الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما زال الحديثُ موصولاً عن أدب النفس، فتأمله بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر
فيه واجعل له في سمعك مسمعاً وفي قلبك موقِعاً، عسى الله أن ينفعك بما فيه
من غرر الفوائد، ودرر الفرائد، لعلك تستأنف ما فات بما بقيَ من الأيام قبل
انصرامِ العمرِ ومرورِ الأيام.
آداب الطعام:
للطعام آداب ينبغي لطالب العلم أن يحيط بها علماً وأن يتبعها حتى يكون متأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهاك آداب الأكل والشرب جملةً وتفصيلا:
أولاً آداب الطعام جملةً:
(1)
أن يغسل يديه قبل الطعام وبعده:
(2)
ذكر الله تعالى عند الطعام:
(3)
أن يقول بسم الله قبل البدء في الطعام وأن يحمد الله تعالى بعد الطعام:
(4)
إذا أُتِيَ بطعامٍ ولم يدري أذُكِر اسم الله عليه أم لا فليُسَمِّ هو ويأكل:
(5)
أن يأكل باليمين:
(6)
يحرم الأكل بالشمال إلا لضرورة:
(7)
أن يأكل بثلاث أصابع:
(8)
لعق الأصابع والصحفة:
(9)
إذا سقطت اللقمة منه فليمط ما كان بها من أذى ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان:
(10)
النهي عن الشبع:
(11)
النهي عن القران بين التمرتين حتى يستأذن أصحابه:
(12)
التواضع في الأكل:
(13)
عدم الأكل منبطحاً على بطنه أو الجلوس على ما حرم الله:
(14)
الْأَكْلُ عَلَى السُّفَر أَوْلَى مِنْ الْأَكْلِ عَلَى الْخِوَانِ:
(15)
كَرَاهِيَةِ الأَكْلِ مِنْ وَسَطِ الطّعَام:
(16)
جواز الأكلُ قائما:
(17)
لا يعيب الطعام إن اشتهاه أكله وإلا تركه.
(18)
استحباب الاجتماع على الطعام:
(19)
أن يبدأ بالطعام الْأَكْبَرُ وَالْأَعْلَمُ:
(20)
تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة:
(21)
انتظار الطعام الساخن حتى يبرد:
(22)
تجنب الإسراف والمخيلة:
(23)
لا يستحب الوضوء قبل الأكل:
(24)
تقديم الأكل على الصلاة عند حضور الطعام:
(25)
الأكل مما يلي الآكل:
(26)
استحباب الأكل بعد ذهاب حرارته:
(27)
أكل اللحم غير موجب للوضوء:
(28)
النهى عن أكل طعام المتباريين:
(29)
استحباب الكلام على الطعام:
ثانيا آداب الطعام تفصيلا:
(1)
أن يغسل يديه قبل الطعام وبعده:
أما قبل الطعام:
(حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها في صحيح النسائي) أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ غَسَلَ يَدَيْهِ.
وأما بعد الطعام:
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ نَامَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ وَلَمْ يَغْسِلْهُ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ.
(غَمَرٌ): الدسم والزهومة من اللحم.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح النسائي) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ فَمَضْمَضَ وَغَسَلَ يَدَيْهِ وَصَلَّى.
(2)
ذكر الله تعالى عند الطعام:
(حديث ابن عباس في صحيحي أبي داوود وابن ماجة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أطعمه الله طعاما فليقل: اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وارزقنا خيرا منه و من سقاه الله لبنا فليقل: اللهم بارك لنا فيما رزقتنا و زدنا منه فإني لا أعلم ما يجزئ من الطعام و الشراب إلا اللبن.
قال ابن مفلح رحمه الله تعالى في الآداب الشرعية:
وَفِي هَذَا فَضِيلَةُ اللَّبَنِ وَكَثْرَةُ خَيْرِهِ وَنَفْعِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَنْفَعُ مَشْرُوبٍ لِلْآدَمِيِّ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْفِطْرَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَاعْتِيَادِهِ فِي الصِّغَرِ ، وَلِاجْتِمَاعِ التَّغْذِيَةِ وَالدَّمَوِيَّةِ فِيهِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [النحل: 66]. وَقَالَ عَنْ الْجَنَّةِ: {وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} [محمد: 15].
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال أدركتم المبيت والعشاء.
(3)
أن يقول بسم الله قبل البدء في الطعام وأن يحمد الله تعالى بعد الطعام:
من السنة أن يُسَّمِ الآكل قبل أكل طعامه، ويحمد الله تعالى بعد الفراغ منه.
(حديث حُذَيْفَةَ رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) قَالَ: كُنَّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَضَعَ يَدَهُ، وَإِنَّا حَضَرْنَا مَعَهُ مَرَّةً طَعَامًا فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا تُدْفَعُ فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا فِي الطَّعَامِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهَا ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ كَأَنَّمَا يُدْفَعُ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا فَجَاءَ بِهَذَا الْأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهَا.
(حديث عمر بن أبي سلمى رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ.
(حديث عائشة في صحيحي أبي داوود والترمذي) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ.
