الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(و) المختار (أن النهي) النفسي عن شيء معين تحريما أو كراهة (كالأمر) فيما ذكر فيه، فالنهي ليس أمرا بالضد ولا يستلزمه، وقيل عينه، وقيل يستلزمه، وقيل هذان القولان في نهي التحريم دون نهي الكراهة، والضد إن كان واحدا فواضح أو أكثر فالأمر بواحد منه، وقيل النهي أمر بضده قطعا بناء على أن المطلوب في النهي فعل الضد، وقيل لا قطعا بناء على أن المطلوب في النهي انتفاء الفعل، والترجيح في هذه والتي قبلها من زيادتي والنهي اللفظي يقاس بالأمر اللفظي.
(مسألة الأمران إن لم يتعاقبا)
بأن يتراخى ورود أحدهما عن الآخر بمتماثلين ولم يمنع من التكرار مانع أو بمتخالفين. (أو تعاقبا) لكن (بغير متماثلين) بعطف كأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، أو بدونه كاضرب زيدا أعطه درهما (فغيران) فيعمل بهما جزما. (وكذا) إن تعاقبا (بمتماثلين ولا مانع من التكرار) في متعلقهما من عادة أو غيرها فإنهما غيران (في الأصح) مع عطف كصلِّ ركعتين وصل ركعتين أو بدونه كصل ركعتين صل ركعتين لظهور العطف في التأسيس وأصالة التأسيس في غير العطف، وهذا ما نقله الأصل في شرح المختصر كالصفي الهندي عن الأكثرين، وقيل الثاني تأكيد فيهما لتماثل المتعلقين، وقيل بالوقف عن التأسيس والتأكيد في غير العطف لاحتمالهما، والترجيح من زيادتي في غير العطف، وما ذكرته من الخلاف مع العطف حكاه الأصل. قال الزركشي وفيه نظر فقد صرح الصفي الهندي وغيره بأنه لا خلاف في أنه للتأسيس، لأن الشيء لا يعطف على نفسه، ويجاب بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ. (فإن كان) ثمَّ (مانع) من التكرار (عادي وعارضه عطف) نحو صل ركعتين وصل الركعتين. (فالوقف) عن التأسيس والتأكيد لاحتمالهما، وظاهر أنه إن وجد مرجح عمل به. (وإلا) بأن كان ثمَّ مانع عقلي نحو اقتل زيدا اقتل زيدا، أو شرعي نحو أعتق عبدك أعتق عبدك، أو لم يعارضه عطف نحو اسقني ماء اسقني ماء، صل ركعتين صل ركعتين. (فالثاني تأكيد) . وإن كان بعطف في الأولين أما كونه تأكيدا في الأولين فظاهر، وأما في الأخيرتين فلأن العادة باندفاع الحاجة بمرة في أولها، وبالتعريف في ثانيهما ترجح التأكيد، وقولي وإلا أعم من قوله فإن رجح التأكيد بعادي قدم.
(مسألة النهي) النفسي (اقتضاء كف عن فعل لا بنحو كف) كذر ودع المفادين كنحوهما بزيادتي نحو فدخل فيه الاقتضاء الجازم وغيره وخرج منه الإباحة، واقتضاء فعل غير كف أو كف بنحو كف فإنه أمر كما مر، ويحد أيضا بالقول المقتضي للكف المذكور كما يحد اللفظي بالقول الدال على الاقتضاء المذكور، ولا يعتبر في مسمى النهي علو ولا استعلاء على الأصح كالأمر (وقضيته الدوام) على الكف، لأن العلماء لم يزالوا يستدلون به على الترك مع اختلاف بالأوقات لا يخصونه بشيء منها. (ما لم يقيد بغيره في الأصح) فإن قيد به نحو لا تسافر اليوم كان الغير قضيته فيحمل عليه، وقيل قضيته الدوام مطلقا وتقييده بغير الدوام يصرفه عن قضيته، وقولي بغيره أولى من قوله بالمرة. (وترد صيغته) أي النهي وهي لا تفعل. (للتحريم) نحو {ولا تقربوا الزنا} (وللكراهة) نحو {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} والخبيث فيه الرديء لا الحرام عكس ما في قوله تعالى {ويحرم عليهم الخبائث} {وللإرشاد) نحو {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} (وللدعاء) نحو {ربنا لا تزغ قلوبنا} {ولبيان العاقبة} نحو {ولا تحسين الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء} أي عاقبة الجهاد الحياة لا الموت (وللتقليل) بأن يتعلق بالمنهى عنه نحو {ولا تمدّنّ عينيك إلى ما متعنا به {أي فهو قليل بخلاف ما عند الله. (وللاحتقار) بأن يتعلق بالمنهي نحو {لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} {ولليأس) نحو {لا تعذروا اليوم} وهذا تركه البرماوي من ألفيته، وذكره في شرحها مع زيادة ومثل له بالآية ثم قال وقد يقال إنه راجع للاحتقار أي لاتحاد آيتيهما. قلت
والأوجه الفرق إذ ذكر اليوم في الآية الثانية قرينة لليأس، وتركه في الأولى قرينة للاحتقار.
