الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما ذكره من دخول سفيان الثوري على السلطان للإنكار عليه ومناصحته إياه في أمر الأمة وتركه وبره:
مناساسيات عقيدة أهل السنة والجماعة السمع والطاعة لمن ولاه الله أمرهم في المنشط والمكره، وكان من هديهم إقامة الصلاة في الجمع والجماعات خلف الإمام سواء كان بارا أو فاجرا أو ظالما كان أو عادلا، والجهاد تحت رايتهم ماض إلى يوم القيامة.
كما كان من هدي أهل السنة والجماعة عدم جواز الخروج على الأئمة وإن جاروا وظلموا بل يرون قتال الخوارج عليهم تحت راية الأئمة.
وكان من هديهم أيضا مناصحة ولاة الأمر بالطرق الشرعية الصحيحة المؤيدة إلى المقصود من النصيحة، كذلك من هديهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاحتساب في ذلك حتى على الحاكم.
وحتى تكون مناصحتهم إياهم وإنكارهم عليهم خالصا لوجه الله عز وجل كانوا لايقبلون أعطياتهم لئلا يؤثر ذلك
في إخلاصهم فيحبط عملهم في الاحتساب عليهم، وتمييزا عن علماء السوء الذين لا يدخلون على الولاة إلا لنيل الأعطيات وحطام الدنيا الفاني فيبيعون دينهم بدنياهم.
وهذا الإمام الهمام أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري أنموذج من أولئك الأئمة الأعلام الذين كانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم وكانوا على هدى من الله وبصيرة وفيما يأتي بعض النصوص التي ذكرت في مناصحة سفيان للسلطان واحتسابه في الإنكار عليه.
قال عبد الرحمن بن مهدي: " ما سمعت سفيان يسب أحدا من السلطان قط في شدت عليهم ".
وقال أيضا: سمعت سفيان يقول: إني لأدعو للسلطان – يعني بالصلاح – ولكن لا أستطيع أن أذكر إلا فيهم ".
وذكر ابن أبي حاتم بسنده إلى محمد بن يوسف الفريابي
قال: قال الثوري: " أدخلت على أبي جعفر المنصور – بمنى – فقلت له: اتق الله فإنما أنزلت هذه المنزلة وصرت في هذا الموضع بسيوف المهاجرين والأنصار وأبنائهم يموتون جوعا، حج عمر بن الخطاب فما أنفق إلا خمسة عشر دينارا، وكان ينزل تحت الشجر فقال لي: فإنما تريد أن أكون مثلك؟ قال: قلت: لا تكن مثلي ولكن دون ما أنت فيه وفوق ما أنا فيه، فقال لي: أخرج ".
وفي "الحلية "عن محمد بن مسعود عن سفيان الثوري قال: " ادخلت على المهدي بمنى، فلما سلمت عليه بالإمرة قال لي: أيها الرجل طلبناك فأعجزتنا فالحمد الله الذي جاء بك فارفع إلينا حاجتك، فقلت: قد ملأت الأرض ظلما وجورا فاتق الله، وليكن منك في ذلك عبرة، قال: فطأطا رأسه ثم رفعه وقال: أرأيت إن لم أستطع رفعه، قلت: تخليه وغيرك، قال: فطأطا رأسه ثم قال: ارفع إلينا
حاجتك، قلت: أبناء المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان بالباب فاتق الله وأوصل إليهم حقوقهم، قال: فقال: أيها الرجل ارفع إلينا حاجتك، فقلت: وما أرفع؟ حدثني إسماعيل بن أبي خالد قال: حج عمر بن الخطاب فقال لخازنه كم أنفقت؟ قال: بضعة عشر دينارا وأرى هاهنا أمورا لا تطيقها الجبال.
وفي " الحلية " أيضا عن حسين بن عبد الرحمن الوراق قال: قال أبو عبيد الله – وزير المهدي -: ما أعقلنا مخالينا هذه في عنق أحد إلا قضم منها إلا فسيان الثوري.
وفيه أيضا عن يحيى بن يمان عن سفيان الثوري قال: قال لي المهدي: يا أبا عبد الله اصحبني حتى أسير فيكم سيرة العمرين، قلت: أما وهؤلاء جلساؤك فلا، قال: تكتب إلينا في حوائجك فنقضيها، قلت: والله ما كتبت إليك كتابا
قط.
ثم قال لي سفيان: إن اقتصرت على خبزك وبقلك لم يستعبدك هؤلاء.
عن حبان عن ابن المبارك قال: قيل لسفيان الثوري: لو دخلت عليهم؟ قال: إني أخشى أن يسألني الله عن مقامي ما قلت فيه، قيل له: تقول وتتحفظ، قال حبان: وبلغني أنه قال: ليس أخاف ضربهم لكني أخاف أن يميلوا علي بدنياهم، ثم لا أرى سيئتهم سيئة.
