المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌اعتقاد أبي عبد الله سفيان بن سعيد الثوري: - صفحات مشرقة من حياة السلف - سفيان الثوري

[محمد بن مطر الزهراني]

الفصل: ‌اعتقاد أبي عبد الله سفيان بن سعيد الثوري:

‌اعتقاد أبي عبد الله سفيان بن سعيد الثوري:

دأب السلف رحمهم الله بعد ظهور الفرق وانتشار الأهواء وكثرة البدع على كتابة معتقدهم في قضايا العقيدة، لا سيما تلك التي خاض فيها أصحاب الأهواء بآرائهم وعقولهم القاصرة والمتناقضة، كالأسماء والصفات، والقدر، والإيمان، والسمع والطاعة لولاة الأمر، ومعارضة نصوص الشرع بالآراء والعقل والقياس، وغير ذلك.

والمتتبع لتراجم أئمة السلف وسيرهم منذ القرن الثاني وما بعده، يجد ما يلي:

1 -

أن أكثرهم قد كتب معتقده، وأوضحه ثم نشره في الأمة

2 -

أنهم متفقون على وجوب أخذ الدين كله من الكتاب والسنة.

3 -

أنهم أخذوا دينهم وعقائدهم خلفاً عن سلف وقرناً عن قرن إلى أن انتهوا إلى التابعين، وأخذه التابعون عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأخذه

ص: 84

أصحاب رسول الله صلى الله وسلم عليه وعلى آله عن رسول الله صلى الله وسلم عليه وعلى آله.

4 -

أنهم لما طلبوا الدين من الكتاب والسنة لم يطلبوه لتأييد ما هم عليه، وما رأوه بآرائهم وعقولهم بل طلبوه لتصحيح ما هم عليه، فيعرضون ما وقع لهم وخواطرهم على الكتاب والسنة فإن وجدوه موافقاً لما في الكتاب والسنة قبلوه وشكروا الله عز وجل حيث أراهم ذلك ووقفهم عليه، وإن وجدوه مخالفاً لهما تركوا ما وقع لهم وأقبلوا على الكتاب والسنة، ورجعوا بالتهمة على أنفسهم، فإن الكتاب والسنة لا يهديان إلا إلى الحق.

5 -

لما كان الكتاب والسنة عند السلف هما مصدر تلقي الدين ومنهج التلقي عندهم للعمل والتصحيح صاروا على تباعد ديارهم وبلدانهم واختلاف أزمانهم وأعصارهم وكثرة مصنفاتهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة ونمط واحد يجرون فيه على طريقة لا يحيدون عنها ولا يميلون فيها قولهم في ذلك واحد وفعلهم واحد لا ترى بينهم اختلافاً ولا

ص: 85

تفرقاً في شيء ما وإن قل. 1

فهذا عبد الله بن فيروز الديلمي - أحد كبار التابعين - يقول: "أتيت أبي بن كعب فقلت: أبا المنذر إنه وقع في قلبي شيء من هذا القدر، فحدثني بشيء لعل الله أن يذهبه عني، فقال: إن الله عز وجل لو عذب أهل سمواته وأهل أرضه لعذبهم غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، لو كان لك مثل جبل أحد ذهباً أنفقته في سبيل الله، ما قبل الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وإنك إن مت على غير هذا دخلت النار، ولا عليك أن تأتي عبد الله بن مسعود فتسأله، فأتيت ابن مسعود فسألته، فقال

1 انظر: الحجة في بيان المحجة لأبي القاسم إسماعيل بن محمد التيمي (2/ 223 - 226)، وفصول من كتاب الانتصار لأهل الحديث لأبي المظفر السمعاني (ص: 44 - 46)، جمع وتعليق الدكتور محمد بن حسين الجيزاني.

ص: 86

مثل ذلك، ثم قال ابن مسعود: ولا عليك أن تأتي أخي حذيفة بن اليمان فتسأله، فأتيت حذيفة بن اليمان، فسألته فقال مثل ذلك، وقال: فأت زيد بن ثابت، فأتيت زيد بن ثابت فقال مثل ذلك". 1

وقد ساق أبو القاسم هبة الله بن الحسن اللالكائي (ت 418 هـ) مجمل اعتقاد طائفة من أعلام السلف كالثوري وابن عيينة والأوزاعي وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني وغيرهم وذلك في كتابه القيم "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" 2

فقال رحمه الله: "سياق ما روي من المأثور عن السلف في جمل اعتقاد أهل السنة والتمسك بها والوصية بحفظها قرناً

1رواه الإمام أحمد في المسند (5/ 182)، وأبو داود في السنة - باب في القدر (5/ 66) ح 4699، وأخرجه أيضاً عبد الله بن أحمد في السنة (2/ 388)، واللالكائي في شرح أصول أهل السنة (3/ 612) ح 673.

