المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خاتمة فيما يذكر من مبادىء التصوف - غاية الوصول في شرح لب الأصول

[زكريا الأنصاري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌المقدمات

- ‌مسألة هي إثبات عرض ذاتي للموضوع

- ‌مسألة في الواجب الحرام المخيرين

- ‌(مسألة فرض الكفاية)

- ‌(مسألة:

- ‌(مسألة مطلق الأمر)

- ‌المنطوق والمفهوم

- ‌(مسألة من الألطاف)

- ‌(مسألة الاشتقاق)

- ‌(مسألة المعرّب)

- ‌(مسألة اللفظ إن استعمل في معناه الحقيقي)

- ‌الحروف

- ‌الأمر

- ‌(مسألة الأمران إن لم يتعاقبا)

- ‌العام

- ‌التخصيص

- ‌المطلق والمقيد

- ‌الظاهر والمؤوّل

- ‌المجمل ما لم تتضح دلالته

- ‌البيان

- ‌النسخ

- ‌ مسألة إذا نسخ الوجوب بقي الجواز

- ‌الكتاب الثاني في السنة

- ‌الكلام في الأخبار

- ‌(مسألة الأصح أن خبر الواحد يفيد العلم بقرينة)

- ‌(مسألة المرسل)

- ‌(مسألة الأصح جواز نقل الحديث بالمعنى لعارف)

- ‌(خاتمة) في مراتب التحمل

- ‌الكتاب الثالث في الإجماع:

- ‌(مسألة الأصح إمكانه)

- ‌خاتمة

- ‌الكتاب الرابع في القياس

- ‌(الأول) وهو المقيس عليه (الأصل)

- ‌(الثاني) من أركان القياس (حكم الأصل وشرطه ثبوته بغير قياس ولو إجماعا)

- ‌(الثالث) من أركان القياس. (الفرع

- ‌(الرابع) من أركان القياس (العلة)

- ‌مسالك العلة

- ‌(الأول الإجماع)

- ‌(الثاني) من مسالك العلة (النص الصريح)

- ‌(الثالث) من مسالك العلة (الإيماء

- ‌(الرابع) من مسالك العلة (السبر)

- ‌(الخامس) من مسالك العلة (المناسبة)

- ‌السادس) من مسالك العلة، (الشبه وهو مشابهة وصف للمناسب والطردي)

- ‌(السابع) من مسالك العلة (الدوران بأن يوجد الحكم)

- ‌(الثامن) من مسلك العلة (الطرد بأن يقارن الحكم الوصف بلا مناسبة)

- ‌(التاسع) من مسالك العلة (تنقيح المناط بأن يدل نص ظاهر على التعليل)

- ‌(العاشر) من مسالك العلة (إلغاء الفارق)

- ‌(خاتمة) في نفي مسلكين ضعيفين

- ‌القوادح

- ‌ تخلف الحكم عن العلة المستنبطة)

- ‌(الكسر)

- ‌(عدم التأثير أي نفي مناسبة الوصف)

- ‌(القلب)

- ‌(القول بالموجب)

- ‌(القدح في المناسبة)

- ‌(الفرق)

- ‌(فساد الوضع بأن لا يكون الدليل صالحا لترتيب الحكم)

- ‌(فساد الاعتبار بأن يخالف)

- ‌(منع علية الوصف)

- ‌(اختلاف ضابطي الأصل والفرع)

- ‌(التقسيم)

- ‌خاتمة) الكتاب

- ‌الكتاب الخامس في الاستدلال

- ‌(مسألة الاستقراء بالجزئي على الكلي)

- ‌(مسألة) في الاستصحاب

- ‌(مسألة المختار أن الاستحسان ليس دليلاً)

- ‌خاتمة للاستدلال

- ‌الكتاب السادس في التعادل والتراجيح

- ‌الكتاب السابع في الاجتهاد

- ‌(مسألة لا ينقض الحكم في الاجتهاديات)

- ‌(مسألة المختار جواز تقليد المفضول)

- ‌خاتمة فيما يذكر من مبادىء التصوّف

الفصل: ‌خاتمة فيما يذكر من مبادىء التصوف

على الأول انقباض عند إدراك ما لا يلائم، وعلى الثاني ما يحصل ما يؤلم، وعلى الثالث إدراك غير الملائم، وعلى الرابع ما يحصل عند عدم إدراك المعارف. (وما تصوّره العقل إما واجب أو ممتنع أو ممكن) لأن ذات المتصوّر إما أن تقتضي وجوده في الخارج أو عدمه أو لا تقتضي شيئا منهما بأن يوجد تارة، ويعدم أخرى. والأول الواجب، والثاني

الممتنع، والثالث الممكن، وكل منهما لا ينقلب إلى غيره لأن مقتضى الذات لازم لها لا يعقل انفكاكه عنها.

