الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لرأي الخوارج فيها بصفة عامة.
وقد ذكر الشهرستاني عن فرقة الشيبانية قولاً لأبي خالد زياد بن عبد الرحمن الشيباني في صفة العلم لله أنه قال: ((إن الله لم يعلم حتى خلق لنفسه علما، وأن الأشياء إنما تصير معلومة له عند حدوثها)) . (1) .
وأما بالنسبة لفرقة الإباضية بخصوصهم - فقد تبين من أقوال علمائهم أنهم يقفون منها موقف النفي أو التأويل بحجة الابتعاد عن اعتقاد المشبهة فيها كما تقدم.
وموضوع الصفات والبحث فيها يحتاج إلى دراسة مستقلة وبالرجوع إلى أي كتاب من كتب السلف يتضح الحق فيها بكل يسر وسهولة.
وأما بالنسبة لما ذكر عن رأي زياد بن عبد الرحمن أو الإباضية فلا شك أنه لا يتفق مع المذهب الحق - مذهب السلف - ولو كان الأمر يخص زياد بن عبد الرحمن وحده لما كان له أدني أهمية، ولكن الأمر أخطر من ذلك، فقد اعتقدت الجهمية ذلك. وبطلان هذا القول ظاهر والتناقض فيه واضح.
فإن صفات الله عز وجل قديمة بقدمه غير مخلوقة وما يخلق الله من الموجودات فإنما يخلقه عن علم وإرادة، إذا يستحيل التوجه إلى الإيجاد مع الجهل، ثم كيف علم الله أنه بغير علم حتى يخلق لنفسه علماً؟ هذا تناقض ظاهر.
3- حكم مرتكبي الذنوب عند الخوارج
اختلف حكم الخوارج على أهل الذنوب بعد اتفاقهم بصفة عامة على
(1) الملل والنحل 1/ 133.
القول بتكفيرهم كفر ملة. وحاصل الخلاف نوجزه فيما يلي:
1-
الحكم بتكفير العصاة كفر ملة، وأنهم خارجون عن الإسلام ومخلدون في النار مع سائر الكفار. وهذا رأي أكثرية الخوارج.
وعلى هذا الرأي من فرق الخوارج: المحكمة والأزارقة والمكرمية والشبيبية من البيهسية واليزيدية والنجدات. إلا أنهم مختلفون في سبب كفره:
فعند المكرمية أن سبب كفره ليس لتركه الواجبات أو انتهاك المحرمات وإنما لأجل جهله بحق الله إذ لم يقدره حق قدره.
وأما النجدات فقد فصلوا القول بحسب حال المذنب، فإن كان مصراً فهو كافر ولو كان إصراره على صغائر الذنوب، وإن كان غير مصر فهو مسلم حتى وإن كانت تلك الذنوب من الكبائر وهو تفصيل بمحض الهوى والأماني الباطلة.
2-
أنهم كفار نعمة وليس كفار ملة:.
وعلى هذا المعتقد فرقة الإباضية كما تقدم. ومع هذا فإنهم يحكمون على صاحب المعصية بالنار إذا مات عليها، ويحكمون عليه في الدنيا بأنه منافق، ويجعلون النفاق مرادفاً لكفر النعمة ويسمونه منزلة بين المنزلتين أي بين الشرك والإيمان، وأن النفاق لا يكون إلا يكون إلا في الأفعال لا في الاعتقاد (1) .
وهذا قلب لحقيقة النفاق إذ المعروف أن المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نفاقهم في الاعتقاد لا في الأفعال، فإن أفعالهم كانت في
(1) نقلاً عن الأباضية بين الفرق الإسلامية عن كتاب المقالات في القديم والحديث ص 315 وانظر دراسات إسلامية في الأصول الأباضية. الأصل التاسع ص 60.
الظاهر كأفعال المؤمنين
أدلتهم:
تلمس الخوارج لما ذهبوا إليه من تكفير أهل الذنوب بعض الآيات والأحاديث وتكلفوا في رد معانيها إلى ما زعموه من تأييدها لمذاهبهم وهي نصوص تقسم الناس إلى فريقين: مؤمن وكافر، قالوا: وليس وراء ذلك الحصر من شيء.
