الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رؤية أهل الجنة ربهم عز وجل
5746 -
وَرُوِيَ عَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بَينا أهل الْجنَّة فِي مجْلِس لَهُم إِذْ سَطَعَ لَهُم نور على بَاب الْجنَّة فَرفعُوا رؤوسهم فَإِذا الرب تبارك وتعالى قد أشرف عَلَيْهِم فَقَالَ يَا أهل الْجنَّة سلوني فَقَالُوا نَسْأَلك الرِّضَا عَنَّا. قَالَ رضائي أحلكم دَاري وأنالكم كَرَامَتِي وَهَذَا أوانها فسلوني قَالُوا نَسْأَلك الزِّيَادَة قَالَ: فيؤتون بنجائب من ياقوت أَحْمَر أزمتها من زمرد أَخْضَر وَيَاقُوت أَحْمَر فيحملون عَلَيْهَا تضع حوافرها عِنْد مُنْتَهى طرفيها فيأمر الله عز وجل بأشجار عَلَيْهَا الثِّمَار فتجيء جوَار من الْحور الْعين وَهن يقلن نَحن الناعمات فَلَا نبأس وَنحن الخالدات فَلَا نموت أَزوَاج قوم مُؤمنين كرام وَيَأْمُر الله عز وجل بكثبان من مسك أَبيض أذفر فينثر عَلَيْهِم ريحًا يُقَال لَهَا المثيرة حَتَّى تَنْتَهِي بهم إِلَى جنَّة عدن وَهِي قَصَبَة الْجنَّة فَتَقول الْمَلَائِكَة يَا رَبنَا قد جَاءَ الْقَوْم فَيَقُول مرْحَبًا بالصادقين مرْحَبًا بالطائعين. قَالَ فَيكْشف لَهُم الْحجاب فَيَنْظُرُونَ إِلَى الله تبارك وتعالى فيتمتعون بِنور الرَّحْمَن حَتَّى لَا ينظر بَعضهم بَعْضًا ثمَّ يَقُول أرجعوهم إِلَى الْقُصُور بالتحف فيرجعون وَقد أبْصر بَعضهم بَعْضًا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَذَلِك قَوْله {نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ}
(1)
. رواه أبو نعيم والبيهقي واللفظ له وقال: قد مضى في هذا الكتاب يعني في
(1)
سورة فصلت، الآية:23.
كتاب البعث، وفي كتاب الرؤية ما يؤكد ما روي في هذا الخبر انتهى. وهو عند ابن ماجه وابن أبي الدنيا
(1)
مُخْتَصر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بَينا أهل الْجنَّة فِي نعيمهم إِذْ سَطَعَ لَهُم نور فَرفعُوا رؤوسهم فَإِذا الرب جل جلاله قد أشرف عَلَيْهِم من فَوْقهم فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْجنَّة وَهُوَ قَوْله عز وجل: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ}
(2)
فَلَا يلتفتون إِلَى شَيْء مِمَّا هم فِيهِ من النَّعيم مَا داموا ينظرُونَ إِلَيْهِ حَتَّى يحتجب عَنْهُم وَتبقى فيهم بركته ونوره. هذا لفظ ابن ماجه والآخر بنحوه.
قوله: "وروي عن جابر بن عبد الله" تقدم الكلام على مناقبه. قوله صلى الله عليه وسلم: "بينا أهل الجنة في مجلس لهم إذ سطع لهم نور على باب الجنة فرفعوا رءوسهم فإذا الرب تبارك وتعالى قد أشرف عليهم فقال يا أهل الجنة سلوني. فقالوا: نسألك الرضى عنا". وفي رواية ابن أبي الدنيا: فإذا الرب جل جلاله قد أشرف عليهم من فوقهم فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة، وهو قوله عز وجل:{سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ}
(3)
الحديث. أشرف عليهم أي اطلع كما يقال: فلان مشرف عليك أي مطلع عليك من مكان عال والله تعالى لا
(1)
أخرجه ابن ماجه (184)، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة (94) وأبو نعيم في حلية الأولياء (2/ 1027)(6/ 208)، البيهقي في البعث والنشور (448). وقال الألباني في ضعيف الترغيب (2244): موضوع.
