المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رجعة المهدي ومتى تتم - فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها - جـ ١

[د. غالب بن علي عواجي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول: مقدمة في الفرق

- ‌الفصل الأولالهدف من دراسة الفرق

- ‌الفصل الثانيأهمية دراسة الفرقورد شبهة من يريد عدم دراستها

- ‌الفصل الثالثالنهي عن التفرق

- ‌المبحث الأول: الأدلة من القرآن الكريم:

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة النبوية:

- ‌الفصل الرابعحصر الفرق في العدد المذكور في حديث الافتراق

- ‌المبحث الأول: من الفرق الناجية

- ‌المبحث الثاني معنى قوله صلى لله عليه وسلم: ((كلها في النار إلا واحدة))

- ‌الفصل الخامسكيف ظهر الخلاف والتفرق بين المسلمين

- ‌الفصل السادسمدى سعة الخلاف الذي كان يحصل بين الصحابةوموقفهم منه، وكيف تطور بعدهم إلى تمزيق وحدة الأمة الإسلامية

- ‌الفصل السابعمظاهر الخلاف بين المسلمين

- ‌الفصل الثامنكيف تبدأ الفرق في الظهور

- ‌الفصل التاسعمنهج العلماء في عدَّ الفرق

- ‌الفصل العاشرما المراد بأمة الإسلام

- ‌الفصل الحادي عشرأهم أسباب نشأة الفرق

- ‌الباب الثاني: فرقة السلف أهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الأولتمهيدحول دراسة هذه الطائفة

- ‌الفصل الثانيالأخطار التي تحيط بأهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الثالثعقيدة فرقة أهل السنة والجماعة

- ‌الفصل الرابعأسماء هذه الطائفة وألقابهم

- ‌الفصل الخامسما هي عقيدة السلفوما هو منهجهم في مسائل الاعتقاد والاستدلال لها؟وما معنى كلمة عقيدة

- ‌الفصل السادسأقوال السلففي وجوب التمسك بالسنة والحذر من البدع

- ‌الفصل السابعلزوم السلف جماعة المسلمينوتحذيرهم من التفرق وأدلتهم على ذلك

- ‌الفصل الثامنالثناء على السلف رحمهم الله تعالى

- ‌الفصل التاسعجهودهم في خدمة الإسلام

- ‌الفصل العاشربيان وسطية أهل السنةفي مسائل الاعتقاد وسلامتهم من ضلالتيالإفراط والتفريط

- ‌الفصل الحادي عشرعلامات وسمات الفرقة الناجيةوعلامات وسمات الفرق الهالكةمزايا العقيدة السلفية وأصحابها

- ‌الفصل الثاني عشرذكر أشهر أئمة أهل السنة ومؤلفاتهم في العقيدة

- ‌الفصل الثالث عشرتنبيهات مهمة على مسائل في العقيدة

- ‌الباب الثالثدراسة عن الخوارج

- ‌الفصل الثانيالتعريف بالخوارج

- ‌الفصل الثالثأسماء الخوارج وسبب تلك التسميات

- ‌الفصل الرابعمتى خرج الخوارج

- ‌الفصل الخامسمحاورات الإمام علي للخوارج في النهروان

- ‌الفصل السادسأسباب خروج الخوارج

- ‌الفصل السابعحركات الخوارج الثورية وفرقهم وعددهم

- ‌الفصل الثامندراسة أهم فرق الخوارج وهم‌‌ الإباضية

- ‌ الإباضية

- ‌1- تمهيد:

- ‌2- زعيم الإباضية

- ‌3- هل الإباضية من الخوارج

- ‌4- فرق الإباضية:

- ‌5-دولة الإباضية:

- ‌6- موقف الإباضية من المخالفين لهم:

- ‌أ- موقفهم من سائر المخالفين:

- ‌ب- موقف الإباضية من الصحابة:

- ‌7- عقائد الإباضية:

- ‌الفصل التاسعإيضاحات لبعض الآراء الاعتقادية للخوارج

- ‌1- هل الخوارج يقولون بالتأويل أم بظاهر النص فقط

- ‌2- موقف الخوارج من صفات الله عز وجل

- ‌3- حكم مرتكبي الذنوب عند الخوارج

- ‌4- الإمامة العظمي

- ‌الفصل العاشرالحكم على الخوارج

- ‌أولاً: مراجع فرقة الخوارج ومنها:

- ‌ثانياً: مراجع فرقة الإباضية بخصوصهم:

- ‌الباب الرابعالشيعة

- ‌تمهيد:

- ‌الفصل الأولالتعريف بالشيعة لغة واصطلاحاً، وبيان التعريف الصحيح

- ‌الفصل الثانيمتى ظهر التشيع

- ‌الفصل الثالثالمراحل التي مر بها مفهوم التشيع

- ‌الفصل الرابعأسماء الشيعة

- ‌الفصل الخامسفرق الشيعة

- ‌ تمهيد:

- ‌ السبب في تفرق الشيعة:

- ‌ عدد فرق الشيعة

- ‌ السبب في عدم اتفاق العلماء على عدد فرق الشيعة

- ‌الفصل السادسدراسة أهم فرق الشيعة

- ‌1- السبئية:

- ‌موقف علي رضي الله عنه من ابن سبأ:

- ‌2-الكيسانية:

- ‌3- المختارية:

- ‌4-الزيدية:

- ‌زيد بن علي

- ‌آراء زيد والزيدية:

- ‌5- الرافضة:

- ‌1 - معنى الرافضة لغة واصطلاحاً:

- ‌2 - سبب تسميتهم بالرافضة:

- ‌4 - أسماؤهم قبل اتصالهم بزيد:

- ‌5 - فرق الروافض:

- ‌1- المحمدية:

- ‌1- الشيخية:

- ‌2- الرشتية:

- ‌الفصل السابعإيضاحات لبعض الآراء الاعتقادية للرافضة

- ‌4- المهدية والرجعة عند الشيعة:

- ‌من هو المهدي

- ‌مكان وجود المهدي:

- ‌رجعة المهدي ومتى تتم

- ‌5- موقفهم من القرآن الكريم:

- ‌6- موقفهم من الصحابة:

- ‌7- قولهم بالبداء على الله:

- ‌الفصل الثامنالشيعة في العصر الحاضر وهل تغير خلفهم عن سلفهم

- ‌الفصل التاسعالحكم على الشيعة

الفصل: ‌رجعة المهدي ومتى تتم

دليل على أنها افتراضات مبنيّة على هوى وأغراض سياسية، إذ لا يمكن لأي شخص أن يجمع بينها ويصل إلى نتيجة مرضية مهما أوتي من المعرفة والذكاء، ولكن هكذا شريعة الهوى والسياسة حيث لا تستند على أي أساس ثابت.

وإذا كان المهدي قد اختار أن يختفي ويتوارى عن الأنظار فهل يجعل لذلك الاختفاء والهرب عن الناس حداً ومدة يعود بعدها إلى قيادة الشيعة، ومتى يتم ذلك؟ الجواب نذكره فيما يلي.

‌رجعة المهدي ومتى تتم

؟

يؤمن سائر العقلاء أنه لا رجعة لأحد بعد موته ليعيش في الدنيا- ويؤمن المسلمون برجعة واحدة تكون في يوم القيامة حين يجمع الله الخلائق لفصل القضاء، كما هو معلوم من دين الإسلام بالضرورة، بخلاف ما عليه كثير من الشيعة من إمكان ذلك في الدنيا قبل يوم القيامة.

فقد قرروا في عقائدهم أن النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته عليّ والحسن والحسين وبقية الأئمة سيرجعون. وفي المقابل يرجع أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية، ويزيد وابن ذي الجوشن، وكل من آذى أهل البيت بزعمهم.

كل هؤلاء سيرجعون إلى الدنيا مرة أخرى قبل يوم القيامة عند رجوع المهدي إلى الظهور -كما قرره لهم عدو الله ابن سبأ- يرجعون ليتم عقابهم كما آذوا أهل البيت واعتدوا عليهم ومنعوهم حقوقهم، فينالهم العقاب الشديد ثم يموتون جميعاً، ثم يحيون يوم القيامة للجزاء الأخير مرة أخرى.

وقد بلغ بهم كرههم للصحابة أن زعم غلاتهم ومتعصبيهم وهو الشريف المرتضي أن أبا بكر وعمر يصلبان على شجرة في زمن المهدي

ص: 406

وهي خضراء فتيبس فيضل بسبب ذلك جمع كثير من الناس، وهم يقولون: إن هذين البريئين قد ظلما ولذا صارت الشجرة الخضراء يابسة، وقيل: تكون تلك الشجرة يابسة قبل الصلب ثم تصير رطبة خضراء بعد الصلب فيهتدي كثير من الناس. قال الألوسي: ((والعجيب أن هؤلاء الكاذبين مختلفون بينهم في هذا الكذب أيضاً)) (1) .

