الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل بالوقف في الكل لتعارض الأدلة، وقيل في الأولين فقط مطلقا، لأنهما الغالب من فعل النبي، وقيل فيهما إن ظهر قصد القربة، وإلا فللإباحة. وسواء على غير هذا القول أظهر قصد القربة أم لا. ومجامعة القربة للإباحة بأن يقصد بفعل المباح بيان الجواز للأمة فيثاب على هذا القصد.
(وإذا تعارض الفعل والقول) أي تخالفا بتخالف مقتضيهما (ودل دليل على تكرر مقتضاه) أي القول. (فإن اختص) القول (به) صلى الله عليه وسلم، كأن قال يجب عليّ صوم عاشوراء في كل سنة، وأفطر في سنة بعد القول أو قبله. (فالمتأخر) من الفعل، والقول بأن علم (ناسخ) للمتقدم منهما في حقه، فإن لم يدل دليل على تكرر ما ذكر في هذا القسم وقسيميه الاثنين، فلا نسخ لكن في تأخر الفعل لا في تقدمه لدلالته على الجواز المستمرّ. (فإن جهل) المتأخر منهما. (فالوقف) عن ترجيح أحدهما على الآخر في حقه إلى تبين التاريخ (في الأصح) لاستوائهما في احتمال تقدم كل منهما على الآخر، وقيل يرجح القول، وعزى إلى الجمهور لأنه أقوى دلالة من الفعل لوضعه لها. والفعل إنما يدل بقرينة لأن له محامل، وقيل يرجح الفعل لأنه أقوى بيانا بدليل أنه يبين به القول. قلنا البيان بالقول أكثر، ولو سلم تساويهما، لكن البيان بالقول أقوى دلالة كما مر، ولأنه لا يختص بالموجود المحسوس، ولأن دلالته متفق عليها بخلاف الفعل في ذلك. (ولا تعارض) في حقنا حيث دل دليل على تأسينا به في الفعل لعدم تناول القول لنا. (وإن اختصّ) القول (بنا) كأن قال يجب عليكم صوم عاشوراء إلى آخر ما مرّ. (فلا تعارض فيه) أي في حقه صلى الله عليه وسلم بين الفعل والقول لعدم تناوله له. (وفينا المتأخر) منهما بأن علم (ناسخ) للمتقدم. (إن دلّ دليل على تأسينا) به في الفعل (فإن جهل) المتأخر (عمل بالقول في الأصح) وقيل بالفعل، وقيل الوقف لما مرّ، وإنما اختلف التصحيح في المسألتين لأنا متعبدون فيما يتعلق بنا بالعلم بحكمه لنعمل به بخلاف ما يتعلق به، إذ لا ضرورة إلى الترجيح فيه، فإن لم يدل دليل على تأسينا به في الفعل فلا تعارض في حقنا لعدم ثبوت حكم الفعل في حقنا. (وإن عمنا وعمه) القول كأن قال يجب عليّ وعليكم صوم عاشوراء إلى آخر ما مرّ. (فحكمهما) أي الفعل والقول. (كما مرّ) من أن المتأخر منهما إن
علم ناسخ للمتقدم في حقه، وكذا في حقنا إن دلّ دليل على تأسينا به في الفعل، وإلا فلا تعارض في حقنا، وإن جهل المتأخر فالأصح في حقه الوقف، وفي حقنا تقدم القول. (إلا أن يكون) القول (العام ظاهرا فيه) صلى الله عليه وسلم لا نصا، كأن قال يجب على كل مكلف صوم عاشوراء إلى آخر ما مرّ. (فالفعل مخصص) للقول في حقه تقدم عليه أو تأخر عنه أو جهل ذلك، ولا نسخ لأن التخصيص أهون منه لما فيه من إعمال الدليلين بخلاف النسخ، نعم لو تأخر الفعل عن العمل بمقتضى القول فهو ناسخ كما مرّ آخر التخصيص، ولو لم يكن القول ظاهرا في الخصوص ولا في العموم، كأن قال صوم عاشوراء واجب في كل سنة، فالظاهر أنه كالعام لأن الأصل عدم الخصوص، أما تعارض القولين فسيأتي في التعادل والترجيح، وأما الفعلان فلا يتعارضان كما جزم به ابن الحاجب وغيره لجاز أن يكون الفعل في ووقت واجبا وفي آخر بخلافه، لأن الأفعال لا عموم لها.
