المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قال أبو بكر الخطيب البغدادي: ذكر أخبار ربما أشكلت على سامعيها وبيان الإشكال الواقع في وجوهها ومعانيها - صفحات مشرقة من حياة السلف - سفيان الثوري

[محمد بن مطر الزهراني]

الفصل: ‌قال أبو بكر الخطيب البغدادي: ذكر أخبار ربما أشكلت على سامعيها وبيان الإشكال الواقع في وجوهها ومعانيها

‌قال أبو بكر الخطيب البغدادي: ذكر أخبار ربما أشكلت على سامعيها وبيان الإشكال الواقع في وجوهها ومعانيها

قال أبو بكر الخطيب البغدادي: "ذكر أخبار ربما أشكلت على سامعيها وبيان الإشكال الواقع في وجوهها ومعانيها ".

أورد رحمه الله هذا العنوان في آخر كتابه "شرف أصحاب الحديث" 1 وذكر فيه جملة من الأخبار، رُويت عن الأئمة: المغيرة بن مقسم الضبي (ت 130 هـ)، وسليمان بن مهران الأعمش (ت 148 هـ)، وشعبة (ت 160 هـ)، وسفيان الثوري (ت 161 هـ)، والإمام مالك (ت 179 هـ)، وعبد الله بن إدريس (ت 192 هـ)، وأبي بكر بن عياش (ت 193 هـ)، وسفيان بن عيينة (ت 198 هـ) وغيرهم.

وكل هذه الأخبار تؤول إلى التحذير من الغرائب والشواذ من الأحاديث وذم المشتغلين بها، وجلهم من أحداث الأسنان من طلبة العلم الذين شغفوا بحب الغرائب والشواذ وتكثير الطرق، وأقتصر هنا على ما أورده عن الإمام

1انظر: (ص: 112 - 140).

ص: 139

سفيان الثوري وأجوبته عن إشكلاتها فمن ذلك:

1 -

ما ذكره بسنده إلى علي بن قادم قال: سمعت سفيان الثوري يقول: "لوددت أني لم أكن دخلت في شيء -يعني الحديث-، ولوددت أني أفلت منه لا عليَّ ولا ليَّ".

2 -

وبسنده إلى محمد بن بشر: سمعت سفيان الثوري يقول: "ليتني أنجو منه كفافاً - يعني الحديث -".

قال أبو بكر الخطيب رحمه الله: "إنما قال سفيان هذا خوفاً على نفسه أن لا يكون قام بحق الحديث والعمل به فخشي أن يكون ذلك حجة عليه". 1

3 -

وعن عبد الرحيم بن مصعب قال: سمعت سفيان الثوري يقول: "من يزدد علماً يزدد وجعاً، ولو لم أعلم لكان أيسر لحزني".

4 -

وعن المعافي بن عمران قال: سمعت سفيان بن سعيد الثوري يقول: "وددت أن كل حديث في صدري، وكل

1شرف أصحاب الحديث (ص: 116 - 117).

ص: 140

حديث حفظه الرجال عني، نسخ من صدري وصدورهم، فقلت: يا أبا عبد الله ذا العلم الصحيح، وذا السنة الواضحة التي قد بينتها، تمنى أن تنسخ من صدرك وصدور الرجال قال: اسكت، وما يدريك ألست أريد أن أقف يوم القيامة حتى أسأل عن كل مجلس جلسته، وعن كل حديث حدثته، إيش أردت به".

قال الخطيب: "فقد بين سفيان في هذا الحديث المعنى الذي لأجله خاف على نفسه، وقد قيل: إنما خاف سفيان على نفسه من الحديث وتمنى أنه لم يكن دخل فيه، لأن حب الإسناد وشهوة الرواية غلب على قلبه حتى كان يحدث عن الضعفاء، ومن لا يحتج بروايته، فمن اشتهر باسمه ذكر كنيته تدليساً للرواية عنه، فخاف على نفسه من هذا الفعل، وقد كره التدليس والرواية عن الضعفاء جماعة من أئمة العلماء". 1

1المصدر نفسه (ص: 118 - 119).

ص: 141

5 -

قال يحيى بن سعيد: "كان سفيان الثوري قد غلب عليه شهوة الحديث".

6 -

وقال أيضاً: "ما أخاف على سفيان شيئاً إلا حبه للحديث". 1

7 -

وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: "كنا نكون عند سفيان كأنه قد وافق الحساب، فلا نجترئ أن نكلمه، فنعرض بذكر الحديث قال: فيذهب ذلك الخشوع، فإنما هو حدثنا وحدثنا".

