الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبي ذر)) . (1)
والكلام في أهل الكبائر مبسوط في موضعه من كتب التوحيد وكتب الفرق والمقصود هنا هو التنبيه على خطأ الخوارج فيما ذهبوا إليه من تكفير أهل الذنوب من المسلمين مخالفين ما تضافرت النصوص عليه من عدم كفر مرتكبي الذنوب كفر ملة إلا بتفصيلات مقررة في مذهب السلف.
4- الإمامة العظمي
هذه هي مشكلة الخوارج الكبرى منذ نشأوا وطوال عهد الدولة الأموية وزمن متقدم من عهد الدولة العباسية، شغلتهم قضية الإمامة عملياً، فجردوا السيوف ضد الحكام المخالفين لهم ناقمين عليهم سياستهم في الرعية من عدم تمكينهم من اختيار أمامهم بأنفسهم ثم سياستهم الداخلية في الناس وشغلتهم فكرياً بتحديد شخصية الإمام وخصائصه ودوره في المجتمع، وكانوا يظهرون بمظهر الزاهد عن تولى الخلافة حينما يكون الأمر فيما بينهم وحربا لا هوادة فيها ضد المخالفين لهم.
حكم الإمامة عند الخوارج
الإمامة منصب خطير وضرورة اجتماعية إذ لا يمكن أن ينعم الناس بالأمن وتستقر الحياة إلا بحاكم يكون هو المرجع الأخير لحل الخلافات وحماية الأمة وقد أطبق على هذا جميع العقلاء.
أما بالنسبة للخوارج فقد انقسموا فيها إلى فريقين:.
1-
الفرق الأول: وهم عامة الخوارج. وهؤلاء يوجبون نصب الإمام
(1) أخرجه مسلم: 1/ 66.
والانضواء تحت رايته والقتال نعه ما دام على الطريق الأمثل الذي ارتأوه له.
2-
الفريق الثاني: وهم المحكمة والنجدات والإباضية فيما قيل عنهم. وهؤلاء يرون أنه قد يستغنى عن الإمام إذا تناصف الناس فيما بينهم وإذا احتيج إليه فمن أي جنس كان ما دام كفئا لتولى الإمامة (1) .
ومن مبرارتهم:
1-
استنادهم إلى المبدأ القائل لا حكم إلا لله، والمعنى الحرفي لهذا المبدأ يشير صراحة إلى أنه لا ضرورة لوجود الحكومة مطلقاً.
2-
أن الحكم ليس من اختصاص البشر بل تهيمن عليه قوة علوية.
3-
إن الضروري هو تطبيق أحكام الشريعة، فإذا تمكن الناس من تطبيقها بأنفسهم فلا حاجة إلى نصب خليفة.
4-
ربما ينحصر وجود الإمام في بطانة قليلة وينعزل عن الأعلبية فيكون بعيداً عن تفهم مشاكل المسلمين فلا يبقى لوجود فائدة.
5-
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشر صراحة ولا وضع شروطاً لوجود الخلفاء من بعده.
6-
أن كتاب الله لم يبين حتمية وجود إمام وإنما أبان وأمرهم شوري بينهم (2) .
هذه مبرراتهم بالنفي، فهل بقى القائلون بالاستغناء عن نصب الإمام على مبدأهم؟ والجواب بالنفي فإن المحكمة حينما انفصلوا ولو عليهم عبد الله
(1) مقالات الأشعري: 1/ 205، مروج الذهب: 3 / 236.
(2)
آراء الخوارج للطالبي ص 125، عمان تاريخ ص 123.
بن وهب الراسبي والنجدات حينما انفصلوا. تزعمهم نجدة بن عامر وأما ما قيل عن الإباضية من أنهم يقولون بالاستغناء عن نصب الإمام (1) فإن مصادرهم التي تيسرت لي قراءتها تذكر أن هذا القول إنما نسبه إليهم خصومهم بقصد الإشاعة الباطلة عنهم (2) .
وأما تلك المبررات التي نسبت إلى من ذكرناهم فلا شك أنها مبررات واهية ولا تكفي للقول بالاستغناء عن نصب الخليفة. أما القول بعدم وجود الإنسان الكامل، فإنه لا يمنع من نصب الإمام حيث يختار أفضل الموجودين.
