المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شهوة النفوس إذا سمعت بالفاحشة - عوائق في طريق العبودية

[عبد الكريم الحميد]

الفصل: ‌شهوة النفوس إذا سمعت بالفاحشة

‌شهوة النفوس إذا سمعت بالفاحشة

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: النفوس تتحرك وتشتهي إذا سمعت بالفاحشة وتتمنى.

فإذا رأى الإنسان أو سمع أو تخيّل من يفعل ما يشتهيه كان ذلك داعياًَ إلى الفعل.

والنساء متى رَأيْن البهائم تَنْزوا الذكور على الإناث مِلْنَ إلى الفاحشة والجماع.

والرجل إذا سمع من يفعل مع المردان والنساء الفواحش أو رأى ذلك أو تخيّله في نفسه دعاه ذلك إلى الفعل.

وإذا ذكر الإنسان طعاماً اشتهاه ومال إليه، وإذا وُصِف له ما يشتهيه من لباس أو امرأة أو مسكن أو غير ذلك مالَتْ نفسه إليه.

ص: 38

والغريب عن وطنه متى ذُكّرَ بالوطن حَنّ إليه. انتهى. (1).

إذا كانت هذه جبلّة الآدمي هكذا وأنه يميل طبعاً إلى ما كَمُن في باطنه طَلَبُهُ وإرادتهُ والانجذاب إليه وأن ذلك حركة نفسه فهو إن لم يكن متأدّباً بآداب الشرع صار أمره فرطا وذلك باستجابته لداعي الهوى والطبع، وهنا مناط الابتلاء والتكليف.

قال تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} (2).

طريقان لا ثالث غيرهما إمّا غفلة القلب عن ذكر الرب سبحانه وهذا يُقارنه اتباع الهوى.

وإمّا زَمّ النفس بزمام التقوى، وهذا معنى قولهم:

(1) مجموعة الفتاوى 14/ 209.

(2)

سورة الكهف، الآية:28.

ص: 39

نفسك إن لم تَشْغلها بالحق شغلتك بالباطل.

والطريق الأول يُفضي إلى معنى قوله تعالى: {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} (1) قيل: هذا إشارة إلى ما هو لازم لهم في الدنيا والآخرة، من آلامهم النفسية غماً وحزناً وقسوة وظلمة قلب وجهلاً، فإن للكفر والمعاصي من الآلام العاجلة الدائمة ما الله به عليم، ولهذا تجد غالب هؤلاء لا يُطيِّبون عيشهم إلا بما يزيل عقولهم ويُلهي قلوبهم من تناول مسكر أو رؤية مُلْهٍ أو سماع مطرب ونحو ذلك، فهذا للكفار منه النصيب الكامل وللعصاة نصيب منه بحسب معاصيهم.

الطريق الثاني: يُفضي إلى قوله تعالى في المؤمنين:

{أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} (2) فإن الله يُعجلّ للمؤمنين من الرحمة في قلوبهم وغيرها بما يجدونه من حلاوة الإيمان

(1) سورة المائدة، الآية:37.

(2)

سورة التوبة، الآية:71.

ص: 40

ويذوقونه من طعمه، وانشراح صدورهم للإسلام، إلى غير ذلك من السرور والإيمان والعلم النافع والعمل الصالح بما لا يمكن وصفه. انتهى وهاتان الإشارتان ذكرهما ابن تيمية رحمه الله. (1)

من تأمل كلام الشيخ السابق عرف عظم خطر وبليغ ضرر الشاشات بلا استثناء سواء التلفاز والفضائيات والفيديوهات والسينما وغيرها، وأنها مهيجة للغرائز، والطبائع المركبة في الإنسان تثيرها وتؤجج نيرانها وتفتح أبواب التخيل والتمني، وأنها ومن أول خطوة تزحزح العقل عن موضعه إذْ لابد من عزله عن وظيفته للانخراط في العالَم الحيواني الشهواني غير المقيّد بالعقل والدين.

إن وظيفة هذه الشاشات القضاء على الوازع الديني والعقلي حتى تبقى أبواب القلب مفتحة لا حراس عليها

(1) اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، ص21.

ص: 41

ولا أقفال، وهنا لا تسأل عمن يجوس خلال الديار من أعداء خبرتهم قديمة بإيصال الأضرار، إنهم من حين إمساكهم الرّسَن يحسنون القبيح ويقبحون الحسن، معالم الخير في القلب لا تلائمهم فهم بمعاول الفسق والفجور يهدمونها، وأرض القلب ببذور الضلال وغراس الباطل يزرعونها، وما أسرع ثمر هذا الغرس وأكثر جناه لكنه ثمرُ شجرة الزقوم، جنىً خبيث طعمه أمَرّ الطعوم.

فيالِله كم من قتيل وجريح، وكم من أسير أمنيته الموت لظنه أنه بالموت يستريح، وما عَلِم أنه بالموت يستقبل الأهوال والشدائد، لأن عمران فطرته مخرب فاسد ومَعْلم الدين في قلبه تالف بائد.

كم عفيف أطلق نظره في شاشة الضلال والتضليل، فما رجع إليه طرفه إلا وهو كليل عليل، انفتح له باب الجرأة على الحرمات ونسي الوعيد وأمن حلول العقوبات،

ص: 42

فأصبح وقلبه يغلي بالحسرات، حيث يرى مالا يقدر عليه ولا يصبر عنه وهذا أسوأ ما يُبتلى به المتبع لهواه من البليات.

وكم من عفيفة سلكت نفس الطريق، فوقعت في الحريق، باتت تشكو الألم، ومرّ السقم، رأت ما كان عنها محجوب ومستور، فوقعت في عظائم الأمور.

ص: 43