) هـ: (في ذلك كل
…
).
_________
(1)
البخاري كتاب العلم، باب ذكر العلم .... ، 1: 230 ح 133.
(2)
أبو داود المناسك، باب في المواقيت 2: 354 ح 1739، النسائي المناسك، باب ميقات أهل مضر 5:123.
(3)
مسلم الحج، باب مواقيت الحج والعمرة 2: 840 ح 16 - 1183.
(4)
البخاري الحج، باب ذات عرق لأهل العراق 4: 389 ح 1531.
(5)
أبو داود كتاب المناسك، باب المواقيت 2: 355 ح 1740، الترمذي كتاب الحج، باب ما جاء في المواقيت .... ، 2: 185 ح 832، وأحمد 1:344.
وقوله في حديث مسلم إلا أن راويه شك في رفعه لأنه قال أبو الزبير سمعت جابرًا ثم وقف عن رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: أُرَاه -بضم الهمزة، أي أظنه رفع الحديث وفي لفظ آخر: أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذه العبارة لا يصير بها الحديث مرفوعًا لأنه لم يجزم برفعه.
وفي الباب عن الحارث بن عمرو السهمي أخرجه أبو داود (1)، وعن أنس رواه الطحاوي في "أحكام القرآن"، وعن ابن عباس رواه ابن عبد البر في "تمهيده"، وعن عبد الله بن عمرو رواه أحمد وفيه الحجاج بن أرطاة (2).
وحديث ابن عباس حسنه الترمذي وقال النووي: ليس كما قال، ففي إسناده يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف باتفاق المحدثين (3)، انتهى.
نسب إليه الذهبي في "الميزان"(4) سوء الحفظ، وحديثه مخرج في السنن الأربع، وأخرجه مسلم مقرونا، قال شعبة فيها: لا أبالي إذا كتبت عن يزيد أن لا أكتب عن أحد، وهو من الشيعة.
وفي الحديث علة أخرى وهو أن يزيد بن أبي زياد (أ) رواه عن محمد بن علي عن (ب) عبد الله بن عباس، وقد قال مسلم في "الكنى": محمد لا يُعلم له سماع من جده عبد الله. قال ابنُ خزيمة: "رويت في ذات
(أ) جـ: (يزيد).
(ب) هـ: (بن).
_________
(1)
أبو داود المناسك، باب المواقيت 2: 356: 357 ح 1743، النسائي الفرع والعتيرة، باب 7:861.
(2)
أحمد 2: 181.
(3)
تقريب التهذيب 2: 365 (254).
(4)
الميزان 4: 423: 425 (9695).
عرق أخبار لا يثبت شيءٌ منها عند أهل الحديث" (1). وقال (أ) ابن المنذر: لم نجد في ذات عرق حديثًا ثابتا. انتهى، لكن الحديث بمجموع الطرق تقوى، وقد يُعل بما (ب) في البخاري من حديث ابن عمر أنه لما فتح هذان المصران -يعني الكوفة والبصرة- أتوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين إن النبي صلى الله عليه وسلم حَدَّ لأهل نجد قرنا وهو (جـ) جور عن طريقنا -يعني مائلا منحرفًا عنها-، وإنا إن أردناه يشق علينا. قال: فانظروا حذوها من طريقكم. فحدَّ لهم ذات عرق. فهذا يدل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤقَتُها، وقد يُجَاب عنه بأنه لعل عمر لم يبلغه توقيت النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن عبد البر: وأما إعلال مَنْ أعله بأنها لم تكن فُتِحَتْ يومئذ فهي غفلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت لأهل النواحي قبل الفتوح لكونه (د) علم أنها ستفتح فلا فرق حينئذ بين أهل الشام والعراق، وبهذا أجاب الماوردي وآخرون. وقد يُقَال إن (هـ) العراق لم تكن طريقة جميع ناس مسلمون بخلاف سائر الأماكن فقد كان فيها مسلمون فَوَقَّتَ لهم وبهذا يتأول قول ابن عمر.
والحديث فيه دلالة على أن ذات عرق -بكسر العين المهملة وسكون الراء بعدها قاف ميقات لمن أتى من ناحية العراق بينه وبين مكة مرحلتان. والمسافة اثنان وأربعون ميلا سمي المحل بذلك لأن فيه عرقا وهو الجبل
(أ) جـ: (قال) - بغير الواو.
(ب) هـ: (ما).
(جـ) هـ: (وهي).
(د) جـ: (لكن).
