المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الحادي عشرعلامات وسمات الفرقة الناجيةوعلامات وسمات الفرق الهالكةمزايا العقيدة السلفية وأصحابها - فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها - جـ ١

[د. غالب بن علي عواجي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول: مقدمة في الفرق

- ‌الفصل الأولالهدف من دراسة الفرق

- ‌الفصل الثانيأهمية دراسة الفرقورد شبهة من يريد عدم دراستها

- ‌الفصل الثالثالنهي عن التفرق

- ‌المبحث الأول: الأدلة من القرآن الكريم:

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة النبوية:

- ‌الفصل الرابعحصر الفرق في العدد المذكور في حديث الافتراق

- ‌المبحث الأول: من الفرق الناجية

- ‌المبحث الثاني معنى قوله صلى لله عليه وسلم: ((كلها في النار إلا واحدة))

- ‌الفصل الخامسكيف ظهر الخلاف والتفرق بين المسلمين

- ‌الفصل السادسمدى سعة الخلاف الذي كان يحصل بين الصحابةوموقفهم منه، وكيف تطور بعدهم إلى تمزيق وحدة الأمة الإسلامية

- ‌الفصل السابعمظاهر الخلاف بين المسلمين

- ‌الفصل الثامنكيف تبدأ الفرق في الظهور

- ‌الفصل التاسعمنهج العلماء في عدَّ الفرق

- ‌الفصل العاشرما المراد بأمة الإسلام

- ‌الفصل الحادي عشرأهم أسباب نشأة الفرق

- ‌الباب الثاني: فرقة السلف أهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الأولتمهيدحول دراسة هذه الطائفة

- ‌الفصل الثانيالأخطار التي تحيط بأهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الثالثعقيدة فرقة أهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الرابعأسماء هذه الطائفة وألقابهم

- ‌الفصل الخامسما هي عقيدة السلفوما هو منهجهم في مسائل الاعتقاد والاستدلال لها؟وما معنى كلمة عقيدة

- ‌الفصل السادسأقوال السلففي وجوب التمسك بالسنة والحذر من البدع

- ‌الفصل السابعلزوم السلف جماعة المسلمينوتحذيرهم من التفرق وأدلتهم على ذلك

- ‌الفصل الثامنالثناء على السلف رحمهم الله تعالى

- ‌الفصل التاسعجهودهم في خدمة الإسلام

- ‌الفصل العاشربيان وسطية أهل السنةفي مسائل الاعتقاد وسلامتهم من ضلالتيالإفراط والتفريط

- ‌الفصل الحادي عشرعلامات وسمات الفرقة الناجيةوعلامات وسمات الفرق الهالكةمزايا العقيدة السلفية وأصحابها

- ‌الفصل الثاني عشرذكر أشهر أئمة أهل السنة ومؤلفاتهم في العقيدة

- ‌الفصل الثالث عشرتنبيهات مهمة على مسائل في العقيدة

- ‌الباب الثالثدراسة عن الخوارج

- ‌الفصل الثانيالتعريف بالخوارج

- ‌الفصل الثالثأسماء الخوارج وسبب تلك التسميات

- ‌الفصل الرابعمتى خرج الخوارج

- ‌الفصل الخامسمحاورات الإمام علي للخوارج في النهروان

- ‌الفصل السادسأسباب خروج الخوارج

- ‌الفصل السابعحركات الخوارج الثورية وفرقهم وعددهم

- ‌الفصل الثامندراسة أهم فرق الخوارج وهم‌‌ الإباضية

- ‌ الإباضية

- ‌1- تمهيد:

- ‌2- زعيم الإباضية

- ‌3- هل الإباضية من الخوارج

- ‌4- فرق الإباضية:

- ‌5-دولة الإباضية:

- ‌6- موقف الإباضية من المخالفين لهم:

- ‌أ- موقفهم من سائر المخالفين:

- ‌ب- موقف الإباضية من الصحابة:

- ‌7- عقائد الإباضية:

- ‌الفصل التاسعإيضاحات لبعض الآراء الاعتقادية للخوارج

- ‌1- هل الخوارج يقولون بالتأويل أم بظاهر النص فقط

- ‌2- موقف الخوارج من صفات الله عز وجل

- ‌3- حكم مرتكبي الذنوب عند الخوارج

- ‌4- الإمامة العظمي

- ‌الفصل العاشرالحكم على الخوارج

- ‌أولاً: مراجع فرقة الخوارج ومنها:

- ‌ثانياً: مراجع فرقة الإباضية بخصوصهم:

- ‌الباب الرابعالشيعة

- ‌تمهيد:

- ‌الفصل الأولالتعريف بالشيعة لغة واصطلاحاً، وبيان التعريف الصحيح

- ‌الفصل الثانيمتى ظهر التشيع

- ‌الفصل الثالثالمراحل التي مر بها مفهوم التشيع

- ‌الفصل الرابعأسماء الشيعة

- ‌الفصل الخامسفرق الشيعة

- ‌ تمهيد:

- ‌ السبب في تفرق الشيعة:

- ‌ عدد فرق الشيعة

- ‌ السبب في عدم اتفاق العلماء على عدد فرق الشيعة

- ‌الفصل السادسدراسة أهم فرق الشيعة

- ‌1- السبئية:

- ‌موقف علي رضي الله عنه من ابن سبأ:

- ‌2-الكيسانية:

- ‌3- المختارية:

- ‌4-الزيدية:

- ‌زيد بن علي

- ‌آراء زيد والزيدية:

- ‌5- الرافضة:

- ‌1 - معنى الرافضة لغة واصطلاحاً:

- ‌2 - سبب تسميتهم بالرافضة:

- ‌4 - أسماؤهم قبل اتصالهم بزيد:

- ‌5 - فرق الروافض:

- ‌1- المحمدية:

- ‌1- الشيخية:

- ‌2- الرشتية:

- ‌الفصل السابعإيضاحات لبعض الآراء الاعتقادية للرافضة

- ‌4- المهدية والرجعة عند الشيعة:

- ‌من هو المهدي

- ‌مكان وجود المهدي:

- ‌رجعة المهدي ومتى تتم

- ‌5- موقفهم من القرآن الكريم:

- ‌6- موقفهم من الصحابة:

- ‌7- قولهم بالبداء على الله:

- ‌الفصل الثامنالشيعة في العصر الحاضر وهل تغير خلفهم عن سلفهم

- ‌الفصل التاسعالحكم على الشيعة

الفصل: ‌الفصل الحادي عشرعلامات وسمات الفرقة الناجيةوعلامات وسمات الفرق الهالكةمزايا العقيدة السلفية وأصحابها

‌الفصل الحادي عشر

علامات وسمات الفرقة الناجية

وعلامات وسمات الفرق الهالكة

مزايا العقيدة السلفية وأصحابها

امتازت عقيدة السلف بمزايا عظمية ميزتهم عن جميع العقائد التي قامت على الهوى وما أفرزته العقول البشرية.

لأن العقيدة السلفية مصدرها غير مصدر العقائد البدعية فلا بد أن يحصل بينهم التمايز وإضافة إلى أنها قامت على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فإنها لم تدنس بعلم الكلام والمنطق وسائر ما أفرزته عقول فلاسفة اليونان وغيرهم بل هي عقيدة نقية تملأ النفوس يقيناً وطمأنينة وأتباعها يعظمون كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم يجتمعون عليها ولا يتفرقون في ثبات عظيم كثبات عقيدتهم الناصعة التي رضيها الله عز وجل وهدى أحباءه إليها.

فقد انعكست هذه العقيدة بصفائها على معتنقيها فصاروا أثبت الناس على الحق بخلاف أهل الأهواء الذين تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه وسبب ثباتهم يعود إلى يقينهم بصحة ما هم عليه واقتناعهم به وهم من أكثر الناس اتفاقاً وأقلهم اختلافاً لأن هدفهم أصبح واحداً وتفكيرهم واحداً وهذا التوحد سببه تمسكهم بعقيدة واحدة وثقتهم أن السلف من قبلهم كانوا على الحق والصراط المستقيم فاحتذوا أثرهم وسلكوا مسالكهم وأخلصوا في نشر عقيدتهم فملأت الدنيا نوراً وأخرج الله بهم أقواماً من

ص: 194

الظلمات إلى النور ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام وكانوا أمة وسطاً عدولاً يستحقون ثناء الله وثناء رسوله عليهم وكانوا من أحرص الناس على اجتماع الكلمة وعدم التفرق في الآراء والأفكار ولا أدل على هذا من أن بعضهم كان إذا اختلف مع آخر في قضية واشتد الخلاف بينهم وخشي أن تكون فتنة كان يترك خلافه لأخيه حباً في اجتماع الكلمة وكراهية للتفرق كما يذكر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

ولهذا استحقوا أن يسموا أهل السنة والجماعة وهما وصفان يدلان على أفضليتهم وحسن ما هم عليه من السلوك الحميد والمعتقد السليم.