8 -

وعن يحيى بن يمان قال: سمعت سفيان يقول: "فتنة الحديث أشد من فتنة الذهب والفضة". 2

9 -

قال الحسن بن الربيع البهراني: قال سفيان: "احذركم ونفسي الشهوة الخفية، وإنها لفي قولي لكم: لا

1قال الذهبي: "حب ذات الحديث والعمل به مطلوب من زاد المعاد، وحب روايته وعواليه والتكثر بمعرفته مذموم مخوف، فهو الذي خاف منه سفيان والقطان وأهل المراقبة، فإن كثيراً من ذلك وبال على المحدث"(سير أعلام النبلاء 7/ 255).

2انظر هذه النصوص في: شرف أصحاب الحديث (ص: 120).

ص: 142

تأتوني، ولو لم تأتوني لأتيتكم، ولو لم أحدثكم لحدثت الجدْران". 1

10 -

وعن محمد بن بشر قال: سمعت سفيان يقول: "لو كان هذا من الخير لنقص كما ينقص الخير - يعني الحديث -".

11 -

وعن خلف بن خليفة سمعت سفيان بن سعيد يقول: "أرى كل شيء من أنواع الخير ينقص، وهذا الحديث إلى زيادة، فأظن أنه لو كان من أسباب الخير لنقص أيضاً". 2

قال الخطيب: "عنى الثوري بكلامه الذي تقدم ذكره: غرائب الأحاديث ومناكيرها دون معروفها ومشهورها، لأن الأخبار الشاذة والأحاديث المنكرة أكثر من أن تحصى، فرأى الثوري أن لا خير فيها، إذ رواية الثقات بخلافها وعمل الفقهاء ضدها، وقد ورد عن جماعة من العلماء سوى الثوري

1شرف أصحاب الحديث (ص: 105).

2انظر: هذين النصين في شرف أصحاب الحديث (ص: 123).

ص: 143

كراهة الاشتغال بها، وذهاب الأوقات في طلبها". 1

قال أبو بكر الخطيب: "وليس يجوز الظن أنه قصد بقوله الذي ذكرناه صحاح الأحاديث ومعروف السنن وكيف يجوز ذلك وهو القائل: "أكثروا من الأحاديث فإنها سلاح".

وقوله: "ينبغي للرجل أن يكره ولده على طلب الحديث، فإنه مسؤول عنه".

وقال أيضاً: "ما أعلم شيئاً يطلب به الله عز وجل هو أفضل من الحديث، فقال له إنسان: إنهم يطلبونه بغير نية قال: طلبهم له نية".

وقال أيضاً: "لا نعلم شيئاً من الأعمال أفضل من طلب العلم والحديث لمن حسنت فيه نيته". 2 اهـ

1شرف أصحاب الحديث (ص: 125 - 126).

وقد أورد أقوال جملة من العلماء في كراهة مثل هذه الأحاديث، منهم إبراهيم النخعي وأبو يوسف وأحمد بن حنبل وغيرهم.

2شرف أصحاب الحديث (ص: 126 - 127).

ص: 144

وقال الخطيب - أيضاً -: تعقيباً على قول عبد الله بن إدريس "الإكثار من الحديث جنون". وقول مالك: "ما أكثر أحد من الحديث فأنجح" -: "وهذا الكلام كله قريب من كلام الثوري في ذم شواذ الحديث، والمعنى فيهما سواء، إنما كره مالك وابن إدريس وغيرهما الإكثار من طلب الأسانيد الغريبة والطرق المستنكرة كأسانيد: حديث الطائر، وطرق حديث المغفر، وغسل الجمعة، وقبض العلم، وإن أهل الدرجات، ومن كذب علي، ولا نكاح إلا بولي، وغير ذلك، مما يتتبع أصحاب الحديث طرقه ويعنون بجمعه، والصحيح من طرقه أقلها، وأكثر من يجمع ذلك الأحداث منهم فيتحفظونها ويذاكرون بها، ولعل أحدهم لا يعرف من الصحاح حديثاً، وتراه يذكر من الطرق الغريبة والأسانيد العجيبة التي أكثرها موضوع وجلها مصنوع مما لا ينتفع به، وقد أذهب من عمره جزءاً في طلبه، وهذه العلة هي التي اقتطعت أكثر من في عصرنا من طلبة الحديث عن التفقه به، واستنباط ما فيه من الأحكام، وقد فعل متفقهة زماننا كفعلهم، وسلكوا في ذلك سبيلهم ورغبوا عن سماع

ص: 145

السنن من المحدثين، وشغلوا أنفسهم بتصانيف المتكلمين، فكلا الطائفتين ضيع ما يعنيه، وأقبل على ما لا فائدة له فيه". 1

1المصدر نفسه (ص: 128 - 130).

ص: 146