المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل السابعإيضاحات لبعض الآراء الاعتقادية للرافضة - فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها - جـ ١

[د. غالب بن علي عواجي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول: مقدمة في الفرق

- ‌الفصل الأولالهدف من دراسة الفرق

- ‌الفصل الثانيأهمية دراسة الفرقورد شبهة من يريد عدم دراستها

- ‌الفصل الثالثالنهي عن التفرق

- ‌المبحث الأول: الأدلة من القرآن الكريم:

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة النبوية:

- ‌الفصل الرابعحصر الفرق في العدد المذكور في حديث الافتراق

- ‌المبحث الأول: من الفرق الناجية

- ‌المبحث الثاني معنى قوله صلى لله عليه وسلم: ((كلها في النار إلا واحدة))

- ‌الفصل الخامسكيف ظهر الخلاف والتفرق بين المسلمين

- ‌الفصل السادسمدى سعة الخلاف الذي كان يحصل بين الصحابةوموقفهم منه، وكيف تطور بعدهم إلى تمزيق وحدة الأمة الإسلامية

- ‌الفصل السابعمظاهر الخلاف بين المسلمين

- ‌الفصل الثامنكيف تبدأ الفرق في الظهور

- ‌الفصل التاسعمنهج العلماء في عدَّ الفرق

- ‌الفصل العاشرما المراد بأمة الإسلام

- ‌الفصل الحادي عشرأهم أسباب نشأة الفرق

- ‌الباب الثاني: فرقة السلف أهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الأولتمهيدحول دراسة هذه الطائفة

- ‌الفصل الثانيالأخطار التي تحيط بأهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الثالثعقيدة فرقة أهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الرابعأسماء هذه الطائفة وألقابهم

- ‌الفصل الخامسما هي عقيدة السلفوما هو منهجهم في مسائل الاعتقاد والاستدلال لها؟وما معنى كلمة عقيدة

- ‌الفصل السادسأقوال السلففي وجوب التمسك بالسنة والحذر من البدع

- ‌الفصل السابعلزوم السلف جماعة المسلمينوتحذيرهم من التفرق وأدلتهم على ذلك

- ‌الفصل الثامنالثناء على السلف رحمهم الله تعالى

- ‌الفصل التاسعجهودهم في خدمة الإسلام

- ‌الفصل العاشربيان وسطية أهل السنةفي مسائل الاعتقاد وسلامتهم من ضلالتيالإفراط والتفريط

- ‌الفصل الحادي عشرعلامات وسمات الفرقة الناجيةوعلامات وسمات الفرق الهالكةمزايا العقيدة السلفية وأصحابها

- ‌الفصل الثاني عشرذكر أشهر أئمة أهل السنة ومؤلفاتهم في العقيدة

- ‌الفصل الثالث عشرتنبيهات مهمة على مسائل في العقيدة

- ‌الباب الثالثدراسة عن الخوارج

- ‌الفصل الثانيالتعريف بالخوارج

- ‌الفصل الثالثأسماء الخوارج وسبب تلك التسميات

- ‌الفصل الرابعمتى خرج الخوارج

- ‌الفصل الخامسمحاورات الإمام علي للخوارج في النهروان

- ‌الفصل السادسأسباب خروج الخوارج

- ‌الفصل السابعحركات الخوارج الثورية وفرقهم وعددهم

- ‌الفصل الثامندراسة أهم فرق الخوارج وهم‌‌ الإباضية

- ‌ الإباضية

- ‌1- تمهيد:

- ‌2- زعيم الإباضية

- ‌3- هل الإباضية من الخوارج

- ‌4- فرق الإباضية:

- ‌5-دولة الإباضية:

- ‌6- موقف الإباضية من المخالفين لهم:

- ‌أ- موقفهم من سائر المخالفين:

- ‌ب- موقف الإباضية من الصحابة:

- ‌7- عقائد الإباضية:

- ‌الفصل التاسعإيضاحات لبعض الآراء الاعتقادية للخوارج

- ‌1- هل الخوارج يقولون بالتأويل أم بظاهر النص فقط

- ‌2- موقف الخوارج من صفات الله عز وجل

- ‌3- حكم مرتكبي الذنوب عند الخوارج

- ‌4- الإمامة العظمي

- ‌الفصل العاشرالحكم على الخوارج

- ‌أولاً: مراجع فرقة الخوارج ومنها:

- ‌ثانياً: مراجع فرقة الإباضية بخصوصهم:

- ‌الباب الرابعالشيعة

- ‌تمهيد:

- ‌الفصل الأولالتعريف بالشيعة لغة واصطلاحاً، وبيان التعريف الصحيح

- ‌الفصل الثانيمتى ظهر التشيع

- ‌الفصل الثالثالمراحل التي مر بها مفهوم التشيع

- ‌الفصل الرابعأسماء الشيعة

- ‌الفصل الخامسفرق الشيعة

- ‌ تمهيد:

- ‌ السبب في تفرق الشيعة:

- ‌ عدد فرق الشيعة

- ‌ السبب في عدم اتفاق العلماء على عدد فرق الشيعة

- ‌الفصل السادسدراسة أهم فرق الشيعة

- ‌1- السبئية:

- ‌موقف علي رضي الله عنه من ابن سبأ:

- ‌2-الكيسانية:

- ‌3- المختارية:

- ‌4-الزيدية:

- ‌زيد بن علي

- ‌آراء زيد والزيدية:

- ‌5- الرافضة:

- ‌1 - معنى الرافضة لغة واصطلاحاً:

- ‌2 - سبب تسميتهم بالرافضة:

- ‌4 - أسماؤهم قبل اتصالهم بزيد:

- ‌5 - فرق الروافض:

- ‌1- المحمدية:

- ‌1- الشيخية:

- ‌2- الرشتية:

- ‌الفصل السابعإيضاحات لبعض الآراء الاعتقادية للرافضة

- ‌4- المهدية والرجعة عند الشيعة:

- ‌من هو المهدي

- ‌مكان وجود المهدي:

- ‌رجعة المهدي ومتى تتم

- ‌5- موقفهم من القرآن الكريم:

- ‌6- موقفهم من الصحابة:

- ‌7- قولهم بالبداء على الله:

- ‌الفصل الثامنالشيعة في العصر الحاضر وهل تغير خلفهم عن سلفهم

- ‌الفصل التاسعالحكم على الشيعة

الفصل: ‌الفصل السابعإيضاحات لبعض الآراء الاعتقادية للرافضة

‌الفصل السابع

إيضاحات لبعض الآراء الاعتقادية للرافضة

للرافضة آراء اعتقادية كثيرة لا يتسع المقام هنا لبسطها، إلا أننا سنقتصر في دراستنا لآرائهم على أهم المسائل الاعتقادية عندهم، والتي كان لها أثر هام في تباعدهم عن هدي الكتاب والسنة، وطريقة أهل الحق، وسنقتصر على المسائل الآتية على سبيل الإيجاز:

قصر استحقاق الخلافة في آل البيت. علي وذريته رضي الله عنهم، وأنها كانت بنص من النبي صلى الله عليه وسلم فيهم.

1.

دعواهم عصمة الأئمة والأوصياء.

2.

تدينهم بالتقية.

3.

دعواهم المهدية.

4.

ودعواهم الرجعة.

5.

موقفهم من القرآن الكريم.

6.

موقفهم من الصحابة.

7.

القول بالبداء على الله تعالى.

وتوجد لهم آراء أخرى -كما ذكرنا- مثل دعوى النبوة في بعض من يتشيعون لهم

ومثل القول بالتناسخ والحلول، وغير ذلك. وهذه الآراء

ص: 358

- الظاهر سقوطها وبطلانها- توجد في فرقهم القديمة والحديثة، وقد تخرج بعض فرقهم عن رأي وتلتزم بآخر لايقل عنه سوءاً وضلالاً إلا من اعتدل منهم، كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق وهم قليل.

أولاً: موقفهم من الخلافة والإمامة:

هذه القضية هي الشغل الشاغل لهم، وهي مركز بحوثهم، ومن أهم الأسس لعقيدتهم، وأكثر المسائل الفرعية ترجع إليها، وأهم ما يدور من الخلاف بينهم وبين أهل السنة، أو فيما بينهم إنما يدور حولها.

ويعتبر الشيعة الإمامة وتسلسلها في آل البيت ركناً من أركان الإسلام، ويعتقدون أنها منصب ثبت من عند الله تعالى، يختار الله الإمام كما يختار الأنبياء والمرسلين.

والاثنا عشرية يحصرونها في علي وفي أولاده، ولا يصححونها في غيرهم.

وفيما يلي نستعرض أهم آرائهم فيها:

1-

الإمام له صلة بالله تعالى من جنس الصلة التي للأنبياء والرسل (1) :

روى الكليني عن أبي عبد الله أنه قال: ((أشرك بين الأوصياء والرسل في الطاعة)) (2) .

