المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(مسألة الأصح أن خبر الواحد يفيد العلم بقرينة) - غاية الوصول في شرح لب الأصول

[زكريا الأنصاري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌المقدمات

- ‌مسألة هي إثبات عرض ذاتي للموضوع

- ‌مسألة في الواجب الحرام المخيرين

- ‌(مسألة فرض الكفاية)

- ‌(مسألة:

- ‌(مسألة مطلق الأمر)

- ‌المنطوق والمفهوم

- ‌(مسألة من الألطاف)

- ‌(مسألة الاشتقاق)

- ‌(مسألة المعرّب)

- ‌(مسألة اللفظ إن استعمل في معناه الحقيقي)

- ‌الحروف

- ‌الأمر

- ‌(مسألة الأمران إن لم يتعاقبا)

- ‌العام

- ‌التخصيص

- ‌المطلق والمقيد

- ‌الظاهر والمؤوّل

- ‌المجمل ما لم تتضح دلالته

- ‌البيان

- ‌النسخ

- ‌ مسألة إذا نسخ الوجوب بقي الجواز

- ‌الكتاب الثاني في السنة

- ‌الكلام في الأخبار

- ‌(مسألة الأصح أن خبر الواحد يفيد العلم بقرينة)

- ‌(مسألة المرسل)

- ‌(مسألة الأصح جواز نقل الحديث بالمعنى لعارف)

- ‌(خاتمة) في مراتب التحمل

- ‌الكتاب الثالث في الإجماع:

- ‌(مسألة الأصح إمكانه)

- ‌خاتمة

- ‌الكتاب الرابع في القياس

- ‌(الأول) وهو المقيس عليه (الأصل)

- ‌(الثاني) من أركان القياس (حكم الأصل وشرطه ثبوته بغير قياس ولو إجماعا)

- ‌(الثالث) من أركان القياس. (الفرع

- ‌(الرابع) من أركان القياس (العلة)

- ‌مسالك العلة

- ‌(الأول الإجماع)

- ‌(الثاني) من مسالك العلة (النص الصريح)

- ‌(الثالث) من مسالك العلة (الإيماء

- ‌(الرابع) من مسالك العلة (السبر)

- ‌(الخامس) من مسالك العلة (المناسبة)

- ‌السادس) من مسالك العلة، (الشبه وهو مشابهة وصف للمناسب والطردي)

- ‌(السابع) من مسالك العلة (الدوران بأن يوجد الحكم)

- ‌(الثامن) من مسلك العلة (الطرد بأن يقارن الحكم الوصف بلا مناسبة)

- ‌(التاسع) من مسالك العلة (تنقيح المناط بأن يدل نص ظاهر على التعليل)

- ‌(العاشر) من مسالك العلة (إلغاء الفارق)

- ‌(خاتمة) في نفي مسلكين ضعيفين

- ‌القوادح

- ‌ تخلف الحكم عن العلة المستنبطة)

- ‌(الكسر)

- ‌(عدم التأثير أي نفي مناسبة الوصف)

- ‌(القلب)

- ‌(القول بالموجب)

- ‌(القدح في المناسبة)

- ‌(الفرق)

- ‌(فساد الوضع بأن لا يكون الدليل صالحا لترتيب الحكم)

- ‌(فساد الاعتبار بأن يخالف)

- ‌(منع علية الوصف)

- ‌(اختلاف ضابطي الأصل والفرع)

- ‌(التقسيم)

- ‌خاتمة) الكتاب

- ‌الكتاب الخامس في الاستدلال

- ‌(مسألة الاستقراء بالجزئي على الكلي)

- ‌(مسألة) في الاستصحاب

- ‌(مسألة المختار أن الاستحسان ليس دليلاً)

- ‌خاتمة للاستدلال

- ‌الكتاب السادس في التعادل والتراجيح

- ‌الكتاب السابع في الاجتهاد

- ‌(مسألة لا ينقض الحكم في الاجتهاديات)

- ‌(مسألة المختار جواز تقليد المفضول)

- ‌خاتمة فيما يذكر من مبادىء التصوّف

الفصل: ‌(مسألة الأصح أن خبر الواحد يفيد العلم بقرينة)

وقيل عكسه وتوجيههما يعلم مما مرّ. وأجيب في الديني بأن سبق البيان أو تأخيره لا يبيح السكوت عند وقوع المنكر لما فيه من إيهام تغير الحكم

في الأول، وتأخير البيان عن وقت الحاجة في الثاني، وفي الدنيوي أنه إذا كان كذبا ولم يعلم به النبي يعلمه الله به عصمة له عن أن يقر أحدا على كذب، أما إذا وجد حامل على ما ذكر كأن كان المخبر ممن يعاند ولا ينفع فيه الإنكار فلا يكون صادقا قطعا.