ولهم في هذه الرجعة أخبار غريبة وخرافات يمجها العقل السليم. وقد أحاطوها بتهويلات عظيمة حتى يخيل للقارئ أن رجوع المهدي هو يوم القيامة الذي أخبر الله عنه، وهل خيالات وخرافات لا يصدقها إلا من لم يمن الله عليه بمعرفة دين الإسلام.

وقد ذكر الطوسي أن المهدي يخرج يوم عاشوراء يوم السبت بين الركن والمقام. وهذه الرواية عن أبي جعفر، وذكر رواية عن أبي عبد الله أنه ينادي باسم المهدي ليلة ثلاث وعشرين، ويقوم يوم عاشوراء يوم قتل الحسين (2) .

وفي بعضها أن جبريل ينادي يوم ستة وعشرين من شهر رمضان باسم القائم، ويقوم في يوم عاشوراء اليوم الذي قتل فيه الحسين بين الركن والمقام، فتسير إليه شيعته، ومنهم من يطير طيراناً، ومنهم من يمشي في السحاب، وهم أفضل أصحابه، وتكون الملائكة حوله صافِّين ومعه جميع الكتب المقدسة التي أنزلها الله على الأنبياء من أولهم إلى آخرهم.

ثم يأمر بحصر المخالفين للشيعة فينكل بهم، ثم تعلو كلمة الشيعة ويمتد حكمهم إلى جميع الأرض وتكون الغلبة لهم

إلخ.

(1) انظر مختصر التحفة الإثني عشرية ص 201.

(2)

كتاب الغيبة ص 274.

ص: 407

ويذكر الطوسي عن أبي الحسن الرضا أنه قال: ((ينادون في رجب ثلاثة أصوات من السماء..صوتا منها..ألا لعنة الله على الظالمين، والصوت الثاني: أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين، والصوت الثالث: يرون بدنا بارزاً نحو عين الشمس، هذا أمير المؤمنين، قد كرّ في هلاك الظالمين (1) ، وأن أول من تنشق عنه الأرض في الرجعة هو الحسين بن علي رضي الله عنه) .

وأما عن الغلظة التي سيسير عليها فقد زعموا تنفيساً عن أحقادهم ضد العرب- كما دلّت عليه رواياتهم- أنه بعد رجعة المهدي أول ما يبدأ به أنه يقتل قريشاً ويصلبهم أحياءً وأمواتاً، أي بعد أن يحيي الله من مات منهم فيجازيهم أشد الجزاء بسبب ما فعلوا نحو أهل البيت فيضع السيف فيهم لا يستتيب أحداً منهم، ويستمر في هذا القتل مدة ثمانية أشهر لا يضع السيف عن عاتقه.

وزعم الطوسيّ في روايته عن أبي عبد الله أن المهدي يقطع أيدي بني شيبة ويعلقها في الكعبة (2) ، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي سلمهم مفتاحها.

كما زعموا أن يقتل سبعين قبيلة من قبائل العرب (3) .

كما افترى علماء الشيعة على الله تعالى وردوا شهادته في كتابه الكريم في حق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها التي برأها الله من كل سوء

فزعموا أن المهدي يقيم عليها الحد، فيجلدها الحد (4) ، لعن الله من اعتقد هذا الاعتقاد وأخزاه الله في الدنيا والآخرة، وهذه الزندقة ذكرها الصافي في تفسيره (5) .

(1) كتاب الغيبة ص 268.

(2)

كتاب الغيبة ص 282.

(3)

المصدر السابق ص 284

(4)

تفسير الصافي ص 359 نقلاً عن الشيعة والتشيع ص 378.

(5)

تفسير الصافي ص 359 نقلاً عن الشيعة والتشيع ص 378.

ص: 408

وبعد ذلك قالوا: إنه سيستأنف طريقة جديدة كما استأنف رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، قال الطوسي عن أبي عبد الله (ع) قال:((إذا قام القائم جاء بأمر غير الذي كان)) (1) .