(حديث ابن عباس في صحيحي أبي داوود وابن ماجة) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ طَعَامًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَارْزُقْنَا خَيْرًا مِنْهُ وَمَنْ سَقَاهُ اللَّهُ لَبَنًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ مَا يُجْزِئُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَّا اللَّبَنُ.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد:
والتسمية في أول الطعام والشراب، وحمد الله في آخره تأثيرٌ عجيب في نفعه واستمرائه، ودفع مضرته. قال الإمام أحمد: إذا جمع الطعام أربعاً فقد كمل: إذا ذُكر اسم الله في أوله، وحُمد الله في آخره، وكثرت عليه الأيدي، وكان من حِل (1).
وفائدة التسمية قبل الطعام أنه يحرم الشيطان من المشاركة في الأكل والإصابة منه.
(حديث حُذَيْفَةَ رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) قَالَ: كُنَّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَضَعَ يَدَهُ، وَإِنَّا حَضَرْنَا مَعَهُ مَرَّةً طَعَامًا فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا تُدْفَعُ فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا فِي الطَّعَامِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهَا ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ كَأَنَّمَا يُدْفَعُ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا فَجَاءَ بِهَذَا الْأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهَا.
ولفظ التسمية أن يقول الآكل: (بسم الله):
(حديث عمر بن أبي سلمى رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ.
(1). زاد المعاد (4/ 232)
واختار النووي في أذكاره أن الأفضل أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، فإن قال: بسم الله كفاه وحصلت السنة (1). ورده ابن حجر بقوله: فلم أر لما ادعاه من الأفضلية دليلاً خاصاً (2).قلت: وغالب النصوص جاءت بلفظ (سَمِّ الله) ونحو ذلك، دون زيادة (الرحمن الرحيم)، بل جاء التصريح بلفظ التسمية عند الطبراني-دون زيادة (الرحمن الرحيم) - من حديث عمرو بن أبي سلمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا غلام إذا أكلت فقل: بسم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك)(3).
وإذا نسي الآكل أن يسمِّ الله قبل الطعام ثم ذكر في أثنائه فإنه يقول: (بسم الله أوله وآخره)
(حديث عائشة في صحيحي أبي داوود والترمذي) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ.
وأما حمد الله تعالى بعد الفراغ من طعامه أو شرابه ففيه فضل عظيم تفضل به الله على عباده، (حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا.
وقد تعددت ألفاظ الحمد عنه صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من طعامه وشرابه ومنها ما يلي:
(حديث أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ (4) وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا.
(1). الأذكار للنووي (334)
(2)
. فتح الباري (9/ 431)
(3)
. أخرجه الطبراني في معجمه الكبير، وأدخله الألباني في سلسلته الصحيحة وقال: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين (1/ 611)، برقم (344)
(4)
. قوله: (غير مودَّعٍ) أي: غير متروك الطلب إليه، والرغبة فيما عنده، ومنه قوله سبحانه وتعالى:{ما ودعك ربك} أي: تركك. ومعنى المتروك: المستغنى عنه، وقرأ بعضهم (غير موِّعٍ) أي: غير تارك طاعة ربي، قاله البغوي في شرح السنة (11/ 277 - 278)
(حديث أبي أمامة الثابت في صحيح البخاري) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانَا وَأَرْوَانَا غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مَكْفُورٍ.
(حديث معاذ بن أنس الجُهَنِي الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أنَّ النَّبِيَّ
…
صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ أَكَلَ طَعَامًا ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا الطَّعَامَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.
(حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود) قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ وَسَقَى وَسَوَّغَهُ وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا.
(وَسَوَّغَهُ): أي سَهَّلَ كلاً من نزول اللقمة ونزول الشراب في الحلق.
{فائدة} : يستحب الإتيان بألفاظ الحمد الواردة بعد الفراغ من الطعام جميعها ـ "لأن بينها اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد" ـ، فيقول هذا مرة، وهذا مرة حتى يحصل له حفظ السنة من جميع وجوهها، وتناله بركة هذا الأدعية، مع ما يشعر به المرء في قرارة نفسه من استحضار هذه المعاني عندما يقول هذا اللفظ تارة، وهذا اللفظ تارة أخرى، لأن النفس إذا اعتادت على أمرٍ معين ـ كترديد ذكر معين ـ فإنه مع كثرة التكرار يقل معها استحضار المعاني لكثرة الترداد.
(4)
إذا أُتِيَ بطعامٍ ولم يدري أذُكِر اسم الله عليه أم لا فليُسَمِّ هو ويأكل:
(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في الصحيحين) أن قوماً قالوا: يا رسول الله، إن قوماً يأتوننا باللحم، لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال:"سَمُّوا أنتم وكلُوا"
(5)
أن يأكل باليمين:
(حديث عمر بن أبي سلمى رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ.
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ.
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كشف المشكل:
لما جُعلت الشمال للاستنجاء ومباشرة الأنجاس، واليُمنى لتناول الغذاء، لم يصلح استعمال أحدهما في شغل الأخرى، "لأنه حطٌّ لرتبة ذي الرتبة، ورفع للمحطوط"، فمن خالف ما اقتضته الحكمة وافق الشيطان (1).