(وأما مظنون الصدق فخبر الواحد وهو ما لم ينته إلى التواتر) سواء أكان راويه واحدا أم أكثر أفاد العلم بالقرائن المنفصلة أو لا. (ومنه) أي خبر الواحد (المستفيض وهو الشائع) بين الناس (عن أصل) بخلاف الشائع لا عن أصل (قد يسمى) المستفيض (مشهورا) فهما بمعنى، وقيل المشهور بمعنى المتواتر، وقيل قسم ثالث غير المتواتر والآحاد، وعند المحدّثين هو أعم من المتواتر. (وأقله) أي المستفيض أي أقلّ عدد راويه (اثنان) وهو قول الفقهاء. (وقيل ما زاد على ثلاثة) وهو قول الأصوليين، وقيل ثلاثة وهو قول المحدثين.

(مسألة الأصح أن خبر الواحد يفيد العلم بقرينة)

كما في إخبار رجل بموت ولده المشرف على الموت مع قرينة البكاء وإحضار الكفن والنعش، ولا يشترط في الواحدة العدالة تعويلاً على القرينة، وقيل لا يفيد العلم مطلقا، وعليه الأكثر. واختاره صاحب الأصل في شرح المختصر، وقيل يفيده مطلقا بشرط العدالة لأنه حينئذ يجب العمل به كما سيأتي، وإنما يجب العمل بما يفيد العلم لقوله تعالى {ولا تقف ما ليس لك به علم} ، {إن يتبعون إلا الظن} نهى عن اتباع غير العلم وذم على اتباع الظن. قلنا ذاك فيما المطلوب فيه العلم من أصول الدين كوحدانية الله تعالى لما ثبت من وجود العمل بالظن في الفروع، وقيل يفيد علما نظريا إن كان مستفيضا جعله قائله واسطة بين المتواتر المفيد للعلم الضروري والآحاد المفيد للظن. (ويجب العمل به) أي بخبر الواحد (في الفتوى والشهادة) أي ما يفتي به المفتي ويشهد به الشاهد بشرطه، وفي معنى الفتوى الحكم (إجماعا. وفي باقي الأمور الدينية والدنيوية في الأصحّ) وإن عارضه قياس كالإخبار بدخول وقت الصلاة أو بتنجس الماء وكإخبار طبيب أو غيره بمضرة شيء أو نفعه، وقيل يمتنع العمل به مطلقا لأنه إنما يفيد الظن، وقد نهى عن اتباعه كما مر. قلنا تقدم جوابه آنفا. وقيل يمتنع العمل به في الحدود لأنها تدرأ بالشبهة واحتمال الكذب في الآحاد شبهة. قلنا لا نسلم أنه شبهة على أنه موجود في الشهادة أيضا، وقيل يمتنع فيما تعم به البلوى أو خالفه راويه أو عارضه قياس، ولم يكن راويه فقيها وقيل غير ذلك، وإذا قلنا بأنه يجب العمل به فيجب. (سمعا) لأنه صلى الله عليه وسلم كان يبعث الآحاد إلى القبائل والنواحي لتبليغ الأحكام، فلولا أنه يجب العمل بخبرهم لم يكن لبعثهم فائدة. (قيل وعقلاً) أيضا. وهو أنه لو لم يجب العمل به لتعطلت وقائع الأحكام المروية بالآحاد ولا سبيل إلى القول بذلك وترجيح الأول من زيادتي.

(مسألة المختار أن تكذيب الأصل الفرع) فيما رواه عنه. (وهو جازم) به. كأن قال رويت هذا عنه. فقال ما رويته له. (لا يسقط مرويه) عن القبول وقيل يسقطه، لأن أحدهما كاذب، ويحتمل أن يكون هو الفرع فلا يثبت مرويه، قلنا يحتمل نسيان الأصل له بعد روايته للفرع فلا يكون واحد منهما بتكذيب الآخر له مجروحا. (لأنهما لو اجتمعا في شهادة لم تردّ) لأن كلاً منهما يظن أنه صادق والكذب على النبي في ذلك بتقدير إنما يسقط العدالة إذا كان عمدا، وإذا لم يسقط مروي الفرع بتكذيب الأصل له فبشكه في أنه رواه له أو ظنه أنه ما رواه له أولى، وعليه الأكثر كما صرح به الأصل، وقيل يسقط به قياسا على نظيره في شهادة الفرع على شهادة الأصل. قلنا باب الشهادة أضيق

ص: 102

إذ يعتبر فيه الحرية والذكورة وغيرهما ودخل بقيد وهو جازم ما لو جزم الأصل بنفي الرواية أو ظنه أو شك فيه، وخرج به ما لو شك الفرع في الرواية أو ظنها فيسقط مرويه إلا إن ظنها الفرع مع ظنّ الأصل نفيها أو شك فيه. وبما تقرر علم أن صور الجزم والظن والشك من الأصل والفرع تسع، وأن المروي يسقط في أربع منها دون البقية. (وزيادة العدل) فيما رواه على غيره من العدول (مقبولة إن لم يعلم اتحاد المجلس بأن علم تعدده) لجواز أن يكون النبي ذكرها في مجلس وسكت عنها في آخر، أو لم يعلم تعدده ولا اتحاده، لأن الغالب في مثل ذلك التعدد. (وإلا) أي وإن علم اتحاده (فالمختار المنع) أي منع قبولها. (إن كان غيره) أي غير من زاد (لا يغفل) بضمّ الفاء أشهر من فتحها. (مثلهم عن مثلها عادة أو كانت الدواعي تتوفر على نقلها) وإلا قبلت، وقيل لا تقبل مطلقا لجواز خطأ من زاد فيها. وقيل تقبل مطلقا، وهو ما اشتهر عن الشافعي، ونقل عن جمهور الفقهاء والمحدثين لجواز غفلة من لم يزد عنها، وقيل إن كان غير من زاد لا يغفل مثلهم عن مثلها عادة لم تقبل وإلا قبلت، وقيل بالوقف عن

