الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الحادي عشر: وجوب العمل بالقرآن وبيان فضله
العمل بالقرآن هو الغاية الكبرى من إنزاله؛ لقول الله عز وجل: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَاب} (1)، وهذا العمل: هو التلاوة الحكمية للقرآن (2).
فالعمل بالقرآن: هو تصديق أخباره، واتباع أحكامه: بفعل جميع ما أمر الله به فيه، وترك جميع ما نهى الله عنه: ابتغاء مرضاة الله، وخوفاً من عقابه، وطمعاً في ثوابه؛ ولهذا سار السلف الصالح على ذلك رضي الله عنهم. فكانوا يتعلمون القرآن، ويصدقون به، وبأخباره، بجميع ما جاء فيه، ويطبقون أحكامه تطبيقاً، عن عقيدةٍ راسخةٍ.
قال أبو عبد الرحمن السُّلمي رحمه الله: ((حدثنا الذين كانوا يُقرئوننا القرآن: عثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما وغيرهما: أنهم كانوا إذا تعلَّموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا: القرآن والعمل جميعاً)) (3).
وهذا النوع هو الذي عليه مدار السعادة والشقاوة، قال الله تعالى:
(1) سورة ص، الآية:29.
(2)
تقدم أن تلاوة كتاب الله على نوعين:
النوع الأول: تلاوة لفظية، وتقدمت في أوائل هذا المبحث.
النوع الثاني: تلاوة حكمية، وهي تصديق أخباره، واتباع أحكامه، وهو هذا.
(3)
أثر صحيح: رواه ابن جرير بلفظه في تفسيره، 1/ 80 [طبعة أحمد شاكر]، وقال الشيخ أحمد شاكر:((هذا إسناد صحيح متصل)).
{فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} (1)، وقال الله تعالى:{كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً} (2).
وعن سمرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
يكثر أن يقول لأصحابه: ((هل رأى أحد منكم رؤيا؟))، قال: فَيُقَصُّ عليه ما شاء الله أن يُقصَّ، وإنه قال ذات غداة: ((إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما
…
))، الحديث وفيه ((
…
فانطلقنا حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه ورجل قائم على رأسه بفهرٍ أو صخرة فيشدخ به رأسه، فإذا ضربه تدهده الحجر))، وفي رواية: ((وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر ها هنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يلتئم رأسه وعاد رأسه كما هو، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل مرة الأولى، قال قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق
…
))، الحديث وفي آخره ((
…
أما الرجل الذي أتيت عليه يثلغ
(1) سورة طه، الآيات: 123 - 127.
(2)
سورة طه، الآيات: 99 - 101.
رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة))، وفي لفظ: ((والذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علَّمَهُ الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار
…
)) (1).
وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((القرآن مشفَّعٌ، وماحِلٌ (2) مصدَّق، من جعله إمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار)) (3).
وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: ((
…
والقرآن حجة لك أو عليك)) (4)، فيجب العمل بالقرآن.
(1) البخاري، كتاب الجنائز، بابٌ: حدثنا موسى بن إسماعيل، برقم 386، وفي كتاب الفتن، باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح، برقم 7047، وألفاظه من الموضعين.
(2)
ماحِل: خصمٌ مجادل. [النهاية في غريب الحديث، مادة ((محل))].
(3)
ابن حبان في صحيحه، 1/ 331، برقم 124، وقال الهيثمي:((رجاله ثقات))، مجمع الزوائد،
1/ 171، وقال شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لصحيح ابن حبان، 1/ 332:((إسناده جيد))، وذكر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال:((القرأن شافِعٌ مشفّعٌ، وماحِلٌ مصدَّق، فمن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار))،ذكر نحوه الهيثمي في مجمع الزوائد، 1/ 171 موقوفاً عن ابن مسعود، وعزاه إلى البزار، وقال:((وفي رجاله المعلى الكندي، وقد وثقه ابن حبان)). وأخرجه الطبراني في الكبير مرفوعاً، برقم 10450، قال في مجمع الزوائد، 7/ 164:((وفيه الربيع بن بدر وهو متروك))، وأخرجه موقوفاً على ابن مسعود الطبراني في الكبير، برقم 8655، وعبد الرزاق في المصنف، برقم 6010، وقال شعيب الأرنؤوط عن هذا الموقوف في تحقيقه لجامع العلوم والحكم، 2/ 27:((وإسناده صحيح)).
(4)
مسلم، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، برقم 223.