وفي هذا يروي الكليني في كتابه الكافي: ((أن الحسن بن العباس المعروفي

(1) انظر الاضطراب إلى الحجة ص 128. وباب طبقات الأنبياء والرسل والأئمة ص 133. وباب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث ص 134 في الكافي ج1 للكليني.

(2)

الكافي ج1ص143.

ص: 359

كتب إلى الرضا يقول له: ((جعلت فداك، أخبرني ما الفرق بين الرسول والنبي والإمام؟)) .

قال: فكتب أو قال: ((الفرق بين الرسول والنبي والإمام، أن الرسول هو الذي ينزل عليه جبريل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحي، وربما رأى منامه نحو رؤيا إبراهيم، والنبي ربما سمع الكلام، وربما رأى الشخص ولم يسمع، والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص)) (1) .

أي أن الإمام- حسب هذا الكلام- يوحى إليه، وهذا خلاف ما يعتقده المسلمون من انقطاع الوحي بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولكن الشيعة -وهم يقررون أن رتبة الإمام لا يصل إليها ملك مقرب ولا نبي مرسل -كما ادعى الخميني في هذا العصر (2) -لا يمنعهم مانع من هذا الادعاء.

2-

الإيمان بالإمام جزء من الإيمان بالله:

((روى أبو حمزة قال: قال لي جعفر ع: إنما يعبد الله من يعرف الله، فأما من لا يعرف الله فإنما يعبده هكذا ضلالاً.

قلت: جعلت فداك. فما معرفة الله؟

قال: تصديق الله عز وجل، وتصديق رسوله -ع- وموالاة علي -ع- والائتمام به وبأئمة الهدى ع، والبراءة إلى الله عز وجل من عدوهم

هكذا يعرف الله عز وجل) (3) .

ومن الذي أخبرهم أن معرفة الله لا تكفي بدون معرفة الإمام؟! ومتى

(1) الكافي، كتاب الحجة ج1 ص134، وذكر روايات غيرها.

(2)

ولاية الفقيه ص 61.

(3)

الكافي ج1ص138.

ص: 360

كانت معرفة أهل البيت من أركان الإيمان بالله تعالى؟!

3-

حرفوا معاني القرآن الكريم إلى هواهم في الأئمة، ومن ذلك:

أ- تفسيرهم لقول الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} النور: الإمام علي والأئمة من بعده، كما فسره أبو عبد الله -حسب زعم الكليني (1) .

ب- تفسيرهم لقول الله عز وجل: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ** وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} (2) الحسنة: معرفة الولاية وحب آل البيت، والسيئة إنكار الولاية وبغض آل البيت، كما فسرها علي بن أبي طالب لعبد الله الجدلي، كما يزعم الكليني (3) .

ج- تفسيرهم لقول الله عز وجل: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} (4) أي إمام يهديهم ابتداءً بعلي وانتهاءً بالمهدي (5) .

إلى غير ذلك من الآيات التي فسروها بمثل هذه المعاني الباطلة في كتبهم المعتبرة، وأهمها الكافي.

4-

زعموا في الأئمة أنهم هم الذين جمعوا القرآن كله كما أنزل (6) ولا

(1) الكافي ج1ص150.

(2)

سورة النمل: 89، 90.

(3)

الكافي ج1ص142.

(4)

سورة الرعد: 7.

(5)

الكافي ج1ص148.

(6)

انظر باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم السلام وأنهم يعلمون كله ((الكافي ج1 ص 178، أورد روايات وأحاديث كثيرة نسبها إلى أبي عبد الله وأبي جعفر)) .

ص: 361

يعترفون بغير ذلك، وجحدوا جهود الخليفة الراشد أبي بكر رضي الله عنه، وأبيِّ بن كعب، وغيرهما من خيار الصحابة رضي الله عنهم.

5-

الأئمة عندهم اسم الله الأعظم (1) ، وعندهم الجفر وهو وعاء من أدم - فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل، وعندهم مصحف فاطمة، وفيه مثل قرآننا ثلاث مرات، وليس فيه من قرآننا حرف واحد (2) ، وأن الأئمة لا يموتون إلا بمشيئتهم واختيارهم (3) .

6-

وأن الإمام إذا مات لا يغسله إلا الإمام الذي يليه، وهو أكبر أولاده (4) .

ومن خرافاتهم في خلق الإمام من الإمام ما يرويه يونس بن ظبيان، عن أبي عبد الله أنه قال: ((إن الله عز وجل، إذا أراد أن يخلق الإمام من الإمام بعث ملكاً وأخذ شربة من ماء تحت العرش، ثم أوقعها أو دفعها إلى الإمام فشربها، فيمكث في الرحم أربعين يوماً لا يسمع الكلام، ثم يسمع الكلام بعد ذلك.

فإذا وضعته أمه بعث الله إليه ذلك الملك الذي أخذ الشربة فكتب على عضده الأيمن ((وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته)) . فإذا قام بهذا الأمر رفع الله له في كل بلدة مناراً ينظر به إلى أعمال العباد (5) . وهذا منتهى

(1) الكافي ج 1 ص 178 باب ما أعطي الأئمة عليهم السلام من اسم الله الأعظم.

(2)

انظر كتاب الحجة من الكافي جـ1 صـ185 باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة ع والأحاديث كما يسمونها التي أوردها في هذا الغلوا الفاحش.

(3)

جـ1 صـ201.

(4)

جـ1 صـ315.

(5)

جـ1 صـ318.

ص: 362

الكذب فلا يعلم بأعمال العباد إلا الذي خلقهم، وهذا المنار المزعوم لا وجود له إلا في أذهانهم.

وإذا كانت هذه الرواية في الكافي، فإن رواية أخرى هي أيضاً في نفس هذا الكتاب تناقض هذه الرواية حيث تقول:((روى غير واحد من أصحابنا أنه قال -أي جميل بن دراج-: لا تتكلموا في الإمام فإن الإمام يسمع الكلام وهو في بطن أمه)) (1) . إلى آخر ترهاتهم ومبالغاتهم الباطلة في الأئمة.

وجميع العقلاء -وعلى رأسهم أهل السنة- يعرفون أن الخليفة إنسان ككل الناس، يولد كما يولدون، ويعلم أو يجهل كما يعلمون ويجهلون، ليس له مزية إلا أن كفايته وأخلاقه جعلت الناس يختارونه لتنفيذ الأحكام فيما بينهم، فإذا جار وخرج عن حكم الله متعمداً فلا طاعة له.

أما عند الشيعة فالخير ما فعله الإمام، والشر ما تركه أياً كان ذلك.

ومعلوم أن عقيدتهم في الإمام تشل الفكر وتميته وتعطي للحاكم سلطة لا حد لها ولا حصر، فالعدل ما حكم به مطلقاً، والجور ما لم يحكم به بغض النظر عن صواب الحكم أو خطئه، فهم المشرعون وهم الحاكمون، والله عز وجل حين قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً

} (2) لم يشمل تشريعات الأئمة حسب معتقد هؤلاء، حيث جاء هؤلاء الأئمة بتشريعات- حسب ما يروونه عنهم- لم يأت بها الشرع من قبل.

والشيعة حين قصروا استحقاق الخلافة في علي رضي الله عنه وفي الأئمة من بعده تلمسوا لهم شبهاً كثيرة ودعاوى مردودة، على أن ما ذهبوا إليه هو

(1) انظر: كتاب الحجة من الكافي 1/319.

(2)

سورة المائدة: 3.

ص: 363

الصواب كما يرون (1) . نذكر منها ما يلي:

1-

قالوا: إن أمر الإمامة لا يحتمل عدم البيان، والرسول صلى الله عليه وسلم بعث لرفع الخلاف، فلا يجوز أن يترك بيان الإمام الذي يليه إلى اختلافات الناس واجتهاداتهم (2) .

2-

يستدلون ببعض الروايات الواردة في فضائل علي رضي الله عنه ومن ذلك:

أ - ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) (3) .

ب - ((أقضاكم علي)) (4) .

ج - ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)) (5) زاد الرافضة في الحديث ((إنه لا ينبغي أذهب إلا وأنت خليفتي)) (6) .

3-

استدلوا ببعض الاستنباطات من وقائع يزعمون أنها كانت من النبي صلى الله عليه وسلم تشير إلى خلافة علي منها:

أ- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤمر على علي أحداً من الصحابة، فحيثما انفرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أو سفر كان هو الأمير (7) .

(1) أدلتهم علي ذلك كثيرة جداً، حيث لفقوا عشرات الأحاديث في إثبات الوصية والخلافة في علي وأولاده كما فعل العاملي في كتابه المراجعات انظر من ص 239 إلى ص 246، وانظر بابا خاصاً في الوصة هو المراجعة رقم 86.

