المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في فرش الجنة - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ١٥

[حسن بن علي الفيومي]

الفصل: ‌فصل في فرش الجنة

‌فصل في فرش الجنة

5703 -

عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي قَوْله تَعَالَى {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} [الْوَاقِعَة: 34] قَالَ ارتفاعها كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض ومسيرة مَا بَينهمَا خَمْسمِائَة عَام. رواه ابن أبي الدنيا

(1)

والترمذي

(2)

، وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين، يعني عن عمرو بن الحارث عن دراج.

[قال الحافظ]: قد رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي وغيرهما من حديث ابن وهب أيضا عن عمرو بن الحارث عن دراج.

قوله: "عن أبي سعيد الخدري" تقدم. قوله: "عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)}

(3)

قال: ارتفاعها كما بين السماء والأرض ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام"، قال بعض أهل العلم: في تفسير هذا الخبر أن معناه الفرش في الدرجات وبين الدرجات كما بين السماء والأرض، [و] روى

(1)

ابن أبي الدنيا في صفة الجنة (155).

(2)

أخرجه الترمذي (2540 و 3294)، وأخرجه أحمد (11719)، وأبو يعلى (1395) والطبري في تفسيره (27/ 185)، وأبو الشيخ في العظمة (593) وابن أبي حاتم في تفسيره والضياء في صفة الجنة كما في تفسير ابن كثير (4/ 291)، وابن حبان (7405)، وأبو نعيم في صفة الجنة (357)، والبيهقي في البعث (311)، والبغوي في تفسيره (7/ 18)، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (2216)، وضعيف الجامع الصغير وزيادته (6109).

(3)

سورة الواقعة، الآية:34.

ص: 53

الترمذي

(1)

عن أبي سعيد الخدري أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في الجنة مائة درجة لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم حديث غريب.

قال الإمام القرطبي

(2)

: وقد قيل إن الفرش كناية عن النساء اللواتي في الجنة ذوات الفرش والمعنى ونساء مرتفعات الأقدار في حسنهن وكمالهن والعرب تسمي المرأة فراشا ولباسا وإزارا ونعجة على الاستعارة لأن الفرش محلها ["لعل في العبارة قلبا أي لأن النساء محلهن الفرش تسمية المحال باسم المحل، والله أعلم"]

(3)

النساء وفي الحديث: الولد للفراش، وقال تعالى:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ}

(4)

، وقال تعالى:{إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ}

(5)

ولكن قوله: "مرفوعة" يأبى هذا إلا أن يقال: المراد رفعة القدر أي [رفعن] بالجمال على نساء أهل الدنيا وكل فاضل رفيع، اهـ.

وقيل فرش مرفوعة أي [بقدر] ارتفاع أعمالهم ولما ذكر الله سبحانه وتعالى الفرش المرفوعة ذكر أيضا أن السرر مرفوعة أيضا ولا يخفى أن

(1)

الترمذي (2532) والحديث؛ أخرجه أبو نعيم، في "صفة الجنة"(245 و 246)، والبيهقي، في "البعث والنشور"(249)، وأحمد (11256)، وأبو يعلى (1398)، وقال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث غريب ..

(2)

تفسير القرطبي (17/ 210).

(3)

سقطت هذه الحاشية من النسخة الهندية.

(4)

سورة البقرة، الآية:187.

(5)

سورة ص، الآية:23.

ص: 54

ارتفاع السرير أكثر من ارتفاع الفرش، قال ابن عباس رضي الله عنهما

(1)

: في قوله تعالى: {فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13)}

(2)

ألواحها من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت والسرير كما بين مكة وأيلة، تقدم الكلام على أيلة في ذكر الحوض عن الكلبي أن طول السرير في السماء مائة عام وأن السرر مرتفعة ما لم يجئ أهلها فإذا أراد الرجل أن يجلس عليها تواضعت له حتى يجلس عليها ثم ترتفع إلى موضعها. قال الله تعالى:{مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ}

(3)

إعلاما بتقاربها وحسن ترتيبها وعدم تدابرها وكمال تقابلها، وقال تعالى:{عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16)}

(4)

المنضودة المزينة، المنضودة التي هي على نسج واحد وإذا تأملت ارتفاع الفرش وارتفاع الأسرة ظهر لك من ذلك أن ارتفاع القصور والغرف التي تكون فيها هذه الأسرة لا تكاد تحاط وما الظن بارتفاع جملة الغرف التي بعضها فوق بعض، قال الله تعالى:{لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}

(5)

الآية. ثم إنك قد علمت أن للمؤمن على هذه السرر أهلين وزوجات وما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من صفات نساء الجنة وحورها فكثير يذهل عقول المتفكرين ويذهب بلبّ المتبصرين وبالجملة فلا شك أن نساء الجنة

(1)

تفسير البغوي (4/ 479).

(2)

سورة الغاشية، الآية:13.

(3)

سورة الطور، الآية:20.

(4)

سورة الواقعة، الآية: 15 - 16.

(5)

سورة الزمر، الآية:20.