قبولها وعدمه. (فإن كان الساكت) عنها فيما إذا علم اتحاد المجلس. (أضبط) ممن ذكرها. (أو سرّح بنفيها على وجه يقبل) . كأن قال ما سمعتها (تعارضا) أي خبر الزيادة وخبر عدمها بخلاف ما إذا نفاها على وجه لا يقبل بأن محض النفي فقال لم يقلها النبي صلى الله عليه وسلم.، فإنه لا أثر لذلك.

(والأصح أنه لو رواها) الراوي (مرة وتركـ) ـها (أخرى أو انفرد) بها (واحد عن واحد) فيما روياه (قبلت) . وإن علم اتحاد المجلس لجواز السهو في الترك في الأولى، ولأن مع راويها زيادة علم في الثانية، وقيل لا يقبل لجواز الخطأ فيها في الأولى ولمخالفة رفيقه في الثانية، وقيل بالوقف في الأولى وقياسه يأتي في الثانية. (و) الأصح (أنه إن غيرت) زيادة العدل (إعراب الباقي تعارضا) أي الخبران لاختلاف المعنى حينئذ كما لو روي في خبر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر نصف صاع، وقيل تقبل الزيادة كما إذا لم يتغير الإعراب. (و) الأصح (أن حذف بعض الخبر جائز إلا أن يتعلق به الباقي) . فلا يجوز حذفه اتفاقا لإخلاله بالمعنى المقصود كأن يكون غاية أو مستثنى بخلاف ما لا يتعلق به الباقي فيجوز حذفه، لأنه كخبر مستقلّ، وقيل لاحتمال أن يكون للضمّ فائدة تفوت بالتفريق مثاله. قوله صلى الله عليه وسلم في البحر «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» . إذ قوله الحل ميتته لا تعلق له بما قبله. (ولو أسند وأرسلوا) أي أسند الخبر إلى النبي واحد ووقف الباقون على الصحابي أو من دونه (فكالزيادة) أي فالإسناد أو الرفع كالزيادة فيما مرّ من التفصيل والخلاف وغيرهما. ومعلوم أن التفصيل بين ما تتوفر الدواعي على نقله، ولا تتوفر لا يمكن مجيئه هنا وتعدد مجلس السماع من الشيخ هنا كتعدد مجلس السماع من النبي ثمّ (وإذا حمل صحابي مرويه على أحد محمليه حمل عليه إن تنافيا) كالقرء يحمله على الطهر أو الحيض، لأن الظاهر أنه إنما حمله

عليه لقرينة، وتوقف الشيخ أبو إسحاق الشيرازي فقال فيه نظر أي لاحتمال أن يكون حمله لموافقة رأيه لا لقرينة وخرج بالصحابي غيره، وقيل مثله التابعي، والفرق على الأصح أن ظهور القرينة للصحابي أقرب. (وإلا) أي وإن لم يتنافيا (فكالمشترك في حمله على معنييه) وهو الأصح كما مرّ فيحمل المروي على محمليه ولا يختص بحمل الصحابي إلا على القول بمنع حمل المشترك على معنييه. (فإن حمله) أي حمل الصحابي مرويه فيما لو تنافى المحملان (على غير ظاهره) كأن حمل اللفظ على معناه المجازى دون الحقيقي (حمل على ظاهره في الأصح) اعتبارا بالظاهر، وفيه وفي أمثاله قال الشافعي كيف أترك الحديث بقول من لو عاصرته لحججته، وقيل يحمل على حمله مطلقا لأنه لم يفعله إلا لدليل. قلنا في ظنه وليس لغيره اتباعه فيه، وقيل يحمل عليه إن فعله لظنه أنه قصد النبي صلى الله عليه وسلم من قرينة شاهدها. قلنا ظنه ذلك ليس لغيره

ص: 103

اتباعه فيه لأن المجتهد لا يقلد مجتهدا فإن ذكر دليلاً عمل به، أما إذا لم يتنافيا فظاهر حمله على حقيقته ومجازه بناء على الراجح من استعمال اللفظ فيهما.

