الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توبة شابَّيْن
قال شابٌ مُنْهَمِكٌ في المعاصي لِصاحبه:
يا صاحبي ما لي أراكَ تغيرت
…
منك الطَّباع كأنَّ عقلُك ذاهلُ
عهدي بقلبك سالياً من هَمِّهِ
…
واليوم أصبح فيك هَمُّ واغِلُ
قُمْ كي نُشَاهِدَ ما يَسُرُّ قلوبنا
…
ودَعِ الهُمومَ وكلَّ ما هو شاغل
صُوَرٌ حِسانٌ مع سماعٍ شائقٍ
…
في مشهدٍ إمتاعُهُ مُتَواصِلُ
من شاشةٍ تأتي بكل عجيبةٍ
…
ألْهَمُّ للإنسان داءٌ قاتل
ماذا تقولُ وَهَلْ بهذا كلّه
…
بأسٌ يَصُدُّكَ أو حِجابٌ حائلُ
قال صاحبه وكان قد تاب مما كان عليه:
إني أقولُ لَعَلَّ قلبكَ حاضرٌ
…
أو ألْقِ سمعا لِلَّذي أنا قائلُ
هذا الذي زَيَّنْتَ لي أوصافهُ
…
وتقولُ فيه لنا سرورٌ عاجل
هُوَ شُغْلُ قلبٍ فارغٍ مِمَّا لَهُ
…
خُلِقَ العبادُ وأنتَ غِرٌّ جاهل
اسمعْ مقالة ناصح لك مُشْفِقٍ
…
لا يُلْهِيَنَّكَ عن هُدَاكَ الباطل
إني علمتُ بأنَّ هذا كُلَّهُ
…
داء القلوب وغمُّها المُتواصِلُ
لِلرُّوحِ يُسْكِرُ مثل سُكْر مَدَامَةٍ (1)
…
لا تَسْتَفِيقُ وكل شر حاصل
(1) الخمر.
إني علمتُ بأنَّ ربي سائلي
…
عمَّا رأيتُ وكلُّ ما أنا فاعلُ
ماذا أقولُ إذا وقفتُ بِمَوْقِفٍ
…
فيهِ الشَّفِيقَةُ عَنْ رَضيعٍ ذاهلُ
قَضَّيْتُ وقتي لاهِياً بِمشاهِدٍ
…
هِي فِتنةٌ ما اغْتَرَّ فيها عاقل
قَضَّيْتُ عمري بالغواية لاهياً
…
وبكل ما هو بالضلالة كافل
ماذا أقول إذ الجحيم تَسَعَّرتْ
…
يا حسْرتا فالأمر حقاً هائل
والأرضُ رُجَّتْ والسماء تُشَقَّقَتْ
…
والأمْرُ أصبحَ لَيْسَ فِيهِ تَحايُلُ
والمتقونَ بِرَوْضَةٍ في جَنَّةٍ
…
فيها النَّعيمُ الدَّائمُ المُتَكامِلُ
والحورُ تُسْمِعُهُمْ بِصَوْتٍ ناعِمٍ
…
ما لَذَّ للإسماعِ وَيْحَكَ غافِلُ
هذا النَّعيمُ وفوقهُ ما جَلَّ عَنْ
…
دَرَكِ العقولِ وكُلِّ ما يُتَخَايَلُ
نَظَرُ العبادِ لِرَبِّهِمْ مِنْ فَوْقهمْ
…
وكلامُهُ هذا النعيم الكامِلُ
إني علمتُ بأنَّ قلبي مَوْطنٌ
…
لِلْحُبِّ فهو شفاء دائي الواغل
حُبُّ الجليلِ وَكُلُّ حُبٍّ قاطِعٍ
…
عَنْهُ وَبَالُ أوْ حِجابٌ حائِلُ
أصلُ العبادةٍ لُبُّها هُوَ حُبُّهُ
…
فَلَهُ البقاءُ وَكُلُّ حُبٍّ آفِلُ
إنَّ المُحِبَّ لِغيْرهِ مُتَعَلِّقٌ
…
فيمَا يَضُرُّ وَهَمُّهُ مُتَوَاصِلُ
لا تُخْدَعَنَّ فما بِدُنْيانا سِوَى
…
هَمٌّ وَغَمٌّ أوْ نعيمٌ عاجِلُ
