الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نظرة «الإخوان المسلمين»
إلى الجزئيات الشرعيَّة
موقفُ جماعةِ «الإخوان المسلمين» من الاهتمام بما يطلقون عليه مصطلح: «الجزئيات» أو «الفروع» أو «القشور» يبدو جليًّا واضحاً فيما كتبه بعض قادتهم وأفرادهم.
وفيما يلي عرضُ نماذجَ من هذه الكتابات، ثم اسْتِيْحَاءُ السَّبَبِ الباعث لهذه الجماعة على العناية بتفريق الشريعة الإسلامية إلى أصول وفروع، جزئياتٍ وكليات.
على أن ردَّ هذه الفكرة، وإبطالَها، سبق فيما مضى، فأغنى عن إعادته، إذِ المراد هنا: إيقافُ العاقلِ اللبيب على ما تُقَرِّرُه هذه «الجماعة» في هذه القضيَّة الخطيرة.
قال الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه «الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرُّف» (1):
(1) ص: 70 - 71، وفحوى هذا الكلام تجده بتفصيل أكثر في كتاب القرضاوي (أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة) ص: 34 - 37، ط مكتبة وهبة - القاهرة.
ومن دلائل عدم الرسوخ في العلم، ومن مظاهر ضعف البصيرةِ بالدين: اشتغال عددٍ من هؤلاء بكثيرٍ من المسائل الجزئية والأمور الفرعيَّة، عن القضايا الكبرى التي تتعلقُ بكَيْنونَةِ الأمَّة، وهويَّتهَا، ومصيرها.
فنرى كثيراً منهم يُقِيْمُ الدُّنيا ويُقْعِدُهَا من أَجْلِ:
حَلْقِ اللِّحية.
أو الأخذ منها.
أو إسبالِ الثياب.
أو تحريك الأصبع في التشهُّد.
أو اقتناء الصُّوَر «الفوتوغرافيَّة» (1).
أو نحوِ ذلك من المسائل التي طال فيها الجدالُ، وكثر فيها القيل والقال.
هذا في الوقت الذي تزحف فيه العَلْمَانيَّة اللَّادينيَّة، وتنتشرُ الماركسيَّة الإِلحَاديَّة، وتُرسِّخُ الصهيونيَّة أقْدامها، وتكيدُ الصليبيَّةُ كيدَها
…
وَتَتَعَرَّضُ الأقطارُ الإسلاميَّة العريقة في آسيا وإفريقيا لغاراتٍ تنصيريَّة جديدة
…
وفي نفس الوقت يُذَبَّحُ المسلمون في أنحاءٍ متفرِّقة من الأرض
…
إلى أن قال:
وكان الأولى بهؤلاء أن يصرفوا جهودهَم إلى ما يحفظ على
(1) هذه الأمثلة تتغير عندهم من بيئةٍ إلى بيئةٍ، فالأمثلة لهذه الفكرة عندنا هنا في المملكة العربية السعودية غير الأمثلة التي في مصر أو أفغانستان، وهكذا
…
!!
المسلمين أصل عقيدتهم، ويربطهم بأداء الفرائض، وبجنِّبهم اقتراف الكبائر. اهـ.
وقال أحمد عبد المجيد في كتابه «الإخوان وعبد الناصر - القصة الكاملة لتنظيم 1965 م» (1) تحت عنوان: عدم الانشغال بالقضايا الفرعيَّة:
تكلمنا فيما سبق أنه يجب التركيز والاهتمام بالدعوة، والتربية، وإعدادِ الجيل الصَّلب، الذي يتحمَّلُ عبءَ قيام الإسلام، في صورته التطبيقية المتكاملة.
ومع فترة الدعوة والتربية، يجب عدم الانشغال، أو الالتفات إلى القضايا الجزئية، التي تشغل عن المهمة، وتضيع الطاقة، وتدخل أصحاب الدعوة في معارك جانبيَّة، وجُهْدٍ مبعثر. اهـ.
وقال الدكتور عبد الله عزام، في كتابه «العقيدة وأثرها في بناء الجيل» (2):
ومن ثَمَّ - وفي هذا الوقتِ - فإني لا أرى تتبُّعَ الجزئِيَّاتِ من هذا الدِّين؛ في سلوك الناس:
كالشُّرْبِ باليمينِ.
وترك التدخين.
والشرب جالساً.
(1) ص: 360.
(2)
ص: 19، ط مكتبة الأقصى - عمّان.
إلى غير ذلك من هذه التفاصيل، التي لا تَحِتَمِلُهَا، ولا تطيقُ الدوامَ عليها؛ إلَاّ نفوسٌ بنيت على العقيدة، وجبلت بعظمةِ الإيمان. اهـ.
هذا بعض ما رَقَمَه أبناءُ هذه «الجماعة» والباعث لهم على ذلك أمورٌ يطول شرحها، إلا أنَّ من أهمها:
أنَّ جماعة «الإخوان المسلمين» تسعى جاهدةً إلى تجميع المنتسبين إلى الإسلام من أيِّ مذهب كان، وغايةً كهذِهِ لا يتمُّ تحقيقها والوصول إليها؛ إلا عن طريق تمييع بعضِ - إن لم نقل: أكثرِ - القضايا الشرعيَّة.
ولذا دَعَوْا إلى الإِغضاء عمّا سمّوْهُ «جزئيات» حتى تحصل لهم تلك الغاية.
والحقّ: أنَّ الأمر عندهم لا يقتصر على «الجزئيات» وإنما يتعدّاها إلى «الكليات» .
