الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من رسائل سفيان إلى إخوانه من أهل السنة وأسلوبه فيها:
عن يوسف بن أسباط قال: كان سفيان إذا كتب إلى رجل كتب: "بسم الله الرحمن الرحيم، من سفيان بن سعيد إلى فلان بن فلان سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وهو للحمد أهل، تبارك وتعالى له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. أما بعد: فإني أوصيك ونفسي بتقوى الله العظيم، فإنه من يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، جعلنا الله وإياك من المتقين". 1
وفي "الحلية" عن يحيى بن سعيد قال: "أملى عليَّ سفيان كتاباً فقال: اكتب، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو تبارك وتعالى، وهو للحمد أهل وهو على كل شيء قدير، فقلت لسفيان: من كان يكتب هذا الصدر؟ فقال:
1الجرح والتعديل (1/ 86 - 89).
حدثني منصور عن إبراهيم - النخعي - أنه كان يكتبه". 1
وفي "الحلية" أيضاً عن أبي نعيم الفضل بن دكين: سمعت سفيان وكتب إلى ابن أبي ذئب:
"من سفيان إلى محمد بن عبد الرحمن، سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأوصيك بتقوى الله، فإنك إن اتقيت الله كفاك الناس، وإن اتقيت الناس لم يغنوا عنك من الله شيئاً، فعليك بتقوى الله، أما بعد". 2
وعن أبي أحمد الزبيري كتب بعض إخوان سفيان إلى سفيان أن عظني وأوجز، فكتب إليه:"بسم الله الرحمن الرحيم، عافانا الله وإياك من السوء، واعلم يا أخي أن الدنيا غمها لا يفنى، وفكرها لا ينقضي، وفرحها لا يدوم، فلا توان فتعطب والسلام عليك". 3
1الحلية (7/ 44)، السير (7/ 264).
2الحلية (7/ 68).
3الجرح والتعديل (1/ 104).
رسالة الإمام الثوري إلى عباد بن عباد:
ذكرها ابن أبي حاتم في ترجمة سفيان في تقدمته للجرح والتعديل 1، بسنده إلى محمد بن يوسف الفريابي قال: كتب سفيان بن سعيد إلى عباد بن عباد فقال:
"من سفيان بن سعيد إلى عباد بن عباد، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو.
أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله، فإن اتقيت الله عز وجل كفاك الناس، وإن اتقيت الناس لم يغنوا عنك من الله شيئاً، سألت أن أكتب إليك كتاباً أصف لك فيه خلالاً تصحب بها أهل زمانك وتؤدي إليهم ما يحق لهم عليك، وتسأل الله عز وجل الذي لك، وقد سألت عن أمر جسيم،
1انظر: الجرح والتعديل (1/ 86 - 89)، ولأهمية هذه الرسالة وما حوته من توجيهات سديدة ونصائح قيمة مفيدة يحتاجها كل طالب علم في كل زمان ومكان، نظراً لذلك نقلت هذه الرسالة كاملة كما ذكرها ابن أبي حاتم والله الهادي إلى سواء السبيل.
الناظرون فيه اليوم المقيمون به قليل، بل لا أعلم مكان أحد، وكيف يستطاع ذلك وقد كدر هذا الزمان، إنه يشتبه الحق والباطل، ولا ينجو من شره إلا من دعا بدعاء الغريق، فهل تعلم مكان أحد هكذا وكان يقال: يوشك أن يأتي على الناس زمان لا تقر فيه عين حكيم، فعليك بتقوى الله عز وجل، والزم العزلة واشتغل بنفسك واستأنس بكتاب الله عز وجل، واحذر الأمراء، وعليك بالفقراء والمساكين والدنو منهم، فإن استطعت أن تأمر بخير في رفق فإن قبل منك حمدت الله عز وجل، وإن رد عليك أقبلت على نفسك فإن لك فيها شغلاً، واحذر المنزلة وحبها فإن الزهد فيها أشد من الزهد في الدنيا، وبلغني أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يتعوذون أن يدركوا هذا الزمان، وكان لهم من العلم ما ليس لنا، فكيف بنا حين أدركنا على قلة علم وبصر وقلة صبر وقلة أعوان على الخير مع كدر الزمان وفساد من الناس.
وعليك بالأمر الأول والتمسك به، وعليك بالخمول فإن هذا زمان خمول وعليك بالعزلة وقلة مخالطة الناس، فإن عمر
ابن الخطاب رضي الله عنه قال: "إياكم والطمع، فإن الطمع فقر واليأس غنى، وفي العزلة راحة من خلاط السوء"، وكان سعيد بن المسيب يقول:"العزلة عبادة"، وكان الناس إذا التقوا انتفع بعضهم ببعض، فأما اليوم فقد ذهب ذلك والنجاة في تركهم فيما نرى، وإياك والأمراء والدنو منهم، وأن تخالطهم في شيء من الأشياء، وإياك أن تخدع فيقال لك: تشفع فترد عن مظلوم أو مظلمة، فإن تلك خدعة إبليس، وإنما اتخذها فجار القراء سلماً.
وكان يقال: فتنة العابد الجاهل وفتنة العالم الفاجر فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون، وما كفيت المسألة والفتيا فاغتنم ذلك ولا تنافسهم، وإياك أن تكون ممن يحب أن يعمل بقوله وينشر قوله أو يسمع منه، وإياك وحب الرياسة، فإن من الناس من تكون الرياسة أحب إليه من الذهب والفضة، وهو باب غامض لا يبصره إلا البصير من العلماء، واحذر الرياء فإن الرياء أخفى من دبيب النمل
وقال حذيفة: "سيأتي على الناس زمان يعرض على الرجل الخير والشر فلا يدري أيما يركب"، وقد ذكر عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال يد الله عز وجل على هذه الأمة وفي كنفه وفي جواره ما لم يَمِل قراؤها إلى أمرائهم، وما لم يبر خيارهم شرارهم، ما لم يعظم أبرارهم فجارهم، فإذا فعلوا ذلك رفعها عنهم وقذف في قلوبهم الرعب، وأنزل بهم الفاقة، وسلَّط عليهم جبابرتهم فساموهم سوء العذاب"، وقال: "إذا كان ذلك لا يأتيهم أمر يضجون منه إلا أردفه بآخر يشغلهم عن ذلك.
فليكن الموت من شأنك، ومن بالك، وأَقِلَّ الأمل، وأكثر ذكر الموت، فإنك إن أكثرت ذكر الموت هان عليك أمر دنياك، وقال عمر:"أكثروا ذكر الموت، فإنكم إن ذكرتموه في كثير قلله، وإن ذكرتموه في قليل كثره، واعلموا أنه قد حان للرجل يشتهي الموت"، أعاذنا الله وإياك من المهالك وسلك بنا وبك سبيل الطاعة".