المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الصيعان، وإنما اقتضى النهي الفساد لما مر أن المكروه مطلوب - غاية الوصول في شرح لب الأصول

[زكريا الأنصاري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌المقدمات

- ‌مسألة هي إثبات عرض ذاتي للموضوع

- ‌مسألة في الواجب الحرام المخيرين

- ‌(مسألة فرض الكفاية)

- ‌(مسألة:

- ‌(مسألة مطلق الأمر)

- ‌المنطوق والمفهوم

- ‌(مسألة من الألطاف)

- ‌(مسألة الاشتقاق)

- ‌(مسألة المعرّب)

- ‌(مسألة اللفظ إن استعمل في معناه الحقيقي)

- ‌الحروف

- ‌الأمر

- ‌(مسألة الأمران إن لم يتعاقبا)

- ‌العام

- ‌التخصيص

- ‌المطلق والمقيد

- ‌الظاهر والمؤوّل

- ‌المجمل ما لم تتضح دلالته

- ‌البيان

- ‌النسخ

- ‌ مسألة إذا نسخ الوجوب بقي الجواز

- ‌الكتاب الثاني في السنة

- ‌الكلام في الأخبار

- ‌(مسألة الأصح أن خبر الواحد يفيد العلم بقرينة)

- ‌(مسألة المرسل)

- ‌(مسألة الأصح جواز نقل الحديث بالمعنى لعارف)

- ‌(خاتمة) في مراتب التحمل

- ‌الكتاب الثالث في الإجماع:

- ‌(مسألة الأصح إمكانه)

- ‌خاتمة

- ‌الكتاب الرابع في القياس

- ‌(الأول) وهو المقيس عليه (الأصل)

- ‌(الثاني) من أركان القياس (حكم الأصل وشرطه ثبوته بغير قياس ولو إجماعا)

- ‌(الثالث) من أركان القياس. (الفرع

- ‌(الرابع) من أركان القياس (العلة)

- ‌مسالك العلة

- ‌(الأول الإجماع)

- ‌(الثاني) من مسالك العلة (النص الصريح)

- ‌(الثالث) من مسالك العلة (الإيماء

- ‌(الرابع) من مسالك العلة (السبر)

- ‌(الخامس) من مسالك العلة (المناسبة)

- ‌السادس) من مسالك العلة، (الشبه وهو مشابهة وصف للمناسب والطردي)

- ‌(السابع) من مسالك العلة (الدوران بأن يوجد الحكم)

- ‌(الثامن) من مسلك العلة (الطرد بأن يقارن الحكم الوصف بلا مناسبة)

- ‌(التاسع) من مسالك العلة (تنقيح المناط بأن يدل نص ظاهر على التعليل)

- ‌(العاشر) من مسالك العلة (إلغاء الفارق)

- ‌(خاتمة) في نفي مسلكين ضعيفين

- ‌القوادح

- ‌ تخلف الحكم عن العلة المستنبطة)

- ‌(الكسر)

- ‌(عدم التأثير أي نفي مناسبة الوصف)

- ‌(القلب)

- ‌(القول بالموجب)

- ‌(القدح في المناسبة)

- ‌(الفرق)

- ‌(فساد الوضع بأن لا يكون الدليل صالحا لترتيب الحكم)

- ‌(فساد الاعتبار بأن يخالف)

- ‌(منع علية الوصف)

- ‌(اختلاف ضابطي الأصل والفرع)

- ‌(التقسيم)

- ‌خاتمة) الكتاب

- ‌الكتاب الخامس في الاستدلال

- ‌(مسألة الاستقراء بالجزئي على الكلي)

- ‌(مسألة) في الاستصحاب

- ‌(مسألة المختار أن الاستحسان ليس دليلاً)

- ‌خاتمة للاستدلال

- ‌الكتاب السادس في التعادل والتراجيح

- ‌الكتاب السابع في الاجتهاد

- ‌(مسألة لا ينقض الحكم في الاجتهاديات)