‌خاتمة فيما يذكر من مبادىء التصوّف

وهو تجريد القلب لله واحتقار ما سواه أي بالنسبة إلى عظمته تعالى، ويقال ترك الاختيار، ويقال الجد في السلوك إلى ملك الملوك، ويقال غير ذلك كما هو مذكور في شرحي لرسالة الإمام العارف بالله تعالى أبي القاسم القشيري، وكل منها ناظر إلى مقام قائله بحسب ما غلب عليه، فرآه الركن الأعظم فاقتصر عليه كما في خبر «الحج عرفة» . ولما كان مرجح التصوّف عمل القلب والجوارح افتتحت كالأصل بأسّ العمل فقلت

(أوّل الواجبات المعرفة) أي معرفة الله تعالى. (في الأصح) ، لأنها مبنى سائر الواجبات، إذ لا يصح بدونها واجب، بل ولا مندوب، وقيل أوّلهاالنظر المؤدي إلى المعرفة لأنه مقدمتها، وقيل أوّلها أول النظر لتوقف النظر على أوّل أجزائه، وقيل أولها القصد إلى النظر لتوقف النظر على قصده، والكل صحيح، ورجح الأول لأن المعرفة أول مقصود وما سواها مما ذكر أول وسيلة. (ومن عرف ربه) بما يعرف به من صفاته (تصوّر تبعيده) لعبده بإضلاله (وتقريبه) له بهدايته، (فخاف) من تبعيده عقابه (ورجا) بتقريبه ثوابه، (فأصغى) حينئذ (إلى الأمر والنهي) منه تعالى، (فارتكب) مأموره. (واجتنب) منهيه (فأحبه) حينئذ (مولاه فكان) ، مولاه (سمعه وبصره ويده واتخذه وليا إن سأله أعطاه وإن استعاذ به أعاذه) هذا مأخوذ من خبر البخاري «وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، وإن استعاذ بي لأعيذنه» . والمراد أنه تعالى يتولى محبوبه في جميع أحواله فحركاته وسكناته به تعالى، كما أن أبوي الطفل لمحبتهما له يتوليان جيع أحواله، فلا يأكل إلا بيد أحدهما ولا يمشي إلا برجله إلى غير ذلك. (وعليّ الهمة) بطلبه العلوّ الأُخروي (يرفع نفسه) بالمجاهدة (عن سفساف الأمور) أي دنيئها من الأخلاق المذمومة كالكبر والغضب والحقد والحسد وسوء الخلق وقلة الاحتمال. (إلى معاليها) من الأخلاق المحمودة كالتواضع والصبر وسلامة الباطن والزهد وحسن الخلق وكثرة الاحتمال، وهذا مأخوذ من خبر البيهقي والطبراني «إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها» . (ودنيء الهمة) بأن لا يرفع نفسه بالمجاهدة عن سفساف الأمور، (لا يبالي) بما تدعوه نفسه إليه من المهلكات، (فيجهل) أمر دينه (ويمرق من الدين فدونك) أيها المخاطب بعد أن عرفت حال عليّ الهمة ودنيئها، (صلاحا) لك بعملك الصالح (أو

فسادا) لك بعملك السيىء. أو سعادة) لك برضا اصلى الله عليه وسلّم عليك بإخلاصك.

