المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأعراف (7) : آية 32] - التحرير والتنوير - ٨-ب

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌7- سُورَةُ الْأَعْرَافِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 11 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 29 إِلَى 30]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 35 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 37 الى 39]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 40 إِلَى 41]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 44 إِلَى 45]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 46 إِلَى 47]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 48 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 50 الى 51]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 67 إِلَى 68]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 70 إِلَى 71]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 77 إِلَى 78]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 80 إِلَى 81]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 83 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 85 إِلَى 87]

الفصل: ‌[سورة الأعراف (7) : آية 32]

وَالْإِسْرَافُ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [6]، وَهُوَ تَجَاوُزُ الْحَدِّ الْمُتَعَارَفِ فِي الشَّيْءِ أَيْ: وَلَا تُسْرِفُوا فِي الْأَكْلِ بِكَثْرَةِ أَكْلِ اللُّحُومِ وَالدَّسَمَ لِأَنَّ ذَلِكَ يَعُودُ بِأَضْرَارٍ عَلَى الْبَدَنِ وَتَنْشَأُ مِنْهُ أَمْرَاضٌ مُعْضِلَةٌ.

وَقَدْ قِيلَ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ جَمَعَتْ أُصُولَ حِفْظِ الصِّحَّةِ مِنْ جَانِبِ الْغِذَاءِ فَالنَّهْيُ عَنِ السَّرَفِ نَهْيُ إِرْشَادٍ لَا نَهْيُ تَحْرِيمٍ بِقَرِينَةِ الْإِبَاحَةِ اللَّاحِقَةِ فِي قَوْلِهِ: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ- إِلَى قَوْلِهِ- وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ [الْأَعْرَاف: 32] ، وَلِأَنَّ مِقْدَارَ الْإِسْرَافِ لَا يَنْضَبِطُ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّكْلِيفُ، وَلَكِنْ يُوكَلُ إِلَى تَدْبِيرِ النَّاسِ مَصَالِحَهُمْ، وَهَذَا رَاجِعٌ إِلَى مَعْنَى الْقِسْطِ الْوَاقِعِ فِي قَوْلِهِ سَابِقًا: قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ [الْأَعْرَاف: 29] فَإِنَّ تَرْكَ السَّرَفِ مِنْ مَعْنَى الْعَدْلِ.

وَقَوْلُهُ: إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ تَذْيِيلٌ، وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظِيرِهِ فِي سُورَة الْأَنْعَام.

[32]

[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 32]

قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)

اسْتِئْنَافٌ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ الْخِطَابَاتِ الْمَحْكِيَّةِ وَالْمُوَجَّهَةِ، وَهُوَ مَوْضِعُ إِبْطَالِ مَزَاعِمِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فِيمَا حَرَّمُوهُ مِنَ اللِّبَاسِ وَالطَّعَامِ وَهِيَ زِيَادَةُ تَأْكِيدٍ لِإِبَاحَةِ التَّسَتُّرِ فِي الْمَسَاجِدِ، فَابْتُدِئَ الْكَلَامُ السَّابِقُ بِأَنَّ اللِّبَاسَ نعْمَة من لله. وَثني بِالْأَمر بِإِيجَاب التَّسَتُّرِ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِد، وَثلث بانكاران يُوجَدَ تَحْرِيمُ اللِّبَاسِ

ص: 95

وَافْتِتَاحُ الْجُمْلَةِ بِـ قُلْ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ كَلَامٌ مَسُوقٌ لِلرَّدِّ وَالْإِنْكَارِ وَالْمُحَاوَرَةِ.

وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ قُصِدَ بِهِ التَّهَكُّمُ إِذْ جَعَلَهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ عِلْمٍ يُطْلَبُ مِنْهُمُ الْبَيَانُ

وَالْإِفَادَةُ نَظِيرَ قَوْلِهِ: قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا [الْأَنْعَام: 148]- وَقَوْلِهِ- نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [الْأَنْعَام: 143] وَقَرِينَةُ التَّهَكُّمِ: إِضَافَةُ الزِّينَةِ إِلَى اسْمِ اللَّهِ، وَتَعْرِيفُهَا بِأَنَّهَا أَخْرَجَهَا اللَّهُ لِعِبَادِهِ، وَوَصْفُ الرِّزْقِ بِالطَّيِّبَاتِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّحْرِيمِ، فَالِاسْتِفْهَامُ يَؤُولُ أَيْضًا إِلَى إِنْكَارِ تَحْرِيمِهَا.

