المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة الأولى:يعمل بالسنة ولو هجرها الناس - ضرورة الاهتمام بالسنن النبوية

[عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم]

الفصل: ‌القاعدة الأولى:يعمل بالسنة ولو هجرها الناس

‌فصل

في قواعد للتعامل مع السنَّة

‌القاعدة الأولى:

يُعْمَلُ بالسنَّةِ ولو هجرها الناس

كثيراً ما يحصل عند بعض المحبين للسنَّةِ تَردُّد في إحياءِ سُنَّةٍ لا وجود لها في مجتمعه، يدفعه إلى ذلك خجل، أو نحو ذلك.

ألا فليعلم هؤلاء أنَّ إحياءهم السنَّة في هذه الحالةِ أفضلُ بأضعاف مضاعفة من العَمَلِ بها في مجتمعٍ متمسكٍ بالسنَّة.

وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: «إن من ورائكم أيام الصبر، للمتمسك فيهنَّ يومئذٍ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم» ، قالوا: يا نبيَّ الله أومنهم؟ قال: «بل منكم» .

وما أحسن ما قاله الشيخ سليمان بن سحمان في ردِّه على من أنكر سنَّة رفعِ الصوت بالذكر بعد السلام (1).

«فلو كان كلُّ ما تُرِك من السُّنَنِ القوليَّة والفعليَّة، مما كان على عهد

(1) تحقيق الكلام في مشروعية الجهر بالذكر بعد السلام، ص: 62، ط دار العاصمة بالرياض.

ص: 84

رسول الله صلى الله عليه وسلم مما تَسَاهَل الناس بتركِ العمل به، من الأمور التي يثاب الإنسان على فعلها، ولا يعاقب على تركها - إذا أَخْبَرَ بها مُخْبِرٌ أنها سُنَّةٌ مهجورة غير معمولٍ بها: أن المخبر بذلك مشوشٌ على الناسِ إذا عَمِلَ به

لانْسدَّ باب العلم، وأُميتت السُّنَن؛ وفي ذلك من المفاسِدِ ما لا يحصيه إلا الله». اهـ.

ولقد صدق رحمه الله فأي مفسدةٍ أعظم على أهل الإسلام والسنَّةِ من موتِ سُنَّةٍ كانت من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، حتى لا تعلم الأجيال بها، ولو فعلتْ عندهم لأنكروها.

وقد روى الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1) أن عبد الله بن الحسن يكثر الجلوس إلى رَبِيْعَةَ، قال: فتذاكروا يوماً السُّنَن، فقال رجلٍ كان في المجلس: ليس العَمَلُ على هذا.

فقال عبد الله: أرأيت إن كَثُرَ الجُهَّال حتى يكونوا هم الحكام أَفَهُم الحجَّة على السنُّةِ؟!

فقال ربيعةُ: أشهد أنَّ هذا كلامُ أبناء الأنبياء. اهـ.

وما موت السنَّة إلا علامةُ ظهور البدع وفشوّها، كما قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما:«ما يأتي على الناس من عامٍ إلا أحدثوا فيه بدعة، وأماتوا فيه سنَّة، حتى تحيا البدعُ وتموت السنن» .

رواه ابن وضاح في «البدع والنهي عنها» (2).

(1) 1/ 146.

(2)

ص: 38 - 39، وأخرجه الطبراني في الكبير (10610)، وقال الهيثمي (1/ 188) رجاله موثقون.

ص: 85

وترك السنن يفضي إلى عدم معرفتها، كما هو مشاهدٌ، وقد قال شيخ الإسلام:

«يجوز ترك المستحب من غير أن يجوز اعتقاد تركِ استحبابه؛ ومعرفة استحبابه فرضٌ على الكفاية؛ لئلا يضيع شيءٌ من الدين» . اهـ (1).

ورحم الله ابنَ القيم إذْ يقول:

«ولو تركتِ السُّنَنُ لِلعَمَلِ لتعطَّلَت سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودرسَتُ رسومها وعفتْ آثارها.

وكم من عملٍ قد اطرد بخلاف السنَّة الصريحة على تقادم الزمان، وإلى الآن.

وكل وقتٍ تتركُ سنَّة، ويعمل بخلافها، ويستمرُّ عليها العمل، فتجد يسيراً من السنَّة معمولاً به على نوع تقصير.

وخُذُ ما شاء الله من سُنَنٍ قد أُهملتْ، وعُطِّلَ العَمَلُ بها جملة فلو عمل بها مَنْ يعرفها لقال الناس: تركتِ السنَّة

» اهـ (2).

فاللَّه الله يا أَمَّة الإسلام في سنن رسولكم صلى الله عليه وسلم، مَنْ لها سواكم؟ أحيوها جُهْدَكُمْ، وأرشدوا الناسَ إلى العَمَل بها، فهي عنوان المحبّةِ الكاملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلامة المتابعة الصادقة له صلى الله عليه وسلم.

(1) مجموع الفتاوى 4/ 436.

(2)

إعلام الموقعين 2/ 395، ط الكليات الأزهرية.

ص: 86

ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شنآن المتعصبين، ولا تهويل المبطلين، ولا حيصة الَعوَامِّ المفْتونين، فإنَ السنَّة اليومَ غريبةٌ، معاولُ الهدمِ تخدشها من كلِّ جانب، فهي اليوم في أشدِّ الحاجة إلى أبنائها المخلصين، الذين يتحملون في سبيلها المشاق، ويؤثرونها على حظوظ أنفسهم، قائدهم في ذلك الرِّفقُ واللين، والمجادلة بالتي هي أحسن، وسيكون التوفيق حليفهم، والعاقبة الحسنى لهم، متى ما أخلصوا النيَّة لله عز وجل، واحتسبوا منه وحده الثواب على هذا العَمَلِ الجسيم.

وما أحوجنا هنا أن نُذَكَّرهم بتلك التجربة التي جرتْ على يَدِ الإمام الشاطبي رحمه الله عندما عقد العزم على إحياء السنَّة والتجرُّدِ لها وإن خالفها الناس، فتعرض بسببِ ذلك لمقتِ الناس، وإزرائِهم به، واتِّهامِهِ بكلَّ سوء ولكنَّ العاقبة للمتقين:

{وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن ينَصُرُهُ إِنَ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} .

قال الشاطبي في «الاعتصام» (1):

«

فتردَّد النظر بين أن أتبعَ السنَّة على شرط مخالفةِ ما اعتاد الناس؛ فلا بُدَّ من حصولِ نحوٍ مما حصل لمخالفي العوائد - لا سيما إذا ادعى أهلُها أن ما هم عليه هو السنَّة لا سواها - إلا أن في ذلك العِبْءِ الثَّقِيْلِ ما فيه من الأجر الجزيل. وَبَيْنَ أن أتّبعهم على شرط مخالفةِ السنَّة والسلف الصالح، فأدخلُ تحت ترجمة الضُّلالِ - عائذاً

(1) 1/ 34 - 35.

ص: 87

بالله من ذلك - إلا أني أُوافق المعتادَ، وأُعَدُّ من المؤالفين لا من المخالفين.

فرأيتُ أن الهلاكَ في اتباع السنَّةِ هو النجاة، وأنّ الناس لن يغنوا عني من الله شيئاً

». اهـ.

* * *

ص: 88