ومع أن الأحاديث في هذا مشهورة لا تكاد تخفى على عامة الناس، إلا أن بعض المسلمين ـ هداهم الله ـ لا زال متمسكاً بهذه الخصلة الذميمة، وهي الأكل والشرب باليد الشمال. وإذا قيل لهم في ذلك، قالوا: هذا أمرٌ أصبح لنا عادة ويصعب أن ننفك منه، ولعمر الله إن هذا من تزيين الشيطان لهم، وصدهم عن اتباع الشرع، وهو في الجملة دليلٌ على نقص الإيمان في قلوبهم؛ وإلا فما معنى مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ونهيه! وشرهم وأخبثهم من فعل ذلك تكبراً وتجبراً، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة:
(حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشِمَالِهِ فَقَالَ: كُلْ بِيَمِينِكَ. قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ قَالَ لَا اسْتَطَعْتَ مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ، قَالَ فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ.
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم:
وفي هذا الحديث: "جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي بلا عذر"، وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل حال حتى في حال الأكل، واستحباب تعليم الآكل آداب الأكل إذا خالفه (2).
(1). كشف المشكل (2/ 594)(1227)
(2)
. شرح صحيح مسلم. المجلد السابع (14/ 161)
{تنبيه} : إذا هناك ثمَّ عذرٌ يمنع من الأكل باليد اليمنى كالمرض والجراحة ونحوهما، فلا حرج في الأكل بالشمال، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
(6)
يحرم الأكل بالشمال إلا لضرورة:
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ.
(حديث جابر رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَأْكُلُوا بِالشِّمَالِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِالشِّمَالِ.
(7)
أن يأكل بثلاث أصابع:
من هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان يأكل بأصابعه الثلاث، وكان يلعق يده بعد الفراغ من طعامه.
(حديث كعب بن مالك رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ وَيَلْعَقُ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
فإن الأكل بأصبع أو أصبعين لا يستلذ به الآكل، ولا يمريه، ولا يشبعه إلا بعد طول، ولا تفرح آلات الطعام والمعدة بما ينالها في كل أكلة
…
والأكل بالخمسة والراحة يوجب ازدحام الطعام على الآته، وعلى المعدة، وربما انسدت الآلات فمات، وتُغصب الآلات على دفعه، والمعدة على احتماله، ولا يجد له لذة ولا استمراء، فأنفع الأكل أكله صلى الله عليه وسلم، وأكل من اقتدى به بالأصابع الثلاث اهـ (1).
(8)
لعق الأصابع والصحفة:
(حديث ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا.
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِلَعْقِ الْأَصَابِعِ وَالصَّحْفَةِ وَقَالَ إِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّهِ الْبَرَكَةُ.
(1). زاد المعاد (4/ 222) بتصرف يسير.
والعلة في ذلك مبينةً في حديث جابر السابق (إِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّهِ الْبَرَكَةُ) معناه والله أعلم أن الطعام الذي يحضره الإنسان فيه بركة، ولا يدري أن تلك البركة فيما أكله أو فيما بقي على أصابعه أو فيما بقي في أسفل القصعة أو في اللقمة الساقطة، فينبغي أن يحافظ على هذا كله لتحصل البركة، وأصل البركة الزيادة وثبوت الخير والامتاع به، والمراد هنا والله أعلم ما يحصل به التغذيه وتسلم عاقبته من أذى ويقوى على طاعة الله وغير ذلك، قاله النووي (1).
(9)
إذا سقطت اللقمة منه فليمط ما كان بها من أذى ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان:
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى وَلْيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ وَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ الْبَرَكَةُ.
وفي هذا الحديث فوائد، منها: إماطة الأذى من تراب وغيره عن اللقمة الساقطة ثم أكلها وحرمان الشيطان منها؛ لأنه عدو، والعدو ينبغي حرمانه والتحرز منه. ومنها: أن بركة الطعام قد تكون في اللقمة الساقطة فلا يفرط فيها. ومنها: أن الشيطان يحضر ويلازم الإنسان، ولا مدخل للعقل في إنكار حضوره، كما يزعم أهل العقول.
(10)
النهي عن الشبع:
(حديث مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَا مَلأَ آدَمِىٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ "
(حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) قَالَ: تَجَشَّأَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ " كُفَّ عَنَّا جُشَاءَكَ فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعاً فِى الدُّنْيَا أَطْوَلُهُمْ جُوعاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".
(حديث معاذ الثابت في صحيح الجامع) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِيَاكَ وَالتَنَعُمَ فَإِنَّ عِبَادَ اللهِ لَيْسُوا بِالمُتَنَعِمِيْن.
(1). شرح مسلم. المجلد السابع (13/ 172)
(حديث فاطمة الزهراء رضي الله عنها الثابت في صحيح الجامع) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: شِرِارُ أُمَتِي الَّذِينَ غُذُوا بِالنَّعِيمِ الَّذِينَ يَأكُلُونَ أَلوَانَ الطَّعَامِ وَيَلْبَسُونَ أَلوَانَ الثِيَابِ وَيَتَشَدَقُونَ فِي الكَلَامِ.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا كَثِيرًا فَأَسْلَمَ فَكَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا قَلِيلًا فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ.