- ‌(مسألة المختار جواز تقليد المفضول)

- ‌خاتمة فيما يذكر من مبادىء التصوّف

الفصل: الصيعان، وإنما اقتضى النهي الفساد لما مر أن المكروه مطلوب

الصيعان، وإنما اقتضى النهي الفساد لما مر أن المكروه مطلوب الترك والمأمور به مطلوب الفعل فيتنافيان واستدلال الأولين على فساد المنهي عنه بالنهي عنه، وقيل مطلق النهي للفساد في العبادات فقط وفساد غيرها إنما هو لأمر خارج عن النهي كترك ركن أو شرط عرف من خارج عنه، وخرج برجوع النهي إلى ما ذكر مع ما بعده النهي الراجع إلى أمر خارج عنه غير لازم، فلا يقتضي الفساد كالوضوء بمغصوب والبيع وقت نداء الجمعة لرجوع النهي في الأول لإتلاف حال الغير تعديا، وفي الثاني بتفويت الجمعة وذلك يحصل لغير الوضوء والبيع، كما أنهما

يحصلان بدونه فالمنهي عنه في الحقيقة ذلك الخارج وكالصلاة في المكان المكروه أو المغصوب كما مرّ، وقيل مطلق النهي للفساد وإن كان الخارج، وقيل لا مطلقا ولقائله تفاريع لا حاجة بنا إلى ذكرها وخرج بمطلق النهي المقيد بما يدل للفساد أو لعدمه فيعمل به في ذلك اتفاقا.

(أما نفي القبول) عن شيء كقوله تعالى {فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا} لن تقبل منهم نفقاتهم. (فقيل دليل الصحة) له لظهور النفي في عدم الثواب دون الاعتداد كما حمل عليه نحو خبر مسلم «من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما» . (وقيل) دليل (الفساد) لظهور النفي في عدم الاعتداد، ولأن القبول والصحة متلازمان فإذا نفى أحدهما نفى الآخر. (ومثله) أي نفي القبول (نفي الإجزاء) في أنه دليل الصحة أو الفساد قولان. بناء للأول على أن الاجزاء إسقاط القضاء، فإن ما لا يسقطه قد يصح كصلاة فاقد الطهورين، وللثاني على أنه الكفاية في سقوط الطلب وهو الأصح. (وقيل) هو (أولى بالفساد) من نفي القبول لتبادر عدم الاعتداد منه إلى الذهن، وعلى الفساد في نفي القبول خبر الصحيحين «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضا» . وفي نفي الاجزاء خبر الدارقطني وغيره «لا تجزىء صلاة لا يقرأ الرجل فيها بأم القرآن» .

‌العام

بناء على الراجح الآتي أن العموم من عوارض الألفاظ. (لفظ) ولو مستعملاً في حقيقته أو حقيقته ومجازه أو مجازه. (يستغرق الصالح له) أي يتناوله دفعة خرج به ما ليس كذلك كالنكرة في الاثبات مفردة أو مثناة أو مجموعة أو اسم جمع كقوم أو اسم عدد لا من حيث الآحاد، فإنها تتناول ما يصلح لها بدلاً لا استغراقا نحو أكرم رجلاً وتصدق بخمسة دراهم. (بلا حصر) خرج به اسم العدد والنكرة المثناة من حيث الآحاد كعشرة ورجلين، فإنهما يستغرقانها بحصر ويصدق الحدّ على المشترك المستعمل في أفراد معنى واحد لأنه مع قرينة الواحد لا يصلح لغيره، فلا حاجة إلى زيادة بوضع واحد، بل هي مضرة لإخراجها المشترك المستعمل في حقيقة مثلاً. (والأصح دخول) الصورة (النادرة وغير المقصودة) من صور العام. (فيه) فيشملهما حكمه نظرا للعموم، وقيل لا نظرا للمقصود عادة في مثل ذلك والنادرة كالفيل في خبر أبي داود وغيره «لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل» . فإنه ذو خف والمسابقة عليه نادرة والأصح جوازها عليه وغير المقصودة، كما لو وكله بشراء عبيد فلان وفيهم من يعتق عليه ولم يعلم به