2طبع في تسعة أجزاء بتحقيق الدكتور أحمد بن سعد بن حمدان.

ص: 87

بعد قرن". 1

وقد بدأ بذكر اعتقاد أبي عبد الله سفيان بن سعيد الثوري، فذكر بإسناده إلى علي بن حرب الموصلي قال: سمعت شعيب بن حرب يقول: قلت لأبي عبد الله سفيان بن سعيد الثوري: حدثني بحديث من السنة ينفعني الله عز وجل به، فإذا وقفت بين يدي الله تبارك وتعالى وسألني عنه فقال لي: من أين أخذت هذا قلت: يا رب حدثني بهذا الحديث سفيان الثوري وأخذته عنه، فأنجو أنا وتؤاخذ أنت.

فقال: "يا شعيب هذا توكيد وأي توكيد اكتب:

بسم الله الرحمن الرحيم، القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، من قال غير هذا فهو كافر، والإيمان قول وعمل ونية يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ولا يجوز القول إلا بالعمل، ولا يجوز القول والعمل إلا بنية، ولا يجوز القول

1انظر: (1/ 151).

ص: 88

والعمل والنية إلا بموافقة السنة. 1

قال شعيب: فقلت له: يا أبا عبد الله وما موافقة السنة

قال: تقدمة الشيخين: أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

يا شعيب: لا ينفعك ما كتبت حتى تقدم عثماناً وعلياً على من بعدهما.

يا شعيب بن حرب: لا ينفعك ما كتبت لك حتى لا تشهد لأحد بجنة ولا نار إلا العشرة الذين شهد لهم رسول الله وكلهم من قريش.

يا شعيب بن حرب: لا ينفعك ما كتبت لك حتى ترى المسح على الخفين دون خلعهما أعدل عندك من غسل قدميك.

1أورد الحافظ ابن بطة العكبري في الإبانة (2/ 802 - 814) عن عدد من السلف نحو هذا القول، ومنهم أنس بن مالك وعلي بن أبي طالب والحسن والأوزاعي وسهل بن عبد الله التستري وغيرهم.

ص: 89

يا شعيب بن حرب: ولا ينفعك ما كتبت حتى يكون إخفاء بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة أفضل عندك من أن تجهر بها. 1

يا شعيب بن حرب: لا ينفعك الذي كتبت حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، وحلوه ومره، كل من عند الله عز وجل.

يا شعيب بن حرب: والله ما قالت القدرية ما قال الله،

1هذه المسألة والتي قبلها وأمثالهما من المسائل العملية التي ذكر السلف ضمن قضايا الاعتقاد، إنما ذكرت في قضايا العقيدة لأمور، منها:

1 -

وجود من عارض هذه السنن بمجرد الرأي والعقل والقياس.

2 -

أن السلف رحمهم الله لا يفرقون في الالتزام بالسنة والوقوف عندها بين واجب ومندوب، بل يتبعون السنة في الجميع ويلتزمون بها تديناً.

3 -

أن شعيب بن حرب إنما سأل سفيان عن السنة، ومن تمام بيان السنة أن يذكر له السنن الاعتقادية والعملية التي وقع فيها معارضة من أصحاب الأهواء بعقولهم وآرائهم الفاسدة حتى يحذر تلك الأهواء والآراء المنحرفة عن هدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه رضي الله عنهم.

ص: 90

ولا ما قالت الملائكة، ولا ما قال النبيون، ولا ما قال أهل الجنة، ولا ما قال أهل النار، ولا ما قال أخوهم إبليس لعنه الله. قال الله عز وجل:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ الله عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ الله أَفَلا تَذَكَّرُونَ} . 1

وقال تعالى: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ الله} . 2

وقالت الملائكة: {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ} . 3

وقال موسى عليه السلام: {إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} . 4

وقال نوح عليه السلام: {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ

1سورة الجاثية - الآية (23).

2سورة التكوير - الآية (29).

3سورة البقرة - الآية (32).

4سورة الأعراف - الآية (55).

ص: 91

أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ الله يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}. 1

وقال شعيب عليه السلام: {وَمَا يَكُونَ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلا أَنْ يَشَاءَ الله رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيءٍ عِلْمًا} . 2

وقال أهل الجنة: {الحَمْدُ الله الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا الله} . 3

وقال أهل النار: {غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ} . 4

وقال أخوهم إبليس لعنه الله: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} . 5

يا شعيب: لا ينفعك ما كتبت حتى ترى الصلاة خلف كل بر وفاجر، والجهاد ماض إلى يوم القيامة، والصبر تحت لواء السلطان جار أم عدل.