(2)

انظر فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب ص 163.

(3)

الكافي ج 1 233.

(4)

الملل والنحل ج1 ص 163.

(5)

صحيح البخاري جـ7 صـ71.

(6)

انظر: المراجعات صـ162 وانظر أضواء علي خطوط محب الدين العريضة لعبد الواحد الأنصاري صـ98.

(7)

الملل والنحل ج1 ص 163

ص: 364

ب- أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل علياً بسورة براءة ليقرأها على الناس في الحج مع أن أمير الحج هو أبو بكر رضي الله عنه حينئذ، فأرجعه كما يزعم عبد الواحد الأنصاري (1) .

والواقع أن فضائل الإمام علي مما يتباهى به أهل السنة، ويحرصون على ذكرها، إلا أنه ليس فيما ذكره الرافضة من الأخبار ما يدل صراحة على ما زعموه.

فأما قولهم: إن أمر الإمامة لا يحتمل عدم البيان، وأن الرسول بيّنه -فصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم بيّنه بمقدمات كثيرة، تدل على استخلافه لأبي بكر، وإن كان هناك خلاف بين أهل السنة هل بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم خلافة أبي بكر بالنص الصريح أو الإشارة، إلا أن أسعدهم بالدليل من قال إنها ثبتت بالنص والإشارة معاً.

ومن ذلك ما جاء عن جبير بن مطعم عن أبيه قال: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه.

قالت: أرأيت إن جئت فلم أجدك؟ كأنها تقول الموت.

قال صلى الله عليه وسلم: ((إن لم تجديني فأت أبا بكر)) (2) .

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر)) (3) .

(1) أضواء علي خطوط محب الدين صـ95.

(2)

أخرجه البخاري ج 7 ص17، ومسلم ج4 ص 249.

(3)

أخرجه الترمذي ج 5 ص 609.

ص: 365

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: ((ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتاباً، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى: ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)) (1) .

وأحاديث أخرى كثيرة عرف منها الصحابة أحقية الصديق بالخلافة من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس للشيعة في دفعها إلا الكذب والبهتان، وليس معهم أي دليل عن علي رضي الله عنه ثابت يدعي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم نص على استخلافه، كما شهد بذلك المنصفون من الشيعة أنفسهم في كتبهم (2) . ولو قال علي ذلك لما كذبه أحد من الناس، وكان علي يعلم أن الخلافة ليست بالوراثة، وإنما تكون إذا اجتمع رأي أهل الحل والعقد من المسمين على اختيار من يتولى الخلافة، ثم تعقب ذلك المبايعة العامة في المسجد.

وقد رد على من قال له: استخلف علينا -كما يرويه ابن كثير - فقال: لا، ولكن أترككم كما ترككم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن يرد الله بكم خيراً بجمعكم على خيركم كما جمعكم على خيركم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) .

والشاهد في هذا النص أن علياً لم يذكر نصاً من الرسول صلى الله عليه وسلم على ولايته، وفيه شاهد أيضاً على اعترافه بفضل أبي بكر رضي الله عنه.

ويزيد هذه الحقيقة وضوحاً ما ورد أن ابن العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم طلب إلى علي أن يتحدث ويطلب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه ليوصي لبني هاشم بالخلافة، أو يوصي بهم الناس فأبى علي ذلك وقال:((إنا والله لئن سألناها رسول الله فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده، وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم)(4) .

(1) أخرجه مسلم ج5 ص 248.

(2)

انظر الشيعة والتصحيح للموسوي ص 19-20.

(3)

انظر البداية والنهاية ج 325.

(4)

البخاري 8/ 325.

ص: 366

وهذا يدل على بعد نظره وقوة فهمه رضي الله عنه، فلو كان يعلم نصاً في ذلك لما تردد في إعلانه، وقد دعت الضرورة إليه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد ثبت عنه، بل أعلن على منبر الكوفة أمام جمهور أتباعه أن الخلفاء الثلاثة من قبله هم أفضل هذه الأمة بعد نبيِّها صلى الله عليه وسلم:((أيها الناس إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ولو شئت أن أسمي الثالث لسميته)) .

وعنه أنه قال نازل من المنبر)) ثم عثمان ثم عثمان)) (1)

وحينما تمت مبايعة الحسن بعد استشهاد الإمام علي لم يذكر فيها تصريحاً ولا تلميحاً أن هناك نص من أبيه على مبايعته، وإنما كان أول من تقدم لمبايعته قيس بن سعد بن عبادة قائلا له:((ابسط يدك أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه)) فسكت الحسن فبايعه ثم بايعه الناس بعده (2) .

ولو أن الحسن يعرف نصا على استخلافه لما جاز له ترك الخلافة ولا السكوت عن إخبار الصحابة به وإعلامهم بحقيقة الأمر ليخرج أقل ما يقال من إثم الكتمان، إذا أغفلنا النظر عن حقيقة هامة وهي أنه كان من الذين لا يخافون في الله لومة لائم.

وإذا كان الحسن قد تنازل عن الخلافة لمصلحة المسلمين وحقن دمائهم، فإنه من الكذب أن يقال أنه أوصي للحسين من بعده، فكيف يوصي بها للحسين وقد تنازل عنها، وصارت حقاً لغيره، وإذا كان هو زهد عنها وكرهها، فكيف يرضاها لأحد من أهل بيته؟

(1) انظر البداية والنهاية جـ8، ص 13، 14.

(2)

انظر البداية والنهاية جـ8، ص 14.

ص: 367

وإذا كان تنازله عنها لحقن الدماء أفيوصي بسفكها بعد موته؟

إضافة إلى أنه لا يوجد لأحد من أهل البيت نص ثابت يدل على دعوى ثبوت الخلافة فيهم، لا عن الحسن، ولا عن الحسين، ولا عن غيرهما من أهل البيت لا فيهم، ولا في غيرهم، وقد وجد من المسلمين من كانت له ميول قوية في إسناد الخلافة إلى من يصلح من آل البيت خصوصاً حينما أسندت إلى بعض بني أمية الذين ما كانوا في المنزلة المرضية بمقارنة بعضهم بآل البيت، وتجلى ذلك كثيراً حينما تولى الخلافة يزيد مع وجود الحسين وغيره من كبار آل البيت.

ثم ما كان لبعض الولاة من الأمويين من معاملة سيئة لبعض أهل البيت. إضافة إلى تلك الطريقة التي كان يتم بها نقل الخلافة دون اختيار ولا مشورة، ومع ذلك كله فإنه لم يزعم أحد من بني هاشم أن لديه أيّ نص من الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي يعطي له ولبنيه الحق في تولي هذا الأمر من بعده أو توارثه في أعقابهم ولا أعقاب أعقابهم، كما قرره علماء الشيعة.

ومما لا شك فيه أن الأحداث السيئة التي تلاحقت بآل البيت خصوصاً استشهاد الحسين مما أثار في النفوس تعاطفاً قوياً نحو آل البيت، وقد ظهر هذا التعاطف في كثير من الأمور أنه كان لمصلحة بعض المغامرين الذين يتطلعون إلى تحقيق أهداف لهم، كما فعل المختار وغيره ممن تظاهر بالتشيع وحب أهل البيت ليصل إلى غرضه من أقرب الطرق.

وأما استدلالهم بقوله صلى الله عليه وسلم: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) فجوابه أن هذه الولاية لا تستلزم الولاية العامة بمعنى الإمارة. فقد وردت نصوص كثيرة فيها إثبات

ص: 368

موالاة المؤمنين بعضهم لبعض في كتاب الله تعالى وسنة نبيه، وأن المؤمنين أولياء لله، وأن الله وملائكته والمؤمنين موالي رسوله.

كما أن الله ورسوله والذين آمنوا أولياء المؤمنين، وليس معناه أن من كان ولياً لآخر كان أميراً عليه دون غيره، وأنه يتصرف فيه دون سائر الناس، قال تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (1) وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} (2){وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} (3) .

وولاية علي رضي الله عنه واجبة على كل أحد، من جنس موالاة المؤمنين بعضهم بعضاً، فكل من كان الرسول صلى الله عليه وسلم مولاه فعلي مولاه ولا شك، فالذي لا يتولى الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكون ولياً لعلي رضي الله عنه، ولم يكن المراد من الحديث من كنت مولاه أي أميراً عليه فعلي مولاه أي أميراً عليه؛ لأن معناه لا يوحي بهذا.

وأما استدلالهم بحديث: ((أقضاكم علي)) فالجواب أنه على فرض صحته ليس فيه نص على الخلافة لعلي، فإن معرفة الإنسان بشيء لا يلزم أن يكون هو المتولي له، فلا يلزم من معرفة الشخص للقضاء أن يكون هو الحاكم أو الخليفة للمسلمين.