ص: 72

الأصح صحة شرائه أخذا من مسألة ما لو وكله بشراء عبد فاشترى من يعتق عليه، وفرق في منع الموانع بين النادرة وغير المقصودة بأن النادرة هي التي لا تخطر ببال المتكلم غالبا، وغير المقصودة قد تكون مما يخطر به. ولو غالبا، فبينهما عموم من وجه لأن النادرة قد تقصد وقد لا تقصد، وغير المقصودة قد تكون نادرة، وقد لا تكون ثم إن قامت قرينة على قصد النادرة دخلت قطعا أو على قصد انتفاء صورة لم تدخل قطعا. (و) الأصح (أنه) أي العام (قد يكون مجازا) بأن يستعمل في مجازه فيصدق على العام أنه قد يكون مجازا كما يصدق على المجاز أنه قد يكون عاما نحو جاءني الأسود الرماة إلا زيدا، وقيل لا يكون العام مجازا فلا يكون المجاز عاما لأن المجاز ثبت على خلاف الأصل للحاجة إليه، وهي تندفع في المستعمل في مجازه ببعض

الأفراد، فلا يراد به جميعها إلا بقرينة كما في المثال السابق من الاستثناء. (و) الأصح (أنه) أي العموم (من عوارض الألفاظ فقط) أي دون المعاني، وقيل من عوارضهما معا. وصححه ابن الحاجب حقيقة فيكون موضوعا للقدر المشترك بينهما، وقييل مشتركا لفظيا فكما يصدق لفظ عام يصدق معنى عام حقيقة ذهنيا كان كمعنى الإنسان أو خارجيا كمعنى المطر والخصب لما يقال الإنسان يعم الرجل والمرأة، وعم المطر والخصب، فالعموم شمول أمر لمتعدد، وقيل بعروض العموم في المعنى الذهني حقيقة دون الخارجي لوجود الشمول لمتعدد فيه، بخلاف الخارجي والمطر والخصب مثلاً في محل غيرهما في آخر، فاستعمال العموم فيه مجازي وعلى الأول استعماله في الذهني مجازي أيضا.

(ويقال) اصطلاحا (للمعنى أعم) وأخص (وللفظ عام) . وخاص تفرقة بين الدال والمدلول وخصّ المعنى بأفعل التفضيل لأنه أهم من اللفظ، وبعضهم يقول في المعنى عام كما علم مما مرّ وخاص فيقال لمعنى المشتركين عام وأعم، وللفظه عام ولمعنى زيد خاص وأخص وللفظه خاص.

(تنبيهان أحدهما) الأخص يندرج في الأعم. وعبر بعضهم بالعكس وجمع بينهما بأن الأوّل في اللفظ، إذ الحيوان يصدق بالإنسان وغيره بخلاف العكس، والثاني في المعنى إذ الإنسان لا بد فيه من الحيوانية فصار الأعم مندرجا في الأخص بمعنى الاستلزام. ثانيهما ليس المراد بوصف اللفظ بالعموم وصفه به مجردا عن معناه، فإنه لا وجه له بل المراد وصفه به باعتبار معناه، فمعنى كونه عاما أنه يشترك في معناه كثيرون، لا أنه يكون مشتركا لفظيا فمدلوله معنى واحد مشترك بين الجزئيات.