(هـ) هـ: (بأن).
_________
(1)
صحيح ابن خزيمة 4: 160.
الصغير وهي أرض سبخة تنبت الطرفاء. فاصلة بين نجد وتهامة وهي محاذية لقرن المنازل ولذلك حدها عمر.
والعقيق المذكور في حديث ابن عباس هو وادٍ يَدفق ماؤه في غوري تهامة (1). قال الأزهري: هو حدا ذات عرق، وفيه دلالة على أنه ميقات أهل العراق. وقد جمع بينه وبين الحديث الأول بأن ذات عرق ميقات للوجوب والعقيق للاستحباب لأنه أبعد من ذات عرق، أو أن العقيق ميقات لبعض العراقيين وهو أهل المدائن، والآخر ميقات لأهل البصرة، ووقع ذلك في حديث لأنس (أ) وإسناده ضعيف، أو أن (ب) ذات عرق كانت أولًا في موضع العقيق الآن ثم حولت وقربت إلى مكة (جـ)، فعلى هذا فذات عرق والعقيق شيء واحد ويتعين الإحرام من العقيق ولم يَقُلْ به أحد وإنما قالوا: يستحب احتياطا، وحكى ابن المنذر عن الحسن بن صالح أنه كان يحرم من "الربذة" وهو قول القاسم بن عبد الرحمن وخصيف الجريري. قال ابن المنذر: وهو أشبه في النظر إنْ كان ذات عرق غير منصوصة وذلك أنها تحاذي ذات الحليفة وذات عرق بعدها، والحكم في مَنْ ليس له ميقات أن يحرم من أول ميقات يحاذيه لكن لما سَنَّ عمر ذات عرق وتبعه جمع من الصحابة واستمر عليه العمل فكان أولى بالاتباع، ويستدل به على أن مَنْ حاذى ميقاتا من هذه المياقيت من غير أهل النواحي الموقت لها أن يحرم من المحل الموازي للميقات الذي هو أقرب إليه، والمقصود
(أ) جـ: (أنس).
(ب) جـ: (وأن).
(جـ) زادت جـ: (هكذا شرح صحيح مسلم).
_________
(1)
معجم البلدان 4: 138 - 140، لسان العرب "ع. ق. ق" 4: 3042 (ط. دار المعارف، مصر).
بالقرب هو قرب المسافة بالنسبة إلى الطريق التي هو فيها فإذا كان أحد الميقاتَيْن عن يساره والآخر عن يمينه وبين الطريق التي سلكها وبين التي عن (أ) يساره مثلًا ستة أميال والذي عن يمينه عشرة أميال مثلًا فإنه يحرم إذا حاذى الذي عن يساره، ولعل ذات عرق بالنسبة إلى قرن، وبالنسبة إلى ذي (ب) الحليفة كذلك، وقد اعتبر عمر محاذاة قرن (1)، فهذه المياقيت محيطة بالحرم فلا بد لمن سلك طريقًا إلى الحرم أن يمر بها أو يحاذيها فبطل قول من قال إن من ليس له ميقات ولا يحاذي ميقاتًا هل يحرم من مقدار أبعد المواقيت أو أقربها ثم حكى فيه خلافًا، وحكى النووي في شرح المهذب أنه يلزمه أن يحرم على مقدار مرحلتيْنَ اعتبارًا (جـ) بفعل عمر في ذات عرق، وقد عرفت الجواب عنه، وهذه الصورة إنما هي حيث تجهل المحاذاة فلعل القائلين بالمرحلتين اخذُوا بالأقل لأن ما زاد عليه مشكوك فيه لكن مقتضى الأخذ بالاحتياط أن يعتبر الأكثر الأبعد، ويحتمل أن يفرق بين من عن يمين الكعبة وبين من عن شمالها، لأن المواقيت التي عن يمينها أقرب من التي عن شمالها، فيتعين علي صاحب اليمين الأقرب علي صاحب الشمال الأبعد، ثم إن مشروعية المحاذاة مختصة بمن ليس أمامه ميقات مُعَيْن، فأما من له ميقات معين كالمصري مثلًا إذا حاذى ذا الحليفة فليس عليه الإحرام منها، بل له التأخير حتى يأتي الجحفة.
خاتمة: اشتمل هذا الباب على ثلاثة أحاديث.
(أ) جـ: (علي).
(ب) جـ: (ذات).
(جـ) هـ: (على اعتبار).
_________
(1)
البخاري الحج، باب ذات عرق لأهل العراق 3: 389 ح 1531.