(مسألة لا يقبل) في الرواية (مختل) في عقله كجنون وإن تقطع جنونه وكمفيق من جنونه وأثر في زمن إفاقته إذ لا يمكنه التحرز عن الخلل، وتعبيري بمختل أعم من تعبيره بمجنون. (و) لا (كافر) وإن علم منه التدين والتحرز عن الكذب، إذ لا وثوق به في الجملة مع شرف منصب الرواية عنه. (وكذا صبيّ) يميزه (في الأصح) . إذ لا وثوق به لأنه لعلمه بعدم تكليفه قد لا يحترز عن الكذب، وقيل يقبل إن علم منه التحرز عنه، أما غير المميز فلا يقبل قطعا كالمجنون. (والأصح أنه يقبل صبي) مميز (تحمل فبلغ فأدى) ما تحمله لانتفاء المحذور السابق، وقيل لا. إذ الصغر مظنة عدم الضبط ويستمر المحفوظ بحاله، ولو تحمل كافر فسلم فأدّى أو فاسق فتاب فأدى قبل. (و) الأصح أنه يقبل (مبتدع يحرم الكذب وليس بداعية ولا يكفر ببدعته) لأمنه من الكذب مع تأويله في الابتداع بخلاف من لا يحرم الكذب أو يكون داعية بأن يدعو الناس إلى بدعته أو يكفر ببدعته كمنكر حدوث العالم والبعث، وعلم الله بالمعدوم وبالجزئيات فلا يقبل واحد من الثلاثة، وممن رجحه في الثاني ابن الصلاح والنووي. وقال ابن حبان لا أعلم فيه اختلافا وقيل. يقبل ممن يحرم الكذب، وإن كان داعية لما مر وهو الذي رجحه الأصل، ومراده إذا لم يكفر ببدعته، وقيل يقبل ممن يحرم الكذب وإن كفر ببدعته، وقيل لا يقبل مطلقا لابتداعه المفسق له. (و) الأصح أنه يقبل (من ليس فقيها وإن خالف القياس) خلافا للحنفية فيما يخالفه، لأن مخالفته ترجح احتمال الكذب. قلنا لا نسلم. (و) الأصح أنه يقبل (متساهل في غير الحديث) بأن يتساهل في حديث الناس، ويتحرز في الحديث النبوي لأمن الخلل فيه بخلاف المتساهل فيه فيرد، وقيل لا يقبل المتساهل مطلقا لأن التساهل في غير الحديث النبوي يجرّ إلى التساهل فيه. (ويقبل مكثر) من الرواية (وإن ندرت مخالطته للمحدثين إن أمكن تحصيل ذلك القدر) الكثير الذي رواه (في ذلك الزمن) الذي خالطهم فيه فإن لم يمكن لم يقبل في شيء مما رواه لظهور كذبه في بعض لا نعلم عينه. (وشرط الراوي العدالة وهي) لغة التوسط وشرعا بالمعنى الشامل للمروءة (ملكة) أي هيئة راسخة في النفس. (تمنع اقتراف) أي ارتكاب (الكبائر وصغائر الخسة كسرقة لقمة) وتطفيف تمرة (والرذائل المباحة) أي الجائزة بالمعنى الأعم أي المأذون في فعلها لا بمعنى مستوية الطرفين. (كبول بطريق) وهو مكروه والأكل في السوق لغير سوقي وغيرهما. مما يخلّ بالمروءة. والمعنى يمنع اقتراف كل فرد من أفراد ما ذكر فباقتراف فرد منه تنتفي العدالة، أما صغائر غير الخسة ككذبة لا يتعلق بها ضرر ونظرة إلى أجنبية، فلا يشترط المنع من اقتراف كل فرد منها. فلا تنتفي العدالة باقتراف شيء منها إلا أن يصرّ عليه ولم تغلب طاعاته، وإذا تقرر أن العدالة شرط في الرواية. (فلا يقبل في الأصح مجهول باطنا وهو المستور، و) لا (مجهول مطلقا) أي باطنا وظاهرا (و) لا (مجهول العين) كأن يقال عن رجل لانتفاء تحقق العدالة وقيل يقبلون اكتفاء بظنّ حصولها في الأول وتحسينا للظنّ بالأخيرين وحكاية الأصل الإجماع على عدم قبولهما مردودة بنقل ابن الصلاح وغيره الخلاف فيهما. (فإن وصفه) أي الأخير (نحو الشافعي) من أئمة الحديث الراوي عنه (بالثقة أو بنفي التهمة) كقوله أخبرني الثقة أو من لا أتهمه. (قبل في الأصح) . وإن كان الثاني دون الأوّل رتبة وذلك لأن واصفه من أئمة الحديث لا يصفه بذلك إلا وهو كذلك، وقيل لا يقبل لجواز أن أن يكون فيه جارح ولم يطلع عليه الواصف. قلنا يبعد ذلك جدا مع كون الواصف مثل الشافعي محتجا به على حكم في دين الله. (كمن أقدم معذورا) بنحو تأويل أو جهل خلا عن التدين بالكذب

ص: 104

أو إكراه. (على) فعل (مفسق مظنون) كشرب نبيذ (أو مقطوع) كشرب خمر فيقبل في الأصح سواء اعتقد الإباحة أم لم يعتقد شيئا لعذره، وقيل لا يقبل لارتكابه المفسق، وإن اعتقد الإباحة، وقيل يقبل في المظنون دون المقطوع وخرج بالمعذور من أقدم

عالما بالتحريم باختياره أو متدينا بالكذب فلا يقبل قطعا، وبما تقرر علم أن قولي معذورا أولى من قوله جاهلاً.