ص: 173

(واعرض) على نفسك (التوبة) حيث ذكرت الموت وخفت مقت ربك وذكرت سعة رحمته لتتوب عما فعلت فتقبل ويعفى عنك فضلاً منه تعالى. (وهي الندم) على الذنب من حيث إنه ذنب، فالندم على شرب الخمر لإضراره بالبدن ليس بتوبة، ولا يجب استدامة الندم كل وقت، بل يكفي استصحابه حكما بأن لا يقع ما ينافيه. (وتتحقق) التوبة (بالإقلاع) عن الذنب (وعزم أن لا يعود) إليه (وتدارك ما يمكن تداركه) من حق نشأ عن الذنب كحق القذف فيتداركه بتمكين مستحقه من المقذوف أو وارثه ليستوفيه أو يبرئه منه، فإن لم يمكن تداركه كأن لم يكن مستحقه موجودا سقط هذا الشرط كما يسقط في توبة ذنب لا ينشأ عنه حق الآدمي، وكذا يسقط الإقلاع في توبة ذنب بعد الفراغ منه كشرب خمر، فالمراد بتحقق التوبة بهذه الشروط أنها لا تخرج فيما تتحقق به عنها لا أنه لا بد منها في كل توبة. (والأصح صحتها) أي التوبة (عن ذنب ولو نقضت) بأن عاود التائب ذنبا تاب منه فهذه المعاودة لا تبطل التوبة السابقة، بل هي ذنب آخر يوجب التوبة، وقيل لا تصح التوبة السابقة (أو) كانت التوبة (مع الإصرار على) ذنب (كبير) ، وقيل لا تصح (و) الأصح (وجوبها عن) ذنب (صغير) ، وقيل لا تجب لتكفيره باجتناب الكبائر، قال تعالى {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} .

(وإن شككت في الخاطر أمأمور) به (أم منهي) عنه (فأمسك) عنه حذرا من الوقوع في المنهى عنه. (ففي متوضىء يشك) في (أن ما يغسله) غسلة (ثالثة) فتكون مأمورا بها. (أو رابعة) فتكون منهيا عنها. (قيل) أي قال الشيخ أبو محمد الجويني. (لا يغسل) خوف الوقوع في المنهي عنه، والأصح أنه يغسل لأن التثليث مأمور به ولم يتحقق قبل هذه الغسلة ويأتى بها. (وكل واقع) في الوجود ومنه الخاطر وفعله وتركه كائن. (بقدرة الله وإرادته فهو) تعالى (خالق كسب العبد) أي فعله الذي هو كاسبه لا خالقه بأن (قدّر) الله (له قدرة) هي استطاعته (تصلح للكسب لا للإيجاد) ، بخلاف قدرة الله فإنها للإيجاد لا للكسب، (فالله) تعالى (خالق لا مكتسب والعبد بعكسه) أي مكتسب لا خالق فيثاب ويعاقب على مكتسبه الذي يخلقه الله عقب قصده له، وهذا أي كون فعل العبد مكتسبا له مخلوقا لله توسط بين قول المعتزلة إن العبد خالق لفعله لأنه يثاب ويعاقب عليه، وقول الجبرية إنه لا فعل للعبد أصلاً، وهو آلة محضة كالسكين بيد القاطع، وقد يقع في كلام بعض العارفين ما يوهم الخبر من نفيهم الاختيار، والفعل عن أنفسهم، ومرادهم عدم الملاحظة لذلك لاستغراقهم في النظر إلى ما منه تعالى لا إلى ما منهم.

(والأصح أن قدرته) أي العبد وهي صفة يخلقها الله عقب قصد الفعل بعد سلامة الأسباب والآلات. (مع الفعل) ، لأنها عرض فلا تتقدم عليه وإلا لزم وقوعه بلا قدرة لامتناع بقاء الأعراض، وقيل قبله لأن التكليف قبله فلو لم تكن القدرة قبله لزم تكليف العاجز، وردّ بأن صحة التكليف تعتمد القدرة بمعنى سلامة الأسباب والآلات لا بالمعنى السابق، وهذا من زيادتي. وإذا كان العبد مكتسبا لا خالقا لكون قدرته للكسب لا للإيجاد وكانت قدرته مع الفعل، (فـ) ـنقول (هي) أي القدرة من العبد. (لا تصلح للضدين) أي التعلق بهما، وإنما تصلح للتعلق بأحدهما وهو ما يقصده العبد، إذ لو صلحت للتعلق بهما لزم اجتماعهما لوجوب مقارنتهما للقدرة المتعلقة، بل قالوا إن القدرة الواحدة لا تتعلق بمقدورين مطلقا سواء أكانا متضادين أم متماثلين

ص: 175

أم مختلفين لا معا ولا على البدل، والقول بأنها تصلح للتعلق بالضدين على البدل فتتعلق بهذا بدلاً عن تعلقها بالآخر، وبالعكس إنما يستقيم تفريعه على أنها قبل الفعل لا معه الذي الكلام فيه، أما على القول بأن العبد خالق لفعله فقدرته كقدرة الله تعالى، فتوجد قبل الفعل وتصلح للتعلق بالضدين على البدل لا على الجمع لأن القدرة إنما تتعلق بالممكن واجتماع الضدين ممتنع.

