المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المقدِّمة الحمد لله الذي أمرنا بالدخول في دينه كافةً: فرائضه، ونوافِلِه، - ضرورة الاهتمام بالسنن النبوية

[عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم]

الفصل: ‌ ‌المقدِّمة الحمد لله الذي أمرنا بالدخول في دينه كافةً: فرائضه، ونوافِلِه،

‌المقدِّمة

الحمد لله الذي أمرنا بالدخول في دينه كافةً: فرائضه، ونوافِلِه، فقال تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} .

والصلاة والسلام الأتمانِ الأكملانِ على من بُعِثَ إلينا ليكون لنا فيه أسوةً حسنةٌ في كلّ شؤونه، في قيامه وقعوده، وحركاته وسكونه، القائل:«عليكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ» .

صلَّى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغُرّ الميامين، المشرَّفين بشرف اتِّباع السنَّة، القائلين:«الاعتصام بالسُنَّةِ نجاة» .

رضي الله عنهم، ومن تبعهم بإحسان، واقتفى أثرهم، إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإنّ أحقّ ما اعتنى به المسلم، وأولى ما صرف فيه أوقاتَهُ: العملُ الدؤوب على اقتفاء آثار النبي صلى الله عليه وسلم، وتجسيدها في حياته اليومية، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

ذلك بأن غايةَ المؤمن تحصيل الهداية الموصلة إلى دار السعادة، وقد قال تعالى:

ص: 11

{وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} .

وقال:

{وَاْتَّبعُوهُ لَعَلكُمْ تَهْتَدُونَ} .

وقال تعالى:

{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فيِ رَسُولِ اَللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُواْ اَللهَ وَاُلْيَوْمَ آلاْخِرَ وَذَكَرَ اَلله كَثِيراً} .

وهذه الآية - كما قال ابن كثير -: «أصلٌ كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم، في أقواله، وأفعاله، وأحواله» .

وهذه الأسوة إنما يسلكها ويوفق لها: من كان يرجو الله واليوم الآخر.

فإن ما معه من الإيمان، وخوف الله، ورجاء ثوابه، وخوف عقابه: يحثّهُ على التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم (1).

وشرف المؤمن ومنزلته إنما تقاس باتباعه، فكلما كان تحرِّيهْ للسنَّة أكثر كان بالدرجات العلى أحقُّ وأجدر.

ولذا كان العلماء السابقون من السلف الصالح يجعلون معيارَ مَنْ يؤخذ عنه العلم - وهو أشرف مأخوذ - تمسكه بالسنة، كما قال إبراهيم النخعي رحمه الله:«كانوا إذا أتوا الرجل يأخذون عنه العلم: نظروا إلى صلاته، وإلى سنَّته، وإلى هيئته؛ ثم يأخذون عنه» .

(1) تفسير السعدي 6/ 209.

ص: 12

وقال أبو العالية: «كنا نأتي الرجل لنأخذ عنه فننظر إذا صلى: فإن أحسنها جلسنا إليه، وقلنا: هو لغيرها أحسن؛ وإن أساءَها قمنا عنه، وقلنا: هو لغيرها أسوأ» (1).

وفي الرسالة «القشيرية» (2) عن ذي النون المصري أنه قال:

«من علامة المحب لله عز وجل؛ متابعة حبيب الله صلى الله عليه وسلم؛ في أخلاقه، وأفعاله، وأوامره، وسننه» .

وهذا حق مأخوذ من كتاب الله تعالى، قال تعالى:

{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اَللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحَبِبْكُمُ اللهُ وَيَغَفْر لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} .

قال الحسن البصري:

«فكان علامة حبَّهم إياه: اتباع سنة رسوله» (3).

وأخرج ابن أبي حاتم في «تفسيره» (4) عن أبي الدرداء أنه قال {فَاتَّبِعُوهُ} : على البِرِّ والتقوى، والتواضع، وذلّة النفس».

ولقد كان للعلماء الربانيين - على مرِّ العصور - يد ظاهرةٌ في الحث على العمل بالسنَّةِ - بمعناها الأصلي - إرشاداً، وتعليماً، وتأليفاً.

(1) سنن الدارمي 1/ 93 - 94.

(2)

1/ 75.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 2/ 204، وأخرج نحوه الطبري 3/ 232، واللالكائي 1/ 70.

(4)

2/ 204.

ص: 13

وبفضل الله، ثم بفضل هذه الجهود المبذولة، التي فنيتْ فيها الأعمار، وتجشَّمتْ من أَجْلها الأخطار، وأوثر في سبيلها الإعْسار على الإيسار: وصلت إلينا «السنَّة» مكلوءةً، محفوظةً، مخدومة، لينصَبَّ جهدنا على تعلُّمها، والانقياد لها، والدعوة لها، والدعوة إليها.

ولم تزلْ بحمد الله وتوفيقه وإعانته - في كلّ عصرٍ من العصور - طائفة تصرف هَمَّها وتنُشِّئْ أبناءها على العناية العظيمة بالسنَّة النبوية، لا فرقَ في ذلك بين شيءٍ منها، الكل يؤتى به كما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، بضابطه الشرعي الوارد في الحديث الصحيح:«وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» .

يدعون إلى الأخذ بالسنَّة، والحرص عليها، جملةً وتفصيلاً، وينكرون على منْ حاد عن هذا الطريق بأي نوع من أنواع الحيدة، أولئك الذين قال فيهم أبو عبد الله الحاكم:

«قومٌ سلكوا محجة الصالحين، واتبعوا آثار السلَفِ من الماضين، ودمغوا أهل البدع والمخالفين بسننِ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله أجمعين

فعقولهم بلذاذة السنَّة غامرة، وقلوبهم بالرضاء في الأحوال عامرة؛ تعلّمُ السَنن سرْوْرُهم، ومجالسُ العلم حبورهم، وأهل السنة قاطبة إخوانهم، وأهل الإلحاد والبدع بأسرها أعداؤهم» (1).

إلا أنَّ هذه الطائفة - المنصورة الناجية - لا تَسْلَمْ في كلّ عصرٍ من جاهلٍ أو صاحب هوى يكيد لها المكائد، وينصب لها العِداء، ويلصق بها أعظم الفِرَى.

(1) معرفة علوم الحديث، ص: 4 - ط 3، الهند.

ص: 14

وما وَجَدَتْ هذه الفرقةُ الناجيةُ - في هذا الزمن - أشَدّ وأنكى من أولئك الذين وقفوا في وجه السنَّة، يريدون إطفاءَ نورها، وتَزْهِيْدَ المسلمين فيها، بتلك الطُّرقِ والوسائل المبطَّنَةِ، التي يحسبها الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً!.

ولقد تشكَّلَ هذا الوقوف في وجه السنَّة في صورٍ كلُّ صورٍ تلائم الظَّرْفَ الذي «نُظّم» لها أن تنزل فيه.

فتارةً يُشَنَّعُ على فاعلِ السنّةِ باسم: تفريقه - بهذا الفعل - وحدة المسلمين! وكذبوا وأيم الله!!

وتارة بالهمز واللمز على المعتنين بالسَّنن النبوية: بحثاً، وتقريراً، وعملاً، ودعوةً، وذلك تحت مظلة تقسيم الدين إلى «جزئيات» ينعى على «المُغْرِقِ» فيها، و «كليات» يلام المفرِّط فيها.

وسيأتي - إن شاء الله -؛ نقض هذا التفريق بين الشريعة في آخر هذه الرسالة.

إلَاّ إنني هنا أجدُ ضرورة المبادرة بنقل كلامٍ رصينٍ متين لإمام العصر، ومحدِّث الدنيا، الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - في معرضِ حديثه مع أحد أفراد إحدى الجماعات الحزبية الإسلامية - قال فيه:

«

الذي نعرفه من كلّ الدعاة الإسلاميين اليوم غير الذين ينتمون إلى «منهج السلف الصالح» : تقسيمُ الإسلام إلى أصولٍ وفروعٍ - وكما قلنا آنفا: تقسيم الإسلام إلى لبّ وقشور -.

هذه باقعةُ الدَّهْرِ! تهلكُ المسلمين، وتجعلهم يبتعدون عن الإسلام من حيث هم يريدون أن يقتربوا.

ص: 15

الآن - بما عندك من ثقافةٍ وعندي من علمٍ - لا نستطيع أن نميز الأصول من الفروع، إلا أن يقصد بالأصول ما يتعلق بالعقائد فقط، وليس منها ما يتعلق بالأحكام.

حينئذٍ: الصلاة وهي الركن الثاني: لا تدخل في الأصول، وإنما تدخل في الفروع، لماذا؟ لأنها ليس لها علاقة بالعقيدة المحضة.

هذا التقسيم: خطرٌ خطرٌ جداً.

ولذلك: أنا أعرف أنه مضى على بعض الجماعات قديماً، كانوا يدعون إلى تبني الإسلام كُلًّا.

وهذه دعوة الحق، لأن الإسلام كما جاءنا يجب أن نتبناه.

ولكن من الناحية العملية: ممكنٌ أن إنسانا فرداً - مثلاً - أو جماعة يستطيعون أن يطبقوا جانباً منه، ولا يستطيعون أن يطبقوا جانباً آخر.

لكن من ناحية الفكر: الإسلام يجب تبنِّيهِ كُلًّا لا يتجزأ؛ مثلاً: فرضٌ، سنَّة، مستحبٌ، مندوبٌ

إلى آخره، لا نقول: هذا مندوب ليس له قيمة، وهذا مستحب ليس له قيمة

علينا نحن فقط الفرائض، لا، نحنُ ندعو إلى هذا الإسلام بكامله، ثم كلّ إنسانٍ يأخذُ منه ما ينهض به، ويستطيع أن يقوم به. اهـ. (1)

وهذا المنهج الذي ذكره الشيخ - وفقه الله - هو المنهج السليم، والصراط المستقيم الذي كان عليه السلف الصالح - رضوان الله

(1) من شريط صوتي مسجل، بتصرفٍ يسيرٍ.

ص: 16

عليهم - كما ستراه في العرض الآتي إن شاء الله تعالى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد (1).

كتبه

عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم

الرياض 19/ 1 / 1413 هـ

(1) اعترافاً بالفضل لأهله؛ أشكر الشيخين الفاضلين: الشيخ محمد بن عمر بازمول، والشيخ مساعد بن سليمان الراشد، حيث قرأ كل واحد منهما هذه الرسالة - بعد صفها بالطابع - وأبدى بعض ملاحظاته وتوجيهاته، فجزاهما الله عني خير الجزاء.

ص: 17