وقد فسروا هذا الاستئناف بأنه يسير على حكم سليمان بن داود - كما يذكر الطوسي (2) ، بل ويهدم ما كان قبله ويستأنف الإسلام من جديد (3) .

ومعنى هذا أنه يكفر بالإسلام ويبدأ من جديد - على حسب هذه النصوص- هذا هوا الظاهر. ووصل سوء الأدب بأولئك أن اعتقدوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم في الرجعة الثانية لعلي رضي الله عنه يكون جندياً يقاتل بين يدي علي بن أبي طالب، ويبايع كذلك المهدي هو وسائر الأنبياء كما يروي العياش عن جعفر أنه قال لم يبعث الله نبياً ولا رسولاً إلا ردهم جميعاً إلى الدنيا حتى يقاتلون بين يدي علي بن أبي طالب (4) .

وأن دابة الأرض المذكورة في القرآن هي عليّ بن أبي طالب (5) .

ونترك خرافات كثيرة يمجها العقل، وتستثقل ذكرها النفس، إن دلت على شيء فإنما تدل على مدى الحقد والكراهية التي كان عليها كتَّاب مثل هذه الأفكار وشدة كيدهم للإسلام ولزعماء المسلمين من الصحابة الكرام فمن بعدهم الذين قضوا على اليهودية والوثنية المجوسية، وأنزلوهم من عروشهم

(1) كتاب الغيبة ص 283.

(2)

المصدر السابق ص 283.

(3)

بجار الأنوار 13 ص 194 نقلاً عن الشيعة والتشيع ص 382.

(4)

تفسير العياشى ج 1 ص 281 نقلاً عن الشيعة والتشيع ص 386.

(5)

مختصر التحفة الإثني عشرية ص 201.

ص: 409

وساووهم بعامة المسلمين.

مما أغضب هؤلاء الذين لفقوا مثل هذه الأخبار والترهات في ذم قريش وحكام المسلمين أجمعين، وذم كثير من أهل البيت وزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا كله بخلاف ما هو معلوم من دين الإسلام، بل وجميع الأديان السماوية مجمعة على أن الإنسان إذا انتهى عمره في الدنيا ومات فإنه لا رجعة له إلا للقاء ربه يوم القيامة للحساب والجزاء.

وهذا هو ما صرح به الله عز وجل في القرآن الكريم؛ حيث قال رداً على من تمنى الرجعة إلى الدنيا: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (1) ، وهذا هو اعتقاد جميع المسلمين، ولم يقل بخلاف هذا أحد لا سلف الأمة ولا أحد من آل البيت الذي تزعم الشيعة أنهم تبع لهم، والقرآن صريح وواضح في إبطال هذه البدعة، والخرافة العقدية التافهة.

وقولهم: إن المهدي هو الذي يحاسب الناس وينزل بهم العقاب بسبب ما قدّموه في حق آل البيت، فإن الإسلام يصرح بأن الله عز وجل يتولى حساب جميع خلقه، ويثيب أو يعاقب.

أما البشر، فليس لهم ذلك لقوله تعالى:{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} (2) .

وقول هؤلاء الشيعة إنما اقتبسوه من قول النصارى بأن المسيح هو الذي

(1) سورة المؤمنون:99- 100

(2)

سورة مريم:93

ص: 410

يتولى حساب الخلق -تشابهت قلوبهم.

وقول هؤلاء: إن الرسول يقاتل بين يدي عليّ بن أبي طالب، ويبايعه المهدي الذي هو من ولدهما- إهانة واستخفاف بحق الرسول صلى الله عليه وسلم، وإهانة أيضاً لعلي رضي الله عنه، إضافة إلى تفسيرهم دابة الأرض بأنها علي رضي الله عنه، ولقد صدق عليهم الحديث:((إذا لم تستح فاصنع ما شئت)) (1) .

وأما ما زعموه من عقوبة خيار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من صلبهما على شجرة وهي رطبة فتصبح يابسة، فهو افتراء ومخالفة للعقل والواقع، إذ كيف يعقل أن يجازيا بقتل الحسين وليس لهم بذلك صلة، ثم إن ذنبهما -إن كان أخذ الخلافة ذنب- لا يعقل أن يصل إلى هذا الحد من العقوبة.