وإذا كنا نذكر سماتهم هنا وسمات غيرهم من أهل الأهواء فإنما ذلك على حد ما قال الشاعر ((وبضدها تتميز الأشياء)) والناظر في مذهب السلف والخلف يجد لكل منهم علامات تميزهم نابعة عن اعتقاد كل منهم لأنه كما يقال ((كل إناء بالذي فيه ينضح)) . فلأهل السنة علامات وصفات ولغيرهم من المخالفين علامات وصفات ولا تشكل على طالب العلم التمييز بينها.

فإن المتتبع لسلوك السلف سيجد أنهم تميزوا بصفات كثيرة منها:

1.

أنهم أعرف الأمة بالحق.

2.

وأرحم الأمة بالخلق.

3.

وأرحم الناس بخصومهم من بعضهم البعض.

4.

ومن أشد الناس رجوعاً إلى الحق وانقياداً له ووقوفاً عنده.

5.

ومن أشدهم رحابة صدر ودماثة خلق وتسامح وإنصاف في حال قدرتهم على المخالفين لهم.

ص: 195

6.

ومن أكثرهم تواضعاً وتلطفاً وأبعدهم عن السباب والفحش وسيء الأخلاق.

7.

لا يشمتون بأحد ولا يظهرون الاستهزاء إلا بالقدر الذي يتبين به غرضهم من الرد على المخالفين إن كان ذلك ضرورياً.

ولقد كانت لهم مواقف تشهد بنبل أخلاقهم وحبهم للتسامح والشفقة على المخالفين يتمثلون ما كان عليه نبيهم الكريم من الصبر حينما كان يؤذيه قومه وهو يقول: ((اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)) (1) .

والأمثلة على هذا كثيرة سجلها التاريخ لهم وتاريخ الصحابة مليء بالأمثلة المشرفة ومن ذلك:

- مواقفهم في سقيفة بني ساعدة.

- مواقفهم تجاه أهل الذمة.

- مواقفهم في حال الحرب مع المخالفين.

- مواقفهم في الحفاظ على العهود والمواثيق.

وكان نصيب الخلفاء الراشدين من تلك الصفات القمة والحظ الأعلى ومن اطلع على تأريخهم عرف ذلك فهذا الخليفة الصديق صاحب النبي صلى الله عليه وسلم كان من أشد الناس شفقة ورحمة بالمخالفين له وفي غاية التسامح مع كل من أساء إليه يبادر بالعفو إذا ذُكّر به مهما كان الحال.

وقصته مع مسطح خير دلالة على ذلك فإنه حين غضب عليه لمشاركته مع أصحاب الإفك وكان ينفق عليه آلى على نفسه أن لا يُنفق عليه بعدها فلما أنزل الله تعالى: {ولا يأتلِ أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى

(1) انظر البخاري مع الفتح ج6 ص 514 ومسلم ج4 ص 1417.

ص: 196

والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} (1) فرجع ينفق عليه حباً في مغفرة الله.

ومواقف أخرى عديدة كلها تدل على تأصل هذه الصفة في نفسه، ومثل موقفه حين تشاجر مع عمر وشكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم على عمر واحمر وجهه وأخذ يعاتبه حتى أشفق أبو بكر على عمر وهدّأ من غضب الرسول صلى الله عليه وسلم شفقة بعمر رضي الله عنهما.