ص: 55

من الآدميات والحور في أكمل الصور جمالا وحسنا وريحا طيبا وصفاء وضياء. وفي البخاري

(1)

من حديث مرفوع لو اطلعت امرأة [أي أشرفت] من نساء أهل الجنة إلى الأرض [لملأت] ما بينهما ريحا ولأضاءت ما بينهما ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها. النصيف ما يغطى به الرأس وتقدم لك بعض صفاتهن، قال الله تعالى:{وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ}

(2)

، واختلف في وجه طهارتهن ومجموع ما قيل في طهارتهن أنهن مطهرات الأبدان من كل ما يستقذر كالحيض والنفاس والمذي والمني والبصاق والمخاط والصّنان والعمش والبكاء وطول [الأظافير وتشعث] الأبشار ونحو ذلك مطهرات الأخلاق من كل سوء ومطهرات في جميع عوالمهن ومعالمهن من كل إثم وقبيح، اهـ.

5704 -

وَرُوِيَ عَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الْفرش المرفوعة فَقَالَ لَو طرح فرَاش من أَعْلَاهَا لهوى إِلَى قَرَارهَا مائَة خريف. رواه الطبراني

(3)

، ورواه غيره موقوفًا

(4)

على أبي أمامة، وهو أشبه بالصواب.

(1)

صحيح البخاري (6568).

(2)

سورة البقرة، الآية:25.

(3)

الطبراني في المعجم الكبير (8/ 7947/242)، وأبو نعيم الأصبهاني في صفة الجنة (356) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 120) رواه الطبراني، وفيه جعفر بن الزبير الحنفي وهو ضعيف. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (5942)، وضعيف الترغيب والترهيب (2217)، وضعيف الجامع الصغير وزيادته (4826).

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (13/ 140)، وهناد في الزهد (79).

ص: 56

قوله: "عن أبي أمامة" تقدم. قوله: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفرش المرفوعة فقال: لو طرح فراش من أعلاها لهوى إلى قاراها مائة خريف" الخريف هو العام، وتقدم ذكره في مواضع كثيرة وقد ذكر الله سبحانه وتعالى [فرش الجنة]، فقال تعالى:{مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ}

(1)

وقال تعالى: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)}

(2)

، [وروى الترمذي

(3)

قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في قوله تعالى:] قال ارتفاعها كما بين السماء والأرض، ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام، وتقدم في أول الباب، وقال بعض العلماء: يحتمل أن يكون المراد بارتفاعها ارتفاع محلها ويؤيده ما رواه ابن وهب عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله تعالى: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)} ، قال ما بين الفراشين كما بين السماء والأرض. وقال تعالى:{مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)}

(4)

، قال سعيد بن جبير: الرفرف رياض الجنة، والعبقري عتاق الزاربي والرفرف جمع رفرفة وجمع الرفرف رفارف. وقال الليث: الرفرف ضرب من الثياب خضر تبسط، الواحدة رفرفة. وقال أبو عبيد

(5)

الرفارف البسط [وقالوا] الرفرف الوسائد، وقالوا: الرفرف المحاسن.

(1)

سورة الرحمن، الآية:54.

(2)

سورة الواقعة، 34.

(3)

سبق.

(4)

سورة الرحمن، الآية:76.

(5)

انظر: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (ص: 207).

ص: 57

وقال المبرد: هو فضول الثياب التي تتخذ للملوك في الفرش وغيره وقال الواحدي: وكأن الأقرب هذا لأن العرب تسمي [كيس] الخباء والخربة التي تخاط في أسفل الخباء رفرفا ومنه الحديث في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: فرفع الرفرف فرأينا وجهه كأنه ورقة. وقال قتادة والضحاك: الرفرف محاسن خضر فوق [الفرش]، وقيل كل ثوب عريض يسمى عند العرب رفرفا. قوله:"وعبقري حسان" والعبقري منسوب إلى عبقر [تزعم] العرب أنه بلد الجن ينسبون إليه كل شيء عجيب والله تعالى أعلم.

5705 -

وَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه فِي قَوْله عز وجل {بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} قَالَ أخبرتم بالبطائن فَكيف بالظهائر؟ رواه البيهقي

(1)

موقوفا بإسناد حسن.

قوله: "عن ابن مسعود" تقدم. قوله في قوله تعالى: {بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} ، "قال: أخبرتم بالبطائن فكيف بالظهائر" الحديث، فوصف الفرش بكونها مبطنة بالاستبرق وهذا يدل على أمرين: أحدهما أن ظهائرها أعلى وأحسن من بطائنها لأن بطائنها للأرض وظهائرها للجمال والزينة والمباشرة. قال سفيان الثوري: عن أبي إسحاق عن هبيرة بن مريم عن [أبيه] في قوله: بطائنها من استبرق، قال هذه البطائن قد أخبرتم بها فكيف بالظهائر، فذكر نحو قول ابن مسعود. والثاني: يدل على أنها فرش عالية لها سمك

(1)

البيهقي في البعث والنشور (309)، والحاكم في المستدرك (2/ 475)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة (156)، والطبري في التفسير (23/ 61) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3746).

ص: 58

وحشو [بين] البطانة والظهارة وقد روي في سمكها وارتفاعها آثار إن كانت محفوظة فالمراد ارتفاع محلها كما رواه الترمذي

(1)

من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)}

(2)

في أول الباب وقيل: ومعناه أن الارتفاع المذكور للدرجات والفرش عليها والله أعلم. قاله في حادي الأرواح

(3)

. وقوله: "بطائنها من استبرق" والاستبرق نوع من الحرير وهو الغليظ منه فجيد الحرير هو الديباج ورديء الحرير هو الاستبرق وسيأتي الكلام عليه أبسط من هذا.

(1)

الترمذي (2540 و 3294).

(2)

سورة الواقعة، 34.

(3)

حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (ص: 206).

ص: 59