ثم كيف يجازيهما الله أمام أقوام لم يشهدوا ذنبهما ولم يعرفوا له سبباً، إذ الأولى أن يتم جزاءهما أمام من شهد أمرهما في الوقت الذي آذوا فيه أهل البيت حتى تقر أعينهم بجزائهما، مع أن إثبات هذا العقاب يؤدي في النهاية إلى عكس ما يريد الشيعة، ويناقض أقوالهم، وذلك:

1-

أن أولئك الناس لو أرجعهم الله إلى الدنيا للجزاء قبيل يوم القيامة لكان أمرهم في الآخرة إلى الجنة، إذ من الظلم أن يعذبوا مرة أخرى، فحصل لهم بتعذيبهم في رجعتهم إلى الدنيا تخفيف وراحة.

وهذا ينقض ما ذهب إليه الإمامية، فإنه على أصولهم أن عذاب جهنم لا بد وأن يكون مستمراً على من آذى آل البيت، ثم ما هو الداعي إلى هذه العجلة يخرجهم فيعذبهم ثم يموتون ويعذبون مرة أخرى، وأيضاً لماذا لم تكن

(1) أخرجه البخاري 6/3515 الفتح، وأحمد في المسند 4/ 121، وأبو داود 5/148 وابن ماجه 2/ 1400.

ص: 411

هذه العجلة في وقت وقوع الجريمة لتكون أنكى، أما تركهم هذه المدة كلها ثم يعذبهم في زمن المهدي فهو برود مثل برود الشيعة في أكاذيبهم.

2-

أن الخلفاء الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم الذين حكم الشيعة عليهم بالرجوع، لعظم ما ارتكبوه في حق آل البيت وجزاؤهم الشديد في الدنيا ثم يموتون-بزعمهم- ويبعثون يوم القيامة. ذنوبهم بإقرار الشيعة غصب الخلافة وبعض حقوق آل البيت -على زعم الشيعة-، وهذا الذنب -إذا جاز تسميته ذنباً- لا يصل إلى درجة الكفر بالله والشرك به بل هو فسق والفسق لا يصل إلى هذا الحد من العقاب ولا يوجب الرجعة في الدنيا، ولو كان الأمر يقتضي الرجعة لكان إرجاع الكفرة والمشركين والذين ادعوا الألوهية مع الله- كفرعون ونمرود وغيرهما- أولى بالرجوع، والشيعة لم يقولوا بذلك، فوجب أن يكون - حسب مقياسهم- أن غصب الخلافة أو التعدي على آل البيت أعظم جرماً من الشرك ومن ادعاء الألوهية وقتل الأنبياء بغير حق، وهم لا يقولون بهذا؛ فظهر بطلان قولهم بوجوب إعادة ورجعة أولئك الخلفاء لعقابهم في الدنيا بسبب غصبهم الخلافة، أو أخذ أبي بكر لفدك بغير حق كما يدعون لجهلهم بنص النبي صلى الله عليه وسلم فيها.

3-

ثم إن قولهم برجوع النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وسائر الأئمة وإخراجهم من قبورهم لحضور هذا العقاب في الرجعة -فيه تعذيب لهم بالموت مرة أخرى، والموت أشد آلام الدنيا

فلم يجوز الله سبحانه وتعالى إيلام أحبائه عبثاً؟ إذ الموت لا بد أن يشمل كل كائن حيّ، وإذا أحيا الله هؤلاء فلا بد من تجرعهم الموت مرة أخرى- على حسب هذا المعتقد الخرافي-، فكيف يعذب أولياءه

ص: 412

بالموت مرتين في الدنيا وغيرهم مرّة واحدة؟

4-

إنه على عزم الشيعة بإعادة هؤلاء وإيقاع العذاب عليهم في الدنيا - فيه نفع لهؤلاء المبعوثين إلى الدنيا إذ يعلمون حينئذ أنهم أخطئوا فيتوبون حتما توبة نصوحاً، والتوبة مقبولة في الدنيا ولو بعد الرجعة، فكيف بعد ذلك يمكن تعذيبهم، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. فوجب على معتقد الشيعة برجعتهم أن يقولوا بأنهم في الآخرة في الجنّة لصدق توبتهم في الدنيا في الحياة الثانية.

إلى غير ذلك من الردود التي تدحض مذهب الشيعة في القول بالرجعة، وأنه خلاف العقل والنقل والواقع، والله الهادي إلى سواء السبيل (1) .