(

والمختار أن الكبيرة ما توعد عليه) بنحو غضب أو لعن (بخصوصه) في الكتاب أو السنة. (غالبا) . وقيل هي ما فيه حدّ. قال الرافعي وهم إلى ترجيح هذا أميل ولأول ما يوجد لأكثرهم وهو الأوفق لما ذكروه عند تفصيل الكبائر. أي لعدّهم منها أكل مال اليتيم والعقوق وغيرهما مما لا حدّ فيه، وذكر لأصل أن المختار قول إمام الحرمين إنها كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة، وإنما لم أختره لأنه يتناول صغائر الخسة مع أن الإمام إنما ضبط به ما يبطل العدالة من المعاصي مطلقا، لا الكبيرة التي الكلام فيها والكبائر بعد أكبرها وهو الكفر كما هو معلوم. (كقتل) عمدا أو شبهه ظلما (وزنا) بالزاي لآية {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر} (ولواط) لأنه مضيع لماء النسل بوطئه في فرج كالزنا. (وشرب خمر) وإن لم يسكر لقلتها وهي المشتد من ماء العنب. (ومسكر) ولو غير خمر كالمشتد من نقيع الزبيب المسمى بالنبيذ لخبر صحيح ورد فيه، أما شرب ما لا يسكر لقلته من غير الخمر فصغيرة حكما في حق من شربه معتقدا حله لقبول شهادته، وإلا فهو كبيرة حقيقة لإيجابه الحد وللتوعد عليه. وفي معنى ذلك ما اختلف في تحريمه من مطبوخ عصير العنب. (وسرقة) لربع مثقال أو ما قيمته ذلك لآية {والسارق والسارقة} ، أما سرقة ما دون ذلك فصغيرة. قال الحليمي إلا إن كان المسروق منه مسكينا لا غنى به عن ذلك فيكون كبيرة. (وغصب) لمال أو نحوه لخبر الصحيحين «مَنْ ظلم قيد شبر من الأرض طوّقه من سبع أرضين» . وقده العبادي وغيره بما يبلغ قيمته ربع مثقال كما يقطع به في السرقة. (وقذف) محرّم بزنا أو لواط لآية {إن الذين يرمون المحصنات} ، نعم قال الحليمي قذف صغيرة ومملوكة وحرة متهتكة صغيرة لأن الإيذاء فيه دونه في الحرة الكبيرة

المستترة، أما القذف المباح كقذف الرجل زوجته إذا علم زناها أو ظنه ظنا مؤكدا فليس بكبيرة ولا صغيرة، وكذا جرح الراوي والشاهد بالزنا إذا علم بل هو واجب. (ونميمة) وهي نقل كلام بعض الناس إلى بعض على وجه الإفساد بينهم لخبر الصحيحين «لا يدخل الجنة نمام» . بخلاف نقل الكلام نصيحة للمنقول إليه كما في قوله تعالى حكاية {يا موسى إنّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك} فإنه واجب، أما الغيبة وهي ذكرك لإنسان بما تكرهه وإن كان فيه فصغيرة قاله صاحب العدة، وأقرّه الرافعي ومن تبعه لعموم البلوى بها. نعم قال القرطبي في تفسيره إنها كبيرة بلا خلاف، ويشملها تعريف الأكثر الكبيرة بما توعد عليه بخصوصه قال تعالى {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا} قال الزركشي وقد ظفرت بنص الشافعي في ذلك، فالقول بأنها صغيرة ضعيف أو باطل. قلت ليس كذلك لإمكان الجمع بحمل النص، وما ذكر على ما إذا أصر على الغيبة أو قرنت بما يصيرها كبيرة أو اغتاب عدلاً وقد أخرجتها بزيادتي غالبا وتباح الغيبة في ستة مواضع مذكورة في محلها، وقد نظمتها في بيتين فقلت