وللسلف كلام في هذا الجانب يحسن بنا أن نقف عنده: قال ابن مفلح: ذكر ابن عبد البر وغيره أن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه خطب يوماً فقال: إياكم والبطنة، فإنها مكسلةٌ عن الصلاة، مؤذية للجسم، وعليكم بالقصد في قوتكم، فإنه أبعد من الأشَرِ، وأصحُّ للبدن، وأقوى على العبادة، وإن امرءاً لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه. وقال عليٌّ رضي الله عنه: المعدةُ حوض البدن، والعروق واردة عليها وصادرة عنها، فإذا صحت صدرت العروق عنها بالصحة، وإذا سقمت صدرت العروق عنها بالسقم. وقال الفضيل بن عياض: تنتان تُقسيان القلب: كثرة الكلام وكثرة الأكل.
وروى الخلال في (جامعه) عن أحمد أنه قال: وقيل له: هؤلاء الذي يأكلون قليلاً، ويقللون من طعامهم؟ قال: ما يعجبني! سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: فعل قومٌ هكذا فقطعهم عن الفرض (1).
[*] أورد الخرائطي رحمه الله تعالى في اعتلال القلوب عن ثابت البناني قال: " بلغنا أن إبليس ظهر ليحيى بن زكريا، فرأى عليه معاليق من كل شيء، فقال: ما هذه التي أراها عليك؟ قال: هذه الشهوات، أصيد بها بني آدم. قال له: لي فيها شيء؟ قال: لا. قال: فهل تصيب مني من شيء؟ قال: ربما شبعت فثقلت عن الصلاة والذكر. قال: غير هذا؟ قال: لا. قال: لا جرم لا أشبع أبدا "
لا جرم: هذه كلمة تَرِد بمعْنى تَحْقِيق الشَّيء. وقد اخْتُلف في تقديرها، فقِيل: أصْلُها التَّبْرِئة بمعنى لا بُدَّ، ثم اسْتُعْمِلت في معْنى حَقًّا. وقيل جَرَم بمعْنى كسَبَ. وقيل بمعْنى وجَبَ وحُقَّ.
(11)
النهي عن القران بين التمرتين حتى يستأذن أصحابه:
(1). الآداب الشرعية (3/ 183،184،185) مع تقديم وتأخير.
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْرُنَ الرَّجُلُ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ جَمِيعًا حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ.
{تنبيه} : السبب في ذلك لأن ذلك يكون سبباً في الطمع وسوء الخلق.
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في المشكل:
فأما حكم الحديث فإن هذا إنما يكون في الجماعة، والعادة تناول تمرة واحدة، فإذا قرن الإنسان زاد على الجماعة واستأثر عليهم، فافتقر إلى الأذن. اهـ (1).
والنهي هنا إما للتحريم أو الكراهة وكلٌ قد قال به أهل العلم. وذهب النووي إلى التفصيل فقال: والصواب التفصيل، فإن كان الطعام مشتركاً بينهم فالقران حرام إلا برضاهم ويحصل الرضا بتصريحهم به أو بما يقوم مقام التصريح من قرينة حالٍ أو إدلال عليهم كلهم بحيث يعلم يقيناً أو ظناً قوياً أنهم يرضون به، ومتى شك في رضاهم فهو حرام، وإن كان الطعام لغيرهم أو لأحدهم اشترط رضاه وحده، فإن قرن بغير رضاه فحرام، ويستحب أن يستأذن الآكلين معه ولا يجب، وإن كان الطعام لنفسه وقد ضيفهم به فلا يحرم عليه القران، ثم إن كان في الطعام قلة فحسن أن لا يقرن لتساويهم، وإن كان كثيراً بحيث يفضل عنهم فلا بأس بقرانه، لكن الأدب مطلقاً التأدب في الأكل وترك الشره إلا أن يكون مستعجلاً ويريد الإسراع لشغل آخر (2).
مسألة: هل يقاس على التمر غيره من صنوف الطعام التي تتناول إفراداً؟
الجواب: نعم يقاس عليه ما كانت العادة بتناوله إفراداً. قال ابن تيمية: وعلى قياسه قران كل ما العادة جارية بتناوله إفراداً (3).
(12)
التواضع في الأكل:
(حديث أبي جُحَيفة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا آكُلُ مُتَّكِئًا.
{تنبيه} : والسبب في ذلك أن الإتكاء حال الأكل من صفات المتكبرين والعياذ بالله.