وصحيح أن معرفة القضاء أمر مهم في الحكم إلا أنه ليس من شرط الإمامة أن يكون أعلم الناس بالقضاء، وقد جاء في القرآن الكريم أن داود

(1) سورة التوبة 71.

(2)

سورة محمد:11

(3)

سورة التحريم: 4

ص: 369

عليه السلام كان هو الخليفة، ومع ذلك خفي عليه إصابة الحكم في بعض القضايا، وفهمها سليمان كما أخبر الله بذلك في قصة التحاكم في الحرث الذي نفشت فيه غنم القوم:{ففهمناها سليمان} (1) ولم يوجب هذا الموقف أن يكون سليمان هو الخليفة في عهد أبيه.

ولو كان الحديث يؤدي إلى ما فهم الشيعة لوجب على الناس تغيير الحكام باستمرار كلما وجد شخص أعرف من غيره.

وأما استدلالهم بحديث: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى)) .

فالجواب أن هذا الحديث ليس فيه نص على إمامة علي رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أن هارون لم يكن هو خليفة موسى فقد مات قبله.

وسبب الحديث يوضح مراد النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما أراد أن يتوجه إلى تبوك ترك علياً في المدينة للنظر في أمور المسلمين، فقال بعض المنافقين في المدينة: إنما خلف علياً لأنه يستثقله ولا يحبه.

فلما علم علي بذلك أخذ سيفه ولحق بالرسول وهو نازل بالجرف (2)، وأخبره بقول المنافقين. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى)) ، فبين له أن استخلافه على المدينة لم يكن لاستثقاله كما زعم أولئك، وإنما كان استخلافه كاستخلاف موسى لهارون حينما ذهب موسى لميقات ربه، ولم يستخلف موسى هارون بغضاً له أو استثقالاً، كما أن الحنان الذي كان بين موسى وهارون يوجد مثله بين الرسول صلى الله عليه وسلم

(1) سورة الأنبياء: 79.

(2)

الجرف مكان معروف كان خارج المدينة علي المدينة علي طريق تبوك، والآن قربت المساكن في المدينة أن تتصل به، ولا يزال بهذه التسمية إلى الآن.

ص: 370

وعلي رضي الله عنه، وهذا بعيد عن الخلافة والولاية، وإنما هو من الرسول صلى الله عليه وسلم كهارون من موسى في الوصية له ووجوب احترامه ومعرفة فضله.

وأما استدلالهم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يؤمر على أبي بكر وعمر غيرهما من الصحابة، ولم يؤمر على علي أحداً. فجوابه:

فجوابه:

1-

أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ولّى أبا بكر أموراً كثيرة لم يشركه فيها أحد، مثل ولاية الحج والصلاة بالناس، وغير ذلك.

2-

أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ولى من هو بإجماع أهل السنة والشيعة من كان عنده دون أبي بكر مثل عمرو بن العاص، والوليد بن عقبة، وخالد بن الوليد، وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك ولاية أبي بكر في بعض الأمور لكونه ناقصاً عن هؤلاء.

وقد ولى الرسول صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم على المدينة كما ولى غيره في بعض أمره فلم ينفرد علي رضي الله عنه بالولاية.

ربما ترك الرسول صلى الله عليه وسلم ولايته في بعض الأمور لأن بقاءه عنده أنفع له منه في تلك الولاية، وحاجته إليه في المقام عنده وغناه عن المسلمين أعظم من حاجته إليه في الولاية.

وأما إرساله صلى الله عليه وسلم لعلي بسورة براءة فلم يكن ذلك لرد أبي بكر عن ولاية الحج، ولكن أردفه لينبذ إلى المشركين عهدهم، وقد كانت عادتهم ألا يعقد العقود ولا يحلها إلا المطاع المسؤول العام، أو رجل من أهل بيته فقط، وعلي له هذه القرابة.

وأيضاً كان علي يصلي خلف أبي بكر كسائر أهل الحج. ومن قال: إن

ص: 371

الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل علياً لرد أبي بكر عن إمارة الحج فقد كذب باتفاق أهل العلم، فإن المهمة التي كلف بها عليّ إنما هي تنفيذ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في إخبار المشركين بنبذ العهد الذي بينهم وبين المسلمين كما أمر الله تعالى (1) .

ثانياً: دعواهم عصمة الأئمة والأوصياء:

هذه إحدى خرافات الشيعة في أئمتهم فقد ادعوا عصمتهم من كل الذنوب والخطايا، الصغائر والكبائر، لا خطأ ولا نسياناً منذ طفولتهم إلى نهاية حياتهم وجوباً لا شك فيه.

سبب ذلك:

وعند البحث عن سبب هذا الاعتقاد الذي جعلهم ينزلون أئمتهم هذه المنزلة المستحيلة، نجد أن الذي حملهم على ذلك هو أن العصمة عندهم شرط من شروط الإمامة (2) ، ثم رفعوا أئمتهم وغلوا فيهم غلواً فاحشاً إلى أن اعتبروهم أفضل من الأنبياء، لأنهم نواب أفضل الأنبياء (3) .

ثم زادوا فادعوا لهم أنهم يعلمون الغيب (4) ، وأن جزءاً إلهياً حل فيهم وإذا كان الأمر كذلك فالعصمة أمر طبيعي أن توجد فيهم.

(1) انظر كتاب منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. ص 87، ومن ص92 إلى ص 94، وص 221، ومن ص 84 إلى ص 87.

(2)

كما نص على ذلك الطوسي في كتاب الغيبة ص 3/4.

(3)

مختصر التحفة الإثني عشرية ص 284.

(4)

انظر كتاب الحجة من الكافي ونصه: ((باب أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون، وأنه لا يخفي عليهم شيء صلوات الله عليهم جـ1 صـ203 لترى الغلو في الأحاديث التي أوردها وسماها أحاديث أيضاً، وانظر أيضاً باب نادر فيه ذكر الغيب ص 200 ج1 لترى النصوص علي أن الأئمة يعلمون الغيب.

ص: 372

إضافة إلى ذلك قالوا: إن تنصيب الإمام إنما شرع من أجل جواز الخطأ على غير الأئمة، فلو جاز الخطأ على الإمام وهو الهادي إلى الحق لاحتجنا إلى هاد آخر، وهذا الهادي يمكن أن يلحقه الخطأ فيحتاج إلى هاد آخر، وهكذا فيلزم التسلسل فقطعاً للتسلسل ينبغي أن يكون كل إمام من أولئك معصوماً في وقته - حسب زعمهم- حتى يؤمن على حفظ الشريعة، وإلا احتجنا إلى حافظ آخر، إذ كيف يؤتمن على الشريعة شخص معرض للخطأ (1) .

كذلك من الأسباب أيضاً في استنادهم في القول بعصمتهم إلى ما يزعمونه من النصوص عن أئمتهم، فقد نقل الكليني -فيما يكذب الشيعة على آل البيت- أن جعفر الصادق قال:((نحن خزان علم الله، ونحن تراجمة أمر الله، نحن قوم معصومون، أمر الله بطاعتنا ونهى عن معصيتنا.. نحن حجة الله البالغة على من دون السماء وفوق الأرض)) .

وفي رواية أنه قال لرجل اسمه سدير حين سأله بقوله: جعلت فداك، ما أنتم؟ قال: نحن خزان علم الله، ونحن تراجمة وحي الله، ونحن الحجة البالغة على من دون السماء ومن فوق الأرض (2) .

وادعاء الشيعة لأئمتهم علم الجفر هو غلو آخر منهم، وهو عبارة عن العلم الإجمالي بلوح القضاء والقدر والمحتوي على كل ما كان وما يكون كلياً وجزئياً، وأنه علم يتوارثه أهل البيت ومن ينتمي إليهم، ويأخذ منهم المشائخ الكاملون، وكانوا يكتمونه كل الكتمان.

(1) انظر كتاب الغيبة ص 15.

(2)

الكافي، كتاب الحجة ج1 ص 149.

ص: 373

ويذكر الجرجاني أن الجفر والجامعة كتابان ذكر فيهما على طريقة الحروف والحوادث التي تحدث إلى انقراض العالم كما يدعي هؤلاء الغلاة.

وقيل: إن الجفر كتاب وضعه جعفر الصادق، وهو مكتوب على جلد الجفر لأخبار أهل البيت.

وقال ابن خلدون: إن كتاب الجفر كان أصله أن هارون بن سعيد العجلي كان له كتاب يرويه عن جعفر الصادق، وفيه علم ما سيقع لأهل البيت على العموم، وسماه الجفر باسم الجلد الذي كتب فيه، لأن الجفر في اللغة هو الصغير، وهذا لا شك من الكذب الذي اختلقه غلاة الشيعة في أئمتهم، فإنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى، ولم يكتب الله لأحد علم المغيبات.