(ومدلوله) أي العام في التركيب من حيث الحكم عليه. (كلية أي محكوم فيه على كل فرد) فرد (مطابقة إثباتا) خبرا أو أمرا (أو سلبا) نفيا أو نهيا نحو جاء عبيدي وما خالفوا فأكرمهم ولا تهنهم، لأنه في قوّة قضايا بعدد أفراده أي جاء فلان وجاء فلان وهكذا فيما مرّ إلى آخره، وكل منها محكوم فيه على فرده دال عليه مطابقة فما هو في قوتها محكوم فيه على كل فرد فرد دالّ عليه مطابقة، فقول القرافي إن دلالة العام على كل فرد فرد من أفراده خارجة عن الدلالات الثلاث المطابقة والتضمن والالتزام مردود، كما أوضحته في الحاشية مع زيادة وخرج بالكلية الكل والكليّ، فليس مدلول العام كلاً أي محكوما فيه على مجموع الأفراد من حيث هو مجموع نحو كل رجل في البلد يحمل الصخرة العظيمة أي مجموعهم، وإلا لتعذر الاحتجاج به في النهي على كل فرد ولم يزل العلماء يحتجون به عليه كما في نحو {ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله} ولا كليا أي محكوما فيه على الماهية من حيث هي أي من غير نظر إلى الأفراد نحو الرجل خير من المرأة، وكثيرا ما يفضل بعض أفرادها بعض أفراده، وذلك لأن النظر في العام إلى الأفراد لا إلى القدر المشترك بينها فانحصر مدلوله في الكلية وهي مقابلة للجزئية، والكل مقابل للجزء، والكلي مقابل للجزئي.

(ودلالته) أي العام (على أصل المعنى) من الواحد في المفرد والاثنين في المثنى والثلاثة أو الاثنين في الجمع على ما يأتي فيه من الخلاف. (قطعية) اتفاقا (و) دلالته (على كل فرد) منه بخصوصه

ص: 73

(ظنية في الأصح) لاحتماله التخصيص، وإن لم يظهر مخصص لكثرة التخصيص في العمومات، وقيل قطعية للزوم معنى اللفظ له قطعا حتى يظهر خلافه من قرينة كتخصيص فيمتنع تخصيص الكتاب والسنة المتواترة بخبر الواحد، وبالقياس على هذا دون الأول فإن قام دليل على انتفاء التخصيص كالعقل في نحو {والله بكل شيء عليم} فدلالته قطعية اتفاقا والتصريح بالترجيح من زيادتي. (وعموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال والأزمنة والأمكنة على المختار) لأنه لا غنى للأشخاص عنها فقوله تعالى {فاقتلوا المشركين} أي كل مشرك على أي حال كان في أيّ زمان ومكان كان، وخص منه البعض كالذمي، وقيل العام في الأشخاص مطلق في المذكورات لانتفاء صيغة العموم فيها فما خص به العام على الأوّل مبين للمراد بما أطلق فيه على هذا ورد هذا القول بأن التعميم هنا بالاستلزام كما عرف لا بالوضع فلا يحتاج إلى صيغة.

(مسألة) في صيغ العموم. (كل) وتقدمت في مبحث الحروف (والذي والتي) نحو أكرم الذي يأتيك والتي تأتيك أي كل آت وآتية لك. (وأي وما) الشرطيتان والاستفهاميتان والموصولتان وتقدمتا، ثم أطلقتا للعلم بانتفاء العموم في غير ذلك كأيّ الواقعة صفة لنكرة أو حالاً وما الواقعة نكرة موصوفة أو تعجبية. (ومتى) للزمان المبهم استفهامية أو شرطية نحو متى تجئني متى جئتني أكرمتك. (وأين وحيثما) للمكان شرطيتين نو أين أو حيثما كنت آتك، وتزيد أين بالاستفهام نحو أين كنت. (ونحوها) مما يدل على العموم لغة كجميع، ولا يضاف إلا إلى معرفة وكجمع الذي والتي وكمن الاستفهامية والشرطية والموصولة وتقدمت، وأما عدم عمومها وعموم أيّ الموصولة في نحو مررت بمن أو بأيهم قام فلقيام قرينة الخصوص، واستشكل عموم من وما بقول الفقهاء لو قال من دخل داري فله درهم، فدخلها مرة بعد أخرى لا يتكرر الاستحقاق. وأجيب بأن العموم في الأشخاص لا في الأفعال إلا أن تقتضي الصيغة التكرار نحو كلما أو يحكم به قياسا لكون الشرط علة نحو من عمل صالحا فلنفسه. فإن قلت فلم تكرر الجزاء على المحرم بقتله صيدا بعد قتله آخر مع أن الصيغة من في قوله تعالى {ومن قتله منكم متعمدا} الآية؟ قلنا لتعدّد المحل بخلافه في مثالنا حتى لو قال من دخل داري فله درهم وله عدة دور استحق كلما دخل دارا له درهما لاختلاف المحل، ولهذا لو قال طلق من نسائي من شئت لا يطلق إلا واحدة. ولو قال من شاءت طلق كل من شاءت وكل من المذكورات. (للعموم حقيقة في الأصح) لتبادره إلى الذهن، وقيل للخصوص حقيقة أي للواحد في المفرد، وللاثنين في المثنى، وللثلاثة أو الاثنين في الجمع، لأنه المتيقن والعموم مجاز، وقيل مشتركة بينهما لأنها تستعمل لكل منهما، والأصل في الاستعمال الحقيقة، وقيل بالوقف أي لا يدري أهي حقيقة في العموم أم في الخصوص أم فيهما (كالجمع المعرف باللام) نحو {قد أفلح المؤمنون} (أو

الإضافة) نحو {يوصيكم الله في أولادكم} فإنه للعموم حقيقة في الأصح. (ما لم يتحقق عهد) لتبادره إلى الذهن، وقيل ليس للعموم مطلقا بل للجنس الصادق ببعض الأفراد كما في تزوجت النساء لأنه المتيقن ما لم تقم قرينة على العموم كما في الآيتين، وقيل ليس للعموم إن احتمل عهد فهو باحتماله متردد بين العهد والعموم حتى تقوم قرينة، وعلى عمومه قيل أفراده جموع والأكثر آحاد في الإثبات وغيره، وعليه أئمة التفسير في استعمال القرآن نحو {والله يحب المحسنين} أي يثيب كلاً منهم إن الله لا يحب الكافرين

ص: 74

أي يعاقب كلاً منهم وأيد بصحة استثناء الواحد منه نحو جاء الرجال إلا زيدا، ولو كان معناه جاء كل جمع من الرجال لم يصح إلاأن يكون منقطعا، نعم قد تقوم قرينة على إرادة المجموع نحو رجال البلد يحملون الصخرة العظيمة أي مجموعهم والأول يقول قامت قرينة الآحاد في نحو الآيتين المذكورتين.

(و) كـ (ـالمفرد كذلك) أي المعرف باللام أو الإضافة ما لم يتحقق عهد، فإنه للعموم حقيقة في الأصح لما مر قبله سواء تحقق استغراق أم احتمله والعهد حملاً له في الثاني على الاستغراق لأنه الأصل لعموم فائدته نحو {وأحل الله البيع} أي كل بيع وخص منه الفاسد كالربا ونحو. {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} أي كل أمر لله وخص منه أمر الندب، وقيل ليس للعموم مطلقا بل للجنس الصادق بالبعض كما في لبست الثوب ولبست ثوب الناس لأنه المتيقن ما لم تقم قرينة على العموم كما في {إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا} وقيل المعرف باللام ليس للعموم إن لم يكن واحدة بالتاء وتميز بالوحدة كالماء والرجل، إذ يقال فيهما ماء واحد ورجل واحد فهو في ذلك للجنس الصادق بالبعض نحو شربت الماء، ورأيت الرجل ما لم تقم قرينة على العموم نحو الدينار خير من الدرهم أي كل دينار خير من كل درهم، بخلاف ما إذا كان واحده بالتاء كالتمر أو لم يكن بها ولم يتميز بالوحدة كالذهب فيعم كما في خبر الصحيحين «الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء» . وقولي كذلك أولى من اقتصاره على المحلى أي باللام فإن تحقق عهد صرف إليه جزما وكأل المعرّفة أل الموصولة هنا وفيما قبله (والنكرة في سياق النفي) وفي معناه النهي (للعموم وضعا في الأصح) بأن تدل عليه بالمطابقة كما مر من أن الحكم في العام على كل فرد مطابقة، وقيل للعموم لزوما نظرا إلى أن النفي أوّلاً للماهية، ويلزمه نفي كل فرد فيؤثر التخصيص بالنية على الأول دون الثاني في نحو والله لا أكلت ناويا غير التمر فيحنث بأكل التمر على الثاني دون الأول وعموم النكرة يكون (نصا إن بنيت على الفتح) نحو لا رجل في الدار. (وظاهرا إن لم تبن) نحو ما في الدار رجل. لاحتماله نفي الواحد فقط فإن زيد فيها من كانت نصا أيضا كما مر في الحروف والنكرة في

سياق الامتنان للعموم نحو {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} قاله القاضي أبو الطيب وفي سياق الشرط للعموم نحو {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره} أي كل واحد منهم وقد تكون للعموم البدلي لا الشمولي بقرينة نحو من يأتني بمال أجازه. (وقد يعم اللفظ) إما (عرفا كـ) ـاللفظ الدال على مفهوم (الموافقة) بقسميه الأولى والمساوي (على قول مرّ) في المبحث المفهوم نحو {فلا تقل لهما أف} {إن الذين يأكلون أموال اليتامى} الآية قيل نقلهما العرف إلى تحريم جميع ازيذاءات والإتلافات (و) نحو {حرمت عليكم أمهاتكم} نقله العرف من تحريم العين إلى تحريم جميع التمتعات المقصودة من النساء، وسيأت قول إنه مجمل، وقيل العموم فيه من باب الاقتضاء لاستحالة تحريم الأعيان فيضمر ما يصح به الكلام. قال الزركشي وغيره وقد يترجح هذا بقولهم الاضمار خير من النقل كما في قوله {وحرم الربا} وقد أجبت عنه في الحاشية. (أو معنى) وعبر عنه الأصل هنا كغيره بعقلاً (كترتيب حكم على وصف) فإنه يفيد علية الوصف للحكم كما يأتي في القياس، فيفيد العموم بالمعنى بمعنى أنه كلما وجدت العلة وجد المعلول نحو أكرم العالم إذا لم تجعل اللام فيه للعموم ولا عهد، و (كـ) ـاللفظ الدال على مفهوم (المخالفة على

ص: 75

قول مر) أن دلالة اللفظ بالمعنى على ما عدا المذكور بخلاف حكمه، وهو أنه لو لم ينف المذكور والحكم عما عداه لم يكن لذكره فائدة كما في خبر الصحيحين «مطل الغني ظلم» أي بخلاف مطل غيره.

(والخلاف في أن المفهوم) مطلقا {لا عموم له لفظي} أي عائد إلى اللفظ والتسمية أي هل يسمى عاما أو لا. بناء على أن العموم من عوارض الألفاظ والمعاني أو الألفاظ فقط، وأما من جهة المعنى فهو شامل لجميع صور ما عدا المذكور بما مر من عرف وإن صار به منطوقا أو معنى. (ومعيار العموم) أي ضابطه (الاستثناء) فكل ما صح الاستثناء منه مما لا حصر فيه فهو عام كالجمع المعرف للزوم تناوله المستثنى نحو جاء الرجال إلا زيدا، ولا يصح الاستثناء من الجمع المنكر إلا أن يخصص فيعم ما يخصص به نحو قام رجال كانوا في دارك إلا زيدا منهم، ويصح جاء رجل إلا زيد بالرفع على أن إلا صفة بمعنى غير كما في {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} (والأصح أن الجمع المنكر) في الإثبات نحو جاء رجال أو عبيد. (ليس بعام) إن لم يتخصص فيحمل على أقل الجمع ثلاثة أو اثنين لأنه المحقق، وقيل إنه عام لأنه كما يصدق بذلك يصدق بجميع الأفراد وبما بينهما، فيحمل على جميع الأفراد احتياطا إلا أن يمنع منه مانع كما في رأيت رجالاً فعلى أقل الجمع قطعا، والخلاف كما قال جماعة جار في جمع القلة والكثرة. وقال الصفي الهندي محله في جمع الكثرة. (و) الأصح (أن أقل) مسمى (الجمع) كرجال ومسلمين (ثلاثة) لتبادرها إلى الذهن، وقيل اثنان، لقوله تعالى {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} أي عائشة وحفصة وليس لهما إلا قلبان. قلنا مثل ذلك مجاز والداعي له في الآية الكريمة كراهة الجمع بين التثنيتين في المضاف ومتضمنة وهما كالشيء الواحد بخلاف نحو جاء عبداكما، وينبني على الخلاف ما لو أقر أو أوصى بدراهم لزيد، والأصح أنه يستحق ثلاثة، لكن ما مثلوا به من جمع الكثرة مخالف لاطباق النحاة على أن أقله أحد عشر. ويجاب بأن أصل وضعه ذلك لكن غلب استعماله عند الأصوليين في أقل جمع القلة، وقد أشار إلى ذلك في منع الموانع كما بينته في الحاشية.

(و) الأصح (أنه) أي الجمع (يصدق بالواحد مجازا) لاستعماله فيه كقول الرجل لامرأته وقد برزت لرجل أتتبرجين للرجال؟ لاستواء الواحد والجمع في كراهة التبرج له، وقيل لا يصدق به ولم يستعمل فيه والجمع في هذا المثال عل بابه لأن من برزت لرجل تبرز لغيره عادة. (و) الأصح (تعميم عام سيق لغرض) كمدح وذم وبيان مقدار. (ولم يعارضه عام آخر) لم يسق لذلك إذ ما سيق له لا ينافي تعميمه، فإن عارضه العام المذكور لم يعم فيما عورض فيه جمعا بينهما كما لو عارضه خاص، وقيل لا يعم مطلقا لأنه لم يسق للتعميم، وقيل يعمه مطلقا كغيره وينظر عند المعارضة إلى مرجح مثاله ولا معارض {إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم} ومع المعارض {والذين هم لفروجن حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} فإنه وقد سيق للمدح يعم بظاهره إباحة الجمع بين الأختين بملك اليمين وعارضه في ذلك {وأن تجمعوا بين الأختين} فإنه وإن لم يسق للمدح بل لبيان الحكم شامل لحرمة جمعهما بملك اليمين، فحمل الأول على غير ذلك بأن لم يرد تناوله، وقولي تبعا للبرماوي لغرض أولى من قول الأصل بمعنى المدح والذم، أما إذا سيق العام المعارض لغرض أيضا فكل منهما عام فيتعارضان فيحتاج إلى مرجح. (و) الأصح (تعميم نحو لا يستوون) من قوله تعالى {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} ، {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة} فهو لنفي جميع وجوه الاستواء الممكن نفيها لتضمن الفعل المنفي لمصدر منكر، وقيل لا يعم نظرا إلى أن الاستواء المنفي هو الاشتراك من بعض الوجوه، فهو على هذا من سلب العموم، وعلى الأول من عموم السلب وعليه يستفاد من الآيتين بأن يراد بالفاسق في الأولى الكافر بقرينة مقابلته بالمؤمن أن الكافر لا يلي أمر ولده المسلم، وأن المسلم لا يقتل بالذمي، وخالف في المسألتين الحنفية، والمراد بنحو

ص: 76

لا يستوون كل ما دل على نفي الاستواء أو نحوه كالمساواة والتماثل والمماثلة.

(و) الأصح تعميم نحو (لا أكلت) من قولك والله لا أكلت فهو لنفي جميع المأكول بنفي جميع أفراد الأكل. (وإن أكلت) فزوجتي طالق مثلاً فهو للمنع من جميع المأكولات فيصح تخصيص بعضها في المسألتين بالنية ويصدّق في إرادته. وقال أبو حنيفة لا تعميم فيها فلا يصح التخصيص بالنية لأن النفي والمنع لحقيقة الأكل، ويلزمهما النفي والمنع لجميع المأكولات حتى يحنث بواحد منها اتفاقا، وعبر الأصل في الثانية بقيل على خلاف تسويتي تبعا لابن الحاجب وغيره بينهما، لما فهم من أن عموم النكرة في سياق الشرط بدلي، وليس كما فهم بل عمومها فيه شمولي، وإنما يكون بدليا بقرينة كما مرّ. (لا المقتضي) بالكسر وهو ما لا يستقيم من الكلام إلا بتقدير أحد أمور، ويسمى مقتضى بالفتح فلا يعم جميعها لاندفاع الضرورة بأحدها، ويكون مجملاً بينها يتعين بالقرينة، وقيل يعمها حذرا من الاجمال قالوا مثاله الخبر الآتي في مبحث المجمل «رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان» . فلوقوعهما من الأمة لا يستقيم بدون تقدير المؤاخذة أو الضمان أو نحو ذلك، فقدرنا المؤاخذة لفهمها عرفا من مثله وقيل يقدر جميعها فيكون المقتضى عاما. (والمعطوف على العام) فلا يعم، وقيل يعم لوجوب مشاركة المتعاطفين في الحكم والصفة. قلنا في الصفة ممنوع مثاله خبر أبي داود وغيره «لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده» . قيل يعني بكافر وخص منه غير الحربي بالإجماع. قلنا لا حاجة إلى ذلك بل تقدر بحربي، وبعضهم جعل الجملة الثانية تامة لا تحتاج إلى تقدير ومعناها ولا يقتل ذو عهد ما دام عهده، وبعضهم جعل في الحديث تقديما وتأخيرا والأصل ولا يقتل مسلم ولا ذو عهد في عهده بكافر. (والفعل المثبت ولو مع كان) كخبر بلال «صلى النبي صلى الله عليه وسلم داخل الكعبة» . وخبر أنس «كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الصلاتين في السفر» . فلا يعم أقسامه، وقيل يعمها فلا يعم

المثال الأول الفرض والنفل، ولا الثاني جمع التقديم والتأخير، إذ لا يشهد اللفظ بأكثر من صلاة واحدة وجمع واحد، ويستحيل وقوع الصلاة الواحدة فرضا ونفلاً، والجمع الواحد في الوقتين، وقل يعمان ما ذكر حكما لصدقهما بكل من قسمي الصلاة والجمع، وقد تستعمل كان مع المضارع للتكرار كما في قوله تعالى في قصة إسماعيل {وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة} وعليه جرى العرف وتحقيقه مذكور في الحاشية. (و) الحكم (المعلق لعلة) فلا يعم كل محل وجدت فيه العلة. (لفظا لكن) يعمه (معنى) كما مرّ. وقيل يعمه لفظا كأن يقول الشارع حرّمت الخمر لإسكارها فلا يعم كل مسكر لفظا، وقيل يعمه لذكر العلة فكأنه قال حرمت المسكر. (و) الأصح أن (ترك الاستفصال) في وقائع الأحوال مع قيام الاحتمال. (ينزل منزلة العموم) في المقال كما في خبر الشافعي وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال لغيلان بن سلمة الثقفي، وقد أسلم على عشر نسوة «أمسك أربعا وفارق سائرهن» فإنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصله هل تزوجهنّ معا أو مرتبا، فلولا أن الحكم يعم الحالين لما أطلق لامتناع الإطلاق في محل التفصيل، وقيل لا ينزل منزلة العموم بل يكون الكلام مجملاً والعبارة المذكورة للشافعي وله عبارة أخرى وهي قوله وقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط بها الاستدلال، وظاهرهما التعارض وقد بينته مع الجواب عنه في الحاشية. (و) الأصح (أن نحو

ص: 77