وعن الوليد بن مسلم عن سفيان الثوري قال: لا يأمر السلطان بالمعروف إلا رجل عالم بما يأمر، عالم فيما ينهى، رفيق فيما يأمر، رفيق فيما ينهى، عدل فيما يأمر، عدل فيما ينهى.
وعن يوسف بن أسباط قال: سمعت سفيان الثوري يقول: إذا رأيت القارئ يلوذ بباب السلطان فاعلم أنه لص فإذا رأيته يلوذ بالأغنياء فاعلم أنه مرئي.
وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: سمعت سفيان الثوري يقول: طلبت أيم المهدي فهربت فأتيت اليمن فكنت في حي وآوي إلى مسجدهم فسرق في ذلك حي فاتهموني، فأتو بي معن بن زائد – وكان قد كتب له طلبي – فقيل له: إن هذا قد سرق منا، فقال: لم سرقت متاعهم؟ فقلت: ما سرقت شيئا، فقال لهم تنحوا لأسأله ثم أقبل علي فقال: ما اسمك؟ قلت: عبد الله بن عبد الرحمن قال: يا عبد الله بن عبد الرحمن نشدتك بالله لما نسبت لي نسبك، قلت: الثوري؟ قلت الثوري قال أنت بغير أمير المؤمنين؟ قلت: أجل، فأطرق ساعة ثم قال: ما شئت فأقم، وارحل
متى شئت فوالله لو كنت تحت قدمي ما رفعتها.
عن المفضل بن المهلهل قال: خرجت حاجا مع سفيان فلما صرنا إلى مكة وافينا الأوزاعي بها فاجتمعنا أنا والأوزاعي وسفيان في دار قال وكان على الموسم عبد الصمد بن علي الهاشمي فدق الباب فقلنا من هذا؟ قال: الأمير، فقام سفيان فدخل المخدع وقام الأوزاعي قال: حياك الله بالسلام، أما إن كتبك كانت تأتينا فكنا نقضي حوائجك ما فعل سفيان؟ قال: قلت: دخل المخدع فدخل الأوزاعي في إثره فقال: إن هذا الرجل ما قصد إلا قصدك، فخرج سفيان مغضبا فقال: سلام عليكم كيف أنتم؟ فقال له عبد الصمد: أتيتك أكتب هذه المناسك عنك، فقال له سفيان: أولا أدلك على ما هو أنفع لك منها؟ قال: وما هو؟ قال: تدع ما أنت فيه، فقال: وكيف اصنع بأمير المؤمنين أبي جعفر؟ قال: إن أردت الله كفاك أبا جعفر،
فقال له الأوزاعي: يا أبا عبد الله إن هؤلاء ليس يرضون منك إلا بإعظام لهم، فقال له: يا أبا عمر إنا لسنا نقدر أن نضر بهم وإنما نؤدبهم بمثل هذا الذي ترى فقال: قم بنا من هاهنا، فإني لا آمن هذا يبعث من يضع في رقابنا حبالا وإن هذا لا يبالي.
عن يحيى بن سليم الطائفي: بعث محمد بن إبراهيم الهاشمي إلى سفيان الثوري بمائتي دينار فأبى أن يقبلها، فقلت: يا أبا عبد الله كأنك لا تراها حلالا، قال: بلى، ما كان آبائي وأجدادي إلا في العطية، ولكن أكره أن أذل لهم.
وعن عطاء بن مسلم قال: لما استخلف المهدي بعث على الى سفيان، فلما دخل خلع خاتمه فرمى به إليه فقال: يا أبا عبد الله هذا خاتمي فاعمل في هذه الأمة بالكتاب والسنة فأخذ الخاتم بيده، وقال: تأذن في الكلام يا أمير المؤمنين؟
قال: نعم، قال: أتكلم على أني آمن؟ قال: نعم، قال: لا تبعث إلي حتى آتيك ولا تعطيني شيئا حتى أسألك قال: فغضب من ذلك وهم به، فقال له كاتبه: أليس قد أمنته يا أمير المؤمنين؟ قال: بلى.
فلما خرج حف به أصحابه فقالوا: ما منعك يا أبا عبد الله وقد أمرك أن تعمل في هذه الأمة بالكتاب والسنة؟ قال: فاستصغر عقولهم ثم خرج هاربا إلى البصرة.
وعن خلف بن تميم الكوفي قال: قال الثوري: إن الرجل ليستعير من السلاطين الدابة والسرج أو اللجام فيتغير قله لهم.
وأختم هذه الفقرة بقول الحافظ الذهبي: وكان سفيان ينكر على الملوك، ولا يرى الخروج أصلا.