ولقد جاء الكليني بالغرائب عن أبي عبد الله تحت باب سماه هكذا: ((باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام)(1) حيث عرَّف بالصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة في حديثه الآتي: ((عدة من أصحابنا

عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله فقلت له: جعلت فداك، إني أسألك عن مسألة، ههنا أحد حتى يسمع كلامي؟ قال: فرفع أبو عبد الله ((ع)) ستراً بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه، ثم قال: يا أبا محمد، سل عما بدا لك، قال: قلت: جعلت فداك، إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علّم علياً باباً يفتح له منه ألف باب؟ قال: فقال: يا أبا محمد علّم رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً ((ع)) ألف باب، يفتح من كل باب ألف باب.

قال: قلت: هذا والله العلم.

(1) المصدر السابق صـ 184

ص: 374

قال: فنكت ساعة في الأرض، ثم قال: إنه لعلم، وما هو بذلك.

قال: ثم قال: يا أبا محمد، وإن عندنا الجامعة، وما يدريهم ما الجامعة؟

قال: قلت: جعلت فداك، وما الجامعة؟

قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله، وإملائه من فلق فمه، وخط علي بيمينه، فيها كل حلال وحرام، وكل شيء يحتاج الناس إليه حتى الأرش في الخدش. وضرب بيده إلي وقال: أتأذن لي يا أبا محمد؟ قال: جعلت فداك، إنما أنا لك فاصنع ما شئت.

قال: فغمزني بيده وقال: حتى أرش هذا، كأنه مغضب.

قال: قلت: وهذا والله العلم.

قال: إنه لعلم وليس بذاك. ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن عندنا الجفر، وما يدريهم ما الجفر؟

قال: قلت: وما الجفر؟

قال: وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين، وعلم العلماء الذين مضوا من بني اسرائيل.

قال: قلت: إن هذا هو العلم.

قال: إنه لعلم، وليس بذاك. ثم سكت ساعة. ثم قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة (ع) ، وما يدريهم ما مصحف فاطمة؟

قال: قلت: وما مصحف فاطمة (ع)

قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم

ص: 375

حرف واحد.

قال: قلت: هذا والله العلم.

قال: إنه لعلم، وما هو بذاك. ثم سكت ساعة، ثم قال: إن عندنا علم ما كان، وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة.

قال: قلت: جعلت فداك. هذا والله هو العلم.

قال: إنه لعلم، وليس بذاك.

قال: قلت: جعل فداك، فأي شيء العلم؟

قال: ما يحدث بالليل والنهار، الأمر بعد الأمر، والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة (1) .

ثم أورد روايات أخرى كثيرة، ولا نملك إزاء هذه الخرافات إلا أن نقول:{سبحانك هذا بهتان عظيم} (2) .

ولا تستغرب أيها القارئ الكريم حين يتحدثون ويكذبون على أبي عبد الله، فقد كذبوا حتى على حمار رسول الله صلى الله عليه وسلم عفير، حيث أورد الكليني في ذلك رواية طويلة قال في آخرها:

إن حمار رسول الله صلى الله عليه وسلم عفير كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بأبي أنت وأمي، إن أبي حدثني عن أبيه، عن جده، عن أبيه أنه كان مع نوح في السفينة، فقام إليه نوح فمسح على كفله، ثم قال يخرج من صلب هذا الحمار، حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم

فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار. الكافي ص 184.)

(1) الكافي 1/ 185.

(2)

سورة النور: 16.

ص: 376

وكانت نهاية هذا الحمار فيما يذكر الكليني أنه حين مات الرسول صلى الله عليه وسلم قطع الحمار خطامه، ثم فر يركض حتى أتى بئر بني خطمة بقباء فرمى بنفسه فيها، فكانت قبره.

إنهم لا يتورعون عن الحديث حتى على الحيوانات فما بالك بأئمتهم؟

ومن كلام الخميني -وهو أحد أئمتهم في هذا العصر- قوله عن هذه الخرافة: ((نحن نفخر بأن أئمتنا هم الأئمة المعصومون، بدءاً من علي بن أبي طالب وختماً بمنقذ البشرية الإمام المهدي صاحب الزمان، عليه وعلى آبائه التحية والسلام، وهو بمشيئة الله القدير حي يراقب الأمور)) (1) .

وقد أعان الله على الكاذب بالنسيان -كما يقال- إذ توجد لهم روايات في كتبهم يخبرون فيها عن بعض أهل البيت من الأئمة، وفيها اتهامات لهم وذم في مقابل ذلك الغلو فيهم فيصفونهم أحياناً بقلة العلم، وأحياناً أخرى بالغفلة والتناقص في أفكارهم أيضاً؛ بل ويصفونهم بصفات شنيعة مما يكذب هذه العلامات والشروط التي تصوروا وقوعها في كل إمام من أئمتهم.

قال الطوسي في ذم جعفر بن علي بعد سباب كثير له قال فيه: ((وما روي فيه وله من الأقوال والأفعال الشنيعة أكثر من أن تحصى ننزه كتابنا عن ذلك)) (2) .

ثم انظر تفضيل الخميني لإيران في عصره على الحجاز في عصر

(1) الوصية الإلهية للخميني ص 5

(2)

كتاب الغيبة ص 137.

ص: 377

رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الكوفة والعراق في عهد علي رضي الله عنه، حيث قال:((إنني أقولها بجرأة: إن شعب إيران بجماهيره المليونية في العصر الحاضر هو أفضل من شعب الحجاز، في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشعب الكوفة والعراق على عهد أمير المؤمنين والحسين بن علي)) (1) .

إبطال ما ادعته الشيعة من عصمة أئمتهم:

أما اعتقادهم خوف وقوع الخطأ من الإمام لو لم يكن معصوماً، فإنه من المعلوم عند الناس أن المقصود من تنصيب الإمام هو تنفيذ الأحكام ودرء المفاسد، وحفظ الأمن والنظر في مصالح العامة وغير ذلك، وليس من شرط بقائه في الحكم أن يكون معصوماً. ولم يطالبه الشرع بإصابة عين الحق حتما في كل قضية، وإنما المطلوب منه أن يتحرى العدل بقدر الإمكان، ولا مانع بعد ذلك أن يخطئ ويصيب كبقية الناس.

وادعاؤهم أنه لا يجوز عليه الخطأ يكذبه العقل والواقع.

وكذلك زعمهم أنه لا بد من إمام معصوم للناس، فإنه لا يكفي إمام واحد فإن البلدان متباعدة، ووجود إمام واحد في كل عصر لا يكفي للجميع، فوجب إذاً أن يكون في كل بلد إمام معصوم يباشر الحكم بنفسه وإلا هلك الناس، ولا يجوز له أن ينيب أحداً مكانه لجواز الخطأ عليه، وفي هذا من العنت ما لا خفاء فيه.

ولو طلب من هؤلاء الشيعة الذين يدّعون عصمة أئمتهم أن يأتوا بدليل واحد من القرآن أو السنة النبوية أو عن الصحابة، أو عن إجماع الأمة لما

(1) الوصية الإلهية ص 16.

ص: 378

استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، إذ القرآن الكريم لم يصرح بعصمة أحد، بل أثبت أن المعصية من شأن الإنسان، فإنه قد صدرت من آدم الذي هو أبو البشر، وأخبر عن موسى بأنه قتل، وعن يونس أنه ذهب مغاضباً.

وفيه عتاب من الله تعالى لبعض أنبيائه ورسله بسبب تصرفات صدرت منهم.

وورد في السنة النبوية ما يشير إلى ذلك في وقائع صدرت من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} (1) ، وما ورد في عتابه عن أخذهم الفداء من أسارى معركة بدر، وغير ذلك مما هو معروف في الكتاب والسنة وأقوال علماء الإسلام.

ومن العجيب أنه قد صدح كل الأئمة بعدم عصمتهم في كثير من المناسبات، ثم يروي الشيعة بعض ذلك في كتبهم، ثم لا يأخذون بها.

روى الكليني في باب التسليم على النساء، عن علي رضي الله عنه أنه كان يكره التسليم على الشابة منهن ويقول:((أتخوف أن يعجبني صوتها، فيدخل علي أكثر مما أطلب من الأجر)) (2) .

وكان يقول لأصحابه: ((لا تكفوا عن مقالة بحق، أو مشورة بعدل فإني لست آمن أن أخطئ)) (3) .

ورووا كذلك أن الحسين بن عليّ بن أبي طالب كان يبدي الكراهية من صلح أخيه الحسن مع معاوية، ويقول:((لو جز أنفي كان أحب إلي مما فعله أخي)) (4) .

(1) سورة التوبة: 43.

(2)

الكافي ج2 ص 473 ولو كان علي يدعي العصمة لنفسه كما يزعم جهال الشيعة لما خاف الإثم

(3)

انظر مختصر التحفة الإثني عشرية ص121

(4)

المصدر السابق، نفشس الجزء والصفحة.