ومما ينبغي الإشارة له هنا أنه قد خرج عن القول بالمهدي على تلك الصورة المزعومة عند الشريعة بعض فرقهم كالزيدية، وقد أنكروا عودة المهدي وردّوها بروايات عن الأئمة أيضاً، وكفى الله المؤمنين القتال.

وقد سبقت الإشارة إلى هذه القضية في درس الزيدية، كما سبقت الإشارة إلى أن الشيعة ليسوا كلهم على مذهب واحد في المهدي المنتظر، وإنما اشتهر اسم محمد بن الحسن العسكري بالمهدي المنتظر، لأنها عقيدة الرافضة الإمامية في عصرنا الحاضر.

(1) انظر مختصر التحفة الإثنى عشرية ص 201 - 203، ص 294.

وانظر أيضاً بحار الأنوار للمجلسي فيما ينقله عنه إحسان إلهى رحمه الله في كتابه الشيعة والتشيع من ص 376 إلى ص 390.

وانظر دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين ص 148 - 152.

وانظر الشيعة في الميزان ص 77 - 84.

ص: 413

أما متى يخرج المهدي؟

فقد وقَّت بعض الشيعة لخروج المهدي زمناً معيناً، وذلك بعد وفاة الحسن العسكري بزمن، إلا أن الذين وقّتوا خروجه بزمن حينما انتهى التقدير ورأوا أن المسألة ستتضح ويظهر فيها الكذب مددوا هذه الغيبة إلى وقت غير مسمى، واختلقوا لذلك أعذاراً كاذبة، فرواية وردت عن الأصبغ بن نباته -كما ينقلها الكليني- تذكر أنه سيخرج بعد ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنوات، وهذه الروايات هي المتقدمة والقريبة من وفاة الحسن العسكري (1) .

ورواية أخرى يذكرها الكليني عن أبي جعفر تذكر أنه سيخرج بعد سبعين سنة، ثم مددت هذه المدة أيضاً حين أفشي السر إلى أجل غير مسمى، وذلك حسب ما روى أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر الباقر أن الله تبارك وتعالى قد كان وقّت هذا الأمر في السبعين، فلما أن قتل الحسين -صلوات الله عليه- اشتد غضب الله تعالى على أهل الأرض فأخّره إلى أربعين ومائة، فحدَّثناكم فأذعنتم الحديث فكشفتم قناع الستر، ولم يجعل له بعد ذلك وقتاً

إلخ (2) .

والواقع أنه لن يخرج حتى تخرج هذه العقيدة من أذهانهم ومعتقداتهم التي صنعها علماؤهم لأغراض ومقاصد كثيرة، في أولها حرب الدولة الإسلامية وإعادة السيطرة الفارسية.

وقد أبان سر هذه المهزلة المهدية أحد الشيعة وهو علي بن يقطين حين سئل عن المهدي فأجاب: ((إن أمرنا لم يحضر فعلَّلنا بالأماني، فلو قيل لنا: إن هذا الأمر لا يكون إلا إلى مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة -لقست القلوب، ولرجع

(1) الكافي كتاب الحجة ج 1ص 272.

(2)

المصدر السابق ص 300.

ص: 414

عامة الناس عن الإسلام، ولكن قالوا: ما أسرعه وما أقربه تألفاً لقلوب الناس، وتقريباً للفرج)) (1) .

فانظر إلى هذه الشهادة عليهم، وقارن بينهم وبين السلف الذين ينتظرون المهدي الذي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم لترى ثبات السلف وعدم وجود تلك العجلة واللهثة التي توجد في الشيعة، لأن السلف مطمئنون واثقون بدينهم ونبيهم، ويعلمون أن العجلة لا تقدمه ولا تؤخره، ولأنهم كذلك ليست لهم أحقاد يريدون أن يشتفوا من المخالفين لهم عند ظهور المهدي.

سبب إصرار الشيعة على القول بوجود محمد بن الحسن العسكري

عرفنا فيما تقدم عمق هذه الفكرة في أذهان الشيعة وتشبثهم بوجود ابن للحسن العسكري الذي جعلوا منه مهديهم المنتظر، ومكابرتهم وإصرارهم على القول بولادته، فما هو السر في هذا؟ والجواب حاصله أن الشيعة قد وضعوا شروطاً وقواعد وأوصافاً للإمام ألزموا أنفسهم بتصديقها وهي من صنع الخيال، وبالتالي فهي صعبة المنال ثم جعلوها جزءاً من العقيدة الشيعية، بحيث لو لم تتحقق لانتقض جزء كبير من تعاليمهم، ولأصبحوا في حرج.