حُبُّ الإلهِ نعمينا وَعَذابُنا
…
في حُبِّ غيرِ الله وهوَ الباطِلُ
اقْدَحْ زِنادَ الْفِكْرِ تعلمُ أنَّما
…
أحْبَبْتَ لولا الجهل شيءٌ عاطل
تَزْيينُ شَيْطانِ مُضِلٍ ماكِرٍ
…
وهو العدوُّ وكيْدهُ مُتَوَاصِل
والآدَمِيُّ عُيُوبُهُ إنْ أُبْصِرَتْ
…
بِالقَلبِ هانَ الحُبُّ أوْ هُوُ زائِلُ
قال ابنُ مسعودٍ مَقالاً صائباً
…
إفْهَمْهُ لا يَصْرَعْكَ سَهْمٌ قاتِلُ
إنْ أعْجَبَتْكَ الْخَوْدُ (1) فاذكُرْ نَتْنَها
…
لا تَسْبِينَّك فَهْيَ شيء نازِلُ
أما الغُلامُ إذا عَشِقْتَ فلا تلُمْ
…
إِلَاّ هواكَ بكلِّ ما هوَ حاصل
سَمَّاهُمُ العقلاءُ أنتاناً فما
…
تَطْلُبْهُ مِنْ حُسْنٍ فَقُبْحٌ سافِلُ
هذي الشرورُ وغيرُها مِفْتاحُها
…
حُبُّ الغناء وكُلُّ ما هُوَ باطل
صَوْتُ المغنِّي والمعازفُ كلها
…
وكذا المشاهدُ كُلُّ ذاكَ حَبائل (2)
تَجِدُ الْعَفِيفَ إذَا حَوَتْهُ شِبَاكُها
…
أَلِفَ الفجورَ ولِلْعَفافِ يُزَايلُ
هذا الذي حَسَّنْتَ لي أوْصَافهُ
…
وتقولُ فيهِ لنا سرورٌ عاجل
هذا جَوابي إنِّما لَكَ صُغْتُهُ
…
فاقْبَلْ لِنُصْحي فِعْل مَنْ هوَ عاقل
ماذا تقولُ وما عَسَاكَ تَظُّنني
…
أرْجو بِنُصْحِكَ غَيْرَ ما هو فاضل
بعد ذلك قال الشاب الأول وقد تَبَيَّنَ له الحق وانقشعتْ عن قلبه غشاوة الباطل:
إني أقولُ لَقَدْ صَدقتَ وَكلَّما
…
قَدْ قلتَهُ فَهْوَ الطريق العادِلُ
يا صاحبي قَدْ كُنْت عَنْ ذا غافِلاً
…
أيْقَظْتَني إني لِنُصْحِكَ قابِلُ
ضيَّعتُ عمري والمصيبةُ أنني
…
أدْري بِأنَّ العُمْرَ ظِلٌّ زائِلُ
(1) قال ابن مسعود: (إذا أعجبت أحدكم امرأة فليذكر مناتنها) ذكره ابن القيم في (روضة المحبين) والخود هي: الشابة الناعمة، والمراد ألاّ تكون المرأة صنماً يعكف عليه القلب فيحجبه ويصرفه عن معبوده الحق.
(2)
فخوخ.
تَالله قَدْ كُنَّا بِلَيْلٍ مُوحِشٍ
…
والآنَ بَانَ لِيَ الضِّياءَ الكامِلُ
وعَلِمْتُ أنَّ عَدُوَّنا قَدْ غَرَّنا
…
بِزَخَارِفِ الأقوالِ صار يُجادِل
لا بَأسَ في هذا وهذا جائزٌ
…
هذا مُفِيدٌ لا يَضُرُّ الفاعِلُ
حتى ولجنا في ظلامٍ حالِكٍ
…
قَدْ كُنْتُ أحْسِبُ أنَّه مُتَضَائِلُ
ما ضَرَّنا إلا الذين تساهلوا
…
فَتَحُوا لَنَا الأبوابَ وَهْيَ حَوَائِلُ
وَرَسُولُنا قد قال نهييَ جَنِّبوا
…
والأمرُ فَأْتوا ما استطاعَ العامِلُ
رُحْماك ربي أنتَ أرحم راحمٍ
…
ما خابَ عبدٌ جاء بابكَ سائل