الكلام في الأخبار
بفتح الهمزة جمع خبر وهو يطلق على صيغته وعلى معناها، وهو المعنى القائم بالنفس، ولما كان الخبر مما يصدق به المركب بدأت كالأصل به تكثيرا للفائدة فقلت (المركب) من اللفظ (إما مهمل) بأن لا يكون له معنى. (وليس موضوعا) اتفاقا، (وهو موجود في الأصح) ، كمدلول لفظ الهذيان فإنه لفظ مركب مهمل كضرب من الهوس أو غيره مما لا يقصد به الدلالة على شيء، ونفاه الإمام الرازي
قائلاً إن التركيب إنما يصار إليه للإفادة، فحيث انتفت انتفى فمرجع خلافه إلى أن مثل ما ذكر لا يسمى مركبا. (أو مستعمل) ، بأن يكون له معنى (والمختار أنه موضوع) أي بالنوع، وقيل لا. والموضوع مفرداته والمركب المستعمل المفيد يعبر عنه بالكلام. (والكلام اللساني لفظ تضمن إسنادا مفيدا مقصودا لذاته) فخرج الخط والرمز والعقد والإشارة والنصب والمفرد كزيد وغير المفيد كالنار حارّة، وتكلم رجل ورجل يتكلم، وغير المقصود كالصادر من نائم، والمقصود لغيره كصلة الموصول نحو جاء الذي قام أبوه، فإنها مفيدة بالضم إليه مع ما معه مقصودة لإيضاح معناه (و) الكلام (النفساني معنى في النفس) أي قام بها. (يعبر عنه باللساني) أي بما صدقاته، وهذا من زيادتي. (والأصح عندنا أنه) أي الكلام (مشترك) بين اللساني والنفساني، لأن الأصل في الإطلاق الحقيقة. قال الإمام الرازي وعليه المحققون منا. وقيل إنه حقيقة في النفساني مجاز في اللساني، واختاره الأصل قال الأخطل
إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنما
جعل اللسان على الفؤاد دليلا
وقالت المعتزلة إنه حقيقة في اللساني لتبادره إلى الأذهان دون النفساني الذي أثبته الأشاعرة دون المعتزلة. ويجاب عما قاله الأخطل بأن مراده الكلام الأصلي، فالكلام اللساني ليس أصليا، وإن كان حقيقة، ودليلاً على الأصل، وعما قاله المعتزلة بأن تبادر الشيء وإن كان علامة للحقيقة لا بمنع كون ما انتفى فيه التبادر حقيقة أيضا، لأن العلامة لا يشترط فيها الانعكاس، والنفساني منسوب إلى النفس بزيادة ألف ونون للدلالة على العظمة، كما في قولهم شعراني لعظيم الشعر.
