الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة الطبعة الثالثة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن دراسة الفرق ومعرفة الأخطار التي تجلبها على المسلمين من أهم ما ينبغي أن يهتم به عامة المسلمين، فضلاً عن طلاب العلم والدعاة إلى الله تعالى.
وقد كان الصحابي الجليل حذيفة ري الله عنه يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشر؛ بينما طبيعة الإنسان هي السؤال عن الخير، وقد بيَّن سبب ذلك بقوله:((كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الخير وكنت أساله عن الشر؛ مخافة أن يدركني)) .
ولقد مرت بالمسلمين ولا تزال تمر بهم الأخطار متلاحقة يتبع بعضها بعضاً بعد أن تكالب الأعداء على مختلف اتجاهاتهم،، ووقفوا صفاً واحداً متناسين ما بينهم من عداوات واختلاف في العقائد الحرب المسلمين وفتنتهم عن دينهم الحنيف، في الوقت الذي غفل فيه المسلمون عن واقعهم وركن كثير منهم إلى أعدائهم أعداء عقيدتهم - فنفر بعضهم عن البعض الآخر بسبب تلك المؤامرات الخفية والظاهرة، وما تبعها من اختلاف المسلمين في الموالاة والأهواء.
وقد حذَّرنا الله عز وجل من الركون إلى الذين ظلموا فقال تعالى: {وَلَا تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} .
ومعلوم أنه لن تعود للمسلمين عزتهم ومكانتهم بين الأمم إلا إذا عادوا بصدق وإخلاص إلى كتاب ربهم وإلى سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
ولكن ومهما شعر بمرارة هذا التفرق ومهما بذلت من المحاولات لتكريس الفرقة - فإن الأمل يزداد في تجاوز المسلمين لهذا المحن. ومما يبشر بالخير ويجدد الآمال - هو إقبال الشباب على معرفة أسباب تلك التركة المشؤومة التي ورثوها، تلك التركة التي تحكم الفرقة بينهم وتجعل منهم أحزاباً كل حزب بما لديهم فرحون، فجندوا أنفسهم للقضاء عليها وإعادة الوحدة الإسلامية بين قلوب المسلمين؛ ليصبحوا مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وهي محاولات تحتاج إلى الصبر والإخلاص والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وإجلاء الأمور على حقيقتها؛ فإن الأمر لا يحتاج إلى أكثر من التذكير، وإذا شاء الله شيئاً يسره:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} .
وقد طمعت في أن أدلي بدلوي المتواضع؛ لأتقدم إليك أخي القارئ بما يعتلج في صدري إزاء هذا التفرق الحاصل بين المسلمين؛ لأذكرك بالأسباب التي أدت إليه وما يبيته أعداء دينك لك، وما هو الواجب علينا أن نقوم به إزاء عقيدتنا ووحدة قلوبنا، وكشف كل المحاولات التي تهدف إلى تعميق الفرقة بيننا، وإلى إبعادنا عن تحقيق قوله الله تعالى:{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} وقوله تعالى: {وَلَا تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ} .
أخي القارئ الكريم، لقد كنت ولا زلت أنظر إلى ما قدمته إليك في هذا
الكتاب على أنه دون ما كان ينبغي أن يبذل، وحسبي أنها إحدى الصيحات للوقوف في وجه تيار دعاة التفرقة وبيان أمرهم ومكائدهم ضد تآلف قلوب المسلمين ورغبتهم الشريرة في أن يبقى المسلمون على هذا التمزق والتنافر.
ورغم ذلك فقد أخبرني الناشر للكتاب أن طلاب العلم قد أقبلوا على شرائه برغبة لم يكن يتوقعها كما ذكر لي ذلك؛ مما جعل الطبعة الأولى في سنة 1414هـ، 1993م تنفد بسرعة، فطلب إلي وألح في الطلب أن يعيد طباعته في سنة 1415هـ فأبيت بسبب لا أكتمك إياه؛ وهو أن تلك الطبيعة فيها أخطاء كثيرة جداً، وفيها تحريفات ونقص، وترك علامات الترقيم مما حدى بكثير من الغيورين وفقهم الله إلى إرسال ملاحظاتهم التي استفدت منها كثيراً.
وتوقفت عن طباعة الكتاب حتى أنتهي من تصحيح كل الملاحظات، فإذا بي أفاجأ بظهور طبعة جديدة عليها الطبعة الثانية في سنة 1416هـ 1996م وهي تصوير عن الطبعة السابقة وبنفس العيوب السابقة تماماً، وقد آلمني هذا التصرف جداً إضافة إلى ما تلقيته من بعض الفضلاء من عتاب على نشره في الطبعة الثانية دون تصحيح لظنه رضاي عنها، مما جعلني أضاعف الجهد في تصحيح الكتابة للطبعة الثالثة التي هي في الحقيقة الطبعة الثانية بعد أن أخبرني الناشر بأنه لا يأمن أن تصدر عدة طبعات دون علمي بها ولا استشارتي فيها.
وها أنا أقدم إليك هذه الطبعة على عجل، وهي مصححة وفيها اختلاف كثير عن الطبعات السابقة، مع طلبي من كل قارئ لها أن يتكرم بإبلاغي عن أي خطأ يجده لنتلافاه في المستقبل إن شاء الله تعالى؛ فإن الكمال لله تعالى والنقص من طبيعة البشر.
وفي الختام أتوجه بالشكر الجزيل إلى كل من أسهم في تقويم الكتاب ونبهني إلى الأخطاء ممن أعرفهم وممن لا أعرفهم.
أسأل الله عز وجل أن يتولى ثوابهم وأن يجزل لهم الأجر وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتهم إن شاء الله تعالى، وأن يعفو عن تقصيري وأن يجعلنا جميعاً من ورثة جنة النعيم.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
غالب بن علي عواجى
في 20/10/1417 هـ.
المدينة النبوية