المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أنَّ - فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب - جـ ١٠

[محمد نصر الدين محمد عويضة]

الفصل: (حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أنَّ

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كُلُّ سُلَامَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ وَيُمِيطُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ.

‌آداب الجوار:

آداب الجوار:

للجوار آداب ينبغي لطالب العلم أن يحيط بها علماً وأن يتبعها حتى يكون متأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهاك آداب الجوار جملةً وتفصيلا:

أولاً آداب الجوار جملةً:

(1)

إكرام الجار والوصية به:

(2)

الجار الأدنى وحقوقه:

(3)

تحريم أذى الجار:

(4)

ماذا نصنع مع جار صاحب كبيرة:

(5)

ماذا نصنع مع جار ديوثاً أو قليل الغيرة:

(6)

ماذا نصنع مع جار يهودياً أو نصرانياً:

ثانيا آداب الجوار تفصيلا:

(1)

إكرام الجار والوصية به:

أوصى الله سبحانه في كتابه بالجار قال تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلَا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَىَ وَالْيَتَامَىَ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىَ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصّاحِبِ بِالجَنْبِ وَابْنِ السّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنّ اللّهَ لَا يُحِبّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً)[النساء: 36]

فالجار القريب له حقان: حق القرابة وحق الجوار، والجار البعيد له حق الجوار. وكلاهما يُكرم ويُتعاهد ويُحسن إليه.

وتأمل في الأحاديث الآتية بعين البصيرة

(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في السلسلة الصحيحة) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: حُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجُوَارِ يُعَمِّرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ فِي الأعْمَارِ.

(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ.

قال الذهبي رحمه الله في حق الجار:

ص: 196

ويفهم من الحديث المذكور عنه صلى الله عليه وسلم هو تعظيم حق الجار من الإحسان إليه وإكرامه وعدم الأذى له وإنما جاء الحديث في هذا الأسلوب للمبالغة في حفظ حقوق الجار وعدم الإساءة إليه حيث أنزله الرسول صلى الله عليه وسلم منزلة الوارث تعظيماً لحقه ووجوب الإحسان إليه وعدم الإساءة إليه بأي نوع من أنواع الأذى.

(حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما الثابت في صحيح الترمذي) أَنَّهُ ذُبِحَتْ لَهُ شَاةٌ فِي أَهْلِهِ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ؟ أهديتم لجارنا اليهودي؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ.

قال ابن حجر رحمه الله في الفتح:

قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة:

ويحصل امتثال الوصية به [الجار] بإيصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطاقة، كالهدية، والسلام، واطلاقة الوجه عند لقائه، وتفقد حاله، ومعاونته فيما يحتاج إليه إلى غير ذلك، وكف أسباب الأذى عنه على اختلاف أنواعه حسية كانت أو معنوية. اهـ (1)

(حديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ.

(حديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَاللِه لَا يُؤْمِنُ، وَاللِه لَا يُؤْمِنُ، وَاللِه لَا يُؤْمِنُ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَنْ؟ قَالَ: الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ.

(حديث أبي هريرة الثابت في صحيح مسلم) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ.

(1). فتح الباري (10/ 456)

ص: 197

(حديث ابن مسعود رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قال: سألت النبي: أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: (أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك). قلت: إن ذلك لعظيم، قلت: ثم أي؟ قال: (ثم أن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك). قلت: ثم أي؟ قال: (ثم أن تزاني بحليلة جارك). قال: ونزلت هذه الآية تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون} .

(حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن يزني الرجل بعشر نسوة خير له من أن يزني بامرأة جاره و لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر له من أن يسرق من بيت جاره.

[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:

(لأن يزني الرجل بعشرة نسوة خير له من أن يزني بامرأة جاره) ويقاس بها نحو أمته وبنته وأخته وذلك لأن من حق الجار على الجار أن لا يخونه في أهله فإن فعل ذلك كان عقاب تلك الزنية يعدل عذاب عشر زنيات قال الذهبي في الكبائر: فيه أن بعض الزنا أكبر إثماً من بعض قال: وأعظم الزنا بالأم والأخت وامرأة الأب وبالمحارم وبامرأة الجار، روى الحاكم وصححه والعهدة عليه من وقع على ذات محرم فاقتلوه فالزنا كبيرة إجماعاً وبعضه أفحش من بعض وأقبحه زنا الشيخ بابنته وأخته مع كونه غنياً له حلائل وزناه بجارية إكراهاً ونحو ذلك ودونه في القبح زنا الشاب البكر بشابة خلت به وشاكلته بفعل وقام نادماً تائباً

(ولأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر له من أن يسرق من بيت جاره) فيه تحذير عظيم من أذى الجار بكل طريق من فعل أو قول وقد أخرج الطبراني من حديث ابن عمر قال: خرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في غزاة فقال: لا يصحبنا اليوم من آذى جاره فقال رجل من القوم: أنا بلت في أصل حائط جاري فقال: لا تصحبنا اليوم.

(حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما الثابت في صحيح الترمذي) أنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ.

ص: 198

{تنبيه} : اسم الجار يشمل المسلم والكافر، والعابد والفاسق، والصديق والعدو، والغريب والبلدي، والنافع والضار، والقريب والأجنبي، والأقرب داراً والأبعد. وله مراتب بعضها أعلى من بعض، فأعلاها من اجتمعت فيه الصفات الأول كلها ثم أكثرها وهلم جرا إلى الواحد، وعكسه من اجتمعت فيه الصفات الأخرى كذلك، فيعطى كل حقه بحسب حاله، وقد تتعارض صفتان فأكثر فيرجح أو يساوى، قاله في الفتح (1).

(2)

الجار الأدنى وحقوقه:

الجار الأدنى الملاصق له من الحقوق ما ليس للجار البعيد. ويُؤخذ هذا الحكم من سؤال عائشة رضي الله عنها في الحديث الآتي:

(حديث عائشة الثابت في صحيح البخاري) قالت: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي قَالَ إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا.

فلما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتخصيص الهدية للجار القريب دون البعيد، عُلم أن حقه مقدم على حق البعيد. ومن الحِكم في ذلك: أن الأقرب يرى ما يدخل بيت جاره من هدية وغيرها فيتشوف لها بخلاف الأبعد، وإن الأقرب أسرع إجابة لما يقع لجاره من المهمات لا سيما في أوقات الغفلة، قاله الحافظ (2). وأكثر الناس على ذلك، فإنهم يخصون القريب منهم بمزيد عناية وتعاهد، ما لايجده الجار البعيد.

ومن حقوق الجار أن لا يمنع الجار جاره من غرز الخشب أو وضعه على جداره من أجل بناء غرفة أو نحو ذلك، بنص السنة الصحيحة وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة:

(حديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ، ثُمَّ يَقُولُا أَبُو هُرَيْرَةَ مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَاللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ.

ولكن لا بد من مراعاة عدة أمور:

أولاً: أن يكون البناء لا يضر بالجدار.

ثانياً: أن يكون الجار الآخر مضطراً لذلك.

ثالثاً: أن لا توجد طريقة أخرى يمكن بواسطتها البناء، إلا بالاعتماد على جدار الجار.

فإن اختل أحد أو بعض هذه الأمور فإنه لا يجوز للجار المستفيد البناء والاعتماد على جدار جاره لما في ذلك من الإضرار الذي نهى عنه الشرع: فـ (لا ضرر ولا ضرار) كما في الحديث الآتي:

(حديث ابن عباس الثابت في صحيح ابن ماجة) أنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ.

(1). (10/ 456)

(2)

. فتح الباري (10/ 461)

ص: 199

(3)

تحريم أذى الجار:

لا يحل لمؤمن أن يؤذي جاره بشتى أنواع الأذى، بنص السنة الصحيحة وتأمل في الأحاديث الآتية بعين البصيرة

(حديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ.

(حديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَاللِه لَا يُؤْمِنُ، وَاللِه لَا يُؤْمِنُ، وَاللِه لَا يُؤْمِنُ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَنْ؟ قَالَ: الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ.

(حديث أبي هريرة الثابت في صحيح مسلم) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ.

وفي حديث أبي هريرة-رضي الله عنه نهيُ وتغليظٌ على من آذى جاره، فقد قرن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بين الإيمان بالله واليوم الآخر وبين أذية الجار، مما يدلنا على عظم أذيته-، فقال: قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره

الحديث) (1). وفي الحديث الآخر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن. قيل من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوايقه، ومن رواية أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه).

ففي حديث أبي شريح-رضي الله عنه أقسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، على نفي الإيمان-ثلاثاً- على من لم يأمن جاره بوائقه. والمراد أن الجار الذي لا تؤمن غوائله وشروره غير كامل الإيمان، فهو بعصيانه وظلمه قد زنقص إيمانه.