وأكثر تلك الشروط هي تقول على الله ومجازفة وحكم على الغيب، فمنها على سبيل المثال لا الحصر:

1-

أن الإمام لا يموت حتى يكون له خلف من ذريته هو الذي يتولى الإمامة من بعده حتماً لازماً وقد روى الطوسي عن عقبة بن جعفر قال: قلت لأبي الحسن: قد بلغت ما بلغت وليس لك ولد؟

(1) المصدر السابق ص 301.

ص: 415

فقال: يا عقبة بن جعفر، إن صاحب هذا الأمر لا يموت حتى يرى ولده من بعده (1)

2-

أن الإمامة لا تعود في أخوين بعد الحسن والحسين أبداً؛ بل في الأعقاب وأعقاب الأعقاب.

ومعنى هذا أن الحسن العسكري -وهو الإمام الحادي عشر- لو مات دون عقب لانتقضت هذه القاعدة، وقد روى الطوسي عن أبي عيسى الجهني قال أبو عبد الله ع: لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين رضي الله عنهما، إنما هي في الأعقاب وأعقاب الأعقاب (2) .

3-

الإمام لا يغسله إلا إمام هو أكبر أولاده.

ولقد ذكر ابن بابويه القمي عن علي بن موسى بن جعفر كثيراً من الشروط التي اشتملت على خرافات وآراء ضالة ليست من الإسلام في شيء، كقولهم: ((للإمام علامات: يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس، وأسخى الناس، وأعبد الناس، ويولد مختوناً، ويكون مطهراً، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه، ولا يكون له ظل.

وإذا وقع على الأرض من بطن أمه وقع على راحته رافعاً صوته بالشهادة ولا يحتلم، وتنام عينيه ولا ينام قلبه، ويكون محدثاً، ويستوي عليه درع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها محفوظة بزعمهم عند الأئمة يتوارثونها- ولا يرى له بول ولا غائط، لأن الله عز وجل قد وكل الأرض بابتلاع ما يخرج منه، ويكون

(1) كتاب الغيبة ص 133. وذكر الكلينى على هذا الزعم أحاديث كثيرة في كتاب الحجة في الجزء الأول الذي يبدأ هذا الكتاب من 128 إلى 459.

(2)

المصدر السابق ص 136.

ص: 416

له رائحة أطيب من رائحة المسك.

ويكون أولى الناس منهم بأنفسهم، وأشفق عليهم من آبائهم وأمهاتهم، ويكون أشد الناس تواضعاً لله عز وجل، ويكون آخذ الناس بما يأمرهم به، وأكف الناس عما ينهى عنه، ويكون دعاؤه مستجاباً حتى إنه لو دعى على صخرة لانشقت نصفين، ويكون عنده سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه محفوظ عند الأئمة والسيف ذو الفقار.

ويكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعته إلى يوم القيامة، وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة، وتكون عنده الجامعة وهي صحيفة طولها سبعون ذراعاً، فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم ويكون عنده الجفر الأكبر والجفر الأصغر؛ إهاب ماعز وإهاب كبش فيهما جميع العلوم حتى أرش الخدش، وحتى الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة، ويكون عنده مصحف فاطمة)) (1) .

ويروي الكليني عن أبي جعفر قال: ((للإمام عشر علامات: يولد مطهرا مختوناً، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعاً صوته بالشهادتين، ولا يجنب، وتنام عينيه ولا ينام قلبه، ولا يتثاءب، ولا يتمطى، ويرى من خلفه كما يرى من أمامه، ونجوه كرائحة المسك، والأرض موكلة بستره وابتلاعه، فإذا لبس درع رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عليه وفقاً، وإذا لبسها غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبراً، وهو محدث إلى أن تنقضي أيامه)) (2) .

(1) ذكرها عنه احسان الهي في كتابه ((الشيعة والتشيع)) ص 286. نقلاً عن كتاب القمي ص 527.

(2)

كتاب الكافي ج 2 ص 319. وقد ذكر الكليني في هذا الكتاب في الجزء الأول في كتاب الحجة كثيراً من تلك المبالغات في الأئمة مثل قولهم:

باب أن الحجة لا تقوم على خلقه إلا بإمام ص 135.

باب أن الأئمة هم أركان الأرض ص 152.

