الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَدَلَّ مَعْنَى كَافِ التَّشْبِيهِ فِي قَوْلِهِ: كَما نَسُوا عَلَى أَنَّ حِرْمَانَهُمْ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ كَانَ مُمَاثِلًا لِإِهْمَالِهِمُ التَّصْدِيقَ بِاللِّقَاءِ، وَهِيَ مُمَاثَلَةُ جَزَاءِ الْعَمَلِ لِلْعَمَلِ، وَهِيَ مُمَاثَلَةٌ اعْتِبَارِيَّةٌ، فَلِذَلِكَ يُقَالُ: إِنَّ الْكَافَ فِي مِثْلِهِ لِلتَّعْلِيلِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ [الْبَقَرَة: 198] وَإِنَّمَا التَّعْلِيلُ مَعْنًى يَتَوَلَّدُ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْكَافِ فِي التَّشْبِيهِ الِاعْتِبَارِيِّ، وَلَيْسَ هَذَا التَّشْبِيهُ بِمَجَازٍ، وَلَكِنَّهُ حَقِيقَةٌ خَفِيَّةٌ لِخَفَاءِ وَجْهِ الشَّبَهِ.
وَقَوْلُهُ: كَما نَسُوا ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ نَنْساهُمْ أَيْ نِسْيَانًا كَمَا نَسُوا.
وَ (مَا) فِي: كَما نَسُوا وَفِي وَما كانُوا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ كَنِسْيَانِهِمُ اللِّقَاءَ وَكَجَحْدِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ. وَمَعْنَى جَحْدِ الْآيَاتِ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ فِي سُورَة الْأَنْعَام [33] .
[52]
[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 52]
وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)
الْوَاوُ فِي وَلَقَدْ جِئْناهُمْ عَاطِفَةٌ هَذِهِ الْجُمْلَةَ عَلَى جُمْلَةِ وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ [الْأَعْرَاف: 50] ، عَطْفَ الْقِصَّةِ عَلَى الْقِصَّةِ، وَالْغَرَضِ عَلَى الْغَرَضِ، فَهُوَ كَلَامٌ أَنِفٌ انْتُقِلَ بِهِ مِنْ غَرَضِ الْخَبَرِ عَنْ حَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْآخِرَةِ إِلَى غَرَضِ وَصْفِ أَحْوَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا، الْمُسْتَوْجِبِينَ بِهَا لِمَا سَيُلَاقُونَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي عَقَّبَ اللَّهُ بِهِ كَلَامَ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ فِي قَوْلِهِ: فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا [الْأَعْرَاف: 51] لِأَنَّ قَوْلَهُ هُنَا هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ [الْأَعْرَاف: 53] إِلَخْ، يَقْتَضِي أَنَّهُ حَدِيثٌ عَنْ إِعْرَاضِهِمْ عَنِ الْقُرْآنِ فِي الدُّنْيَا، فَضَمِيرُ الْغَائِبِينَ فِي قَوْلِهِ: جِئْناهُمْ عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ كَذَّبُوا فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ
[الْأَعْرَاف: 40] الْآيَةَ.
وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ الْقُرْآنُ.
وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِكِتابٍ لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ جِئْناهُمْ، مِثْلُ الْبَاءِ فِي قَوْلِهِ: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ [الْبَقَرَة: 17] فَمَعْنَاهُ: أَجَأْنَاهُمْ كِتَابًا، أَي جَعَلْنَاهُ جَاءَ يَا إيَّاهُم، فيؤول إِلَى مَعْنَى أَبْلَغْنَاهُمْ إِيَّاهُ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَيْهِمْ.
وَتَأْكِيدُ هَذَا الْفِعْلِ بلام الْقسم و (قد) إِمَّا بِاعْتِبَارِ صِفَةِ (كِتَابٍ) ، وَهِيَ جُمْلَةُ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً فَيَكُونُ التَّأْكِيدُ جَارِيًا عَلَى مُقْتَضَى الظَّاهِرِ، لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ يُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ مَوْصُوفًا بِتِلْكَ الْأَوْصَافِ، وَإِمَّا تَأْكِيدٌ لِفِعْلِ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ وَهُوَ بُلُوغُ الْكِتَابِ إِلَيْهِمْ فَيَكُونُ التَّأْكِيدُ خَارِجًا عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ، بِتَنْزِيلِ الْمُبَلَّغِ إِلَيْهِمْ مَنْزِلَةَ مَنْ يُنْكِرُ بُلُوغَ الْكِتَابِ إِلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ فِي إِعْرَاضِهِمْ عَنِ النَّظَرِ وَالتَّدَبُّرِ فِي شَأْنِهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْكِتَابُ، وَقَدْ يُنَاسِبُ هَذَا الِاعْتِبَارُ ظَاهِرَ قَوْلِهِ بَعْدُ: يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ [الْأَعْرَاف: 53] .
وَتَنْكِيرُ (كِتَابٍ) ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ، قُصِدَ بِهِ تَعْظِيمُ الْكِتَابِ، أَوْ قُصِدَ بِهِ النَّوْعِيَّةُ، أَيْ مَا هُوَ إِلَّا كِتَابٌ كَالْكُتُبِ الَّتِي أُنْزِلَتْ مِنْ قَبْلُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فِي طَالِعِ هَذِهِ السُّورَةِ [2] .
وفَصَّلْناهُ أَيْ بَيَّنَاهُ أَيْ بَيَّنَّا مَا فِيهِ، وَالتَّفْصِيلُ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [55] .
وعَلى عِلْمٍ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ فَصَّلْناهُ أَيْ حَالَ كَوْنِنَا على علم، و (عَلَى) لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ، تَدُلُّ عَلَى التَّمَكُّنِ مِنْ مَجْرُورِهَا، كَمَا فِي قَوْلِهِ:
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: 5] وَقَوْلِهِ: قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [57] . وَمَعْنَى هَذَا التَّمَكُّنِ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى ذَاتِيٌّ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ.
وَتَنْكِيرُ عِلْمٍ لِلتَّعْظِيمِ، أَيْ عَالِمِينَ أَعْظَمَ الْعِلْمِ، وَالْعَظَمَةُ هُنَا رَاجِعَةٌ إِلَى كَمَالِ الْجِنْسِ فِي حَقِيقَتِهِ، وَأَعْظَمُ الْعِلْمِ هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