(وفي الإرادة والتحريم ما) مرّ (في الأمر) من الخلاف، فقيل لا تدل الصيغة على الطلب إلا إذا أريد الطلب بها، والأصح أنها تدل عليه بلا إرادة وأنها حقيقة في التحريم لغة، وقيل شرعا، وقيل عقلاً، وقيل في الطلب الجازم لغة، وفي التوعد على الفعل شرعا وهو مقتضى ما اختاره الأصل في الأمر، وقيل حقيقة في الكراهة، وقيل فيها وفي التحريم، وقيل في أحدهما ولا نعرفه، وقيل غير ذلك. (وقد يكون) النهي (عن) شيء (واحد) وهو ظاهر. (و) عن (متعدد جمعا كالحرام المخير) نحو لا تفعل هذا أو ذاك، فعليه ترك أحدهما فقط فلا مخالفة إلا بفعلهما. فالمحرّم فعلهما لا فعل أحدهما فقط. (وفرقا كالنعلين تلبسان أو تنزعان ولا يفرّق بينهما) بلبس أو نزع إحداهما فقط، فإنه منهيّ عنه أخذا من خبر الصحيحين «لا يمشينّ أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعا أو ليخلعهما جميعا» فهما منهي عنهما لبسا أو نزعا من جهة الفرق بينهما في ذلك لا الجمع فيه. (وجميعا كالزنا والسرقة) فكل منهما منهي عنه فبالنظر إليهما يصدق أن النهي عن متعدد، وإن صدق بالنظر إلى كل منهما أنه عن واحد.
(والأصح أن مطلق النهي ولو تنزيها) مقتض (للفساد) في المنهي عنه بأن لا يعتدّ به (شرعا) إذ لا يفهم ذلك من غيره، وقيل لغة لفهم أهلها ذلك من مجرد اللفظ، وقيل عقلاً وهو أن الشيء إنما ينهى عنه إذا اشتمل على ما يقتضي فساده. (في المنهي عنه) من عبادة وغيرها كصلاة نفل مطلق في وقت مكروه وبيع بشرط. (إن رجع النهي) فيما ذكر (إليه) أي إلى عينه كالنهي عن صلاة الحائض أو صومها وكالنهي عن الزنا حفظا للنسب. (أو إلى جزئه) كالنهي عن بيع الملاقيح لانعدام المبيع وهو ركن في البيع. (أو) إلى (لازمه) كالنهي عن بيع درهم بدرهمين لاشتماله على الزيادة اللازمة بالشرط، وكالنهي عن الصلاة في الوقت المكروه لفساد الوقت اللازم لها بفعلها فيه بخلافها في المكان المكروه، لأنه ليس بلازم لها بفعلها فيه لجواز ارتفاع النهي عن الصلاة فيه مع بقائه بحاله كجعل الحمام مسجدا فبذلك افترقا وفرق البرماوي بأن الفعل في الزمان يذهبه، فالنهي منصرف لإذهابه في المنهي عنه، فهو وصف لازم، إذ لا يمكن وجود فعل إلا بذهاب زمان بخلاف الفعل في المكان، وتعبيري بما ذكر هو مراد الأصل بما عبر به كما بينته في الحاشية. (أو جهل مرجعه) من واحد مما ذكر، كما قاله ابن عبد السلام تغليبا لما يقتضي الفساد على ما لا يقتضيه كالنهي عن بيع الطعام حتى تجري فيه