وَلِوُضُوحِ انْتِفَاءِ تَحْرِيمِهَا، وَأَنَّهُ لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ، وَأَنَّ السُّؤَالَ سُؤَالُ عَالِمٍ لَا سُؤَالُ طَالِبِ عِلْمٍ، أُمِرَ السَّائِلُ بِأَنْ يُجِيبَ بِنَفْسِهِ سُؤَالَ نَفْسِهِ، فَعُقِّبَ مَا هُوَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ بِقَوْلِهِ: قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا عَلَى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ: قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [12]،- وَقَوْلُهُ- عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ [النَّبَإِ: 1، 2] فَآلَ السُّؤَالُ وَجَوَابُهُ إِلَى خَبَرَيْنِ.

وَضَمِيرُ: هِيَ عَائِدٌ إِلَى الزِّينَةِ وَالطَّيِّبَاتِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ وَصْفِ تَحْرِيمِ مَنْ حَرَّمَهَا، أَيِ: الزِّينَةُ وَالطَّيِّبَاتُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ حَلَالٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا فَمَنْ حَرَّمَهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَدْ حَرَمُوا أَنْفُسَهُمْ.

وَاللَّامُ فِي: لِلَّذِينَ آمَنُوا لَامُ الِاخْتِصَاصِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ، فَالْمَعْنَى: مَا هِيَ بِحَرَامٍ وَلَكِنَّهَا مُبَاحَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا، وَإِنَّمَا حَرَمَ الْمُشْرِكُونَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ أَصْنَافٍ مِنْهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كُلِّهَا مِثْلَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِي وَمَا فِي بُطُونِهَا، وَحَرَمَ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ أَشْيَاءَ فِي أَوْقَاتٍ مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِمَّا حَرَّمُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ اللِّبَاسِ فِي الطَّوَافِ وَفِي مِنًى، وَمِنْ أَكْلِ اللُّحُومِ وَالْوَدَكِ وَالسَّمْنِ وَاللَّبَنِ، فَكَانَ الْفَوْزُ لِلْمُؤْمِنِينَ إِذِ اتَّبَعُوا أَمْرَ اللَّهِ بِتَحْلِيلِ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.

وَقَوْلُهُ: خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ قَرَأَهُ نَافِعٌ، وَحْدَهُ: بِرَفْعِ خَالِصَةً عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ ثَانٍ عَنْ قَوْلِهِ: هِيَ أَيْ: هِيَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَهِيَ لَهُمْ خَالِصَةٌ

ص: 96

يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَرَأَهُ بَاقِي الْعَشَرَةِ:

بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْمُبْتَدَأِ أَيْ هِيَ لَهُمُ الْآنَ حَالَ كَوْنِهَا خَالِصَةً فِي الْآخِرَةِ وَمَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ الزِّينَةَ وَالطَّيِّبَاتِ تَكُونُ خَالِصَةً لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمُسْتَتِرَ فِي خالِصَةً عَائِدٌ إِلَى الزِّينَةِ وَالطَّيِّبَاتِ الْحَاصِلَةِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِعَيْنِهَا، أَيْ هِيَ خَالِصَةٌ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ تِلْكَ الزِّينَةَ وَالطَّيِّبَاتِ قَدِ انْقَرَضَتْ فِي الدُّنْيَا، فَمَعْنَى خَلَاصِهَا صَفَاؤُهَا، وَكَوْنُهُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ: هُوَ أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَظْهَرُ صَفَائِهَا أَيْ خُلُوصِهَا مِنَ التَّبِعَاتِ الْمُنْجَرَّةِ مِنْهَا، وَهِيَ تَبِعَاتُ تَحْرِيمِهَا، وَتَبِعَاتُ تَنَاوُلِ بَعْضِهَا مَعَ الْكُفْرِ بِالْمُنْعِمِ بِهَا، فَالْمُؤْمِنُونَ لَمَّا تُنَاوَلُوهَا فِي الدُّنْيَا تَنَاوَلُوهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ،

بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُمْ يَسْأَلُونَ عَنْهَا فَيُعَاقِبُونَ عَلَى مَا تَنَاوَلُوهُ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا، لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا نِعْمَةَ الْمُنْعِمِ بِهَا، فَأَشْرَكُوا بِهِ غَيْرَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [الْوَاقِعَة: 82] وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى يُشِيرُ تَفْسِيرُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْأَمْرُ فِيهِ عَلَى قِرَاءَةِ رَفْعِ:

خالِصَةً أَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ هَذِهِ الزِّينَةِ وَالطَّيِّبَاتِ بِأَنَّهَا لَا تُعَقِّبُ الْمُتَمَتِّعِينَ بِهَا تَبِعَاتٍ وَلَا أَضْرَارًا، وَعَلَى قِرَاءَةِ النَّصْبِ فَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ الْمُقَدَّرَةِ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي خالِصَةً عَائِدًا إِلَى الزِّينَةِ وَالطَّيِّبَاتِ، بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهَا لَا بِاعْتِبَارِ أَعْيَانِهَا، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَلَهُمْ أَمْثَالُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خَالِصَةً.

وَمَعْنَى الْخَلَاصُ التَّمَحُّضُ وَهُوَ هُنَا التَّمَحُّضُ عَنْ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْكَافِرِينَ لَا زِينَةَ لَهُمْ وَلَا طَيِّبَاتٍ مِنَ الرِّزْقِ يَوْمَ الْقِيَامَة، أَي أنّها فِي الدُّنْيَا كَانَتْ لَهُمْ مَعَ مُشَارَكَةِ الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُمْ فِيهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ.

ص: 97

وَمَعْنَى: كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ كَهَذا التّفصيل المتبدئ مِنْ قَوْلِهِ: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً [الْأَعْرَاف: 26] الْآيَاتِ أَوْ مِنْ قَوْلِهِ: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [الْأَعْرَاف: 3] . وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَا التَّرْكِيبِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ.

وَالْمُرَادُ بِالْآيَاتِ الدَّلَائِلُ الدَّالَّةُ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَانْفِرَادِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ، وَالدَّالَّةُ عَلَى صِدْقِ رَسُوله محمّد صلى الله عليه وسلم، إِذْ بَيَّنَ فَسَادَ دِينِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَعَلَّمَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ عِلْمًا كَامِلًا لَا يَخْتَلِطُ مَعَهُ الصَّالِحُ وَالْفَاسِدُ مِنَ الْأَعْمَالِ، إِذْ قَالَ: خُذُوا زِينَتَكُمْ، وَقَالَ: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا [الْأَعْرَاف: 31]، ثُمَّ قَالَ: وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ

[الْأَعْرَاف: 31] ، وَإِذْ عَاقَبَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى شِرْكِهِمْ وَعِنَادِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ بِعِقَابٍ فِي الدُّنْيَا، فَخَذَلَهُمْ حَتَّى وَضَعُوا لِأَنْفُسِهِمْ شَرْعًا حَرَمَهُمْ مِنْ طَيِّبَاتٍ كَثِيرَةٍ وَشَوَّهَ بِهِمْ بَيْنَ الْمَلَأِ فِي الْحَجِّ بِالْعَرَاءِ فَكَانُوا مَثَلَ سَوْءٍ ثُمَّ عَاقَبَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ، وَإِذْ وَفَّقَ الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا اسْتَعَدُّوا لِقَبُولِ دَعْوَةِ رَسُولِهِ فَاتَّبَعُوهُ، فَمَتَّعَهُمْ بِجَمِيعِ الطَّيِّبَاتِ فِي الدُّنْيَا غَيْرَ مَحْرُومِينَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا أَشْيَاءَ فِيهَا ضُرٌّ عَلِمَهُ اللَّهُ فَحَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ، وَسَلَّمَهُمْ مِنَ الْعِقَابِ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ.

وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ لَامُ الْعِلَّةِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ نُفَصِّلُ، أَيْ تَفْصِيلُ الْآيَاتِ لَا يَفْهَمُهُ إِلَّا قَوْمٌ يَعْلَمُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمَّا فَصَّلَ الْآيَاتِ يَعْلَمُ أَنَّ تَفْصِيلَهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ ظَرْفًا مُسْتَقِرًّا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْآيَاتِ، أَيْ حَالِ كَوْنِهَا دَلَائِلَ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، فَإِنَّ غَيْرَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَا تَكُونُ آيَاتٍ لَهُمْ إِذْ لَا

يَفْقَهُونَهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [99] ، أَيْ كَذَلِكَ التَّفْصِيلُ الَّذِي فَصَّلْتُهُ لَكُمْ هُنَا نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَيَتَجَدَّدُ تَفْصِيلُنَا إِيَّاهَا حِرْصًا عَلَى نَفْعِ قَوْمٍ يَعْلَمُونَ.

ص: 98