ونأخذ من تلك الأدلة قوله تعالى:
1-
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} (1) .
2-
{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (2)
3-
{ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} (3)
إلى غير ذلك من الآيات.
ووجه استدلالهم بالآية الأولى:
أن الله تعالى حصر الناس في قسمين: قسم ممدوح وهم المؤمنون وقسم مذموم وهم الكفار، والفساق ليسوا من المؤمنين، فإذاً هم كفار لكونهم مع القسم المذموم واستدلالهم هذا لا يسلم لهم. أن الناس ينحصرون فقط في الإيمان أو الكفر.
فهناك قسم ثالث وهم العصاة لم يذكروه هنا، وذكر فريقين لا يدل على
(1) سورة التغابن: الآية (2)
(2)
سورة المائدة: الآية (44)
(3)
سورة سبأ: آية (17)
نفى ما عداهما والآية كذلك واردة على سبيل التبعيض بمن، أي بعضكم كافر وبعضكم مؤمن. وهذا لا شك في وقوعه ولم تدل الآية على مدعى الخوارج أن أهل الذنوب داخلون في الكفر.
وأما وجه استدلالهم بالآية الثانية:.
فقد زعموا أنها شاملة لكل أهل الذنوب، لأن كل مرتكب للذنب لابد وأنه قد حكم بغير ما أنزل الله. وقد شملت الفساق لأن الذي لم يحكم بما أنزل الله فيجب أن يكون كافر والفاسق لم يحكم بما أنزل الله حين فعل الذنب.
وهذا الاستدلال مردود كذلك لأن الآية واردة على من استحل الحكم بغير ما أنزل الله. أما أن يدعى الشخص إيمانه بالله ويعترف بأن الحق هو حكم الله فليس بكافر وإنما من أصحاب المعاصي حتى تقام عليه الحجة.
وأما وجه استدلالهم بالآية الثالثة.
فهو أن صاحب الكبيرة لابد وأن يجازي - على مذهبهم - وقد أخبر القرآن أنه لا يجازى إلا الكفور. والفاسق ثبتت مجازاته عندهم فيكون كافراً.
وهذا الدليل مردود عليهم، وينقضه أن الله يجازي الأنبياء والمؤمنين وهم ليسوا كفاراً، وبأن الآية كانت تعقيباً لبيان ذلك العقاب الذي حل بأهل سبأ، وهو عقاب الاستئصال، وهذا ثابت للكفار لا لأصحاب المعاصي. (1) .
(1) انظر تفسير الفخر الرازي لهذه الآيات من سورة سبأ. وانظر جامع البيان: 4/ 19، 30/ 226، وانظر تفسير الطبري: 6/ 252، فتح القدير: 5/ 453، 2/ 45.
وأما ما استدلوا به من السنة على بدعتهم في تكفير العصاة من المسلمين فقد أساءوا فهم الأحاديث وحملوها المعاني التي يريدونها، ومن تلك الأحاديث ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن)) (1) .
ولهم أدلة أخري نكتفي منها بهذا الحديث.
فقد فهموا من هذا الحديث نفى الإيمان بالكلية عن من فعل شيئاً مما ذكر في الحديث، وهذا لا حجة لهم فيه، فإن الحديث - كما يذكر العلماء - إما أن يكون واردا فيمن فعل شيئاً مما ذكر مستحلاً لتلك الذنوب أو أن المراد به نفي كمال الإيمان عنهم، أو أن نفي الإيمان عنهم مقيد بحال مواقعتهم لتلك الذنوب.
ولو كانت تلك الكبائر تخرج الشخص عن الإيمان لما اكتفى بإقامة الحد فيها. ولهذا فقد ذكر بعض العلماء أن هذا الحديث وما أشبهه يؤمن بها ويمر على ما جاء، ولا يخاض في معناها.
وقال الزهري في مثل هذه الأحاديث ((أمروها كما أمرها من قبلكم)) . (2)
وقد جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: ((ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة. قلت وإن زني وإن سرق ثلاثاً ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر)) قال: ((فخرج أبو ذر وهو وإن رغم أنف
(1) أخرجه البخاري: 8/ 13، ومسلم 1/ 54.
(2)
انظر شرح النووي لصحيح مسلم 2/ 41- 42.