ص: 379

ومن المعلوم أنه إذا خطأ أحد المعصومين الآخر ثبت خطأ أحدهما بالضرورة، فأين العصمة بعد ذلك؟

ثم أن دعوى عصمة أحد من الناس -إلا ما ورد فيه الخلاف في عصمة الأنبياء- دعوى تعارض الطبيعة البشرية المركبة من الشهوات، كما أنه لا يمدح الإنسان لأنه معصوم، بل يمدح لأنه يجاهد نفسه على فعل الخير كما أخبر الله بذلك في أكثر من موضع من كتابه الكريم.

ولهذا رتب الله الجزاء على حسب قيام الشخص بما كلفه الله به، وأعطاه القدرة والإرادة ليكون بعد ذلك طائعاً أو عاصياً، فاعلاً أو تاركاً، ولو عصم الله من المعاصي أحداً -غير الأنبياء- لما كان للتكليف معنى، بل حتى الأنبياء كلفهم الله تعالى ولم يرفع الله عن أحد التكليف وامتثال أمره ونهيه، ما دام الشخص في كامل عقله وصحته، ولو لم يكن الإنسان محلاً للطاعة والعصيان لما كان للتكليف معنى.

ثالثاً: تدينهم بالتقية:

التقية في اللغة يراد بها الحذر. يقال توقَّيت الشيء أي حذرته.

والتقية في مفهوم الشيعة معناها أن يظهر الشخص خلاف ما يبطن.

أي أن معناها النفاق والكذب والمراوغة والبراعة في خداع الناس، لا التقية التي أباحها الله للمضطر المكره (1) .

وقد ذمهم في هذا الموقف بعض علمائهم الذين يحبون الإنصاف، فهذا الدكتور موسى الموسوى يقول:

(1) انظر الخطوط العريضة ص7، الشيعة في الميزان ص 86، الشيعة وتحريف القرآن ص 36.

ص: 380

((لقد أراد بعض علمائنا رحمهم الله أن يدافعوا عن التقية، ولكن التقية التي يتحدث عنها علماء الشيعة وأمْلَتْها عليها بعض زعاماتها هي ليست بهذا المعنى إطلاقا، إنها تعني أن تقول شيئاً وتضمر شيئاً آخر، أو تقوم بعمل عبادي أمام سائر الفرق وأنت لا تعتقد به، ثم تؤديه بالصورة التي تعتقد به في بيتك)) (1) .

ونجد مصداق هذا في أصح الكتب عندهم حيث يروي الكليني عن أبي عبد الله أنه قال: ((خالطوهم بالبرانية، وخالفوهم بالجوانية)) (2) .

وللتقية عند الشيعة مكانة مرموقة، ومنزلة عظيمة فقد اعتبروها -على حسب المفهوم السابق عندهم- أصلاً من أصول دينهم لا يسع أحداً الخروج عنها، وقد بحثوها في كتبهم كثيراً، وبينوا أحكامها وما ينال الشخص من الثواب الذي لا يعد ولا يحصى ولا يصدق لمن عمل بها، وعامل الناس بموجبها فخدعهم وموه عليهم، وكم تأثر الناس وانخدعوا بحيل هؤلاء الذين جعلوا التقية مطية لهم.

ولبيان منزلة التقية عند الشيعة نورد الأمثلة التالية:

1-

التقية أساس الدين، من لا يقول بها فلا دين له.

روى الكليني عن محمد بن خلاد قال: سألت أبا الحسن (ع) عن القيام للولاء فقال: قال أبو جعفر (ع) : ((التقية من ديني ودين آبائي، ولا إيمان لمن لا تقية له)) (3) .

وفيما يرويه عن أبي عبد الله أنه قال لأبي عمر الأعجمي: ((يا أبا عمر، إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له)) (4)

(1) انظر الشيعة والتصحيح ص 52.

(2)

الكافي ج1ص175

(3)

المصدر السابق ج2 ص 174.

(4)

المصدر السابق ج2 ص 172.

ص: 381

بل وصل اعتناؤهم بالتقية إلى حد تأويل الآيات عليها، مثل قوله تعالى:{وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} (1) قال أبو عبد الله -كما زعم الكليني-: ((الحسنة: التقية: والسيئة: الإذاعة)) (2) .

2-

اعتقدوا أن التقية عز للدين، ونشره ذل له. كما روى الكليني عن سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد الله: ((يا سليمان، إنكم على دين من كتمه أعزه الله، ومن أذاعه أذله الله)) (3)

ولا شك أن هذا قلب للحقائق، فإن الله عز وجل طلب من الناس جميعاً نشر العلم وبيانه. وقد قال الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (4)، وقال الله:{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (5) .

وقد امتثل الرسول صلى الله عليه وسلم أمر ربه فلم يكتم من العلم شيئاً، بل وطلب إلى أمته أن ينشروا العلم بكل وسيلة، فقال صلى الله عليه وسلم:((بلغوا عني ولو آية)) (6)، وقال:((نضر الله امرءاً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمع، فرب مبلغ أوعى من سامع)) (7) .

(1) سورة فصلت: 34.

(2)

المصدر السابق ج2 ص 173.

(3)

المصدر السابق ج2 ص 176.

(4)

سورة المائدة: 67

(5)

سورة الحجر:94

(6)

صحيح البخاري ج 6 ص 496.

(7)

لهذا الحديث طرق كثيرة إستوعبها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه ((دراسة حديث ((نضر الله امراء سمع مقالتي)) .

ص: 382

وقد أثنى الله في كتابه الكريم على الصادقين الشجعان الذين لا يخافون في الله لومة لائم، فقال عز وجل:{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ} (1)

وقال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} (2)

كما ذم الله تعالى المنافقين المخادعين للناس فقال تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} (3)

وقال تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} (4) .

وليس من هدي الإسلام استحلال الكذب على طريقة الشيعة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول:((عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله عند الله صديقاً. وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)) (5) .

(1) سورة الأحزاب: 39

(2)

سورة الأحزاب:23 - 24

(3)

سورة المنافقون:1

(4)

سورة البقرة:14

(5)

صحيح مسلم ج4 ص 2013.

ص: 383

3-

جعل الشيعة ترك التقية مثل ترك الصلاة تماماً. قال القمي: ((التقية واجبة، من تركها كان بمنزلة من ترك الصلاة)) (1) . وهذا من أغرب الأقوال، فإن التقية رخصة جعلها الله في حالة الضرورة القصوى، بشرط أن لا يشرح بالكفر صدراً فكيف يعاقب من تركها، بل قال البغوي:((والتقية لا تكون إلا مع خوف القتل وسلامة النية، قال تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ} (2) ، ثم هذا رخصة! فلو صبر حتى قتل فله أجر عظيم (3) .

4-

حدد الشيعة لجواز ترك التقية بخروج القائم من آل محمد (المهدي المنتظر) .

قال القمي: ((التقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم، فمن تركها قبل خروجه فقد خرج على دين الله تعالى، وعن دين الإمامية، وخالف الله ورسوله والأئمة)) (4) .

والحقيقة أن من تركها لا يخرج إلا عن دين الإمامية فقط وعن خرافاتها.

5-

حرفوا معاني الآيات إلى ما يوافق هواهم، وكذبوا على آل البيت.

قال القمي: ((وقد سئل الصادق عليه والسلام عن قول الله عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (5) قال: أعلمكم بالتقية)) (6) ، أي على هذا التفسير أكرمكم هو أكذبكم على الناس.

(1) نقلا عن الشيعة والسنة ص 157، عن الاعتقادات، فصل التقية للقمي.

(2)

سورة النحل: 106

(3)

تفسير البغوي ج1 ص 292.

(4)

الشيعة والسنة ص 157.

(5)

سورة الحجرات: 13.

(6)

الشيعة والسنة ص 157. نقلا عن كتاب الاعتقادات للقمي.

ص: 384

6-

زعم الشيعة أن المعيار الصحيح لمعرفة الشيعي من غيره هو الاعتقاد بالتقية، وينسبون إلى الأئمة المعصومين- في زعمهم- أنهم هم الذين قالوا هذا الكلام.

فقد رووا عن الحسين بن علي بن أبي طالب الإمام الثالث أنه قال: ((لولا التقية ما عرف ولينا من عدونا)) (1) .

ومعنى هذا أن معرفة خداع الناس، والمبالغة فيه هو الذي يميز الشيعة عن غيرهم.

7-

ساوى الشيعة بين التقية وبين الذنوب التي لا يغفرها الله كالشرك.

فرووا عن عليّ بن الحسين الإمام الرابع أنه قال: ((يغفر الله للمؤمن كل ذنب ويطهره منه في الدنيا والآخرة ما خلا ذنبين، ترك التقية، وترك حقوق الإخوان)) (2) .

