المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌نماذج من التقوى والعفاف

‌نماذج من التقوى والعفاف

والآن نذكر بعض القصص في هذا المعنى من (روضة المحبين) لابن القيم رحمه الله.

قال يحيى بن عامر التيمي: خرج رجل من الحي حاجّاً فَوَرَدَ بعض المياه ليلاً، فإذا هو بامرأة ناشرة شعرها، فأعرض عنها فقالت له: هلمّ إليَّ فلِمَ تعرض عني؟ فقال: إني أخاف الله رب العالمين فَتجَلْبَبَتْ ثم قالت: هِبْتَ والله مُهابا، إن أولى من شَرَكَكَ في الهيبة لَمَنْ أراد أن يشركك في المعصية، ثم ولَّتْ فتبعها، فدخلت بعض خيام الأعراب، قال فلما أصبحتُ أتيتُ رجلاً من القوم فسألته عنها وقلت: فتاة صِفتُها كذا وكذا فقال: هي والله ابنتي، فقلت: هل أنت مُزَوَّجي بها؟ فقال: على الأكفاء فمن أنت؟ فقلت: رجل من

ص: 16

تيم الله، فقال: كفوٌ كريم، فما رُمْت حتى تزوجتها ودخلت بها، ثم قلت: جهزوها إلى قدومي من الحج، فلما قدمنا حملتها إلى الكوفة وها هي ذي ولي منها بنون وبنات، قال: فقلت لها: ويحك ما كان تعرُّضكِ لي حينئذٍِ؟ فقالت: يا هذا ليس للنساء خيرٌ من الأزواج، فلا تعجبنَّ من امرأة تقول هَوَيْت، فو الله لو كان عند بعض السودان ما تريده من هواها لكان هواها.

وقال يحيى بن أيوب: كان بالمدينة فتى يُعجب عمر بن الخطاب رضي الله عنه شأنه، فانصرف ليلة من صلاة العشاء فتمثّلت له امرأة بين يديه فعرَّضت له بنفسها ففتن بها ومضت فاتبعها حتى وقف على بابها فأبصر وجلا عن قلبه وحضرته هذه الآية {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} (1)

(1) سورة الأعراف، آية:210.

ص: 17

فخرَّ مغشياً عليه، فنظرت إليه المرأة فإذا هو كالميت فلم تزل هي وجارية لها يتعاونان عليه حتى ألقياه على باب داره فخرج أبوه فرآه مُلقى على باب الدار لِما به فحمله وأدخله فأفاق فسأله ما أصابك يا بني؟ فلم يخبره، فلم يزل به حتى أخبره فلما تلا الآية شهق شهقة فخرجت نفسه فبلغ عمر رضي الله عنه قصته فقال: ألا آذنتموني بموته؟ فذهب حتى وقف على قبره فنادى: يا فلان

{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} (1) فسمع صوتاً من داخل القبر: قد أعطاني ربي يا عمر.

وقال أبو عمران الجوني: كان رجل من بني إسرائيل لا يمتنع من شيء فجَهِدَ أهل بيت من بني إسرائيل فأرسلوا إليه جارية منهم تسأله شيئاً فقال: لا أو تمكنيني من نفسك، فخرجت فجهدوا جهداً شديداً فرجعت إليه

(1) سورة الرحمن، الآية:46.

ص: 18

فقالت: أعطنا فقال: لا أو تمكنيني من نفسك، فرجعت، فجهدوا جهداً كثيراً فأرسلوها إليه فقال لها ذلك فقالت: دونك، فلما خلا بها جعلت تنتفض كما تنتفض السعفة، قال لها: مالك؟ قالت: إني أخاف الله رب العالمين، هذا شيء لم أصنعه قط، قال: أنت تخافين الله ولم تصنعيه وأفعله؟ أعاهد الله أني لا أرجع إلى شيء مما كنت فيه، فأوحى الله إلى نبي من أنبيائهم أن فلانًا أصبح في كتاب أهل الجنة.

وقال حصين بن عبد الرحمن: بلغني أن فتى من أهل المدينة كان يشهد الصلوات مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان عمر يتفقده إذا غاب، فعشقته امرأة من أهل المدينة، فذكرت ذلك لبعض نسائها، فقالت: أنا أحتال لكِ في إدخاله عليك، فقعدت له في الطريق، فلما مرَّ بها قالت: إني امرأة كبيرة السن ولي شاة لا أستطيع

ص: 19

أن أحلبها، فلو دخلت وحلبتها لي، وكانوا أرغب شيء في الخير، فدخل فلم يَرَ شاةً، فقالت: اجلس حتى آتيك بها فإذا المرأة قد طلعت عليه، فلما رأى ذلك عَمَد إلى محراب في البيت فقعد فيه فأرادته عن نفسه فأبى وقال: اتقي الله أيتها المرأة فجعلت لا تكف عنه ولا تلتفت إلى قوله، فلما أبى عليها صاحت عليه فجاءوا فقالت: إن هذا دخل عليَّ يريدني عن نفسي، فوثبوا عليه وجعلوا يضربوه وأوثقوه، فلما صلّى عمر الغداة فَقَدَه، فبينا هو كذلك إذ جاءوا به في وثَاق، فلما رآه عمر قال: اللهم لا تخلف ظني به، قال: ما لكم؟ قالوا: استغاثت امرأة بالليل فجئنا فوجدنا هذا الغلام عندها فضربناه وأوثقناه، فقال عمر رضي الله عنه: أصْدُقني، فأخبره بالقصة على وجهها فقال له عمر رضي الله عنه: أتعرف العجوز؟ قال: نعم إن رأيتها عرفتها، فأرسل عمر إلى نساء

ص: 20

جيرانها وعجائزهن فجاء بهن فعرضهن فلم يعرفها فيهن حتى مرّت به العجوز فقال: هذه يا أمير المؤمنين، فرفع عمر عليها الدرَّة وقال: أصدقيني، فقصَّت عليه القصة كما قصها الفتى، فقال عمر: الحمد لله الذي جعل فينا شبيه يوسف. انتهى.

وهذه قصيدة عبارة عن محاورة بين شابين تبين توبتهما وتركهما ما يلهيهما عن الحق.

ص: 21