(والأصولي إنما يتكلم فيه) أي في اللساني لأن بحثه فيه لا في المعنى النفسي. (فإن أفاد) أي ما صدق اللساني (بالوضع طلبا فطلب ذكر الماهية) أي فاللفظ المفيد لطلب ذكرها أي ذاتا أو صفة. (استفهام) نحو ما هذا ومن ذا أزيد أم عمرو. (و) طلب (تحصيلها أو تحصيل الكف عنها) أي اللفظ المفيد لذلك. (أمر ونهي) نحو قم ولا تقم (ولو) كان تحصيل ذلك طلب (من ملتمس) أي مساوٍ لمطلوب منه رتبة. (وسائل) أي دون المطلوب منه رتبة فإن اللفظ المفيد لذلك منهما يسمى أمرا ونهيا، وقيل لا بل يسمى من الأول التماسا، ومن الثاني سؤالاً وإلى الخلاف أشرت بقولي ولو إلى آخره. (وإلا) أي وإن لم يفد بالوضع طلبا. (فما لا يحتمل) منه (صدقا وكذبا) في مدلوله (تنبيه وإنشاء) أي يسمى بكل منهما سواء أفاد طلبا باللازم كالتمني والترجي نحو ليت الشباب يعود لعلّ الله يعفو عني أم لم يفد طلبا نحو أنت طالق. (ومحتملهما) أي الصدق والكذب من حيث هو (خبر) . وقد يقطع بصدقه أو كذبه لأمور خارجة عنه كما سيأتي، وأبى قوم كما قاله الأصل تعريف الخبر كما أبوا تعريف العلم والوجود والعدم. قيل لأن كلاً منها ضروري فلا حاجة إلى تعريفه، وقيل لعسر تعريفه. (وقد يقال) هو للبيانيين. (الإنشاء ما) أي كلام (يحصل به مدلوله في الخارج) كأنت طالق. وقم ولا تقم، فإن مدلولها من إيقاع الطلاق وطلب القيام وعدمه يحصل به لا بغيره، فالإنشاء بهذا المعنى أعم منه بالمعنى الأول لشموله الطلب بأقسامه السابقة بخلافه بالمعنى الأول، فإنه قسيم للطلب بالوضع وللخبر فلا يشمل الاستفهام والأمر والنهي. (والخبر خلافه) أي ما يحصل بغيره مدلوله في الخارج بأن يكون له خارج صدق أو كذب نحو قام زيد فإن مدلوله أي مضمونه من قيام زيد يحصل بغيره، وهو محتمل لأن يكون واقعا في الخارج فيكون هو صدقا وغير واقع فيكون هو كذبا. (ولا مخرج له) أي للخبر من حيث مضمونه (عن الصدق والكذب لأنه إما مطابق للخارج) .
فالصدق (أولاً) فالكذب (فلا واسطة) بينهما (في الأصح) وقيل بها. وفي القول بها أقوال منها قول عمرو بن بحر الجاحظ
الخبر إن طابق الخارج مع اعتقاد المخبر المطابقة فصدق أو لم يطابقه مع اعتقاد عدمها فكذب، وما سواهما واسطة بينهما وهو أربعة أن ينتفي اعتقاده المطابقة في المطابق بأن يعتقد عدمها أو لم يعتقد شيئا، وأن ينتفي اعتقاده عدمها في غير المطابق بأن يعتقدها أو لم يعتقد شيئا.
(ومدلول الخبر) في الإثبات أي مدلول ما صدقه (ثبوت النسبة) في الخارج كقيام زيد في قام زيد، وهذا ما رجحه السعد التفتازاني وردّ ما عداه. (إلا الحكم بها) . وقيل هو الحكم بها ورجحه الأصل وفاقا للإمام الرازي مع مخالفته له في الكتاب الأول، حيث جعل ثم مدلول اللفظ المعنى الخارجي دون المعنى الذهني خلافا للإمام، إلا أن يقال ما ذكر ثمّ في غير لفظ الخبر ونحوه ويقاس بالخبر في الإثبات الخبر في النفي، فيقال مدلوله انتفاء النسبة لا الحكم به، ثم ما ذكر لا ينافي ما حققه المحققون من أن مدلول الخبر أي ما صدقه هو الصدق والكذب إنما هو احتمال عقلي. (ومورد الصدق والكذب) في الخبر (النسبة التي تضمنها فقط) أي دون غيرها. (كقيام زيد في قام زيد بن عمرو لا بنوّته) لعمرو أيضا، فمورد الصدق والكذب في الخبر المذكور النسبة، وهي قيام زيد لا بنوّته لعمرو فيه أيضا إذ لم يقصد به الاخبار بها. فالشهادة بتوكيل فلان بن فلان فلانا شهادة بالتوكيل فقط) أي دون نسب الموكل كما هو قول عندنا وقال به الإمام مالك. (و) لكن (الراجح) عندنا أنها شهادة (بالنسب) للموكل (ضمنا وبالتوكيل أصلاً) لتضمن ثبوت التوكيل المقصود لثبوت نسب الموكل لغيبته عن مجلس الحكم.