(2)
سورة يس، الآية:85.
(3)
سورة يس، الآية:85.
يوصف بالمكان من جهة الحلول والتمكن وإنما يوصف من جهة العلو والرفعة، فعبر عن اطلاعه عليهم ونظره إليهم بالإشراف ولما كان الله سبحانه قائلا متكلما وكان الكلام له صفة في ذاته لم يزل ولا يزال فهو يسلم عليهم سلاما هو قول منه كما قال تعالى:{سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ}
(1)
.
قوله: "فإذا نظروا إليه نسوا نعيم الجنة" أي لهوا عنه بلذة النظر إلى وجهه الكريم وذلك أن ما دون الله عز وجل لا يقاوم تجليه ولولا أن الله تعالى ثبتهم لحل بهم ما حل بالجبل حين تجلى له. قوله: "حتى يحتجب عنهم" فيجوز أن يكون معناه حتى يردهم إلى نعيم الجنة الذي نسوه وإلى حظوظ أنفسهم وشهواتها التي سهوا عنها فيتمتعوا بنعيم الجنة الذي وعده لهم ويتنعمون بشهوات النفوس التي أعدت لهم وليس ذلك إن شاء الله تعالى على معنى الاحتجاب عنهم الذي هو بمعنى الغيبة والاستتار فيكونوا له ناسين وعن شهوده محجوبين وإلى نعيم الجنة ساكنين ولكنه يردهم إلى ما نسوه ولا يحجبوه عما شاهدوه حجبة غيبة واستتار، يدل على ذلك قوله:"ويبقى فيهم نوره وبركته" أي في ديارهم، وكيف يحجبهم عنه وقد وعدهم المزيد. بل يكونون في كل حال مشاهدين وبكل [جارحة] ناظرين كما حكى عن قيس المجنون أنه قيل له ندعو لك ليلى، فقال: وهل غابت عني فتدعى؟ فقيل: أتحب ليلى؟ قال: المحبة ذريعة الوصلة وقد وقعت الوصلة فأنا ليلى وليلى أنا. قوله في حديث جابر: "فيؤتون بنجائب من ياقوت أحمر أزمتها
(1)
سورة يس، الآية:85.
زمرد أخضر وياقوت أحمر" الحديث. تقدم الكلام على تفسير النجائب والأزمة قريبا. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا الرب جل جلاله قد أشرف عليهم من فوقهم فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة" وهو قوله عز وجل: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ}
(1)
الرب معناه المالك، وقيل الرب السيد وهو بالألف واللام مختص بالله تعالى ولم يرد في خبر الأسماء والرحيم والرحمن اسمان مشتقان مثل نديم وندمان من أبنية المبالغة ورحمان أبلغ من رحيم والرحمن خاص بالله تعالى لا يسمى به غيره ولا يوصف [به غير الله تعالى]، [والرحيم يوصف به غير الله تعالى]
(2)
، يقال رجل رحيم ولا يقال رحمان، قيل في اسمه الرحمن أنه اسم الله الأعظم.
فائدة جليلة في الأحاديث الواردة ما يدل على أن سماع أهل الجنة يكون تارة من إسرافيل عليه الصلاة والسلام وتارة من داود عليه الصلاة والسلام وتارة من ملائكة آخرين وتارة من الحور العين وتارة من أصوات الأشجار وتارة من غير ذلك وأن من أجل ما يرد عليهم من المنح النفيسة في الجنة سماع سلام الحق سبحانه عليهم إذا أشرف عليهم في الجنة وقال لهم: سلام عليكم يا أهل الجنة ويرونه عيانا كما ثبت ذلك في الأحاديث وكيف إذا دُعوا إلى حضرة قربه ومشاهدة قدسه سبحانه ونصبت لهم منابر بين يديه وشاهدوه وتشنفت أسماعهم بكلامه سبحانه لهم وقراءته سبحانه عليهم
(1)
سورة يس، الآية:85.