وكذلك عمر الفاروق رضي الله عنه فقد كان من أشد الناس رحمة على رعيته وأبنائه، وكل المسلمين كانوا عنده كأنهم رجل واحد يتعهد فقراءهم فيواسيهم ويرشد ضالهم ويعلمه وقصته مع المرأة التي باتت تعلل بنيها بالماء فوق النار توهمهم أن بها أكلا ليناموا فلما وقف عليها عمر رضي الله عنه وسألها عن حالها وشكت فقرها فذهب وجاء بالدقيق والمسن وكان ينفخ النار والدخان يخرج من خلال لحيته حتى أنضج لهم الطعام ولم ينصرف إلا والأطفال يلعبون فرحين من الشبع.

وكان من رحمته برعيته أنه كان يبذل النصيحة ويرشد المخطئ حتى في أحرج المواقف فقد دخل عليه رجل يعوده حين طعنه أبو لؤلؤة المجوسي فلما خرج الشاب رأى عمر أن ثوبه طويل فاستدعاه وهو في تلك الحال التي كان يجود بنفسه فيها وقال له ارفع ثوبك يا ابن أخي فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك.

وما فعله مع صبيغ من تأديبه لإرجاعه إلى الحق وغير ذلك من المواقف التي تدل على رحمته وحبه للمسلمين.

(1) سورة النور: 22.

ص: 197

وكذلك عثمان رضي الله عنه وما كان يتصف به من الرقة والحياء والكرم أمر مشهور في كتب التاريخ فقد كان سريع العفو لا ينتقم لنفسه محباً للعافية تجاه رعيته فقد واساهم في زمن المجاعة ابتغاء مرضاة الله بقافلة من الشام وقعد لتمريض زوجته رضي الله عنهما بل عفا عن البغاة الذين أتوا للنقمة عليه في المدينة.

ومثلهم علي رضي الله عنه وما ميزه به الله من الأخلاق الطيبة والرحمة بالمساكين والعطف على رعيته وتقديم نفسه في المعارك حماية للمسلمين ودفاعاً عنهم.

وإذا تجاوزنا الحديث عن بقية الصحابة الكرام ومآثرهم العظيمة وانتقلنا إلى علماء السلف من المسلمين فإننا نجدهم من أرحم الناس وأشدهم شفقة على المخالفين وأنصحهم لهم ويأتي في أول هؤلاء إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله وتأريخه مع القائلين بخلق القرآن وما لقيه من الآلام التي تنفطر لها القلوب خير شاهد على ذلك وعلى محبته للمسلمين ولقد ابتلي بالضراء فكان أصلب من الرواسي وابتلي بالسراء فكان شديد الحلم والتواضع لم تخضعه نقمة ولم تستخفه نعمة.

وتاريخ السلف غني بالرجال الأفذاذ فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية كان من أحرص الناس على بيان الحق ومن أشدهم عفواً عن من ظلمه لم يبال بالسجن والإهانات التي وجهت له من قبل المخالفين الحاقدين عليه وطالما تمكن من الانتصاف منهم ولكنه كان يبادر إلى العفو عنهم ولا يطلب منهم إلا معرفة الحق والتبصر في الدين قال رحمه الله عن إنصاف أهل السنة وشفقتهم بمخالفيهم ((أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم وإن كان ذلك المخالف يكفرهم

ص: 198

لأن الكفر حكم شرعي فليس الإنسان أن يعاقب بمثله كمن كذب عليك وزنى بأهلك فليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله لأن الكذب والزنى حرام لحق الله وكذلك التكفير حق لله فلا يكفر إلى من كفره الله ورسوله)) (1) .

وإذا تجاوزنا تاريخ تلك الحقبة ورجالاتها إلى رجال العصور الأخيرة من السلف فسنجد رجالاً كانوا مثال الأخلاق الفاضلة وحب الخير للناس جميعاً ومن أشدهم رحمة بكل المسلمين حتى المخالفين منهم وفي أول هؤلاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الذي بذل نفسه لخدمة العقيدة وتفهيم الناس بدينهم الصحيح.

وكذا من سار على طريقته مثل الشيخ عبد الله القرعاوي رحمه الله، الذي أخرج الله به أقواماً من الظلمات إلى النور ومن الشرك إلى التوحيد ومن الخرافات الجاهلية إلى الحقائق الإسلامية في منطقة جيزان ففتح الله به القلوب ونور به البصائر وكان رحمة من الله تمكن حبه في القلوب وتمكنت دعوته في النفوس ولن تزال أبداً إن شاء الله قوة راسخة. هذه نماذج سقتها على عجل مكتفياً بمن تقدم ذكرهم كأمثلة مشرفة لسلف هذه الأمة وما امتازوا به من حميد الصفات وهناك مئات الأمثلة التي لا تكاد تحصى إلا بالكلفة.