قال ابن حجر رحمه الله في الفتح:
(1). كشف المشكل من حديث الصحيحين (2/ 565) رقم (1165)
(2)
. شرح مسلم. المجلد السابع (13/ 190)
(3)
. الآداب الشرعية (3/ 158)
اختلف في صفة الاتكاء فقيل: أن يتمكن من الجلوس للأكل على أي صفة كان، وقيل أن يميل على أحد شقيه، وقيل أن يعتمد على يده اليسرى من الأرض، قال الخطابي: تحسب العامة أن المتكئ هو الآكل على أحد شقيه، وليس كذلك بل هو المعتمد على الوطاء الذي تحته
…
وقال ابن حجر: وإذا ثبت كونه مكروهاً أو خلاف الأولى فالمستحب في صفة الجلوس للآكل أن يكون جاثياً على ركبتيه وظهور قدميه، أو ينصب الرجل اليمنى ويجلس على اليسرى (1). ووجه الكراهة في ذلك أن هذه الهيئة من فعل الجبابرة وملوك العجم، وهي جلسة من يريد الإكثار من الطعام (2).
(حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجة) قَالَ
أَهْدَيْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَاةً فَجَثَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رُكْبَتَيْهِ يَأْكُلُ فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ مَا هَذِهِ الْجِلْسَةُ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَنِي عَبْدًا كَرِيمًا وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا عَنِيدًا.
(حديث عائشة رضي الله عنها في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: آكل كما يأكل العبد و أجلس كما يجلس العبد.
(حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه الثابت في صحيح ابن ماجه) قَالَ
أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ فَقَالَ لَهُ هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ.
قال الماوردي رحمه الله تعالى في أدب الدين والدنيا:
وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ صلى الله عليه وسلم حَسْمًا لِمَوَادِّ الْكِبْرِ، وَقَطْعًا لِذَرَائِعِ الاعْجَابِ، وَكَسْرًا لِأَشَرِ النَّفْسِ، وَتَذْلِيلًا لِسَطْوَةِ الاسْتِعْلَاءِ.
(13)
عدم الأكل منبطحاً على بطنه أو الجلوس على ما حرم الله:
(1). فتح الباري (9/ 452). قلت: وهذه الصفة أعني: نصب الرجل اليمنى والجلوس علىاليسرى، رواها أبو الحسن بن المقري في الشمائل من حديثه (كان إذا قعد استوفز على ركبته اليسرى وأقام اليمنى
…
) وسنده ضعيف. قاله العراقي في تخريج إحياء علوم الدين. (2/ 6). ط. دار الحديث، الطبعة الأولى 1412هـ.
(2)
. انظر زاد المعاد (4/ 222)، وفتح الباري (9/ 452)
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داوود) قال: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ مَطْعَمَيْنِ عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ وَأَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ وَهُوَ مُنْبَطِحٌ عَلَى بَطْنِهِ.
والحديث صريحٌ في النهي، والعلة في ذلك أن الجلوس مع وجود ذلك المنكر فيه إشعارٌ بالرضا والإقرار عليه (1).
{فائدة} : هديه صلى الله عليه وسلم في هيئة الجلوس للأكل: أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يأكل وهو مقعٍ، ويُذكر عنه أنه كان يجلس للأكل متوركاً على ركبتيه، ويضع بطن قدمه اليسرى على ظهر قدمه اليمنى تواضعاً لربه عزو جل، قاله ابن القيم (2).
فأما الأولى:
(حديث أَنَسُ رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مُقْعِيًا (3) يَأْكُلُ تَمْرًا.
وأما الثانية:
(حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجة) قَالَ
أَهْدَيْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَاةً فَجَثَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رُكْبَتَيْهِ يَأْكُلُ فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ مَا هَذِهِ الْجِلْسَةُ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَنِي عَبْدًا كَرِيمًا وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا عَنِيدًا.
(14)
الْأَكْلُ عَلَى السُّفَر أَوْلَى مِنْ الْأَكْلِ عَلَى الْخِوَانِ:
(حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) قَالَ مَا أَكَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى خِوَانٍ وَلَا فِي سُكْرُجَةٍ وَلَا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ قُلْتُ لِقَتَادَةَ عَلَامَ يَأْكُلُونَ قَالَ عَلَى السُّفَرِ.
الخِوَان: وهو مرتفع يهيأ ليؤكل الطعام عليه كالطاولة.
سُكْرُجَة: إناء صغير يوضع فيه الشيء القليل كالسلطة والمقبلات. ولا يعني هذا أنه يحرم الأكل على الطاولة أو ما ارتفع ولكن الأفضل الأكل على الأرض لأنه هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
(15)
كَرَاهِيَةِ الأَكْلِ مِنْ وَسَطِ الطّعَام:
(1). انظر عون المعبود. المجلد الخامس (10/ 178)
(2)
. زاد المعاد (4/ 221)
(3)
. أي جالساً على إليته ناصباً ساقيه. شرح مسلم. المجلد السابع (13/ 188)
(حديث ابنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي) أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قالَ: "إنّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ وَسَطَ الطّعَامِ فَكُلُوا مِنْ حَافَتَيْهِ وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ".
وخُص الوسط بنزول البركة، لأنه أعدل المواضع، وعلة النهي حتى لا يُحرم الآكل البركة التي تحِلُ في وسطه، وقد يُلحق به ما إذا كان الآكلون جماعة، فإن المتقدم منهم إلى وسط الطعام قبل حافته قد أساء الأدب معهم، واستأثر لنفسه بالطيب دونهم، والله أعلم (1).