(مسألة الخبر) بالنظر لأمور خارجة عنه. (إما مقطوع بكذبه) إما (قطعا كالمعلوم خلافه) إما (ضرورة) نحو النقيضان يجتمعان أو يرتفعان. (أو استدلالاً) كقول الفلسفي العالم قديم وكبعض المنسوب للنبيّ صلى الله عليه وسلم لأنه روى عنه أنه قال سيكذب عليّ فإن كان قاله فلا بدّ من وقوعه، وإلا وهو الواقع فإنه غير معروف فقد كذب به عليه، وهذا المثال جعل فيه الأصل خلافا وليس بمعروف، بل صرح الأسنوي فيه بالقطع.
(وكل خبر) عنه صلى الله عليه وسلم (أوهم باطلاً) أي أوقعه في الوهم أي الذهن. (ولم يقبل تويلاً فـ) ـهو إما (موضوع) أي مكذوب عليه صلى الله عليه وسلم لعصمته كما روي أنه تعالى خلق نفسه فهو كذب لإيهامه باطلاً وهو حدوثه، وقد دل العقل القاطع على أنه تعالى منزه عن الحدوث. (أو نقص منه) من جهة راويه (ما يزيل الوهم) الحاصل بالنقصان منه كما في خبر الصحيحين عن ابن عمر قال صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال «أرأيتكم ليلتكم هذه على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد» . قال ابن عمر فوهل الناس في مقالته أي غلطوا في فهم المراد منها حيث لم يسمعوا لفظة اليوم، ويوافقه فيها خبر مسلم عن أبي سعيد لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم» . وقوله منفوسة أي موثوقة احترز به عن الملائكة (وسبب وضعه) أي الخبر (نسيان) من الراوي لمرويه، فيذكر غيره ظانا أنه مرويه. (أو تنفير) كوضع الزنادقة أخبارا تخالف العقول تنفيرا لعقلاء عن شريعته المطهرة، وقولي أو تنفير أولى من قوله أو افتراء، لأن الافتراء قسم من الوضع لا سبب له. (أو غلط) من الراوي بأن يسبق لسانه إلى غير مرويه، أو يضع مكانه ما يظنّ أنه يؤدّي معناه أو يروي ما يظنه حديثا. (أو غيرها) كما في وضع بعضهم أخبارا في الترغيب في الطاعة والترهيب عن المعصية. (أو) مقطوع بكذبه (في الأصح كخبر مدّعي الرسالة)
أي أنه رسول عن الله إلى الناس. (بلا معجزة) تبين صدقه (و) لا (تصديق الصادق) له، لأن الرسالة عن الله على خلاف العادة والعادة تقضي بكذب من يدّعي ما يخالفها بلا دليل، وقيل لا يقطع بكذبه لتجويز العقل صدقه، أما مدّعي النبوة أي الإيحاء إليه فقط فلا يقطع بكذبه، كما قاله إمام الحرمين، وظاهر أن محله قبل نزول أنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين،
أما بعده فيقطع بكذبه لقيام الدليل القاطع على أنه خاتم النبيين، وقولي وتصديق أولى من قوله أو تصديق لإيهامه أنه لا بد مع المعجزة من تصديق نبي له وليس كذلك. (وخبر نقب) بضم أوّله وتشديد ثانيه وكسره أي فتش (عنه) في كتب الحديث (ولم يوجد عند أهله) من الرواة لقضاء العادة بكذب ناقله، وقيل لا يقطع بكذبه لتجويز العقل صدق ناقله، وهذا بعد استقرار الأخبار، أما قبله كما في عصر الصحابة فلأحدهم أن يروي ما ليس عند غيره كما قاله الإمام الرازي.