هذا تنزلًّا معهم، على أنَّ ضابط «الجزئيات» و «الكليات» عندهم، هو ما قرَّره بعض علماءِ المعتزلةِ ومن تأثَّر بهم، من أن الأصولَ هي المسائل العلميَّة، والفروع هي المسائل العملية، أو أن الأصولَ هي المسائل القطعية، والفروع هي المسائل الظنية
…
بينما الناظر في سيرهم وأحوالهم، بل بعضِ كتاباتهم: يتبَّين له أنَّ «الكليات» عندهم: مجرَّدُ الخوضِ في الأمور السياسية، والتجميع لإقامة
الدولة الإسلامية - رافضيَّة كانت أو علمانية!! أو قبوريَّة!! المهم الاسم لا المسمى -.
وإذا أردت أن تعرف هذا الحق الذي ذكرتُهُ لك، وهو: أن «الكليات» إذا عارضت غايتهم أهدروها، وصغَّروا من شأنها: فانظر إلى موقفهم المخزي من الدولة الرافضية الخمينيَّة (1).
وانظر إلى محاماتهم عن الدولة القبوريَّة «الشركيَّة» في أفغانستان (2).
وانظر إلى مدحهم الدولة العلمانية «الترابيَّة» في السودان.
أليستْ هذه الأفعال تُلْغِيْ «الكليات» كما أنهم ألْغوا «الجزئيات» فنهوا عن إنكار: حلق اللحى، وإسبال الثياب، والتصوير
…
؟
إذاً فَلِمَ الاستتار خَلْف «الجزئيات» المسكينة، مع أنها هي و «الكليات» في مَصْيَدَةٍ واحدة؟!!
«ومما يؤيد ذلك أنَّ الشيخ المودودي وهو من أكابر القوم يرى - وهو من مقتضيات رَبْطِه المنطقي والفلسفيّ - أن العبادات الإسلامية «الصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، والذكر، وتلاوة القرآن» مُقَرَّرَاتٌ تَدْرِيبِيَّةٌ لعبادةٍ أَصْلِيَّةٍ أخرى وهي «تأْسِيسُ الحكومةِ الإلَهِيَّة» .
ورأيه هذا مأخوذ من ملاحدِة الفلاسفة، وقد صرَّح أبو علي
(1)(وقفات مع كتاب للدعاة فقط) لأخينا الشيخ محمد بن سيف العجمي - رحمه الله تعالى - ص: 53.
(2)
(الطريق إلى الجماعة الأم) لعثمان عبد السلام نوح ص: 154 - 155، ط المنار.
ابن سينا في «الإشارات» وغيرُه من الفلاسفة في كتبهم: أن العباداتِ خادمةٌ للحضارةِ والمدنيَّةِ» (1). اهـ.
ومن هنا قال الشيخ محمد الكاندهلوي في كتابه «المودودي ما له وما عليه» ص: 49:
«
…
أن أفراد هذه الجماعة ازداد فيهم الحط من مكانة الأركان الإسلامية وممن يهتمون بأدائها
…
». اهـ.
وبعدُ: فإن ما كتبه القرضاويُّ، وغيرُه، في موضوعنا هذا، هو من لبس الحقّ بالباطل، والصَّدّ عن سبيل الله تعالى بالشُّبَه الشيطانية، والحجج العقلية المباينة للأدلة النقلية.
وقد كان المنتظر من هؤلاء المنتسبين إلى صفوفِ الدعاةِ إلى الله!! أن يحثوا المسلمين على التمسك بالإسلام كلّه، والحرصِ الشديد على سنَّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أن يكونوا أبواقَ تنفيرٍ عنها، وطعْنٍ في العاضين عليها بالنواجذ.
لقد كان علماء السلفِ - رحمهم الله تعالى - مجتهدين في بحث المسائل الخلافية، بذلاً للأسباب المُوْصِلَةِ إلى الصواب، الذي طولبوا - شرعاً - بالوصولِ إليه؛ ما استطاعوا.
فَكَمْ كَتَبَ العلماءُ في مسألة «القراءة خلف الإمام» ؟
(1) من كتاب الشيخ المحدِّث العلَاّمة: محمد الغوندلوي، الذي ردَّ به على المودودي، المسمى بـ:(تنقيد المسائل) بواسطة نقل أخينا الشيخ صلاح مقبول عنه في كتابه: (دعوة شيخ الإسلام وأثرها في الاتجاهات المعاصرة) ص: 136، ط الهند.
وانظر (أبو الأعلى المودودي حياته وفكره العقدي)، لمحمد الجمال، ص: 300، ط دار المدني.
وكم كتب العلماء في مسألة «الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في الصلاة» ؟
وكم كتب العلماء في «فضائل دمشق» ؟
وكم كتب العلماء في «فضائل القدس» ؟
وكم كتب العلماء في «الأذكار» ؟
وكم كتبوا في نحو هذه القضايا إفراداً وضمناً، مع أنَّ عصورهم تموجُ بالفتن، وتسلُّط الكفّار، وضعف المسلمين
…
أفتراهم يتركون الكتابةَ في هذه المسائِل مِنْ أجل ذلك؟ كلا واللهِ، ولو فعلوا لذهب من العلم جملةٌ، تُؤْذِنُ بذهابِهِ كلِّه، ولكتموا ما وجب عليهم إظهاره.
ألا فليَتَّقِ الله هؤلاء المزهّدون في السنَّة، المثبطونَ عن العلم، بمثل هذه الحجج الواهية، والشبهات الداحضة.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يأخذَ بيدِ الجميع إلى الحقّ والهدى، وأن يجنّبنا مواطن البدع والهوى، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتِّباعَهُ، ويُرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله مُلْتبِساً علينا فنضلّ، وصلَّى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله، وصحبه أجمعين.
* * *