(16)
جواز الأكلُ قائما:
(حديث ابنِ عُمَرَ رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) قَالَ: "كُنّا نَأَكُلُ على عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَمْشِي، وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ".
{تنبيه} : وعلى هذا فيُحمل الحديث الآتي على كراهية التنزيه.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَشْرَبَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ.
(17)
لا يعيب الطعام إن اشتهاه أكله وإلا تركه.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قَالَ: مَا عَابَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا قَطُّ إِنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ.
{تنبيه} : وهذا دليلٌ أوفى عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الطَّعَامِ إلَّا مَا يَشْتَهِيهِ ، لَا يُجَاهِدُ نَفْسَهُ عَلَى تَنَاوُلِ مَا لَا يُرِيدُهُ فَإِنَّهُ مِنْ أَضَرِّ شَيْءٍ بِالْبَدَنِ ، وَقَدْ جَاءَ فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة: 21].
وعيب الطعام كقولك: مالح قليل الملح حامض رقيق غليظ غير ناضج ونحو ذلك، قاله النووي (2). وعلة النهي في ذلك؛ لأن الطعام خلقة الله فلا تعاب، وفيه وجهٌ آخر وهو أن عيب الطعام يُدخل على قلب الصانع الحزن والألم لكونه الذي أعده وهيأه، فسد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا الباب حتى لا يجد الحزن طريقاً إلى قلب المسلم، والشريعة تأتي بمثل هذا دائماً.
(1). انظر عون المعبود. المجلد الخامس (10/ 177)
(2)
. شرح مسلم. المجلد السابع (14/ 22)
مسألة: هل يتعارض هذا الحديث مع امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل الضب (1)، وهل يُعد قوله صلى الله عليه وسلم في الضب: (
…
فأجدني أعافه) وفي رواية: (هذا لحم لم آكله قط) امتناعه من عيب الطعام؟
الجواب: أنه لا تعارض بين الحديثين، وليس قوله صلى الله عليه وسلم في الضب من عيب الطعام، بل هو إخبارٌ عن سبب امتناعه، وهو أنه لا يشتهي هذا النوع من الطعام ولم يعتاده. قال النووي: وأما حديث ترك أكل الضب فليس هو من عيب الطعام، إنما هو إخبار بأن هذا الطعام الخاص لا أشتهيه (2).
{تنبيه} : هذا لا يعارض كون النبي يعجبه الذراع ويحب الدباء.
كان يعجبه الذراع:
(حديث ابن مسعود رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الذراع.
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(كان يعجبه الذراع) وتمامه عند الترمذي وسم في الذراع أي في فتح خيبر جعل فيه سم قاتل لوقته فأكل منه لقمة فأخبره جبريل أو الذراع الخلاف المعروف بأنه مسموم فتركه ولم يضره السم أى يطيب ويحسن في مذاقه ولم يصب من قال في نظره إلا أن يريد بالنظر الرأي والاعتقاد وذلك لأنها ألين وأعجل نضجاً وأبعد عن موضع الأذى.
يحب الدُبَّاء:
(حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن خياطا دعا رسول الله لطعام صنعه، قال أنس ابن مالك: فذهبت مع رسول الله إلى ذلك الطعام، فقرب إلى رسول الله خبزا ومرقا، فيه دباء وقديد، فرأيت النبي يتتبع الدباء من حوالي القصعة، قال: فلم أزل أحب الدباء من يومئذ.
(18)
استحباب الاجتماع على الطعام:
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: طَعَامُ الِاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلَاثَةِ وَطَعَامُ الثَّلَاثَةِ كَافِي الْأَرْبَعَةِ.
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ وَطَعَامُ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَةَ وَطَعَامُ الْأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ.
(1).البخاري ()، مسلم (1946)، أحمد (2679)، النسائي (4316)، أبو داود (3794)، ابن ماجه (3241)، مالك (1805)، الدارمي (2017)
(2)
. شرح مسلم. المجلد السابع (14/ 22)
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح الجامع) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَحَبُ الطَعَامِ إِلَى اللهِ مَا كَثُرَتْ عَلَيهِِ الأَيْدِي.
(حديث وَحْشِيٍّ ابن حرب الثابت في صحيح ابن ماجة) أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّا نَأْكُلُ وَلَا نَشْبَعُ قَالَ: لَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: اجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّه يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ.
(19)
أن يبدأ بالطعام الْأَكْبَرُ وَالْأَعْلَمُ:
(حديث حُذَيْفَةُ رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) قال: كُنَّا إذَا حَضَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَضَعَ يَدَهُ.
(20)
تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة:
جاءت الأحاديث بالوعيد الشديد لمن شرب في آنية الذهب والفضة، أو أكل في صحافهما.
وتأمل في الحديثين الآتيين بعين البصيرة
(حديث حُذيفة الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير و الديباج و الشرب في آنية الذهب و الفضة وقال: هي لهم في الدنيا وهي لكم في الآخرة.
(حديث أم سلمة الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ.