باب أن الأئمة هم أركان الأرض ص 152.

باب عرض الأعمال على النبي والأئمة ص 170.

باب أن الأئمة معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة.

باب ما عند الأئمة من سلاح رسول الله ومتاعه ص 181.

باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة ص 185.

باب أن الأئمة يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم ص 202.

باب أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم الشيء صلوات الله وسلامه عليهم ص 203.

باب أن الإمام لا يغسله إلا إمام من الأئمة ص 315.

وأبواب أخرى كثيرة تركتها خوف الإطالة، وقد حشيت تلك الأبواب بمبالغات وأكاذيب على أئمتهم لا يقبلها عاقل له أدني تمييز.

ص: 417

وبغض النظر عن دراسة هذه الخيالات والخرافات التي يمجها العقل ويرفضها الفكر ويكذبها الواقع، إذ لا يوجد رجل تتوفر فيه هذه الشروط التي لم تتوفر حتى في الأنبياء والرسل عليهم الصلاة السلام مجتمعة - بغض النظر عن ذلك كله فإن الذي يهمنا هنا هو معرفة السر الذي أصرَّ بموجبه الشيعة على القول بوجود ابن للحسن العسكري يخلف والده في إمامتهم.

وقد اتضح مما تقدم أن الذي حمل الشيعة على ذلك الإصرار هي تلك الشروط التي تنص على أن الإمام لا يموت حتى يوجد له عقب من أولاده هو الذي يتولى تجهيزه ودفنه، والقيام بأمر الشيعة بعده حتماً

وكان موت الحسن من دون ولد يهدم تلك الشروط التي وضعوها.

ومن هنا قرّروا أن يوجدوا للحسن ولداً تخلصاً من هذا المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه، وليكن بعد ذلك ما يكون، وهم على ثقة بأن لكل صوت صدى، بل هم واثقون من أن استجابة الأكثر من الناس للخرافات والخزعبلات أقوى من استجابتهم للحق، وأقرب إلى نفوس الكثير من بني آدم.

وإضافة إلى ما تقدم في سبب دعواهم وجود المهدي، فإنه ينبغي ملاحظة أنه قد مرت بالشيعة ظروف سياسية واجتماعية ودينية ذاقوا فيها مرارة الحرمان

ص: 418

من عدم إقامة دولة لهم تنظر إليهم بالعين التي يريدونها من تقديمهم واعتبار آرائهم، وغير ذلك مما كانوا فيه من العزة والتطاول على الناس، واعتبار عنصرهم أفضل العناصر.

وحينما غلبتهم الدولة الإسلامية وبلغ السيل الزبى بإخضاع الدولة الأموية لهم -فكر رؤساؤهم في ذلك الوقت في أمر يجتمع عليه عامتهم؛ لئلا يذوبوا في غيرهم، وييئسوا من استعادة أمرهم، فبدأوا في حبك المخططات السرية والعلنية، وتوجيه أنظار جميع الشيعة إلى الالتفاف حول أمل إذا تحقق عادت به سيادتهم كما يتصورون.

وهو انتظار المهدي الغائب (1) الذي سيزيل عند رجوعه جميع من ناوأهم، ويقضي على قريش بخصوصهم بكل شراسة حتى يقول الناس: لو كان هذا من قريش لما فعل بهم هكذا حسب ما يرويه النعماني (2) ، وحسبما يروونه عنه في كتبهم.

وهذه الشراسة والشدة على العرب بخصوصهم ومنهم قريش تدل دلالة واضحة على أن هذا المهدي ليس له صلة بالعرب، فهو عدو شرس لهم ليس بينه وبينهم أية عاطفة أو صلة.

وفعلاً هذا المهدي ليس من قريش، بل هو مهدي فارسي متعصب ليزدجرد وللأسرة الساسانية التي قضى عليها الإسلام، يتضح ذلك في هذه الرواية التي يرويها الطوسي عن أبي عبد الله أنه قال:

((اتقوا العرب فإن لهم خبر سوء، أما إنه لا يخرج مع القائم منهم أحد)) (3)

(1) انظر فجر الإسلام ص 274/ 275، وانظر دراسة عن الفرق ص 160.

(2)

كتاب الغيبة للنعماني، نقلاً عن الشيعة والتشيع ص 376.

(3)

كتاب الغبية للطوسى ص 284.

ص: 419