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
وتودده إليهم، اهـ، قاله في حادي الأرواح
(1)
.
تنبيه: في الحديث إذا أخذ أهل الجنة في السماع ورّدت كل شجرة في الجنة، أي أظهرت وردها وهو نَوْرٌ طيب الرائحة ونور كل شجرة ورد والله أعلم، قاله صاحب المغيث
(2)
.
5747 -
وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَتَانِي جِبْرِيل عليه السلام وَفِي يَده مرْآة بَيْضَاء فِيهَا نُكْتَة سَوْدَاء فَقلت مَا هَذِه يَا جِبْرِيل قَالَ هَذِه الْجُمُعَة يعرضهَا عَلَيْك رَبك لتَكون لَك عيدا ولقومك من بعْدك تكون أَنْت الأول وَتَكون الْيَهُود وَالنَّصَارَى من بعْدك قَالَ مَا لنا فِيهَا قَالَ فِيهَا خير لكم فِيهَا سَاعَة من دَعَا ربه فِيهَا بِخَير هُوَ لَهُ قسم إِلَّا أعطَاهُ إِيَّاه أَو لَيْسَ لَهُ يقسم إِلَّا ادخر لَهُ مَا هُوَ أعظم مِنْهُ أَو تعوذ فِيهَا من شَرّ هُوَ عَلَيْهِ مَكْتُوب إِلَّا أَعَاذَهُ أَو لَيْسَ عَلَيْهِ مَكْتُوب إِلَّا أَعَاذَهُ من أعظم مِنْهُ قلت مَا هَذِه النُّكْتَة السَّوْدَاء فِيهَا قَالَ هَذِه السَّاعَة تقوم يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ سيد الْأَيَّام عندنَا وَنحن نَدْعُوهُ فِي الْآخِرَة يَوْم الْمَزِيد قَالَ قلت لم تَدعُونَهُ يَوْم الْمَزِيد قَالَ إِن رَبك عز وجل اتخذ فِي الْجنَّة وَاديا أفيح من مسك أَبيض فَإِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة نزل تبارك وتعالى من عليين على كرسيه ثمَّ حف الْكُرْسِيّ بمنابر من نور وَجَاء النَّبِيُّونَ حَتَّى يجلسوا عَلَيْهَا ثمَّ حف المنابر بكراسي من ذهب ثمَّ جَاءَ الصديقون وَالشُّهَدَاء حَتَّى يجلسوا عَلَيْهَا ثمَّ يَجِيء أهل الْجنَّة حَتَّى يجلسوا على الْكَثِيب فيتجلى لَهُم
(1)
لم أجده.
(2)
المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (3/ 403).
رَبهم تبارك وتعالى حَتَّى ينْظرُوا إِلَى وَجهه وَهُوَ يَقُول أَنا الَّذِي صدقتكم وعدي وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي هَذَا مَحل كَرَامَتِي فسلوني فيسألونه الرِّضَا فَيَقُول الله عز وجل رضائي أحلكم دَاري وأنالكم كَرَامَتِي فسلوني فيسألونه حَتَّى تَنْتَهِي رغبتهم فَيفتح لَهُم عِنْد ذَلِك مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر إِلَى مِقْدَار منصرف النَّاس يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ يصعد الرب تبارك وتعالى على كرسيه فيصعد مَعَه الشُّهَدَاء وَالصِّدِّيقُونَ أَحْسبهُ قَالَ وَيرجع أهل الغرف إِلَى غرفهم درة بَيْضَاء لَا فَصم فِيهَا وَلَا وصم أَو ياقوتة حَمْرَاء أَو زبرجدة خضراء مِنْهَا غرفها وأبوابها مطردَة فِيهَا أنهارها متدلية فِيهَا ثمارها فِيهَا أزواجها وخدمها فليسوا إِلَى شَيْء أحْوج مِنْهُم إِلَى يَوْم الْجُمُعَة ليزدادوا فِيهِ كَرَامَة وليزدادوا فِيهِ نظرا إِلَى وَجهه تبارك وتعالى وَلذَلِك دعِي يَوْم الْمَزِيد. رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في الأوسط بإسنادين أحدهما جيد قوي، وأبو يعلى مختصرا ورواته رواة الصحيح، والبزار
(1)
واللفظ له.