وفي حديث أبي هريرة-رضي الله عنه، أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الجنة لا يدخلها الجار الذي لا تؤمن بوائقه، والمراد-والله أعلم- أنه لا يدخلها ابتداءً، وقلنا ذلك لأن النصوص بمجموعها تفيد أن الموحد يدخل الجنة وإن عُذب قبل ذلك. أو أن سنة الله اقتضت أن الذي لايأمن جاره بوائقه يموت كافراً.

(1).رواه البخاري (6018)، ومسلم (47)، وأحمد (7571)، وأبو داود (5154)

ص: 200

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود) قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَشْكُو جَارَهُ فَقَالَ اذْهَبْ فَاصْبِرْ فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَقَالَ اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ فَعَلَ اللَّهُ بِهِ وَفَعَلَ وَفَعَلَ فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ ارْجِعْ لَا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ.

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الأدب المفرد) قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار، وتفعل، وتصدق، وتؤذي جيرانها بلسانها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"" لا خير فيها، هي من أهل النار. قالوا: وفلانة تصلي المكتوبة، وتصدق بأثوار، ولا تؤذي أحدا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي من أهل الجنة.

تفاوت أذية الجار:

وأذية الجار قد تتفاوت، فبعضها يسير بالنسبة إلى غيرها وبعضها عظيم، بل إن أعظم أذية تنال الجار، هي أذيته في أهله، وهي من أعظم الذنوب عند الله، بنص السنة الصحيحة وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة:

(حديث ابن مسعود رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قال: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قُلْتُ إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ، قال: ونزلت هذه الآية تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَالّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللّهِ إِلََهَا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النّفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً)[الفرقان: 68]

(حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن يزني الرجل بعشر نسوة خير له من أن يزني بامرأة جاره و لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر له من أن يسرق من بيت جاره.

ماذا نصنع مع جار صاحب كبيرة:

ص: 201

مسألة: ماذا نصنع مع جار صاحب كبيرة؟

قال الذهبي رحمه الله في حق الجار:

إذا كان الجار صاحب كبيرة فلا يخلو إما إن يكون متستراً بها ويغلق بابه عليه فليعرض عنه ويتغافل عنه وإن أمكن أن ينصحه في السر ويعظه فحسن وإن كان متظاهراً بفسقه مثل مكاس أو مرابي فتهجره هجراً جميلاً وكذا إن كان تاركاً للصلاة في كثير من الأوقات فمره بالمعروف وانهه عن المنكر مرة بعد أخرى وإلا فاهجره في الله لعله أن يرعوي ويحصل له انتفاع بالهجرة من غير أن تقطع عنه كلامك وسلامك وهديتك فإن رأيته متمرداً عاتياً بعيداً من الخير فأعرض عنه واجهد أن تتحول من جواره فقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم تعوذ من جار السوء في دار الإقامة. أهـ

وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة:

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة فإن جار البادية يتحول.

قال المناوي رحمه الله في فيض القدير:

(اللّهم إني أعوذ) أصله أعوذ بسكون العين وضم الواو استثقلت الضمة على الواو فنقلت إلى العين فبقيت الواو ساكنة أي أستجير وأعتصم (بك من جار السوء) أي من شره (في دار المقامة) الإقامة فإنه هو الشر الدائم والأذى الملازم (فإن جار البادية يتحول) فمدته قصيرة يمكن تحملها فلا يعظم الضرر فيها، وفي رواية الطبراني جار السوء في دار الإقامة قاصمة الظهر وقد ينزل بسببه البلاء فيعم الصالح والطالح. قال الحرائي: والعوذ اللجأ من مخوف لكاف يكفيه. أهـ

ماذا نصنع مع جار ديوثاً أو قليل الغيرة:

قال الذهبي رحمه الله في حق الجار:

فإن كان الجار ديوثاً أو قليل الغيرة أو حريمه على غير الطريق المستقيم فتحول عنه أو فاجهد أن لا يؤذون زوجتك فإن في ذلك فساداً كثيراً وخف على نفسك المسكينة ولا تدخل منزله واقطع الود بكل ممكن وإن لم تقبل مني ربما حصل لك هوى وطمع وغلبت عن نفسك أو أنبك أو فصل فإن كان جارك رافضياً أو صاحب بدعة كبيرة فإن قدرت على تعليمه وهدايته فاجهد وإن عجزت فانجمع عنه ولا تواده ولا تصافه ولا تكون له مصادقاً ولا معاشراً والتحول أولى بك.

ماذا نصنع مع جار يهودياً أو نصرانياً:

ص: 202