ص: 105

تباح غيبة لمستفت ومن

رام إعانة لرفع منكر

ومعرّف متظلم متكلم

في معلن فسقا مع المحذر

(وشهادة زور) ولو بما قلّ لأنه صلى الله عليه وسلم عدها في خبر من الكبائر. وفي آخر من أكبر الكبائر رواهما الشيخان. (ويمين فاجرة) لخبر الصحيحين «من حلف على مال امرىء مسلم بغير حقه لقي الله وهو عليه غضبان» . وخص المسلم جريا على الغالب وإلا فالكافر المعصوم كذلك. (وقطيعة رحم) لخبر الصحيحين «لا يدخل الجنة قاطع» . قال سفيان أي ابن عيينة في رواية يعني قاطع رحم، والقطيعة فعيلة من القطع ضد الوصل والرحم القرابة. (وعقوق) للوالدين أو أحدهما، لأنه صلى الله عليه وسلم عدّه في خبر من الكبائر وفي آخر من أكبر الكبائر رواهما الشيخان. وأما خبرهما «الخالة بمنزلة الأم» . وخبر البخاري «عم الرجل صنو أبيه» . أي مثله فلا يدلاّن على أنهما كالولدين في العقوق. (وفرار) من الزحف لآية {ومن يولهم يومئذ دبره} ولأنه صلى الله عليه وسلم عدّه من السبع الموبقات أي المهلكات. رواه الشيخان. نعم يجب إذا علم أنه إذا ثبت يقتل من غير نكاية في العدو لانتفاء إعزاز الدين بثباته. (ومال يتيم) أي أخذه بلا حق وإن كان دون ربع مثقال لآية {إن الذين يأكلون أموال اليتامى} وقد عد أكلها صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات في الخبر السابق، وقيس بالأكل غيره وإنما عبر به في الآية، والخبر، لأنه أعم وجوه الانتفاع. (وخيانة) في غير الشيء التافه بكيل أو غيره كوزن وغلول لآية {ويل للمطففين} ولقوله تعالى {إن الله لا يحب الخائنين} والغلول الخيانة من الغنيمة أو بيت المال أو الزكاة قاله الأزهري وغيره، وإن قصره أبو عبيد على الخيانة من الغنيمة أما في التافه فصغيرة كما مر. (وتقديم صلاة) على وقتها (وتأخيرها) عنه بلا عذر كسفر قال صلى الله عليه وسلم «من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر» . رواه الترمذي وتركها أولى بذلك. (وكذب) عمدا (على نبي) . قال صلى الله عليه وسلم «من كذب عليَّ متعمدا فليتبوّأ مقعده من النار» . رواه

الشيخان وغيره من الأنبياء مثله في ذلك كما هو ظاهر قياسا عليه، وقد شمله تعبيري بنبي بخلاف تعبيره كغيره برسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد بسطت الكلام على ذلك في الحاشية، أما الكذب على غير نبي فصغيرة إلا أن يقترن به ما يصيره كبيرة كأن يعلم أنه يقتل به قاله ابن عبد السلام، وعليه يحمل خبر الصحيحين «إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذابا» . (وضرب مسلم) بلا حق لخبر مسلم «صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهنّ كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» . وخرج بالمسلم الكافر فليس ضربه كبيرة بل صغيرة، وزعم الزركشي أنه كبيرة. (وسب صحابي) لخبر الصحيحين «لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه» . وروى مسلم «لا تسبوا أحدا من أصحابي فإن أحدكم لو أنفق» الخ. والخطاب للصحابة السابين نزلهم لسبهم الذي لا يليق بهم منزلة غيرهم حيث علله بما ذكره، واستثنى من ذلك سبّ الصدّيق بنفي الصحبة فهو كفر لتكذيب القرآن، أما سب واحد من غير الصحابة فصغيرة، وخبر الصحيحين «سباب المسلم فسوق» . معناه تكرار السب فهو إصرار على صغيرة فيكون كبيرة.

(وكتم شهادة) . قال تعالى {ومن يكتمها فإنه آثم قلبه} أي ممسوخ وخص بالذكر لأنه محل الإيمان، ولأنه

ص: 106

إذا أثم تبعه الباقي. (ورشوة) بتثليث الراء وهي أن يبذل مالاً ليحق باطلاً أو يبطل حقا لخبر الترمذي «لعنة الله على الراشي والمرتشي» زاد الحاكم «والرائش الذي يسعى بينهما» . أما بذله للمتكلم في جائز مع سلطان مثلاً فجعلة جائزة فيجوز البذل والأخذ وبذله للمتكلم في واجب كتخليص من حبس ظلما وتولية قضاء طلبه من تعين عليه أو سن له جائز والأخذ فيه حرام. (ودياثة) بمثلثة قبل الهاء، وهي استحسان الرجل على أهله لخبر ثلاثة لا يدخلون الجنة العاق والديه والديوث ورجلة النساء. قال الذهبي إسناده صالح. (وقيادة) قياسا على الدياثة، والمراد بها استحسان الرجل على غير أهله. وقد بسطت الكلام عليه في الحاشية. (وسعاية) وهي أن يذهب بشخص إلى ظالم ليؤذيه بما يقوله في حقه لخبر الساعي مثلث أي مهلك بسعايته نفسه والمسعى به، وإليه. (ومنع زكاة) . لخبر الصحيحين «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليه في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره» . إلى آخره. (ويأس رحمة) لخبر الدارقطني. لكنه صوّب وقفه «من الكبائر الإشراك بالله والاياس من روح الله» . والمراد باليأس من رحمة الله استبعاد العفو عن الذنوب لاستعظامها لا إنكار سعة رحمته للذنوب، فإنه كفر لظاهر قوله تعالى {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} إلا أن يحمل اليأس فيه على الاستبعاد والكفر على معناه اللغوي وهو الستر. (وأمن مكر) بالاسترسال في المعاصي والاتكال على العفو. قال تعالى {فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} (وظهار) كقوله لزوجته أنت عليّ كظهر أمي قال تعالى فيه {وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا} أي كذبا حيث شبهوا الزوجة بالأم في التحريم. (ولحم ميتة وخنزير) أي تناوله بلا ضرورة لآية {قل لا أجد