ولكن الله تعالى قد قال: {إن اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (3)

وهذه المواقف للشيعة تجعل من الصعوبة بمكان التفاهم المخلص بينهم وبين المخالفين لهم -خصوصاً أهل السنة- وذلك أن الشيعي إذا رأى أنه في موقف الضعف لجأ إلى التقية، وفي هذه الحال له من الأجر الذي قدّره الشيعة

(1) الشيعة والسنة ص 157. نقلا عن كتاب الاعتقادات للقمي.

(2)

المصدر السابق ص 185.

(3)

النساء: من الآية 116

ص: 385

ما يعادل مصافحته لعلي رضي الله عنه أو الصلاة خلف نبي من الأنبياء (1) كما افتروا على الله وعلى رسوله.

وأقرب مثال على عدم حصول التفاهم تلك المحاولات التي قامت للتقريب بين الشيعة وأهل السنة، ثم خابت الآمال وتيقن أهل السنة أنه لا وفاء ولا إخلاص ولا صدق عند أولئك الذين يتعبدون الله بالتقية.

أسباب قول الشيعة بالتقية:

اختلفت كلمة الشيعة في الأسباب الحاملة لهم على التمسك بالتقية واعتبارها أساساً في الدين، وفيما يلي نوجز أهم ما قيل فيها:

1-

قالت طائفة: إن التقية تجب للحفاظ على النفس أو العرض أو المال أو الإخوان.

2-

وقالت طائفة: إن التقية تجب لأنها فضيلة، والفضائل يجب التحلي بها، وسواء كانت التقية للحفاظ على النفس أو لغير ذلك فهي واجبة في نفسها، وصاحبها أعرف بحاله، بينما روى الكليني عن أبي جعفر أنه قال:((التقية في كل شيء يضطر إليه ابن آدم، فقد أحلّه الله له)) (2) .

3-

والحق أنهم أوجبوا التقية لظروف أحاطت بهم، ورأوا أن لا خلاص لهم إلا بالاتكاء على دعوى التقية.

ومن ذلك:

أ- أنهم وقفوا على أقوال متضاربة عن الأئمة المعصومين عندهم

(1) انظر مختصر التحفة الإثني عشرية ص 290.

(2)

الكافي ج2 ص 175.

ص: 386

يختلفون في الشيء الواحد، وتتناقض فيه أقوالهم دون أن يجدوا مبرراً لذلك التناقض؛ فخرجوا من ذلك بدعوى أن ذلك الكلام صدر من الأئمة على سبيل التقية.

وهذه الأقوال أكثرها من أكاذيب رواتهم، ليست من الأئمة الذين عرفوا بالشجاعة والصراحة، كما صرح بذلك أحد علماء الشيعة المنصفين (1) .

ب- ومنها ما وجدوه من كلام الأئمة في مدح الصحابة الذين تبرأ منهم الشيعة ويعتبرونهم كفاراً، فزعموا أن ذلك المدح إنما كان تقية.

ومهما كان، فإن التقية التي يراها الشيعة لا يجوز اعتقادها في الإسلام لأنها قائمة على الكذب والخداع.

وما رووه عن الأئمة وأنهم كانوا يلجؤون إليها كذب، بل كذَّبوا أنفسهم بأنفسهم حيث يذكرون روايات كثيرة لأناس سألوا بعض الأئمة المعصومين -حسب زعمهم- عن مسائل فأجابوا فيها بجواب، ثم سألوهم بعد مدة فأجابوا فيها بجواب آخر دون أن يوجد أي داع للتقية لصدور تلك الإجابات المختلفة من إمام واحد عن مسألة واحدة بين خاصة الإمام وشيعته وأنصاره كما صرحت بهذا مصادرهم

وهذا اعتراف منهم بأن الأئمة لا يلجؤون إلى التقية بسبب الخوف وإنما هو بسبب الجهل، ولا شك أن هذا طعن شنيع في أولئك الذين يدعون عصمتهم.

فانظر إلى ما أورده النوبختي عن عمر بن رباح، وما أورده عنه أيضاً الكشّي في رجاله أنه سأل أبا جعفر (ع) عن مسألة فأجاب فيها بجواب، ثم

(1) الشيعة والتصحيح ص 58.

ص: 387

عاد إليه في عام آخر فسأله عن تلك المسألة بعينها فأجاب فيها بخلاف الجواب الأول فقال لأبي جعفر: هذا خلاف ما أجبتني في هذه المسألة العام الماضي، فقال له: إن جوابنا ربما خرج على وجه التقية فشكك في أمره وإمامته.

فلقي رجلاً من أصحاب أبي جعفر يقال له محمد بن قيس فقال له: إني سألت أبا جعفر عن مسألة فأجابني فيها بجواب، ثم سألته عنها في عام آخر فأجابني فيها بخلاف جوابه الأول، فقلت له: لم فعلت ذلك؟ فقال: فعلته للتقية: وقد علم الله أني ما سألته عنها إلا وأنا صحيح العزم على التدين بما يفتيني به وقبوله والعمل به، فلا وجه لاتقائه إياي وهذه حالي.

فقال محمد بن قيس: فلعلّه حضرك من اتقاه؟ فقال: ما حضر مجلسه في واحدة من المسألتين غيري، لا، ولكن جوابيه جميعاً خرجا على وجه التبخيت ولم يحفظ ما أجاب به العام الماضي فيجيب بمثله، فرجع عن إمامته وقال:((لا يكون إماماً من يفتي بالباطل على شيء بوجه من الوجوه ولا في حال من الأحوال، ولا يكون إماماً من يفتي تقية بغير ما يجب عند الله)) (1) .

وما أحسن ما أجاب به سليمان بن جرير الشيعي عن تخليط الشيعة في تمسكهم بالتقية ليجعلوها مخرجاً لأكاذيبهم على أئمتهم، حيث قال كما يرويه عنه النوبختي، وهو من كبار علماء الشيعة:

((إن أئمة الرافضة وضعوا لشيعتهم مقالتين لا يظهرون معها من أئمتهم على كذب أبداً، وهما القول بالبداء، وإجازة التقية. فأما البداء فإن أئمتهم لما أحلوا أنفسهم من شيعتهم محل الأنبياء من رعيتها في العلم فيما كان ويكون، والإخبار بما يكون في غد، وقالوا

(1) فرق الشيعة ص 80، 81.

ص: 388

لشيعتهم: إنه سيكون في غد وفي غابر الأيام كذا وكذا، فإن جاء ذلك الشيء على ما قالوه، قالوا لهم: ألم نعلمكم أن هذا يكون. فنحن نعلم من قبل الله عز وجل ما علمته الأنبياء، وبيننا وبين الله عز وجل مثل تلك الأسباب التي علمت بها الأنبياء عن الله ما علمت، وإن لم يكن ذلك الشيء الذي قالوا إنه يكون على ما قالوا، قالوا لشيعتهم بدا الله في ذلك بكونه.

وأما التقية، فإنه لما كثرت على أئمتهم مسائل شيعتهم في الحلال والحرام وغير ذلك من صنوف أبواب الدين فأجابوا فيها، وحفظ عنهم شيعتهم جواب ما سألوهم وكتبوه ودوّنوه، ولم يحفظ أئمتهم تلك الأجوبة بتقادم العهد وتفاوت الأوقات، لأن مسائلهم لم ترد في يوم واحد، ولا شهر واحد بل في سنين متباعدة وأشهر متباينة وأوقات متفرقة.

فوقع في أيديهم في المسألة الواحد عدة أجوبة مختلفة متضادة، وفي مسائل مختلفة أجوبة متفقة، فلما وقفوا على ذلك منهم ردوا إليهم هذا الاختلاف والتخليط في جواباتهم وسألوهم عنه، وأنكروا عليهم، فقالوا: من أين هذا الاختلاف وكيف جاز ذلك؟

قالت لهم أئمتهم: إنما أجبنا بهذا للتقية، ولنا أن نجيب بما أحببنا وكيف شئنا لأن ذلك إلينا، ونحن أعلم بما يصلحكم وما فيه بقاؤكم وكف عدوكم عنا وعنكم، فمتى يظهر من هؤلاء على كذب؟ ومتى يعرف لهم حق من باطل)) (1) .

ولا شك أن هذه الصراحة تامة وشهادة على الشيعة منهم، وهذا التخليط إنما هو إفك علمائهم لا من الأئمة الذين ينتسبون إليهم مثل جعفر الصادق وغيره، وقد حاول محمد صادق آل بحر العلوم المعلق على كتاب النوبختي

(1) انظر فرق الشيعة للنوبختي ص 85-87.

ص: 389

إيجاد مبررات ورد لهذا القول، لكنها مبررات واعتذارات مثل بيت العنكبوت.