وأجمع العلماء على أنه لا يجوز الشرب بها (1). وليس ثمة نصٌ في علة هذا الحكم، والمسلم إذا جاءه الدليل من الكتاب أو من السنة الصحيحة، لا ينبغي له أن يتعداه قيد أنملة، ولا يتكلف التأويل ليستسيغ الفعل. وقد تطرق بعض أهل العلم لحكمة هذا النهي واختلفوا فيه، فمن هذه العلل: التشبه بالجبابرة وملوك الأعاجم، والسرف والخيلاء، وأذى الصالحين والفقراء الذين لا يجدون من ذلك ما بهم الحاجة إليه. قاله ابن عبد البر 0 (2).
{فائدة} : قال ابن حجر رحمه الله في الفتح:
(1). ذكر الاجماع ابن عبد البر في التمهيد (16/ 104)، وابن المنذر. انظر فتح الباري (10/ 97). ولا شك أن الأكل في حكم الشرب.
(2)
. التمهيد (16/ 105). وانظر فتح الباري (10/ 97)
قال الإسماعيلي: قوله: (ولكم في الآخرة)[في رواية] أي: تستعملونه مكافأة لكم على تركه في الدنيا، ويمنعه أولئك جزاء لهم على معصيتهم باستعماله. قلت [أي: ابن حجر]: ويحتمل أن يكون فيه إشارة إلى أن الذي يتعاطى ذلك في الدنيا لا يتعاطاه في الآخرة كما تقدم في شرب الخمر (1).
(21)
انتظار الطعام الساخن حتى يبرد:
(حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها الثابت في السلسلة الصحيحة) أنها كانت إذا ثردت غطته شيئاً حتى يذهب نوره ودخانه، ثم تقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنه أعظم للبركة.
(22)
تجنب الإسراف والمخيلة:
(حديث عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما الثابت في صحيح ابن ماجه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا مَا لَمْ يُخَالِطْهُ إِسْرَافٌ أَوْ مَخِيلَةٌ.
(23)
لا يستحب الوضوء قبل الأكل:
(حديث بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ فَقُدِّمَ إِلَيْهِ طَعَامٌ فَقَالُوا أَلَا نَأْتِيكَ بِوَضُوءٍ فَقَالَ إِنَّمَا أُمِرْتُ بِالْوُضُوءِ إِذَا قُمْتُ إِلَى الصَّلَاةِ.
آدَابِ أَكْلِ التَّمْرِ:
(1)
تَفْتِيشُهُ لِتَنْقِيَتِهِ:
(حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود) قال:
أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِتَمْرٍ عَتِيقٍ فَجَعَلَ يُفَتِّشُهُ يُخْرِجُ السُّوسَ مِنْهُ.
(2)
يأكل التمر ويلقي النوى بين أصبعيه:
(حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) قَالَ: نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي فَقَرَّبْنَا إلَيْهِ طَعَامًا وَوَطْبَةً فَأَكَلَ مِنْهَا ثُمَّ أُتِيَ بِتَمْرٍ فَكَانَ يَأْكُلُهُ وَيُلْقِي النَّوَى بَيْنَ إصْبَعَيْهِ وَيَجْمَعُ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى ثُمَّ أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ قَالَ فَقَالَ أَبِي وَأَخَذَ بِلِجَامِ دَابَّتَهُ: اُدْعُ اللَّهَ لَنَا فَقَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِيمَا رَزَقَتْهُمْ وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ.
(1). فتح الباري (10/ 98)
الْوَطْبَةُ: بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مَفْتُوحَةٌ وَهِيَ الْحَيْسُ ، يَجْمَعُ التَّمْرَ الْبَرْنِيَّ وَالْأَقِطَ الْمَدْقُوقَ وَالسَّمْنَ ، وَضَبَطَهَا بَعْضُهُمْ وَطِئَةٌ بِفَتْحِ الْوَاو وَكَسْرِ الطَّاء وَبَعْدهَا هَمْزَةٌ قِيلَ كَانَ عليه السلام يُلْقِي النَّوَى بَيْنَ إصْبَعَيْهِ أَيْ: يَجْعَلُهُ بَيْنَهُمَا لِقِلَّتِهِ وَقِيلَ كَانَ يَجْمَعُهُ عَلَى ظَهْرِ إصْبَعَيْهِ ثُمَّ يُرْمَى بِهِ.
(3)
النهي عن القران بين التمرتين حتى يستأذن أصحابه:
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْرُنَ الرَّجُلُ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ جَمِيعًا حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ.
{تنبيه} : السبب في ذلك لأن ذلك يكون سبباً في الطمع وسوء الخلق.
مراعاة صفة الأطعمة عند الجمع بينها:
(حديث عبد الله بن جعفر الثابت في الصحيحين) قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء.
(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجة) قالت: أرادت أمي أن تسمنني لدخولي على رسول الله فلم أقبل عليها بشيء مما تريد حتى أطعمتني القثاء بالرطب فسمنت عليه كأحسن السمن.
(حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَأْكُلُ البِطّيخَ بالرّطَبِ".
فضل الحلوى والعسل:
(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في الصحيحين) قالت: كان النبي يحب الحلوى والعسل.