فيما أوحي إليّ محرمّا} وبمعنى الخنزير الكلب وفرع كل منهما مع غيره. (وفطر في رمضان) ولو يوما بلا عذر لخبر من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقضه صيام الدهر، وهو وإن تكلم فيه فله شواهد تجبره، ولأن صومه من أركان الإسلام ففطره يؤذن بقلة اكتراث مرتكبه بالدين، وتعبيري بذلك أولى

ص: 107

من قوله وفطر رمضان. (وحرابة) وهي قطع الطريق على المارّين بإخافتهم لآية {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} (وسحر وربا) بموحدة لأنه صلى الله عليه وسلم عدهما من السبع الموبقات في الخبر السابق. (وإدمان صغيرة) أي إصرار عليها من نوع أو أنواع بحيث لم تغلب طاعاته معاصيه وليست الكبائر منحصرة في المذكورات، كما أفهمه ذكر الكاف في أولها، وأما نحو خبر البخاري «الكبائر الإشراك بالله والسحر وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس» . فمحمول على بيان المحتاج إليه منها وقت ذكره، وقد قال ابن عباس هي إلى السبعين أقرب. وسعيد بن جبير هي إلى السبعمائة أقرب يعني باعتبار أصناف أنواعها.

(مسألة الاخبار بعام) أي بشيء عام (رواية) كخصائص النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، إذ القصد منها اعتقاد خصوصيتها بمن اختصت به، وهو يعم الناس، وما في المروي من أمر ونهي ونحوهما يرجع إلى الخبر بتأويل. فتأويل أقيموا الصلاة، ولا تقربوا الزنا مثلاً الصلاة واجبة والزنا حرام. (و) الاخبار (بخاصّ عند حاكم شهادة) بقيد زدته بقولي (إن كان حقا لغير المخبر على غيره) فإن كان للمخبر على غيره فدعوى أو لغيره عليه وإن لم يكن عند حاكم فإقرار. (والمختار أن أشهد إنشاء تضمن إخبارا) بالمشهود به نظرا إلى وجود مضمونه في الخارج به، وإلى متعلقه. وقيل محض إخبار نظر إلى متعلقه فقط، وقيل محض إنشاء نظرا إلى اللفظ فقط. قال شيخنا العلامة المحلي وهو التحقيق فلم تتوارد الثلاثة على محل واحد، ولا منافاة بين كون أشهد إنشاء وكون معنى الشهادة إخبارا لأنه صيغة مؤدية لذلك المعنى بمتعلقه انتهى. (و) المختار (أن صيغ العقود والحلو كبعت) واشتريت (وأعتقت إنشاء) لوجود مضمونها في الخارج بها. وقال أبو حنيفة إنها إخبار على أصلها بأن يقدر وجود مضمونها في الخارج قبيل التلفظ بها، وذكر صيغ الحلول مع مثالها من زيادتي. (و) المختار (أنه يثبت الجرح والتعديل بواحد في الرواية فقط) أي بخلاف الشهادة لا يثبتان فيها إلا بعدد رعاية للتناسب فيهما، فإن قال الواحد يقبل في الرواية دون الشهادة، وقيل يثبتان إلا بعدد فيهما نظرا إلى أن ذلك شهادة، وقيل يكفي في ثبوتهما فيهما واحد نظرا إلى أن ذلك خبر، والترجيح من زيادتي. (و) المختار (أنه يشترط ذكر سبب الجرح فيهما) أي في الرواية والشهادة للاختلاف فيه بخلاف سبب التعديل. (و) لكن (يكفي إطلاقه) أي الجرح (في الرواية) كالتعديل كأن يقول الجارح فلان ضعيف أو ليس بشيء (إن عرف مذهب الجارح) من أنه لا يجرح إلا بقادح، فعلم أنه لا يكفي الإطلاق في الرواية إذا لم يعرف مذهب الجارح، ولا في الشهادة مطلقا لتعلق الحق فيها بالمشهود له، نعم يكفي ذلك فيهما لإفادة التوقف عن القبول إلى أن يبحث عن ذلك كما ذكره في الرواية، وظاهر أنه لا فرق بينها وبين الشهادة. وقيل يشترط ذكر سببهما في الرواية والشهادة ولو من العالم به، فلا يكفي إطلاقهما فيهما لاحتمال أن يجرح بما ليس بجارح، وأن يبادر إلى التعديل عملاً بالظاهر، وقيل يكفي ذلك اكتفاء بعلم الجارح والمعدل بسببهما، وقيل يشترط ذكر سبب التعديل دون سبب الجرح لأن مطلق الجرح يبطل الثقة ومطلق التعديل لا يحصلها لجواز الاعتماد فيه على الظاهر. (والجرح مقدم) عند التعارض على التعديل. (إن زاد عدد الجارح على) عدد (المعدل) إجماعا. (وكذا إن لم يزد عليه) بأن ساواه أو نقص عنه. (في الأصح) لاطلاع الجارح على ما لم يطلع عليه المعدل، وقضيته أنه لو اطلع المعدل على السبب وعلم توبته منه قدم على الجارح وهو كذلك، وقيل يطلب الترجيح في صورة عدم الزائد كما هو حاصل في صورة الزائد بالزيادة وعلى وزانه قيل إن التعديل في صورة الناقص مقدم. (ومن التعديل) لشخص (حكم مشترط العدالة) في الشاهد. (بالشهادة) من ذلك الشخص،

ص: 108

إذ لو لم يكن عدلاً عنده لما حكم بشهادته.