ومن التصور الساذج القول بتناصب الناس فيما بينهم. وأما انعزال الإمام فإن مدار الأمر على التزامه بواجباته الشرعية وعدم إيجاد الحجب بينه وبين رعيته، وذلك مناط الحكم بضرورة وجود الإمام شرعاً وعقلاً.
وقد ذهبت الخليفة من الخوارج الإباضية إلى أن كل إقليم أو حوزة يستقل بها أمامها فلا يجوز لإمام أن يجمع بين حوزتين (3) ويكون لهذا المناطق أئمة بعدد تلك المناطق وهذا باطل ولا يتفق مع روح الإسلام وأهدافه لأن ذلك يؤدي إلى المشاحنات والعداوة وتفريق كلمة المسلمين وحينما قرروا أن كل إقليم ينبغي أن يكون مستقلا عن الآخر لا يخضع إقليم ولا منطقة لمنطقة أخرى تجاهلوا دعوة المسلمين إلى الاتحاد الذي يكمن فيه عزهم وقوتهم.
شروط الإمام
وضع الخوارج شروطاً قاسية لمن يتولى الإمام ومنها:
(1) كما يذكر لوريمر في كتابه دليل الخليج: 6 / 3303.
(2)
الأباضية بين الفرق الإسلامية ص 290.
(3)
نقلاً عن آراء الخوارج صـ 128. لكن عموم الأباضية لا تجيز هذا حسب ما جاء في مدارج الكمال ص 172.
1-
أن يكون شديد التمسك بالعقيدة الإسلامية مخلصاً في عبادته وتقواه حسب مفهومهم.
2-
أن يكون قوياً في نفسه ذا عزم نافذ وتفكير ناضج وشجاعة وحزم.
3-
أن لا يكون فيه ما يخل بإيمانه من حب المعاصي واللهو.
4-
ألا يكون قد حد في كبيرة حتى ولو تاب.
5-
أن يتم انتخابه برضى الجميع، لا يغنى بعضهم عن بعض.
ولا عبرة بالنسب أو الجنس، كما يقولونه ظاهراً دعاية لمذهبهم وفي باطنهم يملأهم التعصب وكون الإمام ينتخب برضى أهل الحل والعقد، هذا مبدأ إسلامي لم يأت به الخوارج كما يقول بعض المستشرقين دعاية للخوارج.
ولم يلتفت الخوارج إلى ما صح من الأحاديث في اشتراك القرشية لتولي الخلافة وتقديم قريش فيها عند صلاحية أحدهم لها.
ولم يشترط الشرع في الإمام أن يكون ليله قائماً ونهاره صائماً، أو أنه لا يلم بأي معصية، أو يكون انتخابه برضي كل المسلمين من أقصاهم إلى أدناهم، لا يغنى بعضهم عن بعض في مبايعتهم له كما يزعمه الخوارج (1) .
محاسبة الإمام والخوارج عليه
يعيش الإمام عند الخوارج بين فكي الأسد - عكس الشيعة - فالخوارج ينظرون إلى الإمام على أنه المثل وجهه الأعلى وينبغي أن يتصف بذلك قولاً وفعلاً
(1) مدارج الكمال للسالمي ص 171، تاريخ المذاهب الإسلامية ص 1/ 71 التفكير الفلسفي 1/191 للدكتور عبد الحليم محمود، آراء الخوارج ص 121، عمان تاريخ يتكلم ص 126.
وبمجرد أقل خطأ ينبغي عليهن القيام في وجه ومحاسبته، فإما أن يعتدل وإما أن يعتزل.
ومن غرائبهم ما يروى عن فرقة البيهسية منهم والعوفية، فقد اعتبر هؤلاء كفر الإمام سبباً في كفر رعيته، فإذا تركه رعيته دون إنكار فإنهم يكفرون أيضاً (1) ، ولا شك أن هذا جهل بالشريعة الإسلامية، وعلى هذا فما تراه من كثرة حروبهم وخروجهم على أئمتهم أو أئمة مخالفهم يعتبر أمراً طبيعياً إزاء هذه الأحكام الخاطئة.
وقد حث الإسلام على طاعة أولى الأمر والاجتماع تحت رايتهم إلا أن يظهروا كفر بواحا. فلا طاعة المخلوق في معصية الخالق، وينبغي معالجة ذلك بأخف الضرر، ولا يجوز الخروج عليهم ما داموا ملتزمين بالشريعة بأي حال.
إمام المفضول
اختلف الخوارج في صحة إمامة المفضول مع وجود الفاضل إلى فريقين:
1-
ذهب فريق منهم إلى عدم الجواز وأن إمامة المفضول تكون غير صحيحة مع وجود الأفضل.