(و) الأصح (أن العجز) من العبد (صفة وجودية تقابل القدرة تقابل الضدين) . وقيل هو عدم القدرة عما من شأنه القدرة فالتقابل بينهما تقابل العدم والملكة كما أن الأمر كذلك على القول، بأن العبد خالق لفعله، فعلى الأول في الزمن معنى لا يوجد في الممنوع من الفعل مع اشتراكهما في عدم التمكن من الفعل، وعلى الثاني لا بل الزمن ليس بقادر والممنوع قادر أي من شأنه القدرة بطريق جري العادة. (و) الأصح (أن التفضيل بين التوكل والاكتساب يختلف باختلاف الناس) فمن يكون في توكله لا يتسخط عند ضيق الرزق عليه، ولا يتطلع لسؤال أحد من الخلق، فالتوكل في حقه أفضل لما فيه من الصبر والمجاهدة للنفس، ومن يكون في توكله بخلاف ما ذكر، فالاكتساب في حقه أفضل حذرا من التسخط والتطلع، وقيل الأفضل التوكل، وهو هنا الكف عن الاكتساب والإعراض عن الأسباب اعتمادا للقلب على الله تعالى، وقيل الأفضل الاكتساب وإذا اختلف التفضيل بينهما باختلاف الناس، (فإرادة التجريد) عما يشغل عن الله تعالى. (مع داعية الأسباب) من الله في مريد ذلك (شهوة خفية) من المريد، (وسلوك الأسباب) الشاغلة عن الله (مع داعية التجريد) من الله في سالك ذلك. (انحطاط) له (عن الرتبة العلية) إلى الرتبة الدنية، فالأصلح لمن قدر الله فيه داعية الأسباب سلوكها دون التجريد ولمن قدر الله فيه داعية التجريد سلوكه دون الأسباب. (وقد يأتي الشيطان) للإنسان (باطراح جانب الله تعالى في صورة الأسباب أو بالكسل في صورة التوكل) ، كيدا منه، كأن يقول لسالك التجريد الذي سلوكه له أصلح من تركه له إلى متى تترك الأسباب، ألم تعلم أن تركها يطمع القلوب لما في أيدي الناس، فاسلكها لتسلم من ذلك، وينتظر غيرك منك ما كنت تنتظره من غيرك ويقول لسالك الأسباب الذي سلوكه لها أصلح من تركه لها لو تركتها وسلكت التجريد، فتوكلت على الله لصفا قلبك، وأتاك ما يكفيك من عند الله فاتركها ليحصل لك ذلك. فيؤدّي تركها الذي هو

غير أصلح له إلى الطلب من الخلق والاهتمام بالرزق.

(والموفق يبحث عنهما) أي عن هذين الأمرين اللذين يأتي بهما الشيطان في صورة غيرهما لعله أن يسلم منهما، (ويعلم) مع بحثه عنهما، (أنه لا يكون إلا ما يريد) الله كونه أي وجوده منهما أو من غيرهما.

(وقد تمّ الكتاب) أي لبّ الأصول، (بحمد الله وعونه جعلنا الله به) ، لما أملناه من كثرة الانتفاع به، (مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين} أي أفاضل أصحاب النبيين لمبالغتهم في الصدق والتصديق، (والشهداء) أي القتلى في سبيل الله، (والصالحين) غير من ذكر، (وحسن أولئك رفيقا) أي رفقاء في الجنة بأن نستمتع فيها برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم، وإن كان مقرهم في درجات عالية بالنسبة إلى غيرهم، ومن فضل الله تعالى على غيرهم أنه قد رزق الرضا بحاله، وذهب عنه اعتقاد أنه مفضول انتفاء للحسرة في الجنة التي تختلف المراتب فيها على قدر الأعمال، وعلى قدر فضل الله على من يشاء من عباده، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.

ص: 176