[الفصم] بالفاء: هو كسر الشيء من غير أن تفصله. [والوصم] بالواو:
(1)
أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة (88)، البزار (7527)، وأبو يعلى (4228)، الطبراني في الأوسط (2/ 314 رقم 2084). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 164) رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات وروى أبو يعلى طرفا منه. وقال الهيثمي في (10/ 421) رواه البزار، والطبراني في الأوسط بنحوه، وأبو يعلى باختصار، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح، وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وقد وثقه غير واحد، وضعفه غيرهم، وإسناد البزار فيه خلاف. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (694).
الصدع والعيب.
قوله: "وعن أنس بن مالك" تقدم الكلام على ترجمته.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل عليه السلام وفي يده مرآة بيضاء فيها نكتة سوداء" الحديث. جبريل هو رسول رب العالمين إلى أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، وتقدم الكلام عليه في الجمعة وفضلها مبسوطًا. والنكتة السوداء أي أثر قليل كالنقطة شبه الوسخ في المرآة والسيف ونحوهما. قاله في النهاية
(1)
.
قوله: "فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال هذه الجمعة يعرضها عليك ربك لتكون لك عيدا لقومك من بعدك" الحديث.
تنبيه: وأما أعياد المؤمنين في الجنة فهي أيام زيارتهم لربهم عز وجل فيرونه ويكرمهم غاية الكرامة ويتجلى لهم وينظرون إليه فما أعطاهم شيئا هو أحب إليهم من ذلك وهو الزيادة التي [قال] فيها [عز وجل: {لِلَّذِينَ] أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}
(2)
كل يوم كان للمسلمين عيدا في الدنيا فإنه عيد لهم في الجنة يجتمعون فيه على زيارة ربهم ويتجلى لهم فيه ويوم الجمعة يدعى في الجنة يوم المزيد ويوما الفطر والأضحى يجتمع أهل الجنة فيهما للزيارة. وروي أنه يشارك النساء الرجال فيهما كما كنّ يشهدن العيد مع الرجال دون الجمعة، فهذا لعموم أهل الجنة، وأما خواصهم فكل يوم لهم عيد يزورون ربهم كل يوم مرتين بكرة وعشيا الخواص كانت أيام الدنيا كلها لهم أعيادا
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 114).
(2)
سورة يونس، الآية:26.
فصارت أيامهم في الآخرة كلها أعيادًا. قال الحسن كل يوم لا يعصى الله فيه [فهو]
(1)
عيد، كل يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه وذكره وشكره فهو له عيد، اهـ. قاله ابن رجب في اللطائف
(2)
.
قوله: "فيها ساعة من دعا ربه فيها بخير هو له قسم إلا أعطاه إياه" تقدم الكلام على الساعة التي يستجاب فيها الدعاء في يوم الجمعة [في كتاب الجمعة]، وورد فيها أحاديث كثيرة وأقوال السلف والخلف والذي عليه الجمهور وصححه النووي أنها من صعود الخطيب على المنبر إلى أن يفرغ من الصلاة لحديث ورد في ذلك في صحيح مسلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن ربك عز وجل اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك أبيض" الحديث، الأفيح هو بالفاء وبالحاء المهملة هو الواسع فكل موضع واسع يقال له أفيح وروضة فيحاء ودار فيحاء أي واسعة وفاحت الغارة أي اتسعت، قاله ابن الأثير
(3)
وغيره. قوله: "فيتجلى لهم ربهم تبارك وتعالى حين ينظروا إلى وجهه" تقدم الكلام على معنى التجلي قريبا.