أدلة الشيعة على جواز التقية:

تلمس الشيعة لمبدأ التقية بمفهوم لها نصوصاً حمَّلوها ما لم تحتمله من المعاني التي يعتقدون أنها تؤيد ما يذهبون إليه.

ومن تلك الأدلة التي تمسكوا بها ما ذكره بحر العلوم في تعليقه على فرق الشيعة للنوبختي بقوله: ((التقية مما دل على وجوبه العقل إذا كانت لدفع الضرر الواجب، وقد دل عليه أيضاً القرآن العظيم، ثم نقل عن الطبرسي بعض الآيات يحتج بها (1) :

1-

قوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (2) .

2-

قوله تعالى: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ* فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} (3)

3-

قوله تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} (4) .

4-

قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ} (5) .

وفي هذا يقول محمد مهدي الحسيني الشيرازي عن الشيعة: وهم يرون التقية لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} (6) .

(1) انظر فرق الشيعة تعليق ص 85-86. وانظر الكافي ج 2 ص 172.

(2)

سورة البقرة: 195

(3)

سورة الصافات:88

(4)

سورة آل عمران: 28

(5)

سورة النحل: 106

(6)

قضية الشيعة ص 6. والآية من سورة آل عمران: 28.

ص: 390

والواقع أن استدلالهم بهذه الآيات على التقية التي يرونها استلال خاطئ وهذه الآيات وآيات أخرى كثيرة ليس فيها دلالة للشيعة على التقية التي هي بمعنى الكذب واستحلاله، بل تشير إلى جواز التورية في ظاهر الكلام إذا لزمت الضرورة، كقول إبراهيم عليه السلام:{إِنِّي سَقِيمٌ} (1) أي من عملكم وعبادتكم للأوثان، وليس هو من الكذب بل فيه تعريض لمقصد شرعي كما يذكر العلماء (2) وهو تكسير آلهتهم بعد ذهابهم عنها.

وأما الاستدلال بالآية: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) فإن معناها الأمر بالاتقاء من الكفار.

قال البغوي: ((ومعنى الآية أن الله نهى المؤمنين عن موالاة الكفار ومداهنتهم ومباطنتهم إلا أن يكون الكفار غالبين ظاهرين، أو يكون المؤمن في قوم كفار يخافهم فيداريهم باللسان وقلبه مطمئن بالإيمان؛ دفعاً عن نفسه من غير أن يستحل دماً حراماً أو مالاً حراماً، أو يظهر الكفار على عورات المسلمين)) (3) .

وأما الآية {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ} أي إلا من كان حاله مشرفاً على الخطر، واضطر إلى القول بالكفر فله أن يتقول به من غير أن يعتقد ويعمل به، بل يقول ما فيه تورية ومعاريض مع طمأنينة قلبه بالإيمان، وبحيث لا يشرح صدور الكفار بالمدح الظاهر لهم ولديانتهم، وإنما يلجأ إلى المعاريض التي

(1) سورة الصافات 89.

(2)

انظر تفسير القرآن العظيم ج4 ص13.

(3)

انظر تفسير البغوي ج1 ص 292.

ص: 391

يكون فيها صادقاً، ولا تؤثر في دينه، كأن يقول لهم إنكم على معرفة، وعندكم تقدم ظاهر، قصوركم عالية وبساتينكم مثمرة، ويريد به أنهم يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة غافلون)) .

قال ابن جرير في معنى الآية، بعد أن ذكر أنها نزلت في عمار بن ياسر رضي الله عنه:((فتأويل الكلام إذن، من كفر بالله بعد إيمانه إلا من أكره على الكفر، فنطق بكلمة الكفر بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان، موقن بحقيقته، صحيح على عزمه، غير مفسوح الصدر بالكفر، لكن من شرح بالكفر صدراً فاختاره وآثره على الإيمان، وباح به طائعاً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم)) (1) .

ومن الجدير بالذكر أن هذه التقية الشيعية الباطلة لم يقصروها على الناس فقط بل جوزوها حتى على الأنبياء، وهذا خطأ وخلاف الحق، فإن الأنبياء لا يسلكون التقية التي يريدها الشيعة، ولا تجوز أبداً، فالكذب لا يجوز عليهم، وكتمان الحق وإظهار الموافقة للكفار كذلك لا يجوز لهم، وإلا لما انتشرت دعوتهم، ولما ظهر الخلاف بينهم ويبن أقوامهم، ولما حصل عليهم من المتاعب والأخطار ما حصل مما ذكره الله تعالى في كتابه الكريم مما لم يكن ليقع أبداً لو استعمل الأنبياء التقية الشيعية المملوءة جبناً ونفاقاً، وحاشا أن يسلكوا ذلك.

وقد يقول بعض الشيعة في احتجاجهم بالسنة: إننا نجد أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان يلين القول ويبتسم في وجوه بعض الفسقة والظلمة، وهذا كما يرى هؤلاء تقية.

(1) انظر جامع البيان ج14 ص182

ص: 392

والواقع أن هذه الأفعال التي صدرت عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كانت من باب المداراة، ومن باب حسن الخلق وتأليف القلوب، مع أنه حصل مثل هذه المواقف لأناس ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخاف من جانبهم شيئاً حتى يقال إنها تقية منه لهم، ثم لم تكن هذه المداراة في أمور الدين إذ لم يعرف عن أحد من الأنبياء أنه دارى أحداً في دينه، وإنما هو حسن الخلق ومقابلة الناس بالبشر مع تألفهم لأقوامهم، ولا ينافي هذا أن يقع في القلب كراهية ما هم عليه من فجور مع محبة الخير لهم وإرشادهم إليه وبذل النصح لهم بصدق وإخلاص.

وفي مختصر التحفة الاثني عشرية فوائد في هذا المعنى، ارجع إليها إن أحببت الزيادة (1) .

وفي الختام نود التنبيه إلى أن ما ينسبه الشيعة إلى علي رضي الله عنه من قوله بالتقية -غير صحيح بروايات الشيعة أنفسهم وتناقضهم من حيث لا يعلمون. شأن كل باطل:

فقد رووا في كتبهم أن علياً كان يهدد عمر في مواقف كثيرة، بل ويصل أحياناً إلى الضرب والإهانة ورفع الصوت فيما يزعمون، وأن علياً لو شاء لخسف بعمر وبغيره، وهذا يدل على أن علياً ما كان بحاجة إلى التقية.

ثم رووا عن علي أيضاً أنه توقف عن بيعة أبي بكر زمناً ((ستة أشهر)) لو كان يرى وجوب التقية لبايعه وأبطن الخلاف.

وعلى هذا فإنهم حين ينسبون إلى الأئمة القول بالتقية، ثم يثبتون لهم صفات لا تليق إلا بالله يعتبر كلامهم متناقضاً.

(1) مختصر التحفة الإثني عشرية ص 288 - 296.

ص: 393

فقد روى الكليني أن الأئمة لا يموتون إلا برغبتهم واختيارهم، وقد أجمع الشيعة على صحة هذا.

كما روى أيضاً أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون، وأنه لا يخفى عليهم شيء، ومن كانت هذه صفاته فإن التقية في حقه تعتبر جبناً وخوفاً لا داعي له، وكيف يلجؤون إلى التقية وهم يعلمون كل ما سيجري عليهم.

ثم يتناقض كلامهم في القضية الواحدة تبعاً لحال الإمام وظروفه، ولنفرض أنهم يصادفون متاعب من مخالفيهم فهل يجمل بهم الهرب منها بالتقية وخداع الناس؟ فأين فضيلة الصبر وامتثال أمر الله وتحمل المشاق في سبيل الله؟ لأن هذه هي وظيفة الأنبياء والمصلحين من الناس، وهي فضيلة لا يليق بهم تجنبها باستحلال الكذب.

وأخيراً فإنه يلزم الشيعة أن يصفوا الحسن بن علي رضي الله عنه بأنه ليس له كرامة وفضل، لأنه لم يلتزم بالتقية مع معاوية، وأن المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل الناس لأنهم أتقاهم أي أكثرهم عملاً بالتقية حسب تفسير الشيعة الخاطئ (1) .

ولولا شدة التعصب وتزيين الشيطان لهم أعمالهم لرأوا أن هذه الخرافات التي جعلت أعداء الإسلام يسخرون منهم بسببها أنها من أهم ما ينبغي عليهم محاربتها، وأن عليهم أن يحرروا أفكارهم من هذه الشنائع التي هي إلى الوثنية أقرب- وكل ذلك من أهم ما ينبغي عليهم القضاء عليه إذا أرادوا تصحيح دينهم وتحرير عقولهم من هذه المبادئ البدائية:

يقول الدكتور الموسوي في رده على علماء الشيعة:

(1) انظر لمزيد التفاصيل مختصر التحفة الاثني عشرية الصفحات المشار إليها سابقا، حيث ذكر أشياء كثيرة يضيق المجال عن ذكرها.

ص: 394