ومن المعلوم أن هذا التسامح ليس هو تسامح العاجزين فقد كانوا فرسان الوغى وليوث الحروب لا يخافون إلا ربهم من فوقهم وإنما هو تسامح الواقف عند الحق المقدم له الراضي به أما بالنسبة لسمات أهل البدع من الفرق الهالكة فقد اتصفوا بأسوأ الصفات التي أبانت عن سوء معتقداتهم لعدم تحليهم بآداب السنة الغراء وهو أمر بدهي فإن المخالف لها لا بد أن يركب

(1) الرد على البكري ص 258.

ص: 199

هوى نفسه والهوى من أخطر المطايا وأسرعها إلى الهلاك ومخالفة الشرع.

وبتتبع الصفات التي يتصف بها هؤلاء تجد أنها كثيرة ومنها:

1.

بغي بعضهم على بعض والتطاول في السباب.

2.

اختلافهم لأتفه الأسباب وكثرة تفرقهم.

3.

اتباعهم لما يهوون حسبما تمليه عليهم رغباتهم وتكفير بعضهم البعض وتكفير كل طائفة لما عداها.

4.

تتبعهم المتشابه وإثارة الخلافات حوله.

5.

بغضهم لأهل السنة واختراع الألقاب الباطلة لهم تنفيراً عنهم.

6.

بغض مذهب السلف وتسميته بالأسماء والألقاب الباطلة.

7.

قبولهم للروايات الكاذبة وعدم تحريهم النصوص الصحيحة.

8.

قبولهم للأخبار التي لا يصدقها العقل ولا تعضدها حجة.

9.

عدم اهتمامهم -كما يجب بالسنة النبوية- وتسلطهم عليها بالتأويل أو الرد بحجة أنها غير ملزمة مثل القرآن.

وغير ذلك من الصفات التي عرفت عنهم قديماً وحديثاً.

فالخوارج وهم أول الفرق الهالكة خروجاً تجد أنهم يتصفون بالجفاء والخروج عن الدين وضيق الأفق وتكفير المخالفين لهم واستحلال دمائهم وأموالهم فكانوا يقتلون المصلين في المساجد حينما يغيرون عليهم محكمين بزعم أنهم كفار وأن جهادهم قربة إلى الله، وقد كفروا خيرة الناس بعد الأنبياء والمرسلين من عظماء الصحابة رضوان الله عليهم مثل علي بن أبي طالب وعثمان وأبي موسى الأشعري ومعاوية وعمرو بن العاص والحسن والحسين وغيرهم من فضلاء الصحابة ومن سار المسلمين.

ص: 200

وكفروا الناس بالمعاصي واستحلوا دماءهم بها وأوجبوا الخروج على الحكام لأتفه الأسباب فسفكوا من الدماء ما لا يعلمه إلى الله وحده وتفرقوا فيما بينهم تفرقاً لا يكاد يكون له نظير إذ كان أقل خلاف يحصل بينهم يختلفون ويتقاتلون لا يرعون في بعضهم إلاًّ ولا ذمة. فكانوا أشبه ما يكونون بالوحوش المسعورة لقي الناس منهم الأمرين وشغلوا الناس حكاماً ومحكومين وأذاقوهم الفتن المتلاحقة والويلات المتعاقبة، وما ذلك إلا لبعدهم عن هدى الكتاب والسنة وطريق سلف هذه الأمة وهو طريق من تركه ضل وارتكب الظلم وفعل المحرمات وخرج عن الحق وتلقفته السبل التي أخبر عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه حينئذ يصبح مثل البهيمة التائهة أو الجمل الذي لا خطام له.

وبعد الخوارج نجد مثالاً آخر من تلك الطوائف وهم الرافضة الضالة الذين وقفوا أسوأ المواقف من الصحابة وسائر أهل السنة كما لا يخفى على طالب العلم.

