الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاحراق والاتلاف:
ولقد شبه القرآن الكريم ما يحدثه الايمان في قلوب المؤمنين بأنه " جنة بربوة اصابها وابل فأتت أكلها ضعفين فان لم يصبها وابل فطل" وعقب على ذكر تلك الجنة بما يفعل الشيطان في اتلافها فقال:" ايود احدكم ان تكون له جنة من نخيل واعناب" الى فاصابها اعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون" ولعل مما يؤنس ايمانك في هذا المقام ان نسوق لك ما جاء في صحيح البخاري متعلقا بهذا المعنى" قال عمر رضي الله عنه يوما لاصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فيما ترون هذه الآية نزلت
" ايود احدكم ان تكون له جنة من نخيل"
قالوا: الله اعلم. فغضب عمر وقال قولوا او لا نعلم فقال ابن عباس في نفسي منها شىء يا امير المؤمنين فقال عمر قل يا ابن عباس لعمل رجل عمل بطاعة الله ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى احرق عمله.
وانطلاقا من هذه الخصائص التي خلق منها ابليس صاح مخاطبا خالقه فبما اغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم وكانه يصر اصرارا شديدا ممزوجا بتلك الخصائص متبينا في كلمة لاقعدن وكانه قاطع طريق يقف في وسطه يمنع القوافل وعابري السبيل من المرور في هذا الطريقولقد وزع جيوشه بانتظام في هذا الطريق كل حسب تخصصه ووزع عليهم العصابات ليعصبوا بها اعين المارة.
ثم يمضي ليستمر بنفس الاسلوب في سرد خطته وبنفس الشدة والاصرار التي ذكرها في لاقعدن يقولها مرة اخرى مصمما ثم لاتينهم من بين
ايديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم ويكمل انه سياتي للذين يحاولون اجتياز ذلك الطريق من امامهم ويصدهم عن اجتيازه بكل ما يملك من سلاح ومن خلفهم وعن شمائلهم وايمانهم. انها لحرب ضروس تلك التي يقيد بها الانسان من كل اتجاه ويهدد بشتى انواع الاسلحة ثم يقول ولا تجد اكثرهم شاكرين اي بسبب تلك القيود والعصابات التي عصبت بها اعينهم عن الحق سوف تجد اكثر الناس يشكرون ولقد اوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك القعود بقوله ان الشيطان قعد لابن آدم بطرق فقعد له بطريق الاسلام فقال اتسلم وتترك دينك ودين آبائك فعصاه واسلم ثم قعد له بطريق الهجرة فقال اتهاجر اتدع ارضك وسماءك؟ فعصاه وهاجر ثم قعد له بطريق الجهاد فقال اتجاهد وهو تلف النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح نساؤك ويقسم مالك فعصاه وجاهد هكذا دائما يقعد في كل طريق يسلكه ابن آدم ويهدده بانواع الاسلحة التي لم يعهدها ابن آدم فان كان ضعيفا استسلم لهذه الاقاويل ووقع اسيرا لابليس يصب عليه انواعا من العذاب يجعله لا يعرف الطريق الصحيح الموصل للنهاية الامنة التي رسمها الله لعباده واما ان كان قويا بنور الله يابى ان تعصب عيناه بتلك العصابات ويمزقها ويمضي قدما لا يستسلم لتهديدات ابليس بل يشق صفوف جند ابليس بسهولة ويسر ويسلك طريق الحق حتى يصل الى النهاية الآمنة التي وعدها الله عباده المخلصين.
ويمضي في سرد خطته بتحليل ادق وبتفاصيل اكثر فيقول:" رب بما اغويتني لأزينن لهم في الارض ولأغوينهم أجمعين.
لقد قسم خطته الى قسمين التزيين ثم الغواية والتي هي نتيجة طبيعية
للقسم الاول. والتزيين (التزييف)
وهو اظهار الشىء بصورة تختلف عن صورته الحقيقية ولقد غرس هذه الخطة الرهيبة في الارض وجنى منها وما زال يجني من ثمارها الشىء الكثير فزين للراقصة
والمغني والمتبرجة والزانية سوء عملهم باسم الفن وزين لكثير من العباد سوء عبادتهم وظنوا انهم وصلوا الى الله وزين لكثير من الشعوب بعض عاداتهم وتقاليدهم التي تكون غالبا معارضة للاسلام وهديه وكم زين لكثير من دارسي العلوم فصاروا يحاربون الله بعلومهم وزين لكثير من الحكام القوانين الوضعية والحلول المستوردة التي وضعها الانسان بدلا من قانون الله ولقد وصل تزيينه لهم الى حد انهم قالوا اخيرا: انه لا بد من ترقيع قوانيننا
بشريعة الاسلام ولكن بطريقة عصرية وتزيينه هذا كثير جدا لا تسعه هذه الصفحات.
والتزيين في كل شىء تحويله من قبيح الى جميل براق جذاب كحفرة عميقة غطيت باجمل الزهور واحيطت بالآلىء والزمرد ورشت عليها العطور وما ان تاتي الفريسة المسكينة لتنخدع بهذا الجمال الفاتن حتى تطير الزهور من الحفرة وتقتلع اللآلىء من اماكنها وتفوح رائحتها النتنة التي تغطي رائحة العطر المرشوش وتظهر الحفرة العميقة وتقع الفريسة المسكينة التي اغراها الجمال الزائف والتزيين لتقع في تلك الحفرة وتهوي بها وتظل تهوي فاما ان ترفعها توبة الى الله خارج الحفرة المظلمة الى اعلى لتلتصق بتلك الانوار انوار الهداية الربانية واما ان تهوي حتى تصل الى القاع
وبعد ذلك تاتي المرحلة الثانية من هذا المخطط الذي هو الاغواء عن الحق وهي النتيجة الطبيعية لضحايا التزيين- المضلل عن الحق حتى ولو كان الحق قريبا منهم بمنزلة اليد من الجسد كما قال الله تعالى:
" أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض
اذا اخرج يده لم يكد يراها وانى له ان يراها وهو في هذا الظلام المتراكم فلقد الف الواقعين بتلك الحفرة الروائح النتنة والظلام فاصبحوا لا يحبون النور لانهم رأوا بصيصا من نور وقد غطوا اعينهم باكفهم او بما يملكون ثم تحولوا الى قطعة من ظلام دامس ويظل الصياد الكبير يحوم حول الحفرة يرمي بتزيينه آلافا وملايين بتلك الحفرة الظلماء ولا ينتهي الى هذا الحد ولا ترده عظمة الله وهو واقف امامه والملائكة خاضعون له لا يصده كل ذلك عن اكمال سرد مخططه وهو يقول:" ارايتك هذا الذي كرمت علي لئن اخرتني الى يوم القيامة لأحتنكن ذريته".
انه يتوعد ويهدد بني آدم من الاستيلاء عليهم واستذلالهم ولكن هل يستطيع ان يستذل كل بني آدم ويستولي عليهم؟ وهل ذلك ضمن سنة الله؟ وهل للانسان ارادة وعقل يميز بين الحق والباطل؟ واذا كان الجواب بنعم كما اخبرنا الله بكتابه بان للانسان عقل يميز بين الحق والباطل وان له ارادة يستطيع بها ان يبتعد عن طريق الباطل ويسلك طريق الحق " ونفس وما سواها فالهمها فجورها وتقواها قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها"
وقال:" وهديناه النجدين" اي الطريقين بعد ذلك كله يكون من سنة الله في الحياة الدنيا وجود فريقين على هذا الكوكب فريق الحق وفريق الضلال وهكذا لا بد من الاستثناء.