1سورة هود - الآية (34).

2سورة الأعراف - الآية (89).

3سورة الأعراف - الآية (43).

4سورة المؤمنون - الآية (106).

5سورة الحجر - الآية (39).

ص: 92

قال شعيب: فقلت لسفيان: يا أبا عبد الله الصلاة كلها قال: لا، ولكن صلاة الجمعة والعيدين صل خلف من أدركت، وأما سائر ذلك فأنت مخير لا تصل إلا خلف من تثق به وتعلم أنه من أهل السنة والجماعة.

يا شعيب بن حرب: إذا وقفت بين يدي الله عز وجل فسألك عن هذا الحديث فقل: يا رب حدثني بهذا الحديث سفيان بن سعيد الثوري، ثم خل بيني وبين ربي عز وجل" اهـ. 1

هذا مجمل اعتقاد أبي عبد الله الثوري، وهي عين ما نقل عن الأئمة قبله وبعده، كما ذكر ذلك الحافظ أبو القاسم اللالكائي وغيره.

وقد ضمَّن سفيان ما كتبه لتلميذه شعيب بن حرب التأصيل العلمي والمنهجي في الرد على أصحاب البدع والأهواء، فذكر مسألة خلق القرآن والقول الحق فيها

1شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 151 - 154).

ص: 93

وكذلك الإرجاء والقدر، ومسألة معارضة السنن بالرأي والهوى، أو القياس والعقل، ثم مسألة السمع والطاعة لولاة الأمر وبيان منهج أهل السنة والجماعة فيها.

لقد كان سفيان وأقرانه من الأئمة في عصره كابن المبارك والأوزاعي وأبي إسحاق الفزاري وغيرهم كانوا شجاً في حلوق أصحاب الأهواء والبدع وعلقماً في أفواههم، فحفظ الله بهم الدين وأحيا بهم السنة وقمع بهم البدع والأهواء في زمانهم.

قال مؤرخ الإسلام أبو عبد الله الذهبي: "وفي زمان هذه الطبقة - الخامسة من تذكرة الحفاظ - كان الإسلام وأهله في عز تام وعلم غزير، وأعلام الجهاد منثورة والسنن مشهورة، والبدع مكبوتة، والقوَّالون بالحق كثير، والعباد متوافرون والناس في بُلهنية من العيش بالأمن وكثرة الجيوش المحمدية من أقصى المغرب وجزيرة الأندلس، وإلى قريب

ص: 94

مملكة الخطا - كذا - وبعض الهند وإلى الحبشة". 1

وهذه نماذج من مواقف سفيان من أهل الأهواء وآرائه فيهم: عن يحيى بن يمان قال: سمعت سفيان الثوري يقول: "من أصغى سمعه إلى صاحب بدعة فقد خرج من عصمة الله تعالى". 2

وفي "سير أعلام النبلاء": أن سفيان الثوري قال: "من أصغى بسمعه إلى صاحب بدعة وهو يعلم، خرج من عصمة الله، ووكل إلى نفسه". 3

وفيه أيضاً عنه أنه قال: "من سمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه ولا يلقها في قلوبهم". 4

قال الذهبي: "أكثر أئمة السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة والشبة خطافة".

1تذكرة الحفاظ (1/ 244).

2انظر: الحلية لأبي نعيم (7/ 26)، سير أعلام النبلاء (7/ 261).

3سير أعلام النبلاء (7/ 261).

4المصدر نفسه.

ص: 95

عن عبد الله بن المبارك: "سئل سفيان بن سعيد عن ثور ابن يزيد الشامي فقال: خذوا عنه واتقوا قرنيه - يعني أنه كان قدرياً -". 1

وعن أحمد بن عبد الله بن يونس: "سمعت رجلاً يقول لسفيان: رجل يكذب بالقدر، أأصلي وراءه قال: لا تقدموه، قال: هو إمام القرية ليس لهم إمام غيره، قال: لا تقدموه، لا تقدموه، وجعل يصيح". 2

وعن أبي غسان قال: حدثنا إبراهيم بن المغيرة - وكان حجاجاً - قال: "سألت سفيان: أأصلي خلف من يقول الإيمان قول بلا عمل قال: لا، ولا كرامة". 3

وذكر أبو نعيم في "الحلية" بسنده عن المؤمل بن إسماعيل قال سفيان الثوري: "خالفتنا المرجئة في ثلاث: نحن نقول: الإيمان قول وعمل، وهم يقولون: الإيمان قول بلا عمل،

1الجرح والتعديل (1/ 74).