(وكذا عمل العالم) المشترط للعدالة في الراوي برواية شخص تعديل له في الأصح، وإلا لما عمل بروايته وقيل ليس تعديلاً، والعمل بروايته يجوز أن يكون احتياطا. (و) كذا (رواية من لا يروي إلا عن عدل) بأن صرح بذلك أو عرف من عادته عن شخص تعديل له. (في الأصح) كما لو قال هو عدل، وقيل يجوز أن يترك عادته وتأخيري في الأصح عن المسألتين قبله أولى من توسيط الأصل له بينهما. (وليس من الجرح) لشخص (ترك عمل بمرويه و) لا ترك (حكم بمشهوده) . لجواز أن يكون الترك لمعارض. (ولا حدّ) له (في شهادة زنا) بأن لم يكمل نصابها لأنه لانتفاء النصاب لا لمعنى في الشاهد. (و) لا في (نحو شرب نبيذ) من المسائل الاجتهادية المختلف فيها كنكاح المتعة لجواز أن يعتقد إباحة ذلك. (ولا تدليس) فيمن روى عنه (بتسمية غير مشهورة) له حتى لا يعرف، إذ لا خلل في ذلك. (قيل) أي قال ابن السمعاني (إلا أن يكون بحيث لو سئل) عنه (لم يبينه) فإن صنيعه حينئذ جرح له لظهور الكذب فيه. وأجيب بمنع ذلك. (ولا) تدليس (بإعطاء شخص اسم آخر تشبيها كقول) صاحب (الأصل) أخبرنا (أبو عبد الله الحافظ يعني) به (الذهبي تشبيها بالبيهقي) في قوله أخبرنا أبو عبد الله الحافظ (يعني) به (الحاكم) لظهور المقصود وذلك صدق في نفس الأمر (ولا) تدليس (بإيهام اللقى والرحلة) الأول، ويسمى تدليس الإسناد كأن يقول من عاصر الزهري مثلاً ولم يلقه. قال الزهري أو عن الزهري موهما أنه سمعه، والثاني كأن يقول حدّثنا فلان وراء النهر موهما جيحون، والمراد نهر مصر كأن يكون بالجيزة لأن ذلك من المعاريض لا كذب فيه. (أما مدلس المتون) وهو من يدرج كلامه معها بحيث لا يتميزان. (فمجروح) لإيقاعه غيره في الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم.

(مسألة الصحابي) أي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم. (من اجتمع مؤمنا) مميزا (بالنبي) في حياته (وإن لم يرو) عنه شيئا (ولم يطل) أي اجتماعه به أو كان أنثى أو أعمى كابن أم مكتوم، فخرج من اجتمع به كافرا أو غير مميز أو بعد وفاة النبي، لكن قال البرماوي في غير المميز إنه صحابي وإن اختار جماعة خلاف ذلك، وقيل يشترط في صدق اسم الصحابي الرواية ولو لحديث وإطالة الاجتماع نظرا في الإطالة إلى العرف، وفي الرواية إلى أنها المقصود الاعظم من صحبة النبي صلى الله عليه وسلم لتبليغ الأحكام، وقيل يشترط الغزو معه ومضى على الاجتماع به لأن لصحبته شرفا عظيما فلا ينال إلا باجتماع طويل يظهر فيه الخلق المطبوع عليه الشخص كالغزو المشتمل على السفر الذي هو قطعة من العذاب، والعام المشتمل على الفصول الأربعة التي تختلف فيها الأمزجة، واعترض التعريف بأنه يصدق على من مات مرتدًّا كعبد الله بن خطل، ولا يسمى صحابيا بخلاف من مات بعد ردته مسلما كعبد الله بن سرح. وأجيب بأنه كان يسماه قبل الردة، ويكفي ذلك في صحة التعريف إذ لا يشترط فيه الاحتراز عن المنافي العارض. (كالتابعي معه) أي مع الصحابي فيكفي في صدق اسم التابعي على الشخص اجتماعه مؤمنا بالصحابي في حياته، وهذا ما رجحه ابن الصلاح والنووي وغيرهما. وقيل لا يكفي ذلك من غير إطالة للاجتماع به وبه جزم الأصل تبعا للخطيب البغدادي، وفرق بأن الاجتماع بالنبي يؤثر من النور القلبي أضعاف ما يؤثره الاجتماع الطويل بالصحابي وغيره من الأخيار.

(والأصح أنه لو ادّعى معاصر) للنبي صلى الله عليه وسلم (عدل صحبة قبل) لأن عدالته تمنعه من الكذب في ذلك، وقيل لا يقبل لادّعائه لنفسه رتبة هو فيها متهم كما لو قال أنا عدل. (و) الأصح (أن الصحابة عدول) فلا يبحث عن عدالتهم في رواية ولا شهادة لأنهم خير الأمة لقوله تعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس} وقوله {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} فإن المراد بهم الصحابة،

ص: 109