المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌موازنة إن ما اشتمل القرآن عليه من أحكام إذا ووزن بما - شريعة القرآن من دلائل إعجازه

[محمد أبو زهرة]

الفصل: ‌ ‌موازنة إن ما اشتمل القرآن عليه من أحكام إذا ووزن بما

‌موازنة

إن ما اشتمل القرآن عليه من أحكام إذا ووزن بما كان عليه الناس وقت نزول القرآن، كان وحده دليلاً على أن القرآن من عند الله، بل إن أحكامه لا تزال جديدة إذا ووزنت بما عليه الناس اليوم، إذ بالموازنة يتبين أنها سبقت بعيداً، وأن الناس مهما تتفتق عقولهم عن شرائع قد وصلوا إليها بتجارب قضائية، وتجارب عملية، وبالاستعانة بثمرات العقول وما أنتجته الفلسفة والعلم، فلن يصلوا إلى ما جاء على لسان النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم لأن عمل الإنسان مهما تكن قدرته ناقص، وفي أي جانب اخترت للموازنة تنتهي بالحكم الجازم بسبق النبي، وعدم بلوغ أحد ما قرهه وثبته منذ ثلاثة عشر قرناً إلا أن يقبسوا من نوره، ويأخذوا من هديه، وينهلوا من معينه، ففقه الحكمة وفصل الخطاب. ولنختر الموازنة في بعض أحكام الأسرة، فإن أحكام الأسرة التي اشتمل عليها القرآن وبينها النبي موضع هجوم المهاجمين، وهدف لسهام النقد وسنبين أن تلك السهام مردودة في نحورهم، وسنلوي مقدم الدليل الذي ساقوه على نتيجتهم ونبين منه للباحث المنصف أن أحكام الأسرة في القرآن دليل إعجازه، وأن العقل البشري لم يصل إلى ما يقاربها.

ص: 17

لقد عابوا على شريعة القرآن. إباحتها الطلاق.. وإباحتها تعدد الزوجات

وشنعوا وهو ليس من القرآن في شيء. وقد ثارت عجاجة هذه المسائل في آخر القرن الماضي، وصدر هذا القرن، وخاضت فيها الأقلام، وأخذ الذين يحاولون تقريب الإسلام من شرائع الغرب يقترحون وضع القيود أمام التعدد، بل أسترسلوا فأرادوا وضع القيود أمام الطلاق، وعقوبة المطلقين بالزج في غياهب السجن.

إن التاريخ كتاب العبر وسفر المعتبر، يرينا أن الهجوم على الإسلام من ناحية الطلاق وتعدد الزوجات وما يتصل بذلك، ليس وليد ذلك العصر، بل إنه يتغلغل في القدم إلى العصر الأموي، وإذا رجعنا إلى الوراء نتعرف المصدر الذي كان يبث ذلك، وجدنا رجلاً أسمه يوحنا الدمشقي، كان في خدمة الأمويين هو وأبوه، واستمر في خدمتهم إلى عهد هشام بن عبد الملك - كان يؤلمه أن يدخل النصاري في الإسلام أفواجاً أفواجاً، فكان يجتهد في أن يسلح النصارى باعتراضات يعترضون بها على الإسلام. ليشككوا العربي المسلم في دينه، وليقووا حجة النصراني، فيستطيع التغلب على العربي.

وقد جاء في كتاب "تراث الإسلام" عن يوحنا هذا أنه كان

ص: 18

يقول: "إذا سألك العربي في المسيح؟ فقل: إنه كلمة الله، ثم ليسأل النصراني المسلم بم سمي المسيح في القرآن. وليرفض أن يتكلم في شيء حتى يجيب المسلم فإنه سيضطر إلى أن يقول:{إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} فإذا أجاب بذلك فاسأله عن لكمة الله وروحه: أمخلوقة أم غير مخلوقة؟ فإن قال مخلوقة، فليرد عليه بأنه كان ولم تكن له كلمة، ولا روح، فإن قلت ذلك، فسيقحم العربي، لأن من يرى هذا الرأي زنديق في نظر المسلمين.

ومع ذلك التلقين الذي يحاول به التشكيك في العقيدة، كان يلقنهم أيضاً أن يتكلموا في تعدد الزوجات، وفي إباحة الطلاق، ثم يثير فيهم أكاذيب حول النبي صلى الله عليه وسلم، فيخترح قصة عشق النبي لزينب بنت جحش، التي كانت وليدة عقل ذلك الكاذب الأفاق.

ولقد كان جزاء ذلك الصنيع عن النصارى أن اعتبروا صاحبه قديساً، وإذا كان الاعتراض على الإسلام متحدا بين يوحنا وأهل ذلك العصر، فلابد أن يكون المصدر واحدا، ولكننا لا نتبع الأصول لنعرف الفروع، ولا نتبع الجذور لنعرف نوع الثمار، بل إننا اعترانا نوع من الضعف النفسي عند بعض الذين يسمون الخاصة، فحسبوا أن كل ما عند

ص: 19