2-
وذهب الفريق الآخر منهم إلى صحة ذلك وأنه تنعقد الإمامة للمفضول مع وجود الأفضل، كما هو الصحيح (2) .
(1) مقالات الأشعري: 1/ 194، الطرماح بن حكيم ص 55 الملل والنحل: 1/ 126 الفرق بين الفرق ص 109 التنبيه والرد للملطي ص 169.
(2)
الفصل لابن حزم حزم 4/ 163، الأباضة بين الفرق الإسلامية ص 462 آراء الخوارج لعمار الطالبي:128.
إمامة المرأة
الإمامة مسؤلية عظمي وعبء ثقيل يتطلب سعة الفكر وقوة البصير ة ويتطلب مزايا عديدة جعل الله معظمها في الرجال دون النساء، ولا أدل على هذا من اختيار الله عز وجل لتبليغ رسالته من جنس الرجال، وقد أطبق جميع العقلاء على أن الخلافة لا يصلح لها النساء.
ولكنا نجد فرقة من فرق الخوارج وهي التشبيبة تذهب إلى جواز تولي المرأة الإمامة العظمى مستدلين بفعل شبيب حينما تولت غزالة - زوجته وقبل أمه - بعده (1) .
موقف الخوارج من عامة المسلمين المخالفين لهم
انقسم الخوارج في نظرتهم إلى المخالفين لهم إلى فريقين
1-
فريق منهم غلاة.
2-
وفريق آخر أبدي نوعاً من الاعتدال.
ويذكر الأشعري رحمه الله في مقالاته أن الخوارج مجمعون على أن مخالفيهم يستحقون السيف ودماؤهم حلال إلا فرقة الإباضية فإنها لا تري ذلك إلا مع السلطان (2) .
واختلف علماء الفرق في أول من حكم بكفر المخالفين هل هم المحكمة الأولى أم هم الأزارقة ومن سار على طريقتهم من فرق الخوارج فيما بعد.
وبتتبع حركة المحكمة الأولى نجد أنهم سبقوا إلى تكفير المخالفين لهم
(1) الفرق بين الفرق ص 110.
(2)
المقالات: 1/ 204.
واستحلال دمائهم والشواهد في كتب الفرق كثيرة كقتلهم عبد الله بن خباب بن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره في حوادث كثيرة إلا أن أشد من بالغ في تكفير المخالفين لهم وأعمل فيهم السيف هم الأزارقة وفرقة منهم تسمى البيهسية وكذلك أتباع حمزة بن أكرك.
- أما المعتدلون منهم - وهو اعتدال لا يكاد يذكر - فنجد مثلاً الأخنسية منهم يحرمون الغدر بالمخالفين أو قتلهم قبل الدعوة وجوزوا تزويج المسلمات - منهم لمخالفيهم - الذين يعتبرونهم مشركين، وكذلك بعض البيهسية.
ومن أكثر المعتدلين والمتسامحين مع المخالفين هو تلك الشخصية المرموقة عند كافة الخوارج أبو بلال مرداس بن أدية فقد خرج وهو يقول لمن يلقاه أنا لا نخيف أمناً ولا نجرد سيفاً وكان مما آثاره للخروج على الدولة أن زيادا ذات يوم خطب على المنبر وكان مرداس يسمعه فكان من قوله ((والله لآخذن المحسن منكم بالمسيء والحاضر منكم بالغالب والصحيح بالسقيم)) .
وهذا بالطبع لا يحتمله الخوارج فقام إليه مرداس فقال قد سمعنا ما قلت أيها الإنسان وما هكذا ذكر الله عز وجل عن نبيه إبراهيم عليه السلام إذا يقول: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (1) وأنت تزعم أنك تأخذ المطيع بالعاص ثم خرج عقب هذا اليوم.
وينبغي أن يعلم أن كل فرقة لابد فيها من غلاة يخرجون على جمهورهم إلا أن السمة الغالبة على الخوارج الشدة على المخالفين لهم
(1) سورة النجم: 37، 38.
