الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
بين يدي الرسالة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران: الآية 102].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [سورة الأحزاب: الآيتان: 70، 71]
أما بعد، فإنه لا يخفى على مسلم يدبُّ الآن على وجه الأرض؛
ما يُعايِشُهُ المسلمونَ من ضعفٍ تغلْغَلَ في كل جانبٍ من جوانبِ حياتهم، سياسياً كان، أو اقتصادياً، أو غير ذلك.
ولقد تنبَّهَ الساعونَ إلى الإصلاح مُنْذُ أَمَدٍ إلى هذا الضَّعْفِ، فعملوا على تشخيصه وتحديده، ومِنْ ثَمّ على علاجه واستئصاله.
إلا أن السُّبُلَ تفرَّقتْ بهم عند وَصْفِ العلاج، واجتثاثِ الداءِ، تبعاً لاختلافِ منهجهم، وتعدُّدِ فِرَقِهِمْ.
وما من ريب أنَّ ما حلَّ بالمسلمين هو بسبب ابتعادهم عن دينهم، وانغماسهم في الشهوات المحرَّمة.
وبما أن الأمر كذلك - وهو كذلك فإنَّ رسولنا صلى الله عليه وسلم أبان لنا هذا الدَّاءَ وَوَصَفَ لنا دواءه بما لا يَدَعُ مجالاً - عند ذي العقول - للاختلافِ والتنازع.
فقد أخرج أبو داود في سننه «3/ 740» وغيره؛ عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«إذا تبايعتم بالعِيْنَةِ.
وأخذتمْ أذنابَ البقرِ.
ورضيتم بالزَّرعِ.
وتركتم الجهاد:
سَلَّطَ اللَّهُ عليكم ذُلاً؛ لا يَنزعُهُ حتى ترْجعوا إلى دينكم».
فالمَخْرَجُ الوحيدُ من هذا الذَلّ، هو: الرجوع إلى شرعِ الله تعالى، والعَمَلِ به. وهذا قد شهد به القرآن في مواضع كثيرة.
قال تعالى:
ومع وضوح هذا الأمر، وجلائه، فإنً أُناساً من المنتسبين إلى «الدعوة» ضربوا صفحاً عن الرضوخ لهذا الأمر الجلي، ورضوا بما أَمْلَتْهُ عليهم عقولُهم القاصرة، وآراؤهم الكاسدة، فابتغوا إصلاحَ المسلمين بما لم يشْرَعه الله تعالى، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، فكانَ عاقبة أمرهم خسراً، ونهايةُ إقدامِهم وبالاً، والله لا يصلحُ عمل المفسدين.
وكانَ من بين ما اقترفَتْهُ أيديهم؛ تلك الحملةُ الشعواء على لواء السُّنِة المطهَّرة، والهدي النبوي؛ إذْ جعلوا الاهتمامَ بالسنن، والحرصَ على تطبيقها في كلّ شؤوننا؛ عائقاً من عوائِقِ تصحيح مَسَارِ المسلمين، وانتشالهم من أوحالِ الضعفِ.
فجاءت كتبهم، ومحاضراتهم، ودروسهم؛ مقررةً لهذه الفكرة النكراء، تارةً بالتصريح، وأخرى بالتلويح، وثالثة الأثافي باسمِ الغَيْرَةِ على السُّنَّةِ والحفاظِ على أوقات المسلمين!!.
فطوراً: يشنِّعونَ على فاعِل السنَّة، والمحافظِ عليها؛ بحجُّةِ تفريقِهِ وِحْدَةَ المسلمين، بفعله هذا!!!
وطوراً: يبالغون في ضرورة معرفة الواقع - على جميع
المسلمين - حتى يُصْرَفَ الناسُ عن العلم الشرعيّ، والعناية بالسنَّة، إلى متابعة: الجرائد والمجلات، وأخبار السياسات، فيصبحُ الممدوحُ من أغرق في هذه الأمور، والمُزْرى به من أقبل على الفقه في دين الله، وعَكفَ على السنن تعلماً وعملاً.
فَلَمَّا خرجت هذه الزوابع في وجهِ السُّنةِ، وتخلَّى عن تزييفها كثير ممن ظننَّاه أغيَر مَنْ نرى على السُّنَّةِ؛ استعنتُ الله تعالى، فكتبتُ هذه الرسالةَ راجياً منه تعالى أن يجعلها له خالصةً، وأن يعمَّ بنفعها الجميع.
وخلاصة ما أريدُ إيصالهُ إلى القُرَّاء الفضلاءِ في هذه الرسالة التَّنبِيْه على ضرورةِ الاهتمام بالسنن الثابتة عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، تعلماً، وتعليماً، وإرشاداً.
وأَنَّ مَكْمَنَ الضعفِ عندنا، إنما جاء من جرّاءِ البعدِ عن دين الله تعالى، فرائضه ونوافله، فالطريقُ الصحيحُ لرفع هذا الضعفِ، ينحصر في مراجعةِ ديننا، والحرصِ على العمل به، والدعوة إليه جميعاً، كما قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ..} الآية، [سورة البقرة: الآية 208].
وليس من طريقٍ إلى ذلك، سوى هذا الطَّريقِ، فبِهِ تنشأ الأجيال على السنَّة، ويُغْرَسُ في قلوبهم محبَّةُ الدين، محبَّةً تَضْعُفُ بجانبها محبَّةُ النفس، والمالِ، والولدِ، عندئذٍ تتهيأ النفوس لقبولِ كلّ خيرٍ، وتجود بكلّ ما تَمْلِكُ نصرةً لهذا الدين.
ولقد بينتُ بعضَ الفوائد - العامَّة والخاصَّة - المترتبةِ على العمل بالسنَّة، ليكون ذلك مشوِّقاً إلى العمل بها، حاثاً على الاهتمام بتطبيقها.
كما أوردتُ بعض الشبه التي ينعِق بها مَنْ لا خلاقَ له؛ تزهيداً في السنةِ، وتقليلاً من أهميتها، ورددتُها، مراعياً الاختصار، وبالله التوفيق.