قوله: "فسلوني. فيسألونه الرضى" فذكر الحديث إلى أن قال: "فسلوني فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم فيفتح لهم عند ذلك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" الحديث. واعلم أنه سبحانه وتعالى
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
لطائف المعارف لابن رجب (ص: 278).
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 484).
يعطي المؤمنين ما يتمنون ولا يزالون يتمنون بإذن ربهم سبحانه وتعالى حتى تعجز عقولهم وتدبيراتهم وشهواتهم عن الأماني والمسائل لأنهم نالوا كل ما يخطر لهم من النعيم فيقول الله تبارك وتعالى: ذلك كله تمنوا علي فلا يعرفون ما يتمنون فيرجعون إلى علمائهم فيسألونهم ما يتمنون فيستنبطون لهم أشياء يتمنونها؟ قال القاضي ناصر الدين الميلق الشاذلي قدس الله روحه ولقد خطر لي أن العلماء رضي الله عنهم يستنبطون ذلك من أسرار أسماء الله تعالى وآثار صفاته سبحانه ويتوصلون بالأسماء والصفات إلى كنوز مواهب خفيت على غيرهم اهـ، قاله في حادي القلوب وفي الحديث عن جابر بن عبد الله
(1)
.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أهل الجنة يحتاجون إلى العلماء في الجنة كما يحتاجون إليهم وذلك أنهم يزورون ربهم في كل جمعة فيقول تمنوا عليّ ما شئتم فيلتفتون إلى العلماء فيقولون ما نتمنى على ربنا فيقولون: تمنوا النظر إلى وجه الله تعالى. اهـ. وعلى كل حال فأهل الجنة ملوك وأي ملوك. قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20)}
(2)
[أفتستغلي] هذا الملك بما فيه مما لا تصل إليه الأماني ولا تبلغه الشهوات ببذل الروح بالموت لا والله هذا هو المطلب الأعز والوصل [الأخص والقرب الأنص]
(1)
الفردوس بمأثور الخطاب (880) والذهبي في في ميزان الاعتدال (6/ 22) في ترجمة: مجاشع بن عمرو قلت وهذا موضوع ومجاشع هو راوي كتاب الأهوال والقيامة وهو جزآن كله خبر واحد موضوع.
(2)
سورة الإنسان، الآية:20.
[كيف بك أيها المؤمن]
(1)
وقد [أخذت] مداركك كلها مأربها على حسبها وانتهيت إلى حضرة المواصلة ونلت منها معالي رتبها وحصلت على رضى محبوبك عنك على الدوام وبلغت ما لا يبلغ حصره المبالغات ولا تحيط بكنهه الأحلام ولقد حق لي أن أقول:
شراء هذا الوصل بالموت لا يغلو
…
وكل عناء دون هذا الهناء يحلو
إذا كانت العقبى وصالا وقربة
…
وودا وتكريما فكل عناء سهل
[ومما أفاده] الشيخ الكبير الأستاذ [موفق] الدين [المحلى]
(2)
على هذين البيتين:
وأي عناء يبقى إذا انكشف الغطاء
…
وقد زالت الآلام واتسع الفضل
وشاهد من يهواه قلبي جهرة
…
وبالأهل والأحباب قد جمع الشمل
فلست أخاف الموت كلا وإنه
…
لقصري من الرحمن كي يصل الوصل اهـ
قاله ابن الميلق في آخر كتابه حادي القلوب إلى لقاء المحبوب في الموت وفوائده ونتائجه
(3)
.
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(3)
حادى القلوب (لوحة 52/ مخ 4283 تشستربيتى).