وقد تعود هذه الشدة إلى ما يراه الخوارج من وجهة نظرهم من خروج مخالفيهم عن النهج الإسلامي وبعدهم عنه وبالتالي الرغبة في إرجاع الأمة إلى ما كانت عليه في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وأيام أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما يدعى الخوارج
…
حكم الخوارج في أطفال مخالفيهم
لابد وأن يكون في حكم العقل تمييز بين معاملة الصغير الذي لم يبلغ سن التكليف وبين الكبير المكلف. والخوارج لم يتفقوا على حكم واحد في الأطفال سواء كان ذلك في الدنيا أو في الآخرة ونوجز أهم آرائهم في هذه القضية فيما يلي:.
1-
منهم من اعتبرهم في حكم آبائهم المخالفين فاستباح قتلهم باعتبار أنهم مشركون لاعصمة لدماء آبائهم.
2-
ومنهم من جعلهم من أهل الجنة ولم يجوز قتلهم.
3-
واعتبرهم بعضهم خدما لأهل الجنة.
4-
ومنهم من توقف فيهم إلى أن يبلغوا سن التكليف ويتبين حالهم.
5-
والإباضية تولوا أطفال المسلمين وتوقفوا في أطفال المشركين، ومنهم من يلحق أطفال المشركين بأطفال المؤمنين.
أما القول الأول: فهو للأزارقة واستدلوا بقوله الله تعالى: {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً} (1) . وتبعهم في هذا بعض فرق الخوارج كالعجاردة والحمزية والخلفية.
(1) سورة نوح:27
وأما القول الثاني: فهو للنجدات والصفرية والميمونية واستدلوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم ((كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)) (1) والذين توقفوا في الحكم عليهم قالوا لم نجد في الأطفال ما يوجب ولا يتهم ولا عداوتهم إلى أن يبلغوا فيدعوا إلى الإسلام فيقروا به أو ينكرونه.
هذه خلاصة أهم آراء الخوارج في هذه القضية والواقع أن هذه المسألة من المسائل الخلافية بين العلماء.
فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن أطفال المؤمنين إذا ماتوا على الإيمان فإن الله تعالى يدخلهم الجنة مع آباءهم وإن نقصت أعمالهم عنهم لتقر أعين أبائهم بهم فيكونون مع أبائهم في الجنة تفضلا من الله تعالى على ضوء قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} (2) .
ونقل ابن القيم عن الإمام أحمد أنه قال بأنهم في الجنة دون خلاف.
وبعضهم ذهب إلى أنهم تحت المشيئة.
وجدير بالذكر أن أطفال المؤمنين الذين نتحدث عنهم هنا هم الذين يعتبرهم الخوارج أطفال مشركين.
وأما أطفال المشركين الذين هم عبدة الأوثان ومن في حكمهم فإن العلماء اختلفوا فيهم اختلافاً كثيراً.
1-
فذهب بعضهم إلى التوقف في أمرهم فلا يحكم لهم بجنة ولا نار
(1) انظر كتاب الأديان 104.
(2)
الطور: 21 وانظر تفسير ابن كثير ج 4 ص 241.
وأمرهم إلى الله.
2-
أنهم في النار.
3-
أنهم في الجنة.
4-
أنهم في منزلة بين المنزلتين أي الجنة والنار.
5-
أن حكمهم حكم آبائهم في الدنيا ولآخرة تبعاً لآبائهم حتى ولو أسلم الأبوان بعد موت أطفالهما لم يحكم لإفراطهما بالنار.
6-
أنهم يمتحنون في عرصات القيامة بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فمن أطاعه منهم دخل الجنة ومن عصاه دخل النار.
وقد استعرض ابن القيم أدلة القائلين بهذه الآراء وانتهي إلى نصرة الرأي الأخير ثم قال ((وبهذا يتألف شمل كلها وتتوافق الأحاديث ويكون معلوم الله الذي أحال عليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال ((الله أعلم بما كانوا عاملين)) .
وأيد ابن حزم القول بأن أطفال المشركين في الجنة وكذا النووي وقد توقف شيخ الإسلام في الحكم عليهم.
وأما استباحة قتل النساء كما - يرى الخوارج - فقد أخطأوا حين جوزوا ذلك سواء كانوا من المسلمين أو من المشركين فقد صحت الأحاديث بالمنع من قتلهم إلا أن يكون ذلك في بيات لا يتميز فيه الأطفال والنساء فلا بأس من قتلهم إذا وقع دون عمد. (1)
*******************************
(1) انظر: التفسير القيم ص 451، فتح القدير5/ 98 جامع البيان: 27/25 طريق الهجرتين: 387، الفصل لابن حزم: 4/ 74.