(وما نقل آحادا فيما تتوفر الدواعي على نقله) تواترا، إما لغرابته كسقوط الخطيب عن المنبر وقت الخطبة، أو لتعلقه بأصل ديني كالنص على إمامة علي رضي الله عنه في قوله صلى الله عليه وسلم له «أنت الخليفة من بعدي» فعدم تواتره دليل على عدم صحته. وقالت الرافضة لا يقطع بكذبه لتجويز العقل صدقه. (وإما) مقطوع (بصدقه كخبر الصادق) أي الله تعالى لتنزهه عن الكذب ورسوله لعصمته عنه. (وبعض المنسوب للنبي) صلى الله عليه وسلم وإن لم نعلم عينه (والمتواتر) معنى أو لفظا. (وهو) أي المتواتر (خبر جمع يمتنع) عادة (تواطؤهم) أي توافقهم (على الكذب عن محسوس) لا عن معقول لجواز الغلط فيه كخبر الفلاسفة بقدم العالم، فإن اتفق الجمع المذكور في اللفظ، والمعنى فهو لفظي، وإن اختلفوا فيهما مع وجود معنى كلي فهو معنوي، كما لو أخبر واحد عن حاتم بأنه أعطى دينارا وآخر بأنه أعطى فرسا وآخر بأنه أعطى بعيرا وهكذا. فقد اتفقوا على معنى كلي وهو الإعطاء. وعن محسوس متعلق بخبر (وحصول العلم) من خبر بمضمونه (آية) أي علامة (اجتماع شرائطه) أي المتواتر في ذلك الخبر. أي الأمور المحققة له، وهي كما يؤخذ من تعريفه كونه خبر جمع، وكونهم بحيث يمتنع تواطؤهم على الكذب وكونه عن محسوس. (ولا تكفي الأربعة) في عدد الجمع المذكور لاحتياجهم إلى التزكية فيما لو شهدوا بالزنا فلا يفيد قولهم العلم. (والأصح أن ما زاد عليها)(أن العلم فيه) أي في المتواتر (ضروري) أي يحصل عند سماعه من غير احتياج إلى نظر لحصوله لمن لا يتأتى منه النظر كالبله والصبيان، وقيل نظري بمعنى أنه متوقف على مقدّمات حاصلة عند السامع، وهي ما مر من الأمور المحققة لكون الخبر متواترا لا بمعنى الاحتياج إلى النظر عقب السماع، فلا خلاف في المعنى في أنه ضروري، إذ توقفه على تلك المقدّمات لا ينافي كونه ضروريا.