قوله صلى الله عليه وسلم: "ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم درة بيضاء لا فصم فيها ولا وصم" الحديث. الفصم بالفاء هو كسر الشيء من غير أن تفصله، اهـ. قاله الحافظ: وقال في النهاية
(1)
الفصم أن ينصدع الشيء فلا يبين: تقول: فصمته فانفصم، ومنه حديث أبي بكر إني وجدت في ظهري انفصاما أي انصداعا. يروى بالقاف وهو قريب منه ومنه الحديث استغنوا عن الناس ولو عن فصمة السواك أي ما انكسر منها. ويروى بالقاف اهـ. وقال الكرماني
(2)
: الفصم القطع، قال الله تعالى:{لَا انْفِصَامَ لَهَا}
(3)
أي لا انقطاع، ويقال الفصم الصدع أو الشق من غير إبانة، والقصم بالقاف الكسر مع الإبانة. اهـ، ومنه الحديث: والفاجر كالأرزة صماء معتدلة حتى يقصمها الله تعالى، يقال: فصم الشيء إذا انصدع من غير بينونة يفصم فصما فهو أفصم ويجيء متعديا أيضا ومنه قوله تعالى: {لَا انْفِصَامَ لَهَا} ، قوله:"ولا وصم" والوصم بالواو الصدع والعيب، قاله الحافظ.
5748 -
وَرُوِيَ عَن حُذَيْفَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَتَانِي جِبْرِيل فَإِذا كَفه مرْآة كأصفى المرايا وأحسنها وَإِذا فِي وَسطهَا نُكْتَة سَوْدَاء قَالَ قلت يَا جِبْرِيل مَا هَذِه قَالَ هَذِه الدُّنْيَا صفاؤها وحسنها قَالَ قلت وَمَا هَذِه اللمْعَة السَّوْدَاء فِي وَسطهَا قَالَ هَذِه الْجُمُعَة قَالَ قلت وَمَا الْجُمُعَة قَالَ يَوْم من أَيَّام
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 452).
(2)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (1/ 27).
(3)
سورة البقرة، الآية:256.
رَبك عَظِيم وسأخبرك بشرفه وفضله واسْمه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أما شرفه وفضله واسْمه فِي الدُّنْيَا فَإِن الله تبارك وتعالى جمع فِيهِ أَمر الْخلق وَأما مَا يُرْجَى فِيهِ فَإِن فِيهِ سَاعَة لَا يُوَافِقهَا عبد مُسلم أَو أمة مسلمة يسألان الله فِيهَا خيرا إِلَّا أعطاهما إِيَّاه وَأما شرفه وفضله واسْمه فِي الْآخِرَة فَإِن الله تَعَالَى إِذا صير أهل الْجنَّة إِلَى الْجنَّة وَأدْخل أهل النَّار النَّار وَجَرت عَلَيْهِم أَيَّامهَا وساعاتها قَالَ حُذَيْفَة وَإنَّهُ لَهو أَشد بَيَاضًا من دقيقكم هَذَا قَالَ فَيخرج غلْمَان الْأَنْبِيَاء بمنابر من نور وَيخرج غلْمَان الْمُؤمنِينَ بكراسي من ياقوت قَالَ فَإِذا وضعت لَهُم وَأخذ الْقَوْم مجَالِسهمْ بعث الله تبارك وتعالى عَلَيْهِم ريحًا تدعى المثيرة تثير عَلَيْهِم أثابير الْمسك الْأَبْيَض فتدخله من تَحت ثِيَابَهمْ وتخرجه فِي وُجُوههم وأشعارهم فَتلك الرّيح أعلم كَيفَ تصنع بذلك الْمسك من امْرَأَة أحدكُم لَو دفع إِلَيْهَا كل طيب على وَجه الأَرْض لكَانَتْ تِلْكَ الرّيح أعلم كَيفَ تصنع بذلك الْمسك من تِلْكَ الْمَرْأَة لَو دفع إِلَيْهَا ذَلِك الطّيب بِإِذن الله عز وجل قَالَ ثمَّ يوحي الله سُبْحَانَهُ إِلَى حَملَة الْعَرْش فَيُوضَع بَين ظهراني الْجنَّة وَبَينه وَبينهمْ الْحجب فَيكون أول مَا يسمعُونَ مِنْهُ أَن يَقُول أَيْن عبَادي الَّذين أطاعوني