(24)
تقديم الأكل على الصلاة عند حضور الطعام:
وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة:
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ وَلَا يَعْجَلْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ.
والعلة في ذلك؛ لئلا يقوم المرء ونفسه تتوق إلى الطعام فيحصل له من التشويش الذي يذهب معه خشوعه.
قال ابن حجر رحمه الله في الفتح:
روى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة بإسناد حسن عن أبي هريرة وابن عباس: (أنهما كانا يأكلان طعاماً وفي التنور شواء، فأراد المؤذن أن يقيم، فقال هل ابن عباس: لا تعجل لئلا نقوم وفي أنفسنا منه شئ)
وفي رواية ابن أبي شيبة: (لئلا يعرض لنا في صلاتنا)(1).
وليس هذا الأمرُ خاصاً بالعشاء وحده إنما هو في كل طعام تتشوف النفس إليه، ويؤيد ذلك نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة بحضرة الطعام، وعند مدافعة الأخبثان، والعلة ظاهرة في الحديث الآتي:
(حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ.
{فائدة} : قال بعض العلماء: من حضر طعامه ثم أقيمت الصلاة، فإنه ينبغي عليه أن يأكل لقيمات يكسر بها سورة الجوع. ورد ذلك النووي فقال: وقوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يعجلن حتى يفرغ منه) دليل على أنه يأكل حاجته من الأكل بكماله، وهذا هو الصواب، وأما ما تأوله بعض أصحابنا على أنه يأكل لقماً يكسر بها شدة الجوع فليس بصحيح وهذا الحديث صريحٌ في إبطاله (2).
مسألة: إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة، فهل يجب الأكل منه للظاهر الحديث، أم أن ذلك على الاستحباب؟
الجواب: فعل ابن عمر-رضي الله عنهما في رواية أحمد وغيره، يدل على تقديم الأكل مطلقاً، ومن أهل العلم من قيد ذلك بتعلق النفس وتشوفها إلى الطعام، فإن كانت نفسه تتوق إلى الطعام فإن الأولى في حقه أن يصيب منه حتى يقبل على صلاته وهو خاشع، ومن ذلك قول أبي الدرداء-رضي الله عنه من فقه المرء إقباله على حاجته حتى يُقبل على صلاته وقلبه فارغ (3). والمختار من ذلك ما ذكره الحافظ ابن حجر- فإنه بعد أن ساق أثر ابن عباس، وأثر الحسن ابن علي:(العشاء قبل الصلاة يذهب النفس اللوامة) قال: وفي هذا كله إشارة إلى أن العلة في ذلك تشوف النفس إلى الطعام، فينبغي أن يدار الحكم مع علته وجوداً وعدماً ولا يتقيد بكل أو بعض (4).
(25)
الأكل مما يلي الآكل:
(1). فتح الباري (2/ 189)
(2)
. مسلم بشرح النووي. المجلد الثالث (5/ 38)
(3)
. علقه البخاري في كتاب الأذان. باب: إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة. وهذا الأثر وصله ابن المبارك في كتاب الزهد. وأخرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب تعظيم قدر الصلاة من طريقه. قاله ابن حجر. فتح الباري (2/ 187)
(4)
. فتح الباري (2/ 189 - 190)
(حديث عمر بن أبي سلمى رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ.
وعلة النهي في ذلك: لأن الأكل من موضع أيدي الناس فيه سوء أدب، وقد يتقذر الآكلين من هذا الفعل ـ وهو الغالب ـ. لكن قد يعترض علينا معترضٌ فيقول: ما تقولون في حديث أنس قال: إن خياطاً دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه فذهبت مع النبي صلى الله عليه وسلم فقرب خبز شعير ومرقاً فيه دباءٌ وقديدٌ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حوالي القصعة (1). والجواب عن هذا الاعتراض أنه لا تعارض بين الحديثين، ونقول: ما قاله ابن عبد البر: إن المرق والادام وسائر الطعام، إذا كان فيه نوعان أو أنواع، فلا بأس أن تجول اليد فيه، للتخير مما وضع على المائدة
…
ثم قال- معلقاً على قوله: (وكل مما يليك) -: وإنما أمره أن يأكل مما يليه، لأن الطعام كله كان نوعاً واحداً، والله أعلم. كذا فسره أهل العلم (2). وبهذا يتضح الجمع بين الحديثين -والله الموفق-.
(26)
استحباب الأكل بعد ذهاب حرارته:
(حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما الثابت في السلسلة الصحيحة) أنها كانت إذا ثردت (3) غطته شيئاً حتى يذهب فوره، ثم تقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنه أعظم للبركة).
(1). البخاري (5436) واللفظ له، مسلم (2041)، أحمد (12219)، الترمذي (1850)، أبو داود (3782)، مالك (1161)، الدارمي (2050). والدباء هو القرع، وجاء مصرحاً به في رواية أحمد. قال:(قُدمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قصعةٌ فيها قرع، قال: وكان يعجبه القرع، قال: فجعل يلتمس القرع بأصبعه أو قال بأصابعه). والقديد: هو اللحم المملح المجفف بالشمس.
(2)
. التمهيد (1/ 277)
(3)
. أي صنعت ثريداً.