(ثم إن أخبروا) أي أهل الخبر المتواتر كلهم (عن محسوس لهم) بأن كانوا طبقة واحدة (فذاك) أي إخبارهم عن محسوس لهم واضح في حصول التواتر (وإلا) أي وإن لم يخبروا كلهم عن محسوس لهم
بأن كانوا طبقات فلم يخبر عن محسوس إلا الطبقة الأولى منهم (كفى) في حصول التواتر (ذلك) أي إخبار الأولى عن محسوس لها مع كون كل طبقة من غيرهاجمعا يؤمن تواطؤهم على الكذب كما علم مما مر، بخلاف ما لو لم يكونوا كذلك فلا يفيد خبرهم التواتر، وبهذا بان أن المتواتر في الطبقة الأولى قد يكون آحادا فيما بعدها كما في القراءات الشاذة، وتعبيري بثم إلى آخره أولى من تعبيره بما ذكره، كما لا يخفى على المتأمل، وقد أوضحت ذلك في الحاشية. (و) الأصح (أن علمه) أي المتواتر أي العلم الحاصل منه (لكثرة العدد) في راويه (متفق) للسامعين له فيجب حصوله لكل منهم. (وللقرائن) الزائدة على أقل العدد الصالح له بأن تكون لازمة له من أحواله المتعلقة به أو بالمخبر به أو بالمخبر عنه. (قد يختلف) فيحصل لزيد دون غيره من السامعين لأن القرائن قد تقوم عند شخص دون آخر، أما الخبر المفيد للعلم بالقرائن المنفصلة عنه فليس بمتواتر، وقيل يجب حصول العلم من المتواتر مطلقا، لأن القرائن في مثل ذلك ظاهرة لا تخفى على السامع، وقيل لا يجب ذلك مطلقا بل قد يحصل لكل منهم ولبعضهم فقط لجواز أن لا يحصل لبعض بكثرة العدد كالقرائن. (و) الأصح (أن الإجماع على وفق خبر) لا يدل على صدقه في نفس الأمر مطلقا لاحتمال أن يكون للإجماع مستند آخر، وقيل يدل عليه مطلقا لأن الظاهر استناد المجمعين إليه لعدم ظهور مستند غيره، وقيل يدل إن تلقوه بالقبول بأن تعرضوا للاستناد إليه، وإلا فلا يدل لجواز استنادهم إلى غيره. (و) الأصح أن (بقاء خبر تتتوفر الدواعي على إبطاله) بأن لم يبطله ذوو الدواعي مع سماعهم له آحادا لا يدل على صدقه، وقل يدل عليه للاتفاق على قبوله حينئذ. قلنا الاتفاق على قبوله إنما يدل
على ظنهم صدقه، ولا يلزم منه صدقه في نفس الأمر مثاله قوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» رواه الشيخان. فإن دواعي بني أمية وقد سمعوه متوفرة على إبطاله لدلالته على خلافة علي رضي الله عنه كما قيل كخلافة هارون عن موسى بقوله اخلفني في قومي وإن مات قبله، ولم يبطلوه وأجوبة ذلك مذكورة في كتب أصول الدين.
(و) الأصح أن (افتراق العلماء) في خبر (بين مؤول) له (ومحتج) به (لا يدل على صدقه) . وقيل يدلّ عليه للاتفاق على قبوله حينئذ. قلنا جوابه ما مر آنفا. (و) الأصح (أن المخبر) عن محسوس (بحضرة عدد التواتر ولم يكذبوه ولا حامل) لهم (على سكوتهم) عن تكذيبه من نحو خوف أو طمع في شيء منه أو عدم علم بخبره صادق فيما أخبر به، لأن سكوتهم تصديق له عادة فيكون الخبر صدقا. وقيل لا إذ لا يلزم من سكوتهم تصديقه لجواز سكوتهم عن تكذيبه لا لشيء والتصريح بعدد التواتر من زيادتي. (أو) أي والأصحّ أن المخبر عن محسوس (بمسمع من النبي صلى الله عليه وسلم أي بمكان يسمعه منه النبيّ. (ولا حامل) له (على سكوته) عن تكذيبه (صادق) فيما أخبر به دينيا كان أو دنيويا، لأن النبي لا يقر أحدا على كذب، وقيل لا إذ لا يدل سكوته على صدق المخبر أما في الدين، فلجواز أن يكون النبي بينه أو أخر بيانه بما يخالف ما أخبر به المخبر. وأما في الدنيوي، فلجواز أن لا يكون النبي يعلم حاله كما في إلقاح النخل، روى مسلم عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم مرّ بقوم يلقحون فقال «لو لم تفعلوا لصلح» . قال فخرج شيصا فمرّ بهم فقال «ما لنخلكم» ؟ قالوا قلت كذا وكذا. قال «أنتم أعلم بأمر دنياكم» . وقيل صادق في الدنيوي بخلاف الديني،