بِالْغَيْبِ وَلم يروني وَصَدقُوا رُسُلِي وَاتبعُوا أَمْرِي فسلوني فَهَذَا يَوْم الْمَزِيد قَالَ فيجتمعون على كلمة وَاحِدَة رب رَضِينَا عَنْك فارض عَنَّا قَالَ فَيرجع الله تَعَالَى فِي قَوْلهم أَن يَا أهل الْجنَّة إِنِّي لَو لم أَرض عَنْكُم لما أسكنتكم جنتي فسلوني فَهَذَا يَوْم الْمَزِيد قَالَ فيجتمعون على كلمة وَاحِدَة رب وَجهك أرنا نَنْظُر إِلَيْهِ قَالَ فَيكْشف الله تبارك وتعالى تِلْكَ الْحجب
ويتجلى لَهُم فيغشاهم من نوره شَيْء لَوْلَا أَنه قضى عَلَيْهِم أَن لَا يحترقوا لَاحْترقُوا مِمَّا غشيهم من نوره قَالَ ثمَّ يُقَال لَهُم ارْجعُوا إِلَى مَنَازِلكُمْ قَالَ فيرجعون إِلَى مَنَازِلهمْ وَقد خفوا على أَزوَاجهم وخفين عَلَيْهِم مِمَّا غشيهم من نوره تبارك وتعالى فَإِذا صَارُوا إِلَى مَنَازِلهمْ ترَاد النُّور وَأمكن حَتَّى يرجِعوا إِلَى صورهم الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قَالَ فَتَقول لَهُم أَزوَاجهم لقد خَرجْتُمْ من عندنَا على صُورَة وَرَجَعْتُمْ على غَيرهَا قالَ فَيَقُولُونَ ذَلِك بِأَن الله تبارك وتعالى تجلى لنا فَنَظَرْنَا مِنْهُ إِلَى مَا خفينا بِهِ عَلَيْكُم قَالَ فَلهم فِي كل سَبْعَة أَيَّام الضعْف على مَا كَانُوا قَالَ وَذَلِكَ قَوْله عز وجل فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين جَزَاء بِمَا كانُوا يعْملُونَ. رواه البزار
(1)
.
قوله: "وروي عن حذيفة" هو ابن اليمان تقدم الكلام على مناقبه. قوله: "أتاني جبريل عليه السلام فإذا في كفه مرآة وإذا في وسطها نكتة سوداء" الحديث، تقدم الكلام على جبريل عليه السلام والنكتة بالتاء المثناة من فوق كالنقطة تقدم الكلام عليها أيضا. قوله:"قلت: وما هذه اللمعة السوداء؟ " اللمعة بالضم تقدم الكلام عليها في الاستغفار. قوله: "وأما ما يرجى فيه فإن فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم أو أمة مسلمة يسألان الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه" تقدم
(1)
البزار في المسند (7527)، وأخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (460)، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة (335) ومن طريقه ابن سمعون في أماليه (227)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (786)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 139) وابن بطة في الإبانة (26) قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح قال يحيى: عبد الله بن عرادة ليس بشيء، وقال ابن عدي عامة ما يرويه لا يتابع عليه.
الكلام على الساعة التي يستجاب فيها الدعاء مبسوطا في محله. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تبارك وتعالى إذا صير أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار" الحديث، قال أهل السنة والجماعة: الجنة والنار مخلوقتان اليوم خلافا للمعتزلة فإنهم يقولون يخلقان يوم القيامة، قاله الكرماني
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس بها ليل ولا نهار إلا أن الله قد علم مقدار ذلك وساعاته".