2الحلية (7/ 26).

3المصدر نفسه (7/ 27).

ص: 96

ونحن نقول: يزيد وينقص، وهم يقولون: لا يزيد ولا ينقص، ونحن نقول: نحن مؤمنون بالإقرار، وهم يقولون: نحن مؤمنون عند الله". 1

وبإسناده إلى محمد بن يوسف الفريابي قال سفيان: "ليس أحد أبعد من كتاب الله من المرجئة". 2

وعن يوسف بن أسباط قال: سمعت سفيان يقول: "من كره أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله فهو عندنا مرجئ" يمد بها صوته. 3

وفي "الحلية" عن عبد الصمد بن حسان قال: سمعت الثوري يقول: "عليكم بما عليه الحمالون والنساء والصبيان في الكُتَّاب، من الإقرار والعمل". 4

1المصدر نفسه (7/ 29).

2المصدر نفسه.

3المصدر نفسه (7/ 32).

4الحلية (7/ 30).

ص: 97

وفيه أيضاً عن عبد الله بن المبارك قال: سمعت سفيان الثوري يقول: "من زعم أن {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} مخلوق فقد كفر بالله عز وجل". 1

عن غياث بن واقد - من أهل اصطخر - قال: سمعت سفيان يقول: "ارج كل شيء مما لا تعلم إلى الله، ولا تكن مرجئاً، واعلم أن ما أصابك من الله، ولا تكن قدرياً".

قال: وسمعت سفيان يقول: "لقد تركت المرجئة هذا الدين أرق من السابري". 2

وعن أبي بكر الحنفي قال: سمعت سفيان الثوري يقول: "الصلاة والزكاة من الإيمان 3، والإيمان يزيد، والناس

1سير أعلام النبلاء (7/ 273)، الحلية (7/ 30).

2الحلية لأبي نعيم (7/ 33)، والسابري كل رقيق سابري، والأصل فيه الدروع، السابرية نسبة إلى سابور (تاج العروس 3/ 253).

3بوَّب بذلك أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري في كتاب الإيمان فقال: باب الصلاة من الإيمان، باب الزكاة من الإسلام.

ص: 98

عندنا مؤمنون مسلمون، ولكن الإيمان متفاضل، وجبريل أفضل إيماناً منك". 1

وعن أبي نعيم الفضل بن دكين (ت 218 هـ) قال: سمعت سفيان الثوري يقول: "قدمت الري وعليها الزبير بن عدي قاضياً، فكتبت عنه خمسين حديثاً، ثم مررت بجرجان وبها جوَّاب - بتشديد الواو - التيمي فلم أكتب عنه، ثم كتبت عن رجل عنه"، قال أبو نعيم لم يكتب عنه لأنه كان مرجئاً. 2

قال عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت 211 هـ): سمعت مالكاً والأوزاعي وابن جريج والثوري ومعمراً

يقولون: "الإيمان قول وعمل يزيد وينقص". 3

وفي "السير" عن أبي بكر بن عياش: "كان سفيان

1الحلية (7/ 33).

2الجرح والتعديل (1/ 80).

3السير (7/ 252)، وانظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة (5/ 957 - 958 رقم 1736)، (5/ 962 رقم 1749)، (5/ 980 رقم 1792).

ص: 99

ينكر على من يقول العبادات ليست من الإيمان، وعلى من يقدم على أبي بكر وعمر أحداً من الصحابة، إلا أنه كان يقدم علياً على عثمان". 1

وفيه أيضاً عن محمد بن يوسف الفريابي (ت 212 هـ) قال: سمعت سفيان يقول: "إن قوماً يقولون: لا نقول لأبي بكر وعمر إلا خيراً، ولكن علي أولى بالخلافة منهما، فمن قال ذلك فقد خطَّأ أبا بكر وعمر وعلياً والمهاجرين والأنصار، ولا أدري ترتفع مع هذا أعمالهم إلى السماء". 2

وفي رواية عن عبد العزيز بن أبان: سمعت الثوري يقول: "من قدم على أبي بكر وعمر أحداً، فقد أزرى على اثني عشر ألفاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي رسول الله وهو عنهم راض". 3

1المصدر نفسه.

2المصدر نفسه (7/ 253)، وفي لفظ:"وأخشى أن لا ينفعه مع ذلك عمل".

3المصدر نفسه (7/ 254).