ثم نبغت المعتزلة الذين تشبعوا بآراء الخوارج وبعلم الكلام وآراء الشيعة فإذا بهم يملأون كتبهم سباباً لأهل السنة والمتمسكين بها وإذا بهم يحرضون الحكام عليهم ليشفوا غيظ صدورهم وما فعله ابن أبي دؤاد بإمام أهل السنة وغيره من علماء المسلمين المخالفين لآراء هذه الفرقة الضالة لهو أقوى مثال على ذلك.

ثم توالت الأمثلة على مر العصور فظهرت المرجئة والقدرية والأشعرية وغيرها من الطوائف الكثيرة الذين اتصفوا بضيق الأفق والشدة على كل من خالف آراءهم حتى وإن كان في المسائل البسيطة الاجتهاد به، فكان المعتزلة لا يرجعون إلى كتاب ولا إلى سنة في مسائل الصفات ولا في أحكامهم على

ص: 201

المخالفين لهم وإنما يأخذون ما تمليه عليهم عقولهم إضافة إلى الشبهات التي تلقفوها من علماء الكلام.

ولذلك تقرر في مذهبهم أنه إذا تعارض العقل والنقل فإنه يقدم العقل ويؤول النص أو يترك. مع أنه في الواقع الصحيح لا تعارض أبداً بين العقل السليم والنص الصحيح وكذلك الجهمية وهم مشائخ المعتزلة الذي أسسوا كثيراً من الشبهات وفتحوا أبواب الجدل والخوض في مسائل العقيدة فضلوا وأضلوا وفرقوا الأمة وكانوا من أسوأ الناس أخلاقاً وفضاضة على المخالفين لهم ولعل القارئ قد سمع عن هذا النمط من المنحرفين وما يقولونه عن أهل الحق.

ولعل القارئ أيضاً لا يخالفني في أن الكوثري في وسط أهل البدع والخرافات شيخ الإسلام رحمه الله في وسط أهل السنة والجماعة وكم للكوثري ولمشائخه ومن سار على نهجه من أفكار خاطئة وكم له من الردود والسباب والشتائم لأهل السنة ولعقيدتهم الصافية وقد صب جام غضبه على مشاهير أهل السنة على مدار تاريخهم وأطلق عليهم عدة ألقاب باطلة هم منها براء، جاءت منه على طريقة أهل البدع في التسرع إلى التكفير والسخرية بالصالحين لغلبة الهوى عليهم وضيق أفهامهم.

وقد رد عليه علماء السلف قديماً وحديثاً ردوداً كالصواعق وبينوا أخطاءه بالدليل من الكتاب والسنة وإجماع الأمة مجانبين التجني عليه أو على غيره- كما هي عادتهم- في رأفتهم بالمخالفين وبالتالي دعوتهم بالتي هي أحسن. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصف أهل الأهواء والبدع ((إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه أولئك الذين سماهم الله فاحذروهم)) (1) وقد تحدث علماء

(1) أخرجه البخاري مع الفتح ج8 ص 209 ومسلم ج4 ص 1053.

ص: 202

السلف عن سمات الفرق الهالكة وأسباب تفرقهم وما أحدثوه في الدين تحدثوا من باب النصيحة والتحذير.

فقد سأل عمرو بن قيس الحكم بن عتبة ((ما اضطر الناس إلى هذه الأهواء أن يدخلوا فيها؟ قال الخصومات)) (1) وقال الفضيل بن عياض ((لا تجادلوا أهل الخصومات فإنهم يخوضون في آيات الله)) (2) وفي مصنف عبد الرزاق أن رجلاً قال لابن عباس الحمد لله الذي جعل هوانا على هواكم. فقال كل هوى ضلالة)) (3) .

وعن أبي قلابة قال: ((ما ابتدع قوم بدعة إلا استحلوا السيف)) (4) .

وقال علي بن المديني: ((من قال فلان مشبه علمنا أنه جهمي ومن قال فلان مجبر علمنا أنه قدري ومن قال فلان ناصبي علمنا أنه رافضي)) .

وأقوالهم في هذا كثيرة جداً وما قصدناه هو الإشارة التي يفهم بها اللبيب.

(1) اللالكائي في اعتقاد أهل السنة ج1 ص 82.

(2)

سنن الدارمي رقم 406.

(3)

المصنف لأبي ابن شيبة ص 126 ج11.

(4)

الشريعة للآجري ج1 ص 46.

ص: 203