فائدة: قال العلماء ليس في الجنة ليل ولا نهار وإنما هم في نور أبدا وإنما يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب، [ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب]، ذكره أبو الفرج ابن الجوزي
(2)
.
تنبيه: هل في القيامة شمس؟ فالجواب: نعم، لكن في الموقف فقط، تم تكون الشمس والقمر بعد ذلك في النار إذا انقضى أمر الموقف، قاله الحافظ العسقلاني. قوله صلى الله عليه وسلم:"فيكشف الله تبارك وتعالى تلك الحجب ويتجلى لهم" تقدم الكلام على كشف الحجب والتجلي قريبا.
5749 -
وَرُوِيَ عَن ابْن عمر رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن أدنى أهل الْجنَّة منزلَة لمن ينظر إِلَى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرَة ألف سنة وَأكْرمهمْ على الله من ينظر إِلَى وَجهه غدْوَة وَعَشِيَّة ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)}
(3)
رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ
(1)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (13/ 182).
(2)
انظر: تفسير البغوي (3/ 202)، تفسير ابن كثير (3/ 130)، الدر المنثور (5/ 529).
(3)
سورة القيامة، الآيات: 22 - 23.
وَتقدم
(1)
وَرَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا مُخْتَصرا إِلَّا أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن أفضل أهل الْجنَّة منزلَة من ينظر إِلَى وَجه الله تَعَالَى كل يَوْم مرَّتَيْنِ
(2)
.
5750 -
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الله عز وجل يَقُول لأهل الْجنَّة يَا أهل الْجنَّة فَيَقُولُونَ لبيْك رَبنَا وَسَعْديك وَالْخَيْر فِي يَديك فَيَقُول هَل رَضِيتُمْ فَيَقُولُونَ وَمَا لنا لَا نرضى يَا رَبنَا وَقد أَعطيتنَا مَا لم تعط أحدا من خلقك فَيَقُول أَلا أُعْطِيكُم أفضل من ذَلِك فَيَقُولُونَ وَأي شَيْء أفضل من ذَلِك فَيَقُول أحل عَلَيْكُم رِضْوَانِي فَلَا أَسخط عَلَيْكُم بعده أبدا. رواه البخاري
(3)
ومسلم
(4)
والترمذي
(5)
.
قوله: "وعن أبي سعيد الخدري" تقدم، قوله صلى الله عليه وسلم:"إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة. فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك. فيقول: هل رضيتم؟ " الحديث، وما ألذ هذا الخطابي الشفاهي وأعظم هذا الإفضال، قاله في حدائق الأولياء. قوله:"فيقولون لبيك" ومعنى لبيك دواما على طاعتك وإقامة عليها مرة بعد أخرى من ألبّ بالمكان إذا أقام به وألب عليه إذا لم يفارقه والتلبية بمعنى التهليل من لا إله إلا الله. ومعنى سعديك
(1)
تقدم برقم 5637.
(2)
أخرجه ابن أبى الدنيا في صفة الجنة (97). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (2185). ولم يدرج الشارح تحته شرحًا.
(3)
صحيح البخاري (6549).
(4)
صحيح مسلم (2829).
(5)
سنن الترمذي (2555).
مساعدة، والمساعدة المطاوعة كأنه قال: أطيعك طاعة ولم يسمع بسعديك منفردا وحكي عن العرب سبحانه وسعدانه على أسبحه وأطيعه تسمية للإسعاد بسعدان كما سمى التسبيح بسبحان كذا في الفائق
(1)
.
قوله: "والخير في يديك أي عندك كالشيء المقبوض عليه يجرى مجاري قضائك وقدرك لا يدرك من غيرك ما لم تسبق به كلمتك" قاله شارح مشارق الأنوار.
قوله تعالى: "أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا" قال القاضي عياض
(2)
في المشارق: أي أنزله عليكم والرضوان بكسر الراء وضمها، قرئ بهما في السبع والله أعلم.
(1)
الفائق (2/ 179).
(2)
مشارق الأنوار (1/ 195).