ص: 100

أخرج أبو نعيم في "الحلية" بسنده إلى زيد بن الحباب قال: "كان رأي سفيان الثوري رأي أصحابه الكوفيين، يفضل علياً على أبي بكر وعمر، فلما صار إلى البصرة رجع عنها، وهو يفضل أبا بكر وعمر على علي، ويفضل علياً على عثمان". 1

وفي "السير" عن زيد بن الحباب قال: "خرج سفيان إلى أيوب وابن عون فترك التشيع". 2

وعن علي بن قادم قال سفيان: "ما قاتل عليّ أحداً إلا كان علي أولى بالحق منه". 3

وفيه أيضاً عن محمد بن يوسف الفريابي: "سمعت سفيان ورجل يسأله عن مَنْ يشتم أبا بكر فقال: كافر بالله العظيم، قال: نصلي عليه قال: لا، ولا كرامة.

قال: فزاحمه الناس حتى حالوا بيني وبينه، فقلت للذي

1الحلية (7/ 31).

2سير أعلام النبلاء (7/ 253).

3الحلية (7/ 31).

ص: 101

قريباً منه: ما قال قلنا: هو يقول: لا إله إلا الله ما نصنع به قال: لا تمسوه بأيديكم ارفعوه بالخشب حتى تواروه في قبره". 1

وفي "الحلية" عن رواد بن الجراح قال: "قال سفيان لعطاء بن مسلم: كيف حبك اليوم لأبي بكر قال: شديد، قال: كيف حبك لعمر قال: شديد، قال: كيف حبك لعلي قال: شديد، وطولها وشدَّدها، فقال سفيان: يا عطاء هذه الشديدة تريد كية وسط رأسك". 2

وعن عطاء بن مسلم قال: قال لي سفيان: "إذا كنت في الشام فاذكر مناقب علي، وإذا كنت بالكوفة فاذكر مناقب أبي بكر وعمر". 3

وعن المسيب بن وضاح قال: سمعت عبد الوهاب الحلبي يقول: "سألت سفيان الثوري ونحن نطوف بالبيت عن

1السير (7/ 253).

2الحلية (7/ 31).

3الحلية (7/ 27)، السير (7/ 260).

ص: 102

الرجل يحب أبا بكر وعمر إلا أنه يجد لعلي من الحب ما لا يجد لهما، قال: هذا رجل به داء ينبغي أن يسقى دواء". 1

وعن مؤمل بن إسماعيل قال: سمعت سفيان يقول: "منعتنا الشيعة أن نذكر فضائل علي". 2

وفي "السير" عن عثام بن علي: سمعت سفيان يقول: "لا يجتمع حب علي وعثمان إلا في قلوب نبلاء الرجال". 3

عن شعيب بن حرب قال: "ذكروا سفيان الثوري عند عاصم بن محمد، فذكروا مناقبه حتى عدوا خمس عشرة منقبة، فقال: فرغتم إني لأعرف فيه فضيلة أفضل من هذه كلها: سلامة صدره لأصحاب محمد صلى الله وسلم عليه وعلى آله". 4

وفي "السير": "سئل سفيان عن أحاديث الصفات

1الحلية (7/ 27).

2السير (7/ 260).

3الحلية (7/ 32)، السير (7/ 273).

4الحلية (7/ 27).

ص: 103

فقال: أمروها كما جاءت". 1

وعن عبد الله بن المبارك قال سفيان: "الجهمية كفار، والقدرية كفار"، قال الراوي عن ابن المبارك: فما رأيك قال: رأيي رأي سفيان. 2

وفي "الحلية" عن ضمرة قال: "سألت سفيان الثوري أصافح اليهود والنصار فقال: برجلك نعم". 3

وقال مؤمل بن إسماعيل: "مات عبد العزيز بن أبي رواد، وكنت في جنازته حتى وضع عند باب الصفا، فصف الناس، وجاء الثوري فقال الناس: جاء الثوري، حتى خرق الصفوف والناس ينظرون إليه فجاوز الجنازة ولم يصل عليه، لأنه كان يرمى بالإرجاء". 4

وقد تكرر هذا الموقف من سفيان في جنازة عباد بن كثير

1سير أعلام النبلاء (7/ 27).

2الحلية (7/ 28).

3المصدر نفسه (6/ 379).

4المصدر نفسه (7/ 29).

ص: 104

العابد المجاور بمكة لما كان فيه من الغفلة في الرواية عن كل أحد، وهذا الموقفان من سفيان يراد بهما التحذير من البدع وأصحابها، وحتى لا يغتر أحد بصلاته عليهما، وإلا فهو يرى جواز الصلاة عليهما لأنه لم يكفرهما وأمثالهما من أهل البدع غير المكفرة، والله أعلم.

ص: 105