الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ عز وجل إِلَّا عَلَى طُهْرٍ أَوْ قَالَ عَلَى طَهَارَةٍ.
واستثنوا من ذلك إذا كان لضرورة أو حاجة كإرشاد ضرير يكاد يقع في بئر، أو طلب ماء ونحو
…
ذلك (1).
آداب حضور المساجد:
آداب حضور المساجد:
حضور المساجد آداب ينبغي لطالب العلم أن يحيط بها علماً وأن يتبعها حتى يكون متأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهاك آداب حضور المساجد جملةً وتفصيلا:
أولاً آداب حضور المساجد جملةً:
(1)
فضل بناء المساجد:
(2)
النهي عن حضور المساجد لمن أكل الثوم أو البصل ونحوهما:
(3)
استحباب التبكير إلى المساجد:
(4)
المشي إلى الصلاة بخشوع وسكينة:
(5)
ما يقال من الدعاء عند المشي إلى الصلاة:
(6)
استحباب تقديم الرجل اليمنى عند دخول المسجد، واليسرى عند الخروج منه:
(7)
الدعاء عند دخول المساجد وعند الخروج منها:
(8)
استحباب أداء تحية المسجد عند دخول المسجد:
(9)
فضل القعود في المسجد:
(10)
اسْتِحْبَابِ جُلُوسِ الْقُرْفُصَاءِ في المسجد لما فيها من الخشوع:
(11)
اسْتِحْبَابِ التربع في المسجد بعد صلاة الفجر:
(12)
ما جاء في الاستلقاء في المسجد:
(13)
جواز النوم في المسجد:
(14)
النهي عن البيع والشراء في المساجد:
(15)
النهي عن إنشاد الضالة في المساجد:
(16)
عدم رفع الصوت في المسجد إلا في الموعظة والمصالح الشرعية:
(17)
النهي عن تشبيك الأصابع عند الخروج إلى المسجد قبل الصلاة، وجوازه بعدها.
(18)
جواز التحدث بالأمور الدنيوية المباحة في المسجد:
(19)
جواز الأكل والشرب في المسجد:
(20)
جواز قول الشعر في المسجد:
(21)
استحباب إظهار الزينة لصلاة الجمعة والعيدين:
(22)
النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان:
(23)
من السنة الصلاة بالنعال في المساجد:
(24)
آداب حضور النساء للمساجد:
ثانيا آداب حضور المساجد تفصيلا:
(1)
فضل بناء المساجد:
(1). انظر شرح صحيح مسلم للنووي. المجلد الثاني (4/ 55)، والشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين (1/ 95)
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح ابن ماجة) أنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ.
(حديث ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في صحيح الجامع) أنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَو كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ لِبَيْضِهِا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ.
قال الإمام المناوي رحمه الله في فيض القدير:
(من بنى للّه مسجداً ولو كمفحص) وفي رواية مثل مفحص (قطاة) حمله الأكثر على المبالغة لأن مفحصها بقدر ما تحفره (لبيضها) وترقد عليه وقدره لا يكفي للصلاة فيه وزعم أن المراد بالمسجد محل السجود فحسب يأباه لفظ بنى لإشعاره بوجود بناء حقيقي أو ما في معناه قال ابن حجر: لكن لا تمنع إرادة الآخر مجازاً إذ بناء كل شيء بحسبه وقد شاهدنا كثيراً من المساجد في طرق المسافرين يحوطونها إلى جهة القبلة وهي في غاية الصغر وبعضها لا يكون أكثر من قدر محل السجود وقال الزركشي: لو هنا للتقليل وقد عده من معانيها ابن هشام الخضراوي وجعل منها اتقوا النار ولو بشق تمرة والظاهر أن التقليل مستفاد مما بعد لو، لا منها (بنى اللّه له بيتاً في الجنة) إن كان قد بنى المسجد من حلال كما جاء مصرحاً به في رواية البيهقي عن أبي هريرة ولفظه من بنى للّه بيتاً يعبد اللّه فيه من مال حلال بنى اللّه له بيتاً في الجنة من درٍّ وياقوتٍ اهـ. وهذا من أعظم أنواع الإعظام والإكرام لإيذائه بأنه مقره ومسكنه قد أعد له وهيئ وبنى وأنه عند اللّه بمكان جليل يبنى له بدار القرار بجوار الغفار. (تنبيه) قال الزركشي: خص القطاة بالذكر دون غيرها لأن العرب تضرب به المثل في الصدق ففيه رمز إلى المحافظة على الإخلاص في بنائه والصدق في إنشائه.
(2)
النهي عن حضور المساجد لمن أكل الثوم أو البصل ونحوهما:
يجب على من أكل بصلاً أو ثوماً نيئاَ أن يجتنب المساجد حتى لا يؤذي المصلين برائحته الخبيثة، ومن آذى المصلين فقد آذى الملائكة، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة:
(حديث جابر رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ.
(حديث جابر رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ الْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ فَغَلَبَتْنَا الْحَاجَةُ فَأَكَلْنَا مِنْهَا فَقَالَ مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُنْتِنَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الْإِنْسُ.
{تنبيه} : ومع صراحة الأحاديث في نهي آكل الثوم و البصل عن حضور المساجد ورفع الإثم عنه لأجل تركه شهود الجماعة؛ إلا أن هناك طائفة من الناس أبت إلا المخالفة. والله تعالى يقول (فَلْيَحْذَرِ الّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[النور:63]
وبعضهم لا يريد المخالفة ولا يقصدها ولكن لحسن نيته يجد أن من الصعب عليه أن يترك الجماعة ولا يشهدها حتى ولو كان آكلاً للثوم أو البصل، وليس هذا عذرٌ يقبل. وبعض العامة يعلم بالنهي ولكن لا يلقي له اهتماماً، وهذا من ضعف الإيمان في قلبه.
وإذا تعاطى آكل البصل والثوم شيئاً يمنع رائحتهما الخبيثة، فإنه لا يمنع من شهود المساجد، ولكن ليتحقق الآكل أن الرائحة قد زالت بالكلية وأنها لا تؤذي المصلين. وأما
…
ما يفعله بعض الناس اليوم من اتخاذ (معجون الأسنان) كمزيل لرائحة البصل والثوم، فهذا خطأ بين، لأن رائحة البصل والثوم تنبعث من المعدة وليست من الفم.
{فائدة} : يُقاس على الثوم والبصل والكراث كل رائحة خبيثة تؤذي المصلين، (كالدخان)، أو الروائح الكريهة التي تنبعث من الجسد، أو الملابس المنتنة. فعلى المصلي تفقد نفسه قبل حضور المساجد، حتى لا يؤذي المصلين فيأثم بذلك.
(3)
استحباب التبكير إلى المساجد:
رغب النبي صلى الله عليه وسلم في التبكير إلى المساجد والمسارعة إليها، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة:
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا.
ففي هذا الحديث دلالة ظاهرة على فضل وعظم أجر التبكير إلى المساجد، وذلك يتضح من إبهام الرسول صلى الله عليه وسلم لأجر المبكر إلى المسجد، فإنه يدل على أن المبكر إلى المسجد قد حاز أجراً عظيماً. ثم اقتراعهم على الصف الأول فيه دلالة قوية-أيضا- على عظم هذا الأجر.
(4)
المشي إلى الصلاة بخشوع وسكينة:
يستحب للماشي إلى الصلاة، أن يكون مشيه إليها في خشوع وسكون وطمأنينة، لأن من قدم إلى الصلاة وهو مطمئن في مشيه؛ كان ذلك أدعى لخشوعه في صلاته وإقباله عليها، وعكسه من جاء إليها مسرعاً مستعجلاً فإنه يدخل في صلاته وهو مشتت الفكر والذهن.
ولقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته أن يسعوا إلى صلاتهم حتى ولو أقيمت الصلاة، وتأمل في الحديثين الآتيين بعين البصيرة
(حديث أبي قتادة الثابت في الصحيحين) قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ مَا شَأْنُكُمْ قَالُوا اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا إِذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمْ.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا تَمْشُونَ عَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا.
{تنبيه} : والمتأمل في الحديثين يجد أن حديث أبي قتادة-رضي الله عنه جاء بلفظ: (إذا أتيتم الصلاة) وحديث أبي هريرة-رضي الله عنه بلفظ: (إذا أقيمت الصلاة). فهل بينهما تعارض؟ والجواب عن ذلك أن يقال: إن قدوم المصلي إلى المسجد يجب أن يكون في خشوع وسكينة سواء أقيمت الصلاة أو لم تقم. وقوله صلى الله عليه وسلم (إذا أقيمت الصلاة) فيه بيان للأمر الذي يحمل الناس -غالباً- على السعي إلى الصلاة. فبان بذلك أن لا تعارض بين اللفظين، والله أعلم.
(5)
ما يقال من الدعاء عند المشي إلى الصلاة:
يستحب للماشي إلى الصلاة أن يدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى الصلاة.
(حديث ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) قَالَ بِتُّ عِنْدَ مَيْمُونَةَ فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَى حَاجَتَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ نَامَ ثُمَّ قَامَ فَأَتَى الْقِرْبَةَ فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا بَيْنَ وُضُوءَيْنِ لَمْ يُكْثِرْ وَقَدْ أَبْلَغَ فَصَلَّى فَقُمْتُ فَتَمَطَّيْتُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَرَى أَنِّي كُنْتُ أَتَّقِيهِ فَتَوَضَّأْتُ فَقَامَ يُصَلِّي فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِأُذُنِي فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَتَتَامَّتْ صَلَاتُهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ فَآذَنَهُ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَكَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَعَنْ يَمِينِي نُورًا وَعَنْ يَسَارِي نُورًا وَفَوْقِي نُورًا وَتَحْتِي نُورًا وَأَمَامِي نُورًا وَخَلْفِي نُورًا وَاجْعَلْ لِي نُورًا).
ولفظ أبي داود: ( .. ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَاجْعَلْ فِي لِسَانِي نُورًا وَاجْعَلْ فِي سَمْعِي نُورًا وَاجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا وَاجْعَلْ خَلْفِي نُورًا وَأَمَامِي نُورًا وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا وَمِنْ تَحْتِي نُورًا اللَّهُمَّ وَأَعْظِمْ لِي نُورًا الحديث)(1).
(6)
استحباب تقديم الرجل اليمنى عند دخول المسجد، واليسرى عند الخروج منه:
يستحب للداخل إلى المسجد أن يقدم رجله اليمنى؛ لأن ذلك هو فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، ولأن المسجد أشرف الأماكن فناسب تقديم اليمنى لشرفه. وعند الخروج منه تقدم الرجل اليسرى لفعله صلى الله عليه وسلم؛ ولأن الأماكن غير المسجد دونه في الشرف. ومن عادة الشرع أن جعل اليد والرجل اليمنى لمباشرة الأشياء الفاضلة الكريمة، وجعل الشمال لمباشرة الأشياء الوضيعة.
والقاعدة العامة في هذا الباب هو حديث عائشة الآتي:
(1). رواه مسلم: (763)، وأبو داود (1353) وقال الألباني: صحيح (1025)، وأحمد (3531)
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ.
وفي دخول المسجد سنة ذكرها أنس رضي الله عنه قال: (من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى)(1).
ومن المعلوم عن أهل الحديث أن قول الصحابي من السنة أن له حكم الرفع. وقد بوب البخاري على حديث عائشة المتقدم بقوله: باب التيمن في دخول المسجد وغيره. ثم ساق أثر ابن عمر فقال: وكان ابن عمر يبدأ برجله اليمنى فإذا خرج بدأ برجله اليسرى. ومعروفٌ عن ابن عمر رضي الله عنهما بشدة متابعته لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
(7)
الدعاء عند دخول المساجد وعند الخروج منها:
يستحب للداخل إلى المسجد أن يقول:
اللهم صلى وسلم على محمد وعلى آل محمد، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج يقول: اللهم صلى وسلم على محمد وعلى آل محمد، اللهم إني أسألك من فضلك. تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم عند دخوله المسجد وعند خروجه منه.
(حديث فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَإِذَا خَرَجَ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ.
اغفر لي: أي استر ذنوبي وتجاوز عن عيوبي، وأصل الغَفْر التغطية، والمغفرة: إلباس الله تعالى العفوَ للمذنبين.
(حديث فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَإِذَا خَرَجَ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ.
(1). قال الحاكم في مستدركه: صحيح على شرط مسلم (1/ 338)(791)، ووافقه الذهبي.
ويستحب للداخل إلى المسجد-أيضاً- أن يقول: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم.
(حديث عبد الله ابن عمرو الثابت في صحيح أبي داود) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.
(8)
استحباب أداء تحية المسجد عند دخول المسجد:
يستحب لداخل المسجد أن يبدأ بركعتين هما: تحية المسجد. وهي ليست واجبة، ولكنها سنة مؤكدة لأمره بها صلى الله عليه وسلم أصحابه في كذا موضع، وتأمل في الحديثين الآتيين بعين البصيرة
(حديث أبي قتادة الثابت في الصحيحين) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إذا دخل أحدكم المسجد إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ.
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ أَصَلَّيْتَ يَا فُلَانُ قَالَ لَا قَالَ قُمْ فَارْكَعْ رَّكْعَتَيْنِ.
والذي صرف أمره صلى الله عليه وسلم من الوجوب إلى الاستحباب أحاديث أخر منها الحديث الآتي:
(حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دَنَا فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصِيَامُ رَمَضَانَ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ قَالَ وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الزَّكَاةَ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ قَالَ فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ.
وعلى هذا فلا ينبغي لأهل الإيمان أن يرغبوا عن هاتين الركعتين ففيهما خيرٌ كثير.
(9)
فضل القعود في المسجد:
مما جاء في فضل القعود في المساجد وانتظار الصلاة، الحديث الآتي:
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: صَلَاةُ الرَجُلِ فِي الجَمَاعَةِ تُضَّعَفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَ ذَلَكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوِضُوءَ ثَمَّ خَرَجَ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً فَإِذَا صَلَى لَمْ تَزَلْ المَلَائِكَةُ تُصَلِي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَاه: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ وَلَا يَزَالُ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَلَاة.
وهذا من رحمة الله بعباده وجزيل كرمه؛ أن رتب على جلوسهم في المساجد وانتظار الصلاة، كأجر المصلي. ثم جعل ملائكته يدعون لمنتظر الصلاة في المسجد، بالرحمة والمغفرة والتوبة!.
{تنبيه} : يفرط كثيرٌ من الناس بالوقت الفاضل-وقت انتظار الصلاة (بين الأذان والإقامة)، فتجدهم يقلبون أعينهم في المصلين أو التالين، وبعضهم يُرسل بصره وعقله في تأمل نقوش المسجد وعمارته إلى غير ذلك، ولو أنهم اغتنموا هذا الوقت الفاضل بقراءة القرآن، أو ذكر الله، أو الاجتهاد في الدعاء لأنه وقت إجابة، لكان فيه خيرٌ كثير.
(10)
اسْتِحْبَابِ جُلُوسِ الْقُرْفُصَاءِ في المسجد لما فيها من الخشوع:
(حديث قَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةَ رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود): أَنَّهَا رَأَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ قَاعِدٌ الْقُرْفُصَاءَ، قالت: فَلَمَّا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُتَخَشِّعَ فِي الْجِلْسَةِ أُرْعِدْتُ مِنْ الْفَرَقِ.
قال صاحب عون المعبود شرح سنن أبي داوود:
القرفصاء بضم القاف والراء على الاتباع أن يجلس على إليتيه ويلصق فخديه ببطنه ويحتبي بيديه يضعهما على ساقيه أو يجلس على ركبتيه منكبا ويلصق بطنه بفخذيه ويتأبط كفيه انتهى.
(الْمُتَخَشِّعَ) أي الخاشع الخاضع المتواضع.
(أُرْعِدْتُ) بصيغة المجهول أي أخذتني الرعدة والاضطراب والحركة.
(مِنْ الْفَرَقِ) بفتحتين أي من أجل الخوف والمعنى هبته مع خضوعه وخشوعه.
مسألة: ما هي جلسة القرفصاء؟
قال ابن مفلح رحمه الله تعالى في الآداب الشرعية:
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيِّ: مَا رَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ جَالِسًا إلَّا الْقُرْفُصَاءَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَنَاقِبِ: وَهَذِهِ الْجِلْسَةُ تَحْكِيهَا قَيْلَةُ فِي حَدِيثِهَا {إنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا جِلْسَةَ الْمُتَخَشِّعِ الْقُرْفُصَاءَ} وَكَانَ أَحْمَدُ يَتَيَمَّمُ فِي جُلُوسِهِ هَذِهِ الْجِلْسَةَ ، وَهِيَ أَوْلَى الْجِلْسَاتِ بِالْخُشُوعِ. وَالْقُرْفُصَاءُ أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ عَلَى أَلْيَتَيْهِ رَافِعًا رُكْبَتَيْهِ إلَى صَدْرِهِ بِأَخْمَصِ قَدَمَيْهِ إلَى الْأَرْضِ ، وَرُبَّمَا احْتَبَى بِيَدِهِ ، وَلَا جِلْسَةَ أَخْشَعُ مِنْهَا انْتَهَى كَلَامُهُ.
(11)
اسْتِحْبَابِ التربع في المسجد بعد صلاة الفجر:
(حديث جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود) قَالَ
كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ تَرَبَّعَ فِي مَجْلِسِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسْنَاءَ.
(12)
ما جاء في الاستلقاء في المسجد:
(حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِدِ وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى.
(حديث جَابِرٍ رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) قَالَ
نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْفَعَ الرَّجُلُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى وَهُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ.
قال ابن مفلح رحمه الله تعالى في الآداب الشرعية:
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ لَهُ سَرَاوِيلُ وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ رِوَايَةِ يُكْرَهُ كَشُرْبِهِ قَائِمًا وَنَهْيِهِ عَنْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا لَوْ وَضَعَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى مِنْ غَيْرِ اسْتِلْقَاءٍ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ نَظَرًا إلَى أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ مَنْعُ الِاسْتِلْقَاءِ ، وَالْأَصْلُ اعْتِبَارُ الْوَصْفِ. أَوْ أَنَّ الْمَقْصُودَ وَضْعُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى ، وَالِاسْتِلْقَاءُ ذُكِرَ ; لِأَنَّهُ الْغَالِبُ لَا أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي الْحُكْمِ ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ خُولِفَ لِلْخَبَرِ وَهُوَ فِي أَمْرٍ مَخْصُوصٍ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ الْإِجْمَاعِ قَبْلَ السَّبْقِ وَالرَّمْيِ: اتَّفَقُوا عَلَى إبَاحَةِ جُلُوسِ الْمَرْءِ كَيْفَ أَحَبَّ مَا لَمْ يَضَعْ رِجْلًا عَلَى رِجْلٍ أَوْ يَسْتَلْقِي كَذَلِكَ ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الِاسْتِلْقَاءِ وَالْقُعُودِ كَمَا قَدَّمْنَا فَمِنْ مَانِعٍ وَمُبِيحٍ. فَسَوَّى ابْنُ حَزْمٍ فِي حِكَايَتِهِ بَيْنَ الْقُعُودِ وَالِاسْتِلْقَاءِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَبَقَ وَالْقَوْلُ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُ مُتَّجَهٍ لِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام وَالْأَصْلُ التَّسَاوِي فِي الْأَحْكَامِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ.
(13)
جواز النوم في المسجد:
يجوز النوم في المسجد لمن احتاج إلى ذلك، ولقد كان أصحاب الصُّفة-رضي الله عنهم (1) ينامون في المسجد (2)، وكان ابن عمر-رضي الله عنهما ينام في المسجد قبل أن يكون له أهل.
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري) أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ وَهُوَ شَابٌّ أَعْزَبُ لَا أَهْلَ لَهُ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح ابن ماجه) قَالَ كُنَّا نَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
(1). أصحاب الصُّفة: فقراء كانوا يقيمون في مسجد-رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأكلون وينامون فيه.
(2)
. البخاري (442).
{تنبيه} : إذا احتلم [المسلم] وهو نائم به [بالمسجد] أسرع بالخروج منه حين يستيقظ ليغتسل من الجنابة (1).
(14)
النهي عن البيع والشراء في المساجد:
لا يجوز البيع والشراء في المساجد فهي لم تبن لهذا، وإنما بنيت لذكر الله، وإقامة الصلاة، وتعليم الناس أمور دينهم .. الخ. ومن رأى رجلاً يبيع أو يبتاع في المساجد فليدع عليه وليقل: لا أربح الله تجارتك، وتأمل في الحديثين الآتيين بعين البصيرة
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً فَقُولُوا لَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ.
{تنبيه} : حول البيع أو الشراء في الغرف أو الصالات الملحقة بالمسجد أو القاعات المخصصة للصلاة. قالت اللجنة الدائمة: لا يجوز البيع والشراء ولا الإعلان عن البضائع في القاعة المخصصة للصلاة إذا كانت تابعة للمسجد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك) .. . -وقالت-: أما الغرف ففيها تفصيل: فإن كانت داخلة في سور المسجد فلها حكم المسجد والقول فيها كالقول في القاعة، أما إن كانت خارج سور المسجد ولو كانت أبوابها فيه فليس لها حكم المسجد؛ لأن بيت النبي صلى الله عليه وسلم الذي تسكنه عائشة-رضي الله عنها كان بابه في المسجد ولم يكن له حكم المسجد (2).
{فائدة} : اتباعاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، أن من سمع رجلاً يبيع أو يبتاع في المساجد فليقل له: لا أربح الله تجارتك. وظاهر اللفظ أنه لا فرق بين العالم بالحكم أو الجاهل به.
(15)
النهي عن إنشاد الضالة في المساجد:
(1). من فتاوى اللجنة الدائمة (6/ 292) فتوى (5795). وما بين المعقوفتين زيادة بيان مني.
(2)
. (6/ 283) فتوى رقم: (11967)
مساجد الله بُنيت لذكره، وتسبيحه، وتلاوة القرآن، والصلاة فيه. ولم تجعل مكاناً للسؤال عن الضوال، أو المفقودات، وتأمل في الحديثين الآتيين بعين البصيرة
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً (1) فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً فَقُولُوا لَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ.
وعلى هذا: فمن سمع من ينشد ضالته، فليقل: لا ردها الله عليك، أو لا أداها الله عليك، أو لا أدى الله عليك، والمعنى واحد.
(16)
عدم رفع الصوت في المسجد إلا في الموعظة والمصالح الشرعية:
(حديث عبد الله ابن عمرو الثابت في الصحيحين) قَالَ تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلَاةُ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا.
الشاهد من الحديث: [فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ] فإنه دليلٌ أوفى على جواز رفع الصوت في الموعظة لمن أراد أن يُوَفَّقَ للتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم.
(حديث كعب بن مالك رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى يَا كَعْبُ قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَيْ الشَّطْرَ قَالَ لَقَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قُمْ فَاقْضِهِ.
(1). نشدت الضالة: إذا ناديتَ وسألتَ عنها. (لسان العرب3/ 421) مادة: نشد.
الشاهد من الحديث: [فَنَادَى يَا كَعْبُ] لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على من رفع صوته في المسجد وإنما أمر كعباً رضي الله عنه بوضع الشطر من دينه، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يؤخر البيان عن وقت حاجته. فإنه دليلٌ أوفى على جواز رفع الصوت في "المصالح الشرعية" لمن أراد أن يُوَفَّقَ للتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم.
(حديث السائب ابن يزيد الثابت في صحيح البخاري) قَالَ كُنْتُ قَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ فَجِئْتُهُ بِهِمَا قَالَ مَنْ أَنْتُمَا أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا قَالَا مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ قَالَ لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
هذا الحديث له حكم الرفع. ولعل هذا يؤيد ما ذهب إليه مالك في إحدى روايتيه: (التفرقة بين رفع الصوت بالعلم والخير وما لابد منه فيجوز، وبين رفعه باللغط ونحوه فلا) قاله ابن حجر (1).
(17)
النهي عن تشبيك الأصابع عند الخروج إلى المسجد قبل الصلاة، وجوازه بعدها.
(حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يُشَبِّكَنَّ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ.
(حديث أبي موسى الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.
وطريق الجمع في ذلك أن يقال: إن النهي عن تشبيك الأصابع يكون قبل الصلاة لأن العامد إلى المسجد في حكم المصلي، وبعد انقضاء الصلاة يكون المصلي في حكم المنصرف منها.
(18)
جواز الأكل والشرب في المسجد:
يجوز أن يتحدث الرجل مع أخيه في ـ المسجد ـ بالأمور الدنيوية المباحة، ولا أثم عليه في ذلك، فقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أصحابه يتحدثون بالمسجد وهو معهم ويقرهم على ذلك، وهذا دالٌ على جوازه، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة:
(1). فتح الباري (1/ 658)
(حديث أنس رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُنَاجِي رَجُلًا فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ فَمَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ حَتَّى نَامَ الْقَوْمُ.
(حديث سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ الثابت في صحيح مسلم) قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ نَعَمْ كَثِيرًا كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ أَوْ الْغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَامَ وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ صلى الله عليه وسلم.
ولكن ينبغي مراعاة عدة أمور عند التحدث في المسجد فيما يتعلق بشئون الدنيا منها ما يلي: أولاً: أن لا يشغل من حوله من المصلين أو التالين للقرآن أو المشتغلين بالعلم.
ثانياً: أن لا يُتخذ عادة.
ثالثاً: أن يجتنب فيه الأقوال أو الأفعال المحرمة.
رابعاً: أن يكون الكلام قليلاً لا كثيراً.
(19)
جواز الأكل والشرب في المسجد:
لا بأس بالأكل والشرب في المسجد، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل في المسجد، وفعله دليل الجواز.
(حديث عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيَّ رضي الله عنه الثابت في صحيح ابن ماجه) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ.
ولكن ينبغي على من شرب أو أكل طعاماً في المسجد أن لا يلوث المسجد بفضلات الطعام أو الشراب (1).
(20)
جواز قول الشعر في المسجد:
يجوز الإنشاد في المسجد إذا كان فيه حكمة وكان من النوع المباح وعليه يحمل الحديث الآتي:
(حديث أبي هر يرة رضي الله تعالى عنه الثابت في الصحيحين) أَنَّ عُمَرَ مَرَّ بِحَسَّانَ وَهُوَ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَحَظَ إِلَيْهِ فَقَالَ قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ.
{تنبيه} : أما إذا كان الشعر فيه هجاء لمسلم أو زيادة مدح أو غيره فلا يجوز وعليه يحمل الحديث الآتي:
(1). وهذا يكثر في شهر رمضان، عندما يجتمع الناس للإفطار، فينبغي التنبه لذلك.
(حديث عبد الله ابن عمرو الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ ضَالَّةٌ وَأَنْ يُنْشَدَ فِيهِ شِعْرٌ وَنَهَى عَنْ التَّحَلُّقِ قَبْلَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
(21)
استحباب إظهار الزينة لصلاة الجمعة والعيدين:
يستحب للمسلم أن يتخذ لصلاة الجمعة والعيدين ثوباً جميلاً يتجمل به، لأن لبس الجميل من الثياب لصلاة الجمعة والعيدين مرغبٌ فيه من الشارع، وتأمل في الأحاديث الآتية بعين البصيرة
(حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ ثُمَّ جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا حُلَلٌ فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مِنْهَا حُلَّةً فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَوْتَنِيهَا وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا فَكَسَاهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَخًا لَهُ بِمَكَّةَ مُشْرِكًا.
(الشاهد) أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على عمر اتخاذ الحلة الجميلة للجمعة وعند استقبال الوفود؛ إنما أنكر لبس مثل هذه الحلة التي فيها الحرير، فبهذا يعلم أن التجمل للجمعة والعيدين وللوفود مرغوب فيه.
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح ابن خزيمة) قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جُبَّةًٌ يَلْبَسْهَا فِي العِيْدَيْنِ وَيَومِ الْجُمُعَةِ.
(حديث عائشة الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدَ سَعَةً أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ.
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح الجامع) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا صَلَى أَحَدُكُم فَلْيَلْبَسْ ثَوبَيْهَ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى أَحَقُ مَنْ تُزِيِنَ لَهُ.
ومن الزينة أن يمس القادم إلى الجمعة من الطيب أو الدهن، وفيه ترغيب عظيم.
(حديث سلمان الثابت في صحيح البخاري) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى.
(22)
النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان:
يكره الخروج من المسجد لمن أدركه الأذان وهو فيه، إلا لمن كان عنده عذرٌ يسوغ له الخروج من المسجد، كتجديد وضوء ونحوه.
(حديث أبي الشعثاء الثابت في صحيح مسلم) قَالَ: كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْمَسْجِدِ يَمْشِي فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم.
والحديث له حكم الرفع لأن أبا هريرة رضي الله عنه لم يكن له أن يجتهد في مثل هذا ـ وحاشاه ـ فلا يجوز لمن أدركه الأذان وهو بالمسجد أن يخرج منه حتى يؤدي الصلاة المكتوبة، إلا لعذر. لأن من خرج بعد الأذان بدون عذرٍ، قد يشغله أو يعوقه ما يمنعه من إقامة الصلاة مع الجماعة، فيكون سبباً في تفويت صلاة الجماعة.
(23)
من السنة الصلاة بالنعال في المساجد:
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من غير وجه أنه صلى في نعاله، بل أمر بها.
(حديث سَعِيدٍ أَبِي مَسْلَمَةَ الثابت في الصحيحين) قَالَ سَأَلْتُ أَنَسًا أَكَانَ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ قَالَ نَعَمْ.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَلَا يُؤْذِ بِهِمَا أَحَدًا لِيَجْعَلْهُمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَوْ لِيُصَلِّ فِيهِمَا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
والصلاة في النعلين سنة أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر إذا كان فيها أذى أن يدلكهما بالأرض فإنها لهما طهور. وهذا هو الصحيح من قولي العلماء، وصلاته صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالنعال في المسجد مع أنهم يسجدون على ما يلاقي النعال، كل ذلك دليل على طهارة أسفل النعل، مع أنهم كانوا يروحون بها إلى الحش للبراز. فإذا رأى عليهما أثر النجاسة فدلكها بالأرض طهرتا. أهـ (1).
{تنبيه} : في هذه الأزمان المتأخرة أصبحت المساجد تُفرش (بسجاد)، وجرت عادتهم أن لا يدخلوا المساجد بنعالهم وخفافهم، ولا يوطئونها فرشهم، وإذا كان الأمر كذلك، فإن على الغيورين على سنة النبي صلى الله عليه وسلم من الاندثار، والحريصين على تطبيق سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أن لا يدخلوا هذه المساجد بنعالهم وخفافهم، حتى لا تحدث مفسدة في سبيل تحصيل مصلحة. لأن أكثر العوام يجهلون هذه السنة، وبسبب جهلهم فإن الداخل إلى المسجد بنعليه لا يأمن إنكار العوام عليه، وارتفاع أصواتهم ولغطهم في المسجد، هذا مع ما قد تسببه النعال أو الخفاف في تلويث هذه الفرش التي أصبح الناس يولونها عناية كبيرة.
وعلى الراغب في تطبيق سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة بالنعلين، أن يصلي بهما في بيته، أو عند خروجه للنزهة، أو عند السفر، أو في مسجد أهله يصلون بنعالهم وخفافهم.
(24)
آداب حضور النساء للمساجد:
لا تُمْنَعُ المرأة من شهود المساجد، ولا ينبغي منعها منه، مادامت أنها لم ترتكب محذوراً شرعياً، وتأمل في الأحاديث الآتية بعين البصيرة
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اسْتَأْذَنَتْ امْرَأَةُ أَحَدِكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا.
(1). المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام بن تيمية (3/ 69). جمع وترتيب: الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن قاسم -حفظه الله- الطبعة الأولى لعام 1418هـ.
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داود) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ وَلَكِنْ لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ.
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داود) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ.
قالت اللجنة الدائمة: يجوز للمرأة المسلمة أن تصلي في المساجد، وليس لزوجها إذا استأذنته أن يمنعها من ذلك ما دامت مستترة ولا يبدو من بدنها شيء مما يحرم نظر الأجانب إليه .. . [ثم قالت اللجنة بعد أن أوردت الأدلة من الكتاب والسنة:] فهذه النصوص تدل دلالة واضحة على أن المرأة المسلمة إذا التزمت آداب الإسلام في ملابسها وتجنبت ما يثير الفتنة ويستميل ضعفاء الإيمان من أنواع الزينة المغرية، لا تمنع من الصلاة في المساجد، وأنها إذا كانت على حالة تغري بها أهل الشر وتفتن من في قلبه ريب منعت من دخول المساجد، بل تمنع من الخروج من بيتها ومن حضور المجامع العامة .. (1).
وتنفرد النساء عن الرجال عند حضورهن للمساجد بأمور عدة، منها:
(أ) أن لا تتطيب أو تتزين بما يدعو إلى الفتنة:
كأن تلبس ملابس مغرية، أو تلبس خلخالاً، فمتى وجدت هذه أو بعضها فإن المرأة تمنع من شهود المسجد.
فأما الطيب فتأمل في الحديثين الآتيين بعين البصيرة
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ.
(حديث أبي موسى الثابت في صحيح النسائي) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ.
(1). (7/ 330 - 332)
وأما الزينة الأخرى فمتى تجملت المرأة تجملاً يحرك الغرائز، ويوقض الفتنة، فإنها تمنع درءً للفتنة، وإغلاقاً لموارد الشر.
(ب) لا تمكث الحائض والنفساء بالمسجد:
لا يجوز دخول الحائض والنفساء ولا الجنب إلى المسجد، إلا إذا كانوا عابري سبيل لقوله تعالى:(وَلَا جُنُباً إِلاّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتّىَ تَغْتَسِلُواْ)[النساء: 43]
ومن الأدلة على منع الحائض من دخول المسجد ـ والنفساء قياساً عليها ـ:
(حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم) قَالَتْ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ نَاوِلِينِي الثَّوْبَ فَقَالَتْ إِنِّي حَائِضٌ فَقَالَ إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ فَنَاوَلَتْهُ.
وقول عائشة-رضي الله عنها (إني حائض) فيه دليل على أن الحائض لا تدخل المسجد ولا تمكث فيه إلا ما استثني. والعلة هو خوف تلوث بقعة المسجد بنجاسة الدم.
{تنبيه} : يجوز للمستحاضة أن تدخل المسجد بل وتعتكف فيه، ولكن مع التحرز من تلوث المسجد بالنجاسة.
(حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها الثابت في صحيح البخاري) أَنَّ بَعْضَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ اعْتَكَفَتْ وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ.
(ج) الصلاة خلف الرجال وعدم الاختلاط بهم:
صفوف النساء في المسجد تكون خلف صفوف الرجال، وكلما كانت المرأة أبعد عن الرجال كلما كان ذلك أفضل لها وخير لها، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة:
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا.
لأن قرب الرجال من النساء قد يهيج الشهوة ويحركها، ويضيع معه لب الصلاة وهو الخشوع فيها، فمن أجل ذلك حرص الشرع على أن يبتعد الرجال عن النساء، والنساء عن الرجال، حتى في المسجد.
ومن حرص صاحب الشريعة-رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابتعاد الرجال عن النساء في المسجد أنه كان إذا صلى يمكث في مصلاه يسيراً من أجل أن ينصرف النساء قبل الرجال وينقلبن إلى بيوتهن قبل أن يدركهن الرجال عند الخروج من المسجد ويحدث الاختلاط بهن، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة: