الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصلٌ
في الحث على التمسك بالسنَّة
"السنَةُ هي الجُنَّةُ الحَصِيْنَةُ لِمَنْ تَدَرَّعها، والشِّرْعة المَعِيْنَةُ لمن تَشَرَّعها، دِرْعُهَا صَافٍ، وَظِلُّها ضافٍ، وبيانها وافٍ، وبرهانُهَا شافٍ.
وهي الكافلة بالاستقامةِ، والكافية في السلامة، والسُّلَّمُ إلى درجاتِ المقامة، والوسيلة إلى الموافاةِ بصنوف الكرامة.
حافِظُهَا محفوظٌ، وملاحِظُها مَلْحُوْظٌ، والمقتدي بها على صراط مستقيم، والمهتدي بمعالمها صائرٌ إلى مَحَلِّ النَّعيْمِ المقيم" (1).
ولقد توافرت النصوص الشرعية وأقوال الصحابة والتابعين المرضية على الترغيب فيها، والحث على التمسك بها.
فمن الكتاب قوله تعالى:
(1) من كتاب "ضوابط الأحاديث" للشيخ يحيى المَغْربي، مخطوط في إصطنبول، في مكتبة لا لَهْ لي/ برقم 622، والنقل عنه بواسطة محقق كتاب "تحفة الأخيار" تأليف: اللكْنَوِيْ. ط مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب.
وقوله:
وقوله تعالى:
{وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ} .
وقوله:
{وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} .
وقد تقدَّم الكلام على هذه الآيات، وستأتي الإشارة إليها أيضاً.
* * *
ومن السنَّة ما رواه الإمام مسلم في «صحيحه» (1) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرَّت عيناه، وعلا صوته واشتدّ غضبه، حتى كأنه منذر جيشٍ، يقول: صبّحكم ومساكم
…
ويقول: «أما بعد، فإن خير الحديث كتابُ الله، وخير الهُدى هُدَى محمد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة» .
وفي «المسند» عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب؛
قلنا: يا رسول الله إن هذه لموعظة مُوَدِّعٍ، فما تَعْهَدُ إلينا؟
قال: «قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي
(1) كتاب الجمعة 2/ 592، ط 1، محمد فؤاد عبد الباقي.
إلا هالك؛ ومن يعشْ منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بما عرفتم من سنتي، وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديين
…
» الحديث.
وفي لفظ له - أيضا - عنه رضي الله عنه، قال:
صلَّى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت لها الأعين، ووجلت منها القلوب؛ قلنا: يا رسول الله! كأن هذه موعظةُ مودِّع؛ فأوصنا.
قال:
* * *
وفي سنن ابن ماجه (1/ 4)، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال:
خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نذكر الفقر ونتخوفه، فقال: «الفقر تخافون؟ والذي نفسي بيده لتصبنَّ عليكم الدنيا صبًّا، حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغةً إلا هيه؛
(1) رواه أصحاب السنن إلا النسائي، قال الترمذي (5/ 45): حديث حسن صحيح، وقال الحاكم أبو عبد الله (1/ 96 - المستدرك): حديث صحيح ليس له علة، واقره الذهبي. وصححه شيخ الإسلام في (الاقتضاء) 2/ 579، وقال الحافظ ابن كثير في (تحفة الطالب) ص: 163: صححه الحافظ أبو نعيم الأصفهاني، والدغولي، وقال شيخ الإسلام الأنصاري: هو أجود حديث في أهل الشام، وأحسنه. اهـ. وصححه الضياء في (اتباع السنن واجتناب البدع) ص:32.
وأيمُ الله! لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء» (1).
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: «لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يحركُ طائرٌ جناحيه في السماء إلا ذكرنا منه علماً» .
رواه أحمد، والطبراني وزاد:
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما بقي شيءٌ يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بُيِّنَ لكم» (2).
* * *
وأما أقول الصحابة، والتابعين، والعلماء في الحث على السنَّة فكثيرةٌ جداً؛ منها:
(1) إسناده حسن.
(2)
قال الهيثمي بعد ما ذكر هذا السياق: ورجال الطبراني رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقري، وهو ثقة، وفي إسناد أحمد من لم يسم، اهـ. انظر المسند 5/ 153.
وقد روى الطبراني - أيضاً - الموقوف منه، عن أبي الدرداء، وقال الهيثمي (8/ 264): ورجاله رجال الصحيح.
وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه (3/ 1473) عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم).
ما رواه الدارمي في سننه «1/ 44» ، في باب «اتباع السنَّة» عن يونس بن يزيد، عن الزهري، قال:
«كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنَّة نجاة» .
«وروى المروزي في كتاب السنَّة «ص: 29» عن هشام بن عروة، عن أبيه رحمه الله قال:
«السُّنَنَ السُّنَنَ؛ فإن السُّنَنَ قِوَامُ الدين» .
وأخرج أبو نعيم في الحلية «6/ 142» عن الأوزاعي أنه قال:
«كان يقال: خمسٌ كان عليه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والتابعون بإحسان.
لزوم الجماعة، واتباع السنَّة، وعمارة المسجد، وتلاوة القرآن، والجهاد في سبيل الله».
وأخرج البيهقي (1) من طريق مالك أن رجاءً حدَّثه «أن عبد الله بن عمر كان يتبع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآثاره، وحاله، ويهتمّ به حق كان قد خيف على عقله من اهتمامه بذلك» .
وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال:
(1) كما في مفتاح الجنة للسيوطي (ص: 62)، وقد أخرج نحوه أبو نعيم في الحلية (1/ 310).
وقد بوَّب النووي على هذا الحديث في شرحه لصحيح مسلم، فقال: باب جواز أكل المرق واستحباب أكل اليقطين .. اهـ.
* * *
وأخرج الدارمي في سننه «1/ 44» عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني، عن عبد الله بن الديلمي قال:
«بلغني أن أول ذهاب الدين ترك السنن، يذهب الدينُ سنَّةً سنَّةً، كما يذهب الحبل قوةً قوةً» .
وأخرج المروزي في السنَّة «ص: 28» عن عبد الله بن عون أنه قال: «ثلاث أرضاها لنفسي ولإخواني:
أن ينظر هذا الرجل المسلم القرآنَ، فيتعلمه، ويقرأه، ويتدبره، وينظر فيه.
والثانية: أن ينظر ذاك الأثرَ والسنَّةَ؛ فيسأل عنه، ويتَّبِعَهُ جُهْدَه.
والثالثة: أن يدع الناس إلا من خير».
وأخرج اللالكائي في شرح اعتقاد أهل الحديث «1/ 65» ، عن الفضيل بن عياض، أنه قال:«إن لله عباداً يحيي بهم البلادَ، وهم أصحاب السنَّة» .
* * *
وأخرج أبو نعيم في الحلية «10/ 302» ، عن أبي العباس أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء أنه قال:
«من ألزم نفسه آداب السنَّة: غمر الله قلبه بنور المعرفة؛ ولا مقام
أشرف من متابعة الحبيب في: أوامره، وأفعاله، وأخلاقه، بآدابه؛ قولاً، وفعلاً، ونية، وعقداً».
وفيها أيضاً «10/ 257» ، عن الجنيد أنه قال:
وفيها أيضاً «10/ 190» ، عن أبي محمد سهل بن عبد الله التُّستري، أنه قال: «أصولنا ستة أشياء:
التمسك بكتاب الله تعالى، والاقتداء بسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكل الحلال، وكف الأذى، واجتناب الآثام، والتوبة، وأداء الحقوق».
وقال: «على هذا الخَلْقِ مِنَ اللهِ: أن يلزموا أنفسهم سبعة أشياء:
فأولها: الأمر والنهي - وهو الفرض -، ثم السنَّة، ثم الأدب، ثم الترهيب، ثم الترغيب، ثم السَّعة.
فمن لم يلزم نفسه هذه السبعة، ولم يعمل بها لم يكمل إيمانه، ولم يتمَّ عقله، ولم يتهنَّأ بحياته، ولم يجد لذة طاعة ربه».
وجاء في «الشفاء» للقاضي عياض «2/ 558» عنه رحمه الله أنه قال:
«أصول مذهبنا ثلاثةٌ:
الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في الأخلاق والأفعال.
والأكل من الحلال.
وإخلاص النية في جميع الأعمال».
هذا طرفٌ مما جاء في هذا الأصل العظيم من أصول الدين، وهو اتباع السُّنَّةِ والعمل بها، وهو «بابٌ يطول تتبعه جداً» (1).
فليكن ما مرَّ حافزاً للمسلمِ على التعلق بأهداب السُّنَّةِ، ومراعاة تطبيقها في كلِّ شأنٍ من شؤونه، فعلى قدر محبته للرسول صلى الله عليه وسلم تكون متابعته؛ فليقلَّ أو ليستكثر.
* * *
(1) ابن القيم (مدارج السالكين) 3/ 122، في سياق كلام الشيوخ عن الأخذ بالسنة والشاطبي في (الاعتصام) 1/ 131، ط دار ابن عفان.