الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مبادلة الطَّعَامِ وزناً
وسئل عن المبادلة في الطعام يَجعلُ هذا طعَامَهُ في كفةٍ والآخر في الكفة الأخرى؟.
فأجاب: لا تجوزُ المبادلةُ بأن يجعل الملحُ في كفةٍ والشعيرُ في كفةٍ، وكذلك ما أشبه هذا، لأنه كالزنة بحجر مجهول، فلا يجوز لأنه غرر، إلا أن يُعرفَ مقدارُ وزنِ أحدِهِمَا بما يوزن به الآخر فيجوز، لأنه يصير معلوماً، وقد نصَّ على المنعِ فيما ذكر المنع فيه عبدُ الملك بن حبيب.
وسئل عن إمام يجتمع له في فرنِ الأحباسِ دقيقٌ مختلطٌ من الذرة والقمح والشعير والسلت.
هل يجوز له المبادلةُ بالذرة مثلاً أو القمح حبوباً فيجعل الحبوب في كفةٍ والدقيق في الكفة الأخرى؟
فأجاب: لا تجوز المبادلةُ على الوجه المذكور المسؤول عنه، إلا أن يكون بغير ما اختلط به مثل أن يختلط دقيق قمحِ ودقيقُ شعيرٍ، فيبدله بدقيق ذرة بالميزان بالصنجة لا في كفتين، لأن دقيقَ الذرة صنف آخر ودقيق الشعير والقمح صنف واحد، وأما بيعه بالدراهم فيجوز.
سلف الدقيق وزناً
وسئل عن سلف الدقيق بالوزن حسبما جرت به العادةُ،
وذلك أنَّ بعضَ أهلِ الزمانِ منعه، ورأى أنه لا يجوز إلا كيلاً، لأنه المعروفَ في الدقيق عند الفقهاء
الأقدمين؟.
فأجاب: روى النسائي وغيرُه عن النبيصلى الله عليه وسلم أنه قال: المِكْيَالُ عَلى مِكْيَالِ أهْلِ المَدِينَةِ، والوَزْنُ عَلَى وَزْنِ أَهْلِ مَكَّةَ فاتفقَ العلماءُ، إلَاّ مَنْ شذَّ منهم ممن لا يُعتدُّ به في المسألة، على أنه يرجع لهذا الحديث في نصب الزكاة، فالمعتبر في الدنانير والدراهم العدد والأواقي المعتبرة في الشرع، وَتُرَدُّ دَرَاهِمُنَا ودنانيرنا إليها، وتعتبر سكتنا بالنسبة إليها، وكانت سكة الذهب والفضة معروفة بمكة قبل الإسلام، فأقرَّهَا النبي عليه السلام على ما كانت عليه في الجاهلية وقَدَّرَ بها النصابَ، وكذلك المعتبر في الحبوب من التمر والقمح والشعير والقطاني، وغير ذلك الكيل، فيكون على مقدار النصاب المشروع بمكيال أهل المدينة، ويعتبر في كيل كل بلدٍ نسبته في النصاب بالمقدار المحدود شرعاً إلى مكيالِ أهلِ المدينة، ولا يعتد بما جرت به العادةُ إن كانت مخالفةً لعادةِ الشرع بالوزن، فيما كان المعروف فيه في الشرع الكيل وبالعكس، وكذلك الكفارات على تفصيل فيها، وكذلك فدية الأَذَى.
وأما في البيوع والسَّلَمِ والمعاملات فتُعْتَبَرُ العوائدُ وما جرى به عرفُ كل موضعٍ من كيلٍ أو وزن، ولا أعلمُ في ذلك خلافاً، فالتمر مثلاً كان المعروف فيها بالشرع الكيل، وعندنا المعروف فيها الوزن فلا يجوز عندنا التعامل فيها بالكيل، لأنه مجهول فيقع في الغرر، وقد نهى النبيصلى الله عليه وسلم عن بيعِ الغرر فيخص بهذا النهي قولهصلى الله عليه وسلم: المِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ المَدِينَةِ الحديث المتقدم.
وأما المبادلةُ فيما تطلب فيه المساواةُ شرعاً فهل يُعتبر فيهَا ما هو معتادٌ في موضع التعامل كالبيوع، وإن خالفَ عادة الشرع، أو لا يُعتبر إلا ما اعتبر فيه في الشرع من كيل أو غيره؟
اختُلِفَ في ذلك على قولين:
أحدهما: أنه اعتبر ما جرت به العادةُ في موضع التعامل، وهذا قول ابن القصَّار، فأجاز مبادلة القمح بالقمح وزناً، وأجاز مبادلة القمح بدقيقه وزناً، وقيد إحدى الروايتَيْنِ عن مالك بالمنع من مبادلة القمح بالدقيق إلَاّ إذا كانت بالكيل، ورأى أنها إذا كانت بالميزان جازت كما قال في الرواية الأخرى.
والقول الثاني: أنه يُعتبر فيها ما قرر في الشرع في ذلك الشيء من كيل أو وزن، وهذا قول الباجي ومال إليه بعده جماعة من المتأخرين كابن
شاس وابن الحاجب وغيرهما.
فوجه القولِ الأولِ أنَّ المقصودَ المساواةُ وقد حصلت.
والمعتبر فيهما ما يعلم به ذلك عادة كالبيوع، ويُخَصُّ الحديث المتقدم وهو قولهصلى الله عليه وسلم: المِكْيَالُ علَى مِكْيَالِ أهْلِ المَدِينَةِ والوزْنُ وَزْنُ أهْلِ مَكَّةَ بالزكاة والكفارات.
ووجه القول الآخر: أنَّ المعتبر ما عرفَ في الشرع، فيه يتحقق التساوي، لأن الشارع لما أمر بالمُمَاثَلَةِ اعتبر فيها ما كانت تحصل به في زمانه، ويعضده بالحديث المتقدم ويعمه في الزكاة والمبادلة، بخلاف المعاملة فإنه يخصه بحديث النهي عن بيع الغرر، ومنع في كتاب الصرف من المدونة بيع القمح وزناً فيحتمل أن يكونَ وجهُ المنع ما تقدم فيكون مذهب اعتبار العادة عندهم فيه الكيل فمخالفتها توقع في الغرر، وعبارات الفقهاء في الموطإ وغيره تقتضي أنَّ التعاملَ في الدقيق بالكيل، والمعروف فيه عندنا بالعادة الوزن لا الكيل.
فإذا تقرر هذا فنقول: السلف يشبه المبادلةَ في طلب التساوي ابتداءً، فلا يجوز التفاضُلُ فيه بالشرط ويشبه المبايعةَ في كونه متعلقاً بالذمة، والذي يترجح، والله أعلم، أنْ يُعتبر فيه بابُ المبايعة، لأنه يتعلق بالذمة، فيعتبر فيه ما يعلم به المقدارَ عادةً لِيُعلم ما يرد ويرتفع به الغرر، لأنه إذا انتقلَ فيه إلى
مكيالٍ لم يعتبر في
العرف وقع في الجهل والغرر، لأن بعضَ القمح أخفُّ وزناً من غيره، بخلاف المبادلة فإنها في معين.
ووجه آخر وهو أنْ يُقال: القرض بُني فيه على المسامحة في القضاء، فيجوز اقتضاء أقلَّ مع الرضى باتفاق واقتضاء أكثر من غير شرط على اختلاف، والمبادلة لا يجوز فيها شيءٌ من المسامحة بالزيادة أو النقصان، وإن كان مع الرضى، باتفاق.
فيدل هذا على افتراق البابين، وأن القرض يُسمح فيه ما لا يُسمح في المبادلة، فقد بُني فيه على ما يحصل به التماثل بالعادة ولا يلزم ما اعترف به الشرع ويضيق فيه كما ضُيِّقَ في باب المبادلةِ، ولأن القرضَ أصلُه المنعُ لأنه مبادلة بالتأخير، ولكن سمح فيه لما فيه من الرفق فهو مبني على التخفيف.
ووجه آخر: أن التفاضُلَ في مبادلة العرض بالعرض جائزةٌ، وفي القرض يمنع باتفاق مع الشرط، لكونه سلفاً جرَّ منفعةً، فدلَّ على أنَّ عِلَّةَ المنعِ في البابين ليست واحدة وأنها في المبادلة التفاضلُ وفي السلف الوقوعُ في سلفٍ جرَّ منفعةً، وإذا افترقت علةُ المنعِ لم يُقَسْ أحدُ البابين على الآخر، وهذا كله على طريقة الباجي.
وأما على طريقة ابن القصار فيجوز بلا إشكالٍ، لأنه إذا أجازه في المبادلة فمن باب أولَى أنْ يجيزَهُ في السَلفَ.
فعلى هذا يترجح في المسألة المسؤول عنها أن يكون في الدقيق عندنا بالميزان.
والسلام عل من يقف عليه من ابن سراج وفقه الله.
وسئل هل يجوز سلف الدقيق من الجيران بالوزن أم لا؟ فإن بعض الناس منعه ورأى أنه ربا، وهل يجوز سلف الخبز بالشخص واحدة بواحدة أو بالعدد إن كان أكثر على أن تكون خبزة في مقابلة خبزة، أو تكون اثنتان باثنتين أو ثلاث بثلاث؟
فأجاب: سلف الدقيق بالوزن جائز، لا أعلم فيه خلافاً، والقول بأنه ربا خطأ،
وسلف الخبز تحرياً بأن يقدر ما في الخبزة من مقدار الدقيق، فإذا رد المتسلف خبزة نظر، فإن قدر أنها مثلها فلا إشكال، وإن كانت أقل ورضيَ المسلف بذلك فهوجائز، وإن لم يرض فلا يلزمه ذلك، وله طلب ما نقص، وأمَّا إن كانت أكثر ورضي المتسلف بدفع الزائد فيجوز على قول عيسىبن دينار مطلقاً، وعلى قول أشهب إن كانت الزيادة يسيرة، وأما على قول ابن القاسم فيظهر أن يمنع، لأنه يمنع الزيادة في السلف من غير شرط، ويحتمل أن يقال بالجواز في هذه المسألة على