الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الله تعالى:"يا أيهاالذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد" يقول الامام ابن قدامة المقدسي:
" وهذه اشارة الى المحاسبة بعد مضي العمل ولذلك قال عمر رضي الله عنه حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا.
وقال الحسن: المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه.
وقال ان المؤمن يفجأه الشيء يعجبه فيقول: والله اني لأشتهيك وانك لمن حاجتي ولكن والله ما في حيلة اليك هيهات حبل بيني وبينك. ويفرط منه الشيء فيرجع الى نفسه فيقول: ما اردت الى هذا مالي ولهذا والله لا اعود الى هذا ابدا ان شاء الله.
ومعنى المحاسبة ان ينظر في راس المال وفي الربح وفي الخسران لتبين له الزيادة من النقصان فراس المال في دينه الفرائض وربحه النوافل والفضائل وخسرانه المعاصي وليحاسبها اولا على الفرائض او هي كمل يقول الامام البنا:" استعراض اعمال اليوم ساعة نوم فان وجد الاخ خيرا فليحمد الله وان وجد غير ذلك فليستغفر وليسئل ربه ثم يجدد التوبة وينام على افضل العزائم" اما ذلك الذي يترك نفسه بلا فطام وبلا حساب ولا تزكية فهو معرض لمرض قسوة القلب او الميلان الى الدنيا فلأولى دواء له
معرفة حقيقة الدنيا
…
معرفة حقيقة الدنيا
وقد مثل القرآن الكريم الدنيا بصورة رائعة اذ يقول تعالى:" واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض فاصبح هشيما تذروه الرياح " بهذه اللمسات السريعة المتلاحقة يرسم القرآن الدنيا
تناسبا مع قصرها ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم مصورا قصرها" ما الدنيا في الآخرة الا مثل ما يجعل احدكم اصبعه في اليم فلينظر بم يرجع"
وعن جابر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق والناس كفتيه. فمر بجندي أسك
(به عيب) ميت فتناوله فاخذ باذنه ثم قال:
" أيكم يحب ان هذا له بدرهم"؟ فقالوا: ما نحب انه لنا بشيء وما نصنع به؟ قال: " اتحبون انه لكم"؟ قالوا:
والله لو كان حيا كان عيبا أنه أسك فكيف وهو ميت؟
فقال:" فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم"
والغريب وعابر السبيل اسمان يطلقان على الذي يمر ببلد ليس هو من اهلها ولا هي موطنه الاصلي - وهذه هي حقيقة الدنيا - انها ليست الموطن الاصلي واننا مسافرون او عابرو سبيل خلال هذه الدنيا كما عبر عن ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم اذ يقول لابن عمر رضي الله عنه
كن في الدنيا كأنك غريب او عابر سبيل واذا كان كذلك فما اجدر بعابر السبيل ان يتزود لاكمال رحلته لموطنه الاصلي فهناك الراحة الحقيقية
…
وعندما يصل هناك ينتهي النصب وهذا هو الفارق بين اصحاب الحق واصحاب الباطل او قل انه احد الفوارق بان اصحاب الباطل يعتبرون الدنيا دار اقامة والموطن الاصلي لهم وذلك من تزيين الشيطان ومن هذا المنطلق فانهم يتكالبون عليه مستصغرين كل منكر يفعلونه عليها ويتجاذبونها حتى تهلكهم. ولقد اجاد ذلك الشاعر الذي خاطب تلك الفئة المتكالبة على الدنيا ووصف لهم الدنيا بانها منزل ركب حلوا به ثم رحلوا وان العيش فيها نكد وان ساكنها لا يسوغ له عيش لما يلاقيه فيها من الروعات المستمرة تريد نفسه الهروب. والموت يتبعها ويسعى الساكن فيها كل حياته لغيره والقبر لا يرث منه الا الاعمال الصالحة.
الا ترى انما الدنيا وزينتها
كمنزل الركب حلوا ثمت ارتحلوا
حتوفها رصد وعيشها نكد
وصفوها كدر وملكها دول
تظل تفزع بالروعات ساكنها
فما يسوغ له عيش ولا جذل
كأنه للمنايا والردى غرض
تظل فيه سهام الدهر تنتضل
والنفس هاربة والموت يتبعها
وكل عثرة رجل عندها جلل
والمرء يسعى بما يسعى لوارثه
والقبر وارث ما يسعى له الرجل
ولقد مثل ابن القيم الدنيا:" بالبحر الذي لا بد للخلق كلهم من ركوبه ليقطعوه الى الساحل الذي فيه دورهم واوطانهم ومستقرهم ولا يمكن قطعه الا في سفينة النجاة فأرسل الله رسله لتعرف الأمم اتخاذ سفن النجاة وتأمرهم بعملها وركوبها وهي طاعته وطاعة رسله وعبادته وحده واخلاص العمل والتشمير للاخرة وارادتها والسعي لها سعيها فنهض الموفقون وركبوا السفينة ورغبوا عن خوض البحر لما علموا انه لا يقطع خوضا ولا سباحة واما الحمقى فاستصعبوا عمل السفينة وآلاتها والركوب فيها وقالوا نخوض البحر فاذا عجزنا قطعناه سباحة وهم اكثر اهل الدنيا فخاضوه فلما عجزوا عن الخوض اخذوا في السباحة حتى ادركهم الغرق ونجا اصحاب السفينة كما نجوا مع نوح عليه السلام وغرق اهل الارض وهكذا يغوي الشيطان من ضل ويغريهم بالسباحة وسط امواج الفتن والشهوات حتى يغرقون في نار جهنم
…
ويصادف الداعية في طريقه اخبث الامراض على الاطلاق وهو الرياء او كما سماه ابن القيم الشرك في العبادة ولا